وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): لَيْسَ بَلَدٌ بأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَد، خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ.                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                

Search form

إرسال الی صدیق
شروح نهج البلاغة

الشيخ أحمد سلمان

اهتم المسلمون على مرّالتاريخ بمكتاب (نهج البلاغة) ، وكتبوا عليه شروحاً وتعليقات ومستدركات تعد بالعشرات ،بل أصبح كتاب (نهج البلاغة) ومتعلقاته مكتبة كاملة .

وقد نقل السيّد عبدالزهراء الخطيب عن الشيخ كاشف الغطاء أنه قال : وقفنا حتى اليوم أي سنة ١٣٦٠ هـ على ستّة وستين شرحاً ما عدا الشروح الخاصة بخطب مخصوصة ، وهي لا تقلّ عن تسعين شرحاً ، يروي بعض العلماء بتأليف والأداب أن شروح النهج قد بلغت المائتين [١].

ونحن هنا لسنا بصدد تعداد شروح النهج و استقصائها ؛ لأن أغلبها حبيس المكتبات ، ولا يزال أغلبها مخطوطات لم ترالنوربعد ، بل نريد ذكرأهم الشروح المتداولة التي يستفيد منها الباحث في مطالعته لكتاب (نهج البلاغة) .

معارج نهج البلاغة للبيهقي :

من أقدم شروح (نهج البلاغة) المتوفّرة الآن ، إلا نه لم يشتهربين الناس ، وبقي متداولاً في دائرة ضيقة حتى إنه خفي على ابن أبي الحديد ، ولم يطلع عليه ، ولذلك قال في شرحه : ولم يشرح هذا الكتاب قبلي فيما أعلمه إلا واحد ، وهو سعيد بن هبة الله بن الحسن الفقيه المعروف بالقطب الراوندي ، وكان كن فقهاء الإمامية [٢] .

أما مؤلّفة فهوأبوالحسن علي بن أبي قاسم زيد بن أميرك الأنصاري البيهقي ،من ذرية خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين رضي الله عنه ، ولد سنة ٤٩٩ هـ ، وتوفي سنة ٥٦٥ هـ ببيهق ، وصرّح هوفي كتابه أنه فرغ من شرحه على النهج في الثالث عشرمن جمادى سنة ٥٥٢ هـ [٣] .

وقد ترجم له الذهبي في سيرأعلام النبلاء [٤] ، والآغا بزك الطهراني في كتاب الذريعة [٥] بترجمة مطولة ، فمن شاء الأطلاع فليراجع هناك .

ويتميّز هذا الشرح بعدة أمور:

الأول : أنه من أقدم الشروح ، وبالتالي ستكون نسخته من أضبط النسخ وأصحها ؛ لقرب عهدها بعصرالشريف الرضي قدس سره ، خصوصاً وأن المصنف نصّ في أول كتابه على سنده للكتاب ، فقال : قرأت كتاب (نهج البلاغة) على الإمام الزاهد الحسن بن يعقوب بن أحمد القاريء وهو وأبوه في ملك (فَلَك) الأدب قمران ، وفي حدايق الورع ثمران ، في شهورسنة ست عشرة وخمسمائة ، وخطَّه شاهد لي بذلك ، والكتاب سماع له عن الشيخ جعفرالدرويستي المحدّث الفقيه ، والكتاب بأسره سماع لي عن والدي الإمام أبي القاسم زيد بن محمد البيهقي ، وله إجازة عن لشيخ جعفر الدوريستي ، وخطَّ الشيخ جعفرشاهد عدل بذلك ، وبعض الكتاب أيضاً سماع لي عن رجال لي ، رحم الله عليهم ، والرّواية الصحيحة في هذا الكتاب رواية إلى الأغرّمحمد بن همام البغدادي تلميذ الرّضيّ ، وكان عالماً بأخبارأميرالمؤمنين عليه السلام [٦] .

الثاني : أن المصنّف حاول جمع جملة من العلوم في كتابة ، فتعرّض إلى مطالب كلامية ، وفقهية ، وعقدية ، وتاريخية ، وحاول أن يعطي الكتاب حقّه ، ولذلك صرَّح في خاتمة كتابه بقوله : شرحتُ هذا الكتاب على مبلغ وسعي وإمكاني ، وأوردت في هذا الشرح من العلوم : علم الفقه ، وعلم أصول الفقه ، علوم غرايب الأخبار، وعلوم التواريخ ، وعلوم الإشارة ، والأيّام للعرب ، وعلوم نوادراللغة ، وعلوم الكلام ، وعلوم الطب ، وعلوم الهيئة والحساب ، وعلوم الأخلاق ، وعلوم الموازين ، موازين النحو وغيره ، وعلوم أمثال العرب ، وعلوم مقامات الأولياء ، وعلوم أثالوجيا وجومطريا ،لا على موجب النقل والحكاية ، بل على قضايا البحث المستقصى والدراية ، فمن أراد الزيادة وما اختار الاستفاجة ، وله رتبة الإفادة فهو من الذين أحسنوا بالحسنى وزيادة  [٧].

لكن الذي يلاحظ عليه أنه اكتفى بالإشارة ، ولم يستوف الشرح ، وكأنه يخاطب مجموعة من العلماء المتخصَّين ، فالشرح في مجمله نخبوي ، وليس لعامة الناس ، فالفائدة منه محدودة .

