لقد شك كثير من الباحثين في نهج البلاغة وصحة نسبته إلى الامام علي ـ كرم الله وجهه ـ فمن هؤلاء ابن خلكان في "وفيات الأعيان" والذهبي في "ميزان الاعتدال" اليافعي في تاريخه والصلاح الصفدي في الوافي بالوفيات وأحمد زكي صفوت باشا وأحمد أمين في "فجر الاسلام" وصاحب المقتطف(لسنة ١٩١٣) وصاحب مجلة الحديث (لسنة ١٣٤ العدد الثاني، ص ١٥٧).
واليوم نأتي بشيء جديد ربما لم يلتفت اليه الباحثون بجدية كافية الا وهو شك الشريف الرضي وابن أبي الحديد وكلاهما ممن عني بنهج البلاغة .. جمعاً وشرحاً على الولاء .
ولعل افضل شيء في هذا الموضوع الدقيق هو ان ادع النصوص نفسها تتكلم : ـ
(١)قال الرضي رحمه الله : "وربما جاء في اثناء هذا الاختيار اللفظ المردد والمعنى المكرر، والعذر في ذلك ان روايات كلامه تختلف اختلافا شديداً فربما اتفق الكلام المختار في رواية فنقل على وجهه ، ثم وجد بعد ذلك في رواية أخرى موضوعا غير وضعه الاول أما بزيادة مختارة ، أو بلفظ أحسن عبارة ، فتقتضي الحال أن يعاد استظهاراً للاختيار ، وغير على عقائل الكلام ، وربما بعد العهد ايضاً بما اختير اولا فاعيد بعضه سهوا ونسياناً ، لا قصدا او اعتمادا، ولا ادعى مع ذلك انني احيط باقطار جميع كلامه عليه السلام، حتى لا يشذ عني منه شاذ ، ولا يند ناد ، بل لا ابعد ان يكون القاضي عني فوق الواقع الى ، والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي، وما على الا بذل الجهد وبلاغة الوسع ، وعلى الله سبحانه نهج السبيل وارشاد الدليل ، ورأيت من بعد تسمية هذا الكتاب بنهج البلاغة" [١] .
فهناك ثلاثة شكوك (أولاً) الاختلاف الشديد في رويات كلام الامام وقد جاء الرضى بالجملة مطلقة اي انها تنطبق على النهج كله فلم يخص خطبة دون غيرها او قسماً دون قسم (ثانياً) الشك في وجود الاضافات والزيادات (ثالثاً) الشك في حصول التكرار سهواً.
(٢)ويعترف الرضى نفسه في مواضع من الكتاب، ويوافقه ابن أبي الحديد، بأن كذا وكذا عبارة ليست للامام علي، فمن ذلك مثلا ما قاله عند عزمه على المسير إلى الشام لحرب معاوية: "اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الاهل والمال والولد، اللهم انت الصاحب في السفر، وانت الخليفة في الاهل، ولا يجمعهما غيرك لان المستخلف لايكون مستصحبا، والمستصحب لايكون مستخلفا".
فيعلق الرضى قائلا: وابتداء الكلام مروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد قفاه امير المؤمنين عليه السلام بابلغ كلام ، وتممه باحسن تمام من قوله: "ولا يجمعهما غيرك" الى آخر الفصل.
ويؤيده ابن ابي الحديد في شرحه لهذه القطعة قائلا : "وصدر الكلام مروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله في المسانيد الصحيحة ، وختمه امير المؤمنين عليه السلام وتممه بقوله : "ولا يجمعهما غيرك" وهو الصحيح ... وزاد فيه نصر بن مزاحم المنقرى في "كتاب صفين" : "من الحيرة بعد اليقين" .
هذا ما يعترف به الرضى وابن ابي الحديد . اذن فمن حقنا ان نبحث عما لا يعترفان به مما دخل كلام الامام وليس منه . اقول لا يعترفان به لا عمداً وانما سهوا، وسبحان من لا يسهو . افليس من السهو مثلا ان ينسب ابن ابي الحديد قصة لسقراط وهي لديموسشينس اتفقت له مع الاسكندر ، فسها عن اسمه وعوض عنه بعبارة : "بعض الملوك ... [٢] وفوق كل ذي علم عليم . فمن سها في الشرح لابد أن يسهو في المتن ، والرضي جمع ولم ينقد ما جمع بصورة دقيقة ، فالانتحال وقع ـ على اكبر احتمال ـ قبله لا على يديه .