منهاج البراعة للرواندي :

من المصنّفات القديمة في شرح كتاب (نهج البلاغة) ، وصاحب هو قطب الدين سعيد بن هبة الله الرواندي من كبارعلماء الإمامية وفقهائهم ، مجمع على فضله ، وعدله ، ولذلك قال العلامة الأميني قدس سره فيه : قطب الدين أبوالحسن سعد بن هبة الله بن الحسن بن عيسى الراوندي ، إمام من أئمة المذهب ، وعين من عيون الطائفة ، وأوحدي من أساتذة الفقه والحديث ، وعبقري من رجالات العلم والأدب ، لا يحلق شأوه في مآثرالجمّة ، ولا يُشق له غبارفي فضايله ومساعيه المشكورة ، وخدماته الدينية ، وأعماله البار، وكتبه القيمة [٨].

وقد ذكرالشيخ الأميني قدس سره تاريخ وفاته ، والاختلاف الذي فيه ، فقال : توفي المترجم القطب السعيد ضحوة يوم الأربعاء الرابع عشرمن شوال سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة كما في إجازات البحار ص ١٥ نقلاً عن خط شيخنا الشهيد الأول قدس سره ، وفي لسان الميزان نقلاً عن تاريخ الري لابن بابوية : أنه توفي في ثالث عشرشوال ، وقبره في الصحن الجديد من الحضرة الفاطمية بقم المشرفة [٩] .

وقد اعتبرابن أبي الحديد شرح الرواندي من أقدم الشروح على كتاب (نهج البلاغة) ، ولذلك كان كثيراً ما ينقل عنه ، ويناقش آراءه .

ويتميز هذا الشرح بأمرين :

الأول : أنه قريب عهد بالشريف الرضي قدس سره مما يجعلنا نثق أكثربضبط النسخة واعتبارها ، وقد ذكرأيضاً الرواندي سنده في مقدمة كتابه ، فقال : أخبرنا السيد أبوالصمصام ذوالفقاربن محمد بن معبد الحسني ، قال : أخبرنا الشيخ بوعبدالله محمد بن علي الحلواني ، قال الرضي : أخبرنا الشيخ أبوجعفرمحمد بن علي بن المحسن الحلبي ، قال : أخبرنا الشيخ أبوجعفرالطوسي،قال السيد الرضي رضي الله عنه وأرضاه [١٠] .

وكما ترون أن الواسطة بينه وبين الشريف الرضي رحمه الله رجلين لا أكثر.

الثاني : أن هذا الشارح كان معروفاً بأنه جامع للفنون كلها ، فهو فقيه ، ومتكلّم ، ومحدَّث ، ومؤرَّخ ، وأديب ، وشاعر،فلم يترك علماً إلا ونجد له بصمة فيه ، وهذا ما يجعل شرحه أكثرجامعية من غيره ؛ لتضلعه في كل هذه الفنون .

وقد أكثرابن أبي الحديد من مناقشة قطب الراوندي ، ونقد أفكاره ، وتسخيف آرائه ، حتى ظن البعض أن الكتاب لا قيمة له ، ولا أرى سبباً لهذه الحملة التي شنّها المعتزلي على منهاج البراعة سوى الحسد الذي يحمله قلبه على العلامة قطب الدين الرواندي .

شرح ابن أبي الحديد المعتزلي :

يعتبرهذا الشرح من أشهرالشروح على الاطلاق ، حيث انتشروشاع بين الناس ، بحيث يتصوَّر البعض أنه لا شرح لنهج البلاغة سوى شرح ابن أبي الحديد ؛ لكثرة ما يُحتج بأقواله ، ويستدل بكلامه في الكتب والمصنّفات ، ولعل السبب فذ هذه الشهرة هو أن هذا الرجل لا يتديَّن بمذهب الإمامية ، ول ينتحل التشيع ، فلهذا كثرتداول كتابه من باب الاحتجاج على المخالفين وإلزامهم بكلامه .

لكن ظهرمؤخَّراً من يحاول نسبة ابن أبي الحديد للشيعة ، وينافع لتأكيد إماميته ، وأنه رافضي جلد ، لا يُحتج بكلامه ، حتى التبس ذلك على بعض الناس ، فصدَّقوا هذا الدعوة ، وقد قال قائلهم : يُكثرصاحب المراجعات من الاحتجاج بكثيرمن نصوصه على أنه من المصادرالسنية التي يحتج بها عليناه ، وهذا من الكذب ؛ فإن أبي الحديد رافضي [١١] .

وقال آخر: ولیس عجیبًا من ابن أبي الحديد منح ( نهج البلاغة) هذا الوصف ، وسخاؤه به ؛ لأنه شيعي ، والشيعة يقولون : (( إن كلام علي فوق كلام المخلوق ، ودون كلام الخالق )) ، فجعلوا كلامه فوق كلام ارسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين [١٢] .

لهذا سنقف وقفة مطولة مع هذا الرجل ؛ لنعلم حقيقة مذهبه وصحّة ما نسبوه إليه من عقائد .

من هو إبن أبي الحديد ؟

 هو عزالدين عبدالحميد بن هبة الله المدائني المعتزلي، كان أديباً ، شاعراً ، متكلَّماً ، مقرَّباً من بلاط العباسيين في ذلك الوقت ، وقد ترجم له أرباب التاريخ في كتبهم ، نذكرمنهم :

١ – الصفدي في الوافي بالوفيات : قال : عبدالحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن أبي الحديد عزالدين أبوحامد المدائني المعتزلي ، الفقيه ، الشاعر، أخو موفق الدين ، وُلد سنة ست وثمانين وخمس مائة ، وتوفي سنة خمس وخمسين وست مائة ، وهو معدود في أعيان الشعراء ، وله ديوان مشهور، روى عنه الدمياطي ، ومن تصانيفه : ( الفلك الدائرعلى المثل السائر) ، صنَّفه في ثلاثة عشريوماً [١٣].

٢ – الذهبي في تاريخ الإسلام : قال : عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي الحديد عزالدين أبو حامد المدائني ، المعتزلي ، الفقيه ، الشاعر، الأديب أخو الموفق ، وُلِد سنة ست وثمانين وخمسمائة ، روى بالإجازة عن عبد الله بن أبي المجد الحربي ، وهو معدود في أعيان  الشعراء كأخيه ، وله ديوان مشهور، وهو من شيوخ الدمياطي وغيره ، بل الصواب موت الأخوين في سنة ست وخمسين [١٤] .

هل إبن أبي الحديد شيعي ؟

كما ذكرنا سابقاً حاول بعض المعاصرين إلصاق التشيّع بابن أبي الحديد ن ولعل أول من نسب إليه ذلك هو ابن كثير، حيث قال في (البداية والنهاية) : عبد الحميد بن هبة الله محمد بن محمد بن الحسين أبو حامد بن أبي الحديد عزالدين المدائني ، الكاتب الشاعرالمطبق الشيعي الغالي ، له شرح ( نهج البلاغة ) في عشرين مجلداً ،وُلد بالمدائن ستة وثمانين وخمسمائة ، ثم صارإلى بغداد ، فكان أحد الكُتّاب والشعراء بالديوان الخليفي ، وكان حظيَّا عند الوزيرابن العلقمي ، لما بينهما من المناسبة المقاربةو المشابهة في التشيّع والأدب والفضيلة ، وقد أورد له ابن الساعي أشياء كثيرة من مدائحة وأشعاره الفائقة الرائقة ، وكان أكثرفضيلة وأدباً من أخيه أبي المعالي موفق الدين بن هبة الله ، وإن كان الآخرفاضلاٌ بارعاٌ ایضاٌ ، وقد ماتا في هذه السنة رحمهما الله تعالي [١٥] .

وكلام ابن كثيرمردود من عدة وجوه نوردها تباعاً :

الأول : لم يأت ابن كثيربدليل على مدَّعاه ، بل غاية ما ساقه هو علاقة ابن أبي الحديد بابن العلقمي الشيعي ، ولعمري متى كانت صحبة الشيعي تدل على التشيّع ، فإن كان الأمركذلك فيجب على ابن كثيرالحكم بتسنن ابن العلقمي ؛ لأن هذا الرجل كان من المقرَّبين من خلفاء بني العباس الذين أجمع الكلّ أنهم كانوا على غيرمذهب الشيعة .

الثاني : أن ابن كثيرقد انفرد بهذه الدعوى ، وإلا فكل من ترجم لابن أبي الحديد قبل ابن كثيرنسبة للاعتزال ، ويكفينا في هذا لصدد ذكركلام الذهبي الذي يعتبرأكثرتضلّعا في التاريخ منه ، فقد قال في ( سيرأعلام النبلاء) في ترجمة الموفق أخي ابن أبي الحديد : مات في وسط سنة ست وخمسين ، فرثاه أخوه عزالدين عبدالحميد ، ثم مات بعده بقليل في العالم ، وكانا من كبارالفضلاء وأرباب الكلام والنظم والنثروالبلاغة ، والموفق أحسنهما عقيدة ، فإن العز معتزلي، أجارنا لله [١٦] .

الثالث : الطريق الصحيح لمعرفة عقيدة الشخص هوالبحث في كلماته ، فهو أعلم بنفسه من غيره ، ومن استقرأ تصريحات ابن أبي الحديد جزم يقيناً أنه معتزلي حتى التخاع ، بل مغالٍ في الاعتزال .

فقد قال في مقدمة شرحه على النهج : وقدَّم المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، واختص الأفضل من جلائل المآثرونفائس المفاخربما يعظم عن التشبيه ، ويجعل عن التكييف [١٧] .

وهوالذي يقول في أول الكتاب تحت باب أسماه : (القول فيما يذهب إليه أصحابنا المعتزلة في الإمامة والتفضيل والبغاة والخوارج) : اتفق شيوخنا كافة رحهم الله المتقدَّمون منهم والمتأخرون ، والبصريون والبغداديون ، على أن بيعة أبي بكر الصدَّيق بيعة صحيحة شرعية وأنها لم تكن عن نصَّ ، وإنما كانت بالاختيارالذي ثبت بالإجماع وبغيرالإجماع كونه طريق إلى الإمامة [١٨] .

وهذا الكلام نصّ منه في كونه معتزليًّا ، ولا أظن عاقلاً يقول أن شيعيًّا يعتقد بصحة بيعة الأول ويسمّيه بالصدَّيق !

وهوالذي يقول أيضاً : وتزعم الشيعة أنه خوطب في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله بأميرالمؤمنين ، خاطبه بذلك جلة المهاجرين والأنصار، ولم يثبت ذلك في أخبارالمحدَّثين ، إلا أنهم قد رووا ما يعطي هذا المعنى وإن لم يكن اللفظ بعينه [١٩] .