ويقول ابن ابي الحديد : "حذف الرضي بعض عبارات أما اختصارا او خوفا من ايحاش سامعيها" [٣] .
(٣)يعلق ابن ابي الحديد على خطبة الامام يوم بويع بالمدينة [٤] فيقول: "وهذه الخطبة من جلائل خطبه عليه السلام ومن مشهوراتها وقدرواها الناس كلهم وفيها زيادات حذفها الرضي أما اختصارا او خوفا من ايحاش السامعين [٥] ، وقد ذكرها شيخنا ابو عثمان الجاحظ في كتاب البيان والتبيين على وجهها" .
(٤)نجد في كلام الامام: "في صفة من يتصدى للحكم بين الامة وليس لذلك بأهل" [٦] أن ما يذكره ابن ابي الحديد غير كامل باعترافه هو ، اذ يقول: "وفي كتاب ابن قتيبه (يقصد غريب الحديث) تتمة هذا الكلام... والذي رواه ابن قتيبة من تمام كلام امير المؤمنين عليه السلام ، وهو الصحيح الجيد" [٧] .
(٥)يعترض ابن أبي الحديد (بصفته معتزلياً والمعتزلة أقرب إلى الزيدية منهم الى غيرهم) على كلام الامام في "ذم اختلاف العلماء في الفتيا" (وهو مما يتجلى فيه روح السخرية والتهكم مفرونين بالحجج) [٨] اذ يقول: "ترد على أحدهم القضية في حكم من الاحكام فيحكم برأيه ، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ... افأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه ، ام نهاهم عنه فعصوه ، ام انزل الله سبحانه دينه ناقصا فاستعان بهم على اتمامه ... ام انزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول(ص) عن تبليغه وادائه والله سبحانه يقول: ما فرطنا في الكتاب من شيء ؟"
بهذه الخطبة ـ ان صحت ـ يغلق باب الاجتهاد الذي تدعيه بعض الفرق ... لذلك ـ وبكلمات ابن ابي الحديد ـ فقد "دفعوا صحة هذا الكلام المنسوب في الكتاب الى امير المؤمنين عليه السلام ، وقالوا انه من رواية الامامية ، وهو معارض بما ترويه الزيدية عنه ، وعن ابنائه عليهم السلام في صحة القياس والاجتهاد" [٩] .
(٦)ويظهر شك ابن ابي الحديد باجلى وانصح اشكاله في خطبة يستهلها الامام بقوله: "بنا اهتديتم في الظلماء ، وتسمتم العلياء" فيقول في شرحه لهذه الخطبة ما نحكيه هنا بالنص:
"هذه الكلمات والامثال من خطبة طويلة منسوبة اليه عليه السلام قد زاد فيها قوم اشياء حملتهم عليها اهواؤهم لا يوافق الفاظها طريقته عليه السلام في الخطب ، ولا تناسب فصاحتها فصاحته"... ويعلق على الجزء الذي يعتقد بصحته وضرورة شرحه وسببه: "لان الرضي رحمة الله تعالى عليه قد التقطها ونسبها اليه عليه السلام، وصححها وحذف ما عداها" .
اذن فهذا اعتراف صريح بان الرضي قد غير في نهج البلاغة بعض الشيء وحور.
(٧)وفي صدد خطبة "وانما سميت الشبهة شبهة" يقول ابن ابي الحديد: "هذان فصلان احدهما غير ملتئم مع الاخر بل مبتور عنه ، وانما الرضي رحمة الله تعالى كان يلتقط الكلام التقاطا ومراده ان يأتي بفصيح كلامه عليه السلام وما يجري مجرى الخطابة والكتابة ، فلهذا يقع في الفصل الواحد الكلام الذي لا يناسب بعضه بعضاً" [١٠].