وقد قال عند حديثه من مولد أميرالمؤمنين عليه السلام : واختلف في مولد علي عليه السلام أين كان ؟ فكثيرمن الشيعة يزعمون أنه ولد في الكعبة ، والمحدَّثون لا يعترفون بذلك ، ويزعمون أن المولود في الكعبة حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي [٢٠] .

وقال عند شرحه الخطبة الشقشقية : أما الإمامية من الشيعة فتجري هذه الألفاظ على ظواهرها ، وتذهب إلى أنّ النبي صلى الله عليه وآله نصّ على أميرالمؤمنين عليه السلام ، وأنّه غُصِبَ حقّه ، وأما أصحابنا رحمهم الله فلهم أن يقولوا.. [٢١] .

فها هويأتي بآراء مسلّمة للشيعة لا يختلفون فيها ، ويردّها ، ويتبني آراء المعتزلة فيها ، فأي دليل أوضح من هذا ؟

بل إنه كثيراً ما يطعن في الشيعة بطعون عظيمة ، ومن ذلك قوله : وأعلم أن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة ، فإنهم وضعوا في مبدأ الأمرأحاديث مختلفة في صاحبهم ، حملهم على وضعها عداوة خصومهم ، نحوحديث (لسطل) ، وحديث (الرمانة) ، وحديث غزوة البئرالتي كان فيها الشياطين ، وتُعْرَف كما زعموا ( بذات العلم) ، وحديث غسل سلمان الفارسي ، وطي الأرض ، وحديث الجمجمة ، ونحو ذلك [٢٢] .

والنتيجه أن كل من أطلع على هذا الشرح يجزم بما لا شك فيه أن ابن أبي الحديث كان معتزليَّا ، وأنه أبعد ما يكون عن الشيعة الإمامية .

الرابع : كل من اطلع على كلمات علماء الشيعة يرى أنهم جازمون بأن ابن أبي الحديد لم يكن شيعيًّا ، وسنورد بعض الكلمات التي تكفي لفع هذا التوهم : الشيخ الحرالعاملي رحمه الله : قال في كتابه (الجواهرالشنية) : وروى الشيخ العالم عزالدين عبدالحميد بن أبي الحديد المعتزلي أصولاً الحنفي فروعاً في كتابه شرح (نهج البلاغة) عن رسول لله صلى الله عليه وآله... [٢٣] .

الشیخ یوسف البحرانی رحمه الله :

صنّف كتاباً أسماه (سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد) ، تعرض فيه إلى الموارد التي ردَّ فيها ابن أبي الحديد على الشيعة ، ونقض عليه بردود قوية وبعبارات قاسية ، منها قوله : فانظرإلى هذا الشارح الضال التايه في أودية الضلالة كيف يدَّعي في غيرمقام ما تقدَّم أن عثمان من أهل الجنة ، ومن جملة العشرة المبشرة ، وينقل هنا عن عمارمثل هذا الكلام المنادي عليه بالدمار، وقد عرفت آنفاً ما نقلوه في حق عمارمن الأخبار [٢٤] .

وقال في مورد آخر: إن الشيعة بحمدالله تعالة لكونهم على الحق الواضح المبين ، قد أوضح الله لهم الحجة على أسنة المخالفين ، كما سيظهرلك من أخباره المنقولة ،وليته كان مع نقله لهذه الأخباريميَّزفيها بين الغث والسمين،والعاطل والثمين ، ويجري فيها على جادة الإنصاف ، ويتجنَّب الضلاص والاعتساف ، ولكنه يغمض عينه عما اشتملت عليه من المناكيرالظاهرعاراً وشناراُ المعلنة بالقدح في أئمته جهاراً ، فمثله كمثل الحماريحمل أسفاراً [٢٥] .

السيد هاشم البحراني رحمه الله :

ألّف كتاباً أسماه (سلاسل الحديد في تقييد أهل التقليد) ردّ على جملة من الأمورالتي ذكرها ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة ، ونسبة في أكثرمن مورد إلى التعصب والعناد .

منها قوله : وهذا الحمل أبعد ابن أبي الحديد عن الحق كبعد ما بين السماء إلى الأرض ، إذ لا  موجب لهذا الحمل إلا التعصب والحمية المذهبية للمذهب الاعتزالي ، إذ لا كتاب ولا سُنّة ، ولا إجماع على صحّة حمله ، بل من نظرفي شرحه للنهج رأى الحق عياناً لأميرالمؤمنين عليه السلام بالبراهين القطعية التي ذكرها في الشرح ،كما ستقف عليه إن شاءالله ؛ وإنما ذكرت هذا الفصل لئلا يظن ظان أن ابن أبي الحديد إمامي المذهب إذا رأى ما نقلناه عنه في الشرح ، مما ذكره في النصوص الدالة أن عليَّا عليه السلام أميرالمؤمنين هوالإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومما ذكره في فضله عليه السلام وفضل أهل البيت عليهم السلام ، وذكره روايات تدل على الطعن على من تقدم على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأتباعهم كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى ، فهو معتزلي المذهب لا شك في ذلك ولا ريب ، ومن لاحظ شرحه رأى ذلك عيانا [٢٦] .

ومنها قوله : ما يكفي ابن أبي الحديد وأصحابه ما ذكره ورواه في منازعة أميرالمؤمنين عليه السلام وتظلّمه ، وغيرذلك مما ذكره ابن أبي الحديد هاهنا سابقاً ، حيث قال : فإن هذا الخبروغيره من الأخبارالمستفيضة تدل على أنه قد كاشفهم ، وعتك القناع بينه وبينهم ، إلى آخرما تقدم من كلامه ، فكيف يقول عقي هذا الحديث الأخيرمن قوله شيوخه البغداديين أن الإمامة كانت لعلي عليه السلام إن رغب فيها ونازع عليها ، فأي رغبة أظهروأبين وأعظم مما ظهرت في هذا الحديث لمن تأمّله بأدنى تأمّل ، وهل هذا الإتعصب من ابن أبي الحديد على مذهبه الاعتزالي ، واعترافه بالحق وإنكاره إياه فماذا بعد الحق إلا الضلال [٢٧] .

الشيخ محمد طه نجف رحمه الله قال : لو أوقف خصوم أميرالمؤمنين عليه السلام بين يدي الله ما استطاعتوا أن يعتذروا عن أنفسهم كما اعتذرعنهم ابن أبي الحديد [٢٨] .

السيد عبدالزهراء الخطيب رحمه الله قال : هذا ويعد ابن ابي الحديد من خصوم الشعية وأشد مناوئيهم رغم ما يُظهرمن حبَّه لعلي عليه السلام وإظهارتفضيله [٢٩] .

فبعد هذه الأقوال المتضافرة ، هل هناك من يجرؤ ويقول : إن ابن أبي الحديد المعتزلي من الشيعة الإمامية ؟!

ولکن ربما یورد هنا علينا إشكال : وهو أن بعض علماء الشيعة قد صرّحوا بأنّ هذا الرجل من الشيعة ، مثل آغا برزک الطهراني [٣٠] والسید الخونساري [٣١]، والمجلسي الأول [٣٢] ، وغيرهم .

والجواب : أن كل هؤلاء لم يثبتوا أن ابن أبي الحديد كان شيعيًّا بالمعنى الأخص ، أي أنه من الشيعة الإمامية ، بل أثبتوا له التشيّع بالمعنى الأعم ، وهو محبّة أميرالمؤمنين عليه السلام ، وتقديمه على من سبقه من الحُكَّام .

وهذه الصفة قد أطلقها جملة من علماء العامة على بعض الصحابة والتابعين أئمة الحديث .

منهم : الصحابي الجليل أبوالطفيل : قال الذهبي فيه : واسم أبي الطفيل : عامربن واثلة بن عبدالله بن عمروالليثي الكناني الحجازي الشيعي ، كان من شيعة الإمام علي ، مولده بعد الهجرة ، رأى النبي صلى الله عليه وآله وهو في حجة الوداع وهويستلم الركن بمحجنه ، ثم يقبل المحجن [٣٣] .

بل قيل فيه : إن البخاري ترك حديثه لإفراطه في التشيع كما ذكرذلك الخطيب البغدادي ، حيث قال : وسُئل لم ترك البخاري حديث أبي الطفيل عامربن واثلة ؟ قال : لأنه كان يفرط في التشيّع [٣٤] .

ومنهم : الصحابي الجليل حجربن عدي : حيث نصَّ الذهبي على تشيّعه ، فقال : وكان شريفاً ، أميراً ، مطاعاً ، أمَّاراً بالمعروف ، مقدماً على الإنكار، من شيعة علي عليه السلام ، شهد صفين أميراً ، وكان ذا صلاح وتعبّد [٣٥] .

ومنهم : أبو الأسود الدؤلي : فقد قال فيه الذهبي : قاتل أبو الأسود يوم الجمل مع علي بن أبي طالب ، وكان من وجوه الشيعة ، ومن أكملهم عقلاً ورأياً [٣٦] .

ومنهم : الحافظ النسائي : قال الذهبي في السير: ولم يكن أحد في رأس الثلاث مئة أحفظ من النسائي ، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم ، ومن أبي داوود ومن أبي عيسى ، وهو جارفي مضمارالبخاري ، وأبي زرعة ، إلا أن فيه قليل تشيع ، انحراف عن خصوم الإمام علي ، كمعاوية وعمرو، والله يسامحه [٣٧] .

ومنهم : الحاکم النیسابوری : قال الذهبي في السير: عن ابن طاهر: أنه سأل أبا إسماعيل عبدالله بن محمد الهروي ، عن أبي عيدالله الحاكم ، فقال : ثقة في الحديث رافضي خبيث ؛ قلت – أي الذهبي - : كلا ليس هو رافضيًّا ، بلى يتشيع [٣٨] .

والأمثلة على ذلك كثيرة جدَّا من كتب المخالفين ، وقد أتقن المجلسي الأول قدس سره وصفه حين نسبه إلى فرقة التفضيلية [٣٩] ، أي غاية ما عندهم من التشيّع هو تفضيل أميرالمؤمنين عليه السلام على غيره من الصحابة .

وهذا ما يجعلنا نجزم ونقطع أن نسبه الرجل إلى التشيع ليست إلا محاولة من الخصوم للتهرّب من إلزامهم بكلامه .

القیمة العلمية لشرح ابن أبي الحديد :

يعتبرشرح ابن أبي الحديد المعتزلي من أشهرشروح النهج وأكثرها تداولاً بين الناس ، ولهذا الشرح عدة إيجابيات نذكرمنها :

الأول : أن صاحب هذا الشرح ليس بشيعي المذهب كما بيّنا في البحث السابق ، وهذا يدل على ما تبوأه كتاب ( نهج البلاغة) من المكانة المهمة بين المسلمين باختلاف مذاهبهم ،حيث تعاهدوه بالرعاية والعناية والشرح .