(٨)يعلن ابن ابي الحديد شكوكه احيانا بصورة ضمنية وبما يقرؤه الانسان من خلال السطور فهو يعلق على خطبة الامام على في "صفة الملائكة" [١١] فيقول:
(٩)هذا موضع المثل اذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. اذا جاء هذا الكلام الرباني واللفظ القدسي بطلت فصاحة العرب وكانت نسبة الفصيح من كلامها اليه نسبة التراب إلى النضار الخالص.
ولو فرضنا ان العرب تقدر على الالفاظ الفصيحة المناسبة او المقاربة لهذه الالفاظ فمن اين لهم المادة التي عبرت هذه الالفاظ عنها؟ ومن اين تعرف الجاهلية بل الصحابة المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وآله هذه المعاني الغامضة السمائية ليتهيأ لها التعبير عنها .
أما الجاهلية فانهم انما كانت تظهر فصاحتهم في صفة بعير او فرس او حمار وحش او ثور فلاة او صفة جبال او فلوات ونحو ذلك؛ واما الصحابة فالمذكورون منهم بفصاحة انما كان منتهى فصاحة احدهم كلمات لا تتجاوز السطرين او الثلاثة اما في موعظة تتضمن ذكر الموت او ذم الدنيا، او ما يتعلق بحرب وقتال من ترغيب او ترهيب ، فاما الكلام في الملائكة وصفاتها وصورها وعباداتها وتسبيحها ومعرفتها بخالقها وحبها له وولهها اليه وما جرى مجرى ذلك مما تضمنه هذا الفصل على طوله فانه لم يكن معروفاً عندهم على هذا التفصيل.
نعم ربما علموه جملة غير مقسمة هذا التقسيم ولا مرتبة هذا الترتيب بما سمعوه من ذكر الملائكة في القرآن العظيم ، واما من عنده علم من هذه المادة كعبد الله بن سلام وامية بن أبي الصلت وغيرهم فلم تكن لهم هذه العبارة ولا قدروا على هذه الفصاحة ، فثبت ان هذه الامور الدقيقة في مثل هذه العبارة الفصيحة لم تحصل الا لعلى وحده".
أرأيت كيف اراد ابن ابي الحديد ان يقول لك بصيغة غير مباشرة ان خطبة الامام على هذه وامثالها ظاهرة غير مألوفة في الادب الجاهلي ولا ادب صدر الاسلام وانما هي من أدب ما بعد هاتين الفترتين حين قال لك انها "لم تحصل الا لعلى وحده" وان خطب معاصرية لم تكن لتتجاوز السطرين او الثلاثة وفي موضوعات حددها لك بذكر الموت وذم الدنيا وما يتعلق بالحرب والقتال وان الموضوعات التي طرقتها خطب على هي على الاغلب مما نشأ في عصر تال لعصره وان هذه الاطالة لم تكن معروفة لدى الاجيال التي عصرت عليا ولم تكن على هذه الصورة من التفصيل والتقسيم والترتيب.
يجب ان نتذكر ان ابن ابي الحديد كان مفكرا منصفا ولكنه كان موزع الولاء بين الاخلاص للحقيقة ومداراة سيدة الوزير المتعصب مؤيد الدين العلقمي الذي ضحى في سبيل تعصبه الدولة العباسية برمتها... يجب أن نقدر موقفه لنعرف لماذا لجأ الى هذا الضرب من الكلام المبطن في ابداء رأيه في خطب نهج البلاغة ، وانه لعمري لاسلوب حكيم بليغ يلجأ اليه المنصوف الحكماء حين يحرجون..
وما على الباحثين الذين يأتون من بعدهم الا ان يغربلوا السطور ليعثروا على ما هو مخبأ وراءها ، والا فأيه ضرورة لهذه المقدمة الطويلة لشرح الخطبة، اما كان بوسع ابن أبي الحديد أن يكتفي بالجمل الثلاث الاولى التي تتضمن أعلى درجات المديح والاطراء؟ فلماذا اذن افسدها بالدخول في التفاصيل وتنبيه اللبيب الى اشياء تفضى الى نوع من تداعى المعاني واستشفاف حقائق يصعب الجهر بها؟ ولكن الرجل البليغ من وزن ابن ابي الحديد يستطيع ـ بهذا الاسلوب الرائع ـ ان يقول ما يشاء متى شاء ليخاطب به اناساً دقيقي الملاحظة يفهمون قصد الكاتب على وجهه الاتم!