الثاني : اجتهد هذا الرجل في نقل كثيرمن الحوادث التاريخية المهمة التي أغفلها غيره ، حتّى عدّ كتابه موسوعة كاملة أرّخت تلك الفترة الزمنية التي تبدأ من فجرالإسلام إلى سقوط الدولة العباسية ودخول التتارإلى بغداد ، مما يجعل من الكتاب مرجعاً مهمًّا جدًّا ، خصوصاً مع قدمه الزمني ومعاصرته لبعض الأحداث المهمّة .

الثالث : ضمّن ابن أبي الحديد في شرحه بعض المتون المهمة والكتب المفقودة في عصرنا الحالي ، ككتاب (السقيفة ) لأحمد بن عبدالعزيزالجوهري ، وكتاب (وقعة الجمل) لأبي مخنف ، وأجزاء غيرموجودة من كتاب (الموفقيات) للزبيربن بكار، وغيرها من المتون التاريخية المهمة .

الرابع : هذا الرجل يعتبرمن الأدباء المتضلعين في اللغة والشعر، وقد استغل هذا الجانب في ابرازعظمة (نهج البلاغة) ، وإظهارالجانب الجمالي في عبارات أميرالمؤمنين عليه السلام ، التي هي بحق : دون كلام الخالق ، فوق كلام المخلوقين .

الخامس : طرح المصنف أهم الآراء الاعتزالية في شرحه على النهج ، وناقش الشيعة الإمامية ، لاسيما القطب الرواندي رحمه الله ، مما خلق سجالاً علميًّا لطيفا أثرى الساحتين ، فمن يتصفح شرحه يجد مناقشة لعقيدة الشيعة في الصفات وعقيدتهم في الإمامة ، ونقداً لقراءتهم لبعض الأحداث التاريخية .

شرح ابن ميثم البحراني :

يأتي هذا الشرح في المرتبة الثانية في الشهرة بعد كتاب ابن أبي الحديد المعتزلي ، وقد كُتب الشرحان في نفس الفترة الزمنية تقريباً ، إذ أن ابن ميثم البحراني رحمه الله توفى سنة ٦٧٩ هـ ، وابن أبي الحديد توفي في سنة ٦٥٦ هـ . 

وقد ترجم علماؤنا لابن ميثم رحمه الله في كتبهم ، وذكروا ما حازه من المناقب والمفاخر، ونحن نكتفي بنقل ما ذكره المحدًّث القمي في (الكني والألقاب) ، فإنه قال : كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، العالم الرباني ، والفيلسوف المتبحرالمحقق ، والحكيم المتأله المدقق ، جامع المعقول والمنقول ، أستاذ الفضلاء الفحول ، صاحب الشروح على نهج البلاغة ، يروي عن المحقق نصيرالدين الطوسي ، والشيخ كمال الدين علي بن سليمان البحراني ، ويروي عنه آیة الله العلامة ، والسيد عبدالكريم بن طاووس .قيل : إن الخواجة نصيرالدين الطوسي تلميذ على كمال الدين ميثم في الفقه ، وتلميذ كمال الدين على الخواجة في الحكمة ، توفي سنة ٦٧٩ ، وقبره في هلتا من قرى ماحوز، وحكي عن بعض العلماء أن ميثم حيثما وجد فهو بكسرالميم إلا ميثم البحراني فإنه بفتح الميم ، والله تعالى العالم ، وكتب الشيخ سليمان البحراني رسالة في أحواله سماها : (السلافة البهية) [٤٠] .

ويتميَّزشرحه على النهج بعدّة أمور، نذكرمنها :

الاول : أنه ذكرفي كتابه مقدّمة فريدة جمع فيها بين علم المنطق والأصول والفلسفة والبلاغة ، بحيث تكاد تكون منهاجاً يستطيع الباحث من خلالها قراءة النهج ، والوصول إلى دقائق معانيه وحقائق مفرداته .

الثاني : أطنب الشارح في المسائل الكلامية ، بحيث يكاد يكون الكتاب متناً عقائديًّا متكاملاً ، فنجده بحث كل ما يتعلق بالتوحيد ، من إثبات للصانع ، وبيان حقيقة الصفات ، وعرّج على كيفية إثبات النبوات ، ثم بسط الكلام في الإمامة ، وفي مقامات الآل ، وبالخصوص أميرالمؤمنين عليه السلام ، بحيث يعرج بالإنسان من الملك إلى الملكوت ، ويجعله يغوص في عوالم المعرفة والمقامات .

الثالث : أتقن المصنّف شرح مواعظ أميرالمؤمنين عليه السلام وخطبه الترغيبية الترهيبية ، ممّا يجعلك تحسّ أنك أمام متن عرفانّي ، يعلمك أسس التخلية والتحلية والتجلية ، ويربَّيك على المشارطة والمراقبة والمحاسبة والمعاقبة .

منهاج البراعة :

وهو شرح السيد حبيب الله الخوئي ، ويعتبرهذا الشرح من أوسع الشروح على كتاب (نهج البلاغة) ، إذ أنه طُبع مؤخَّرا في أكثرمن عشرين مجلداً .

وقد ترجم له أحد أقاربه في مقدمة الكتاب بترجمة مطولة ، ملخَّصها أن الشارح هو العلَّامة المؤيد المسدّد المتبحَّرالأديب الحاج ميرحبيب الله بن السيّد محمّد الملقب بأمين الرعايا ابن السيّد هاشم بن السيّد عبدالحسين رضوان الله عليهم أجميعن ، وُلد سنة ١٢٦١ هـ في بلدة خوي من بلاد آذربايجان ، وغادرها إلى النجف الأشرف وعمره ٢٥ عاماً للدراسة ، وهناك ألف عدّة رسائل وكتب في الفقه والأصول والنحو وسائرالعلوم الحوزوية ، توفي سنة ١٣٢٤ هـ بطهران ، ودُفن في مشهد السيد عبدالعظيم الحسني قدس سره .

وقد ذكرالسيّد الخوئي قدس سره قصّة تأليفه لهذه الدرة الثمينة ، فقال حدثني والدي رحمه الله وكان قد أدرك صاحب (منهاج البراعة) في أواخرأيامه ، أيامه ، قال : كان اليبب في تأليف هذا الشرح أن السيد محمد المعروف بأمين الرعايا كان من ذوي الجاه والثراء ، وكان يملك أرضاً واسعة ، فوقع نزاع بينه وبين رجل على أرض ، وطلب ذلك الرجل من أمين الرعايا أن يكون الحكم بينهما ولده السيد حبيب صاحب الشرح المذكور، وكان السيد حبيب يومئذ من أكابراالعلماء وأفاضلهم ، وله منزلته ومكانته بين الناس ، فترافعا إليه ، فتنصّل من الحكم بينهما باعتبارأن والده طرف بالقضية ،فأصرّا عليه عليه ، فحكم للرجل على أبيه ، فغضب لذلك ، وجعل يقوم في مجالس الناس وحشودهم فيصف ولده بالعقوق ، وقلة التدين ، حتى أسقط منأعين الناس ، وقلّ احترامهم له ، وأعرضوا عنه ، فقرَّرالسيد أن يذهب إلى ضيعة له وأن يعتزل الناس كليًّا ، فاعتزل هناك ، واشتغل بتأليف الشرح المذكور، حتى وافاه الأجل قبل إتمامه [٤١] .

ويمتاز هذا الشرح بعدّة أمور، نذكرمنها :

الأول : ذكرالمصنّف مقدمة مهمة في علم البلاغة تصلح أن تكون كتاباً مستقلاً في هذا الفن يناطح كتب السكاكي والجرجاني والتفتازاني .

الثاني : أكثرفي كتابه من التطبيقات البلاغية محاولاً إظهارحقيقة ( نهج البلاغة) و إبرازالكنوز الأدبية التي يحتويها هذا السفرالقيم ، ولعله ترسّم خطى عبد القاهرالجرجاني والزمخشري في كشفهما النقاب عن إعجازالقرآن الکریم .

بهج الصباغة :

هذا الشرح وإن كان غيرمشهور بين النّاس إلا أنه يعتبرمن أهم شرح نهج البلاغة على الإطلاق ، وأكثرها فائدة ، وأعظمها قيمة ، ولعلّ خفاؤة على البعض سببه قرب عهد مصنَّفه ، إذ أن غالب الناس أولعوا بالقديم ، فصاروا ينظرون بكل ازدراء للجديد ظنًّا منهم أنّ اللاحق لن يأتي بشيء جديد غفل عنه السابق ، والحال أن مقتضى القاعدة العقلائية تقول : إن نتاج اللاحق أكمل من السابق ؛وذلك لأن هذا الأخيريكون مطلعا على ما اطلع عليه السابق وزيادة .

وهذا الشرح يتميز بأمور:

الأول : مصنّف هذا الشرح هوآیة الله المحقق الشيخ محمد تقي التستري قدس سره ، وهو من فقهاء الإمامية ومن كبارالمحقّقين المدقّقين ، ويكفيك الاطلاع على كتابه (قاموس الرجال) لتعلم أنه فارس هذا الميدان ، وقد اعتبربعض العلماء كتابه من أفضل الكتب التي صنفت في هذا العلم [٤٢] .

الثاني : استنفذ الشارح كل طاقاته في جمع الشواهد على مضامين النهج ، وحاول إثبات تواترهذه المضامين من كتب الخاصة والعامة ، فلا تجد نصّا من نصوص النهج إلا وقد أتبعه الشيخ التستري رحمه الله بعشرات النصوص الأخرى المبثوثة في الكتب ممّأ لا يدع مجالاً للشك بصّة صدورالنصّ .

الثالث : عُرف المصنّف بجرأته في النقد ولذلك نجده في كتابه (الأخبارالدخيلة) قد طعن في أمورربما تكون مسلّمة عن البعض مما أثارسخطاً عليه ، أيضاً نجده في هذا الكتاب قد تعرّض لنقد الشريف الرضي قدس سره ومنهجه في انتقاء الأحاديث والخطب ، ومن راجع مقدمة هذا الكتاب رأى النقد اللاذع .

الرابع : أن الشيخ التستري رحمه الله عدل عن تبويب الكتاب الذي اعتمده الشريف الرضي قدس سره ، واستحدث تبويباً جديداً للكتاب معتمداً على تصنيف مضامين الكتاب بحسب موضوعاته ، مما يسَّهل على الباحث إيجاد النصّ المناسب في أسرع وقت .

شرح محمد عبده :

تكمن أهميّة هذا الشرح في مصنّفه ، إذ أن هذا الرجل يعتبرمن كباررجال أهل السنّة والجماعة في عصره ، فقد كان مفتياً للديارالمصرية من سنة ١٨٩٩ م الى وفاته في سنة ١٩٠٥ م ، وكان شرحه على هذا الكتاب بداية إلى انفتاح ثقافي بين السنّة والشيعة في ذلك العصر.