(١٠) ابي الحديد الخطبة المستهلة : "وانقادت له الدنيا والآخرة" فيقول على نحو ما يقول في تعليقه على اكثر من خطبة في النهج: "هذا الفصل ليس بمنتظم من اوله الى آخره، بل هو فصول متفرقة التقطها الرضى من خطبة طويلة على عادته في التقاط ما يستفصحه من كلامه عليه السلام، وان كان كل كلامه فصيحاً ولكن كل واحد له هوى ومحبة لشيء مخصوص وضروب الناس عشاق ضروبا [١٢].
اذن فالهوى الشخصي ـ على رأي ابن ابي الحديد ـ قد لعب دوره في اختيار خطب الامام وكلماته وتنقيحها .
يشيري الحديد معلقا على خطبة للامام يومىء فيها الى الملاحم (ويقول في مستهلها: "واخذوا يمينا وشمالا طعنا في مسالك الغنى"...) بهذه الكلمات: "هذا الكلام يتصل بكلام قبله لم يذكره الرضي رحمه الله وهو وصف فئة ضالة قد استولت وملكت واملى لها الله سبحانه [١٣] ."
اذن فالرضى قد حذف اشياء يعتقد ابن ابي الحديد انها من صميم كلام امام ولكنه لم يدرجها في النهج. ويتكرر نفس الشيء في الخطبة التي تبدأ بـ "وناظر قلب اللبيب به يبصر أمده" فيتكرر تعليق ابن ابي الحديد السابق مع تغيير لفظي فيقول: "هذا كلام متصل بكلام لم يحكه الرضي رحمه الله وهو ذكره قوماً من اهل الضلال قد كان اخذ في ذمهم ونعى عليهم عيوبهم" [١٤].
(١١)ابن أبي الحديد الكلمات التالية لعلي بن أبي طالب: "أيها الناس انما الدنيا دار مجاز، والآخرة دار قرار، فخذوا من ممركم لمقركم ، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم اسراركم وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل ان تخرج من الدنيا قلوبكم من قبل ان تخرج منها ابدانكم ، ففيها اختبرتم ولغيرها خلقتم" ثم يورد في الشرح ما نصه: "ذكر ابو العباس محمد بن يزيد المبرد في الكامل عن الاصمعي قال خطبنا اعرابي في البادية فحمد الله واستغفره ووحده وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله فأبلغ في ايجاز ثم قال: ايها الناس: ان الدنيا دار بلاغ، والآخرة دار قرار فخذوا لمقركم من ممركم ولا تهتكوا استاركم عند من لا تخفى عليه اسراركم في الدنيا انتم ولغيرها خلقتم اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والمصلى عليه رسول الله، والمدعو له الخليفة ، والامير جعفر بن سليمان ،وذكر غيره الزيادة التي في كلام امير المؤمنين عليه السلام.ويجوز ان يكون الاعرابي حفظه فأورده كما يورد الناس كلام غيرهم" [١٥] .
لماذا ذكر ابن ابي الحديد هذه القصة اذا كان من الجائز ان يكون الاعرابي قد حفظ هذه الخطبة عن ظهر غيب؟ لقد اوردها ليلقى ظلا من الشك على الكلمة كلها؛ ولكيلا يعاتب عند من لا يطاق عتابه اورد احتمال حفظ الاعرابي للقطعة ، وكذلك يكون اسلوب العالم البليغ لا يريد ان يظلم الحقائق العلمية ولا يستطيع في الوقت ذاته ان يفقد صداقة من سيحميه يوماً ما من مجازر هولاكو .
(١٢)ابن ابي الحديد عن تعزية الامام للاشعث بن قيس عن ولده والتي يستهلها بقوله: "يا اشعث ان تحزن على ابنك فقد استحقت ذلك منك الرحم" : ـ "قد روى هذا الكلام عنه عليه السلام على وجوه مختلفة وروايات متنوعة هذا الوجه احدها." [١٦].
فهو يقول لك بصورة غير مباشرة ان النص غير موثوق به لتعدد وجوهه واختلاف رواياته .
(١٣)عندما يصل ابن ابي الحديد الى الجزء التالي:
(وقال عليه السلام وقد جاءه نعي الاشتر رحمه الله) : "مالك وما مالك والله لوكان جبلا لكان فندا [١٧] ، او كان حجرا لكان صلدا. لا يرتقيه الحافر ولا يوفى عليه الطائر."
اقول عندما يصل ابن ابي الحديد الى هذه القطعة من نهج البلاغة يعلق قائلا: ـ "يقال ان الرضي ختم كتاب نهج البلاغة بهذا الفصل وكتبت به نسخ متعددة ثم زاد عليه الى ان وفى الزيادات التي نذكرها فيما بعد" [١٨] .
وبكلامه هذا يؤكد الشك في ان الرضى لم يكن واثقا من كمية الصحيح من خطب الامام وأقواله فقد ختم الكتاب بعبارة "وكتبت به نسخ متعددة" ثم عاد فزاد عليه!
(١٤)ويعود ابن ابي الحديد فيعلق على الجملة التالية:
وقال عليه السلام: "رب مفتون بحسن القول فيه" .
بقوله: واعلم ان الرضى رحمه الله قطع كتاب نهج البلاغة على هذا الفصل وهكذا وجدت النسخة بخطه . وقال: وهذا حين انتهاء الغاية بنا الى قطع المنتزع من كلام أمير المؤمنين عليه السلام حامدين لله سبحانه على ما من به من توفيقنا لضم ما انتشر من اطرافه وتقريب ما بعد من اقطاره ، ومقررين العزم كما شرطنا او على تفضيل اوراق من البياض في آخر كل باب من الابواب لتكون لاقتناص الشارد واستلحق الوارد، وما عساه ان يظهر لنا بعد الغموض، ويقع الينا بعد الشذوذ، وما توفيقنا الا بالله، عليه توكلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير. ثم وجدنا نسخا كثيرة فيها زيادات بعد هذا الكلام قيل انها وجدت في نسخة كتبت في حياة الرضى رحمه الله وقرئت عليه فأمضاها واذن في الحاقها بالكتاب ونحن نذكرها" [١٩] .
هذا نص خطير، يعد اهم مفتاح قدمه لنا ابن ابي الحديد في البحث عن حقيقة نهج البلاغة اذ يفسر لنا سبب وجود اختلاف في عدد صفحات نسخ النهج وطول خطبه، فوجود اوراق بيض في نهاية كل باب اعان على زيادة اسطر منتحلة . ويبدو ان ابن ابي الحديد قد اطلع على عدة نسخ متباينة من نهج البلاغة بدليل قوله: "ثم وجدنا نسخا كثيرة فيها زيادات بعد هذا الكلام" واين كانت هذه الزيادات؟ هل كانت في نسخة بتوقيع الرضى؟ كلا بل في نسخ "قيل انها وجدت في نسخة كتبت في حياة الرضى وقرئت عليه" ... لاحظ عبارة "قيل انها" ... اذن فقد تكون هذه النسخ التي فيها الزيادات مفتراة على الشريف الرضي .
-----------------------------------------------
[١] . شرح ابن ابي الحديد : ١: ٢٥ وابن ابي الحديد عالم معتزلي وردت ترجمته في كتاب "معجز الآداب في معجم الالقاب" للفوطى . ولى سنة ٥٨٦هـ وتوفى سنة ٦٥٦هـ وقد صنف شرح نهج البلاغة في عشرين مجلدا فبعث اليه العلقمي بمائة دينار وخلعة وفرس . وكان ممن نجا من القتل عند سقوط بغدد على ايدي التاتار بالتجائه مع اخيه موفق الدين الى دار الوزير العلقمي ، وقد عهد اليه بامر خزائن الكتب ببغداد فلم تطل ايامه فتوفى في جمادى الآخرة من تلك السنة .
[٢] . ١:٣٤٦ ـ ٣٤٧ .
[٣] . ٢: ٢٤٠ .
[٤] . ١: ١