ولعلّ الميزة الأهم في هذا الكتاب أنّه يعتبراعترافاً من أعلى منصب ديني عند أهل السنة في عصرمحمد عبده بصحّة نسبة كتاب (نهج البلاغة) لأميرالمؤمنين وسيد الموحدين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، وردّ على مزاعم المذكورين سابقاً من أنه موضوع .

ولذلك فقد لاقى هذا الشرح هجمة شرسة من بعض المتعصّبين ، وحاولو إسقاط الكتاب والمؤلّف ؛ لكونه يعطي شرعية لهذا الكتاب ، وعلى سبيل المثال نذكرما قاله الدكتورزيد العيص : وليس بمستغرب أن يصدرهذا الافتراء عن الشريف المرتضى ، إنما المستهجن موقف الشيخ محمد عبده الذي قام بشرح ألفاظ هذا الكتاب ، وكان يمربالعبارات التي تذم الشيخين والصحابة ، والنصوص التي توحي بأن عليًّا يعلم الغيب ، وغيرها من النصوص المستنكرة ، دون أن يعلّق بكلمة واحدة ، وكأنها مسلّمات عنده [٤٣] .

أما نفس الشرح فإنه كان مقتضباً جدّا ، بحيث لم يتوسع في تبيان مطالب الكتاب ، بل الأمرأشبه يالتعليقة على النهج ، وقد ركّزالشيخ محمد عبده على شرح الألفاظ الصعبة والعبارات المغلقة ، وقلما يتعرض إلى مسألة عقدية أو تاريخية في شرحه .

ولا يخفى على القاريء العزيز أنه لم يكن القصد مما ذكرسابقاً هوحصرجميع الشروح وتقييمها، بل كان الغرض هو إعطاء فكرة عامة للباحث حول الشروح المتداولة في هذه الأيام ، وإلا فإن شروح نهج البلاغة أكثرمما ذكرنا بكثير، وقد أحصاها الشيخ حسين الجمعة العاملي في كتاب أسماه ( شروح نهج البلاغة ) ، فمن شاء التوسّع فعليه مراجعة هذا الكتاب للوقوف على كل الكتب المتعلّقة بنهج البلاغة من شروح واستدراكات وحواشي وغيرها .

-----------------------------------------------------------------------------------
[١] . مصادرنهج البلاغة وأسانيده ١ / ٢٠١ .
[٢] . شرح نهج البلاغة ١ / ٥ .
[٣] . معارج نهج البلاغة : ٤٦٨ .
[٤] . سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٥٨٦ .
[٥] . الذريعة ١٤ / ١٣٨ .
[٦] . معارج نهج البلاغة : ٣.
[٧] . معارج نهج البلاغة : ٤٦٧
[٨] . الغدير ٥ / ٣٨٠ .
[٩] . الغدير٥ / ٣٨٤ .
[١٠] . منهاج البراعة ١ / ٦ .
[١١] . أحاديث يحتج بها الشيعة : ٦٢ .
[١٢] . البيان لأخطاء بعض الكتاب : ١٠٢ .
[١٣] . الوافي بالوفيات ١٨ / ٤٦ .
[١٤] . تاريخ الإسلام ٨ / ٢٠٢ .
[١٥] . البداية والنهاية ١٣ / ٢٢٣ .
[١٦] . سير أعلام النبلاء ٢٣ / ٢٧٥ .
[١٧] . شرح النهج ١ / ١٩ .
[١٨] . شرح النهج ١ / ٢٢ .
[١٩] . نفس المصدر١ / ٢٦ .
[٢٠] . نفس المصدر١ / ٢٨ .
[٢١] . نفس المصدر١ / ١١٦ .
[٢٢] . نفس المصدر١١ / ٤٩ .
[٢٣] . الجواهر السنية : ٣٠٦
[٢٤] . سلاسل الحديد ٢ / ٦.
[٢٥] . سلاسل الحديد ٢ / ٣٠٣ .
[٢٦] . سلاسل الحديد : ٩٢ .
[٢٧] . نفس المصدر: ٢٢١ .
[٢٨] . مصادرنهج البلاغة وأسانيده ١ / ٢١٧ .
[٢٩] . مصادرنهج البلاغة وأسانيده ١ / ٢١٧ .
[٣٠] . الذريعة ٩/ ٦٨٥ .
[٣١] . روضات الجنات ٥ / ٢٠ .
[٣٢] . روضة المتقين ٢ / ٤٩٨ .
[٣٣] . سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٦٨ .
[٣٤] . الكفاية في علم الرواية : ١٥٩ .
[٣٥] . سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٦٣ .
[٣٦] . نفس المصدر ٤ / ٨٢ .
[٣٧] . نفس المصدر١٤ / ١٣٣ .
[٣٨] . نفس المصدر١٧ / ١٧٤ .
[٣٩] . روضة المتقين ٢ / ٤٩٨ .
[٤٠] . الكنى والألقاب ١ / ٤٣٣ .
[٤١] . مصادرنهج البلاغة وأسانيده ١ / ٢٥٠ .
[٤٢] . نقل ذلك سماحة العلامة السيد منيرالخبّازعن المرجع الأعلى السيدالسيستاني دام ظله الوارف .
[٤٣] . الخميني والوجه الآخر: ١٦٦ .

مقتبس من كتاب نهج البلاغة فوق الشبهات والتشكيكات  - الشيخ أحمد سلمان

****************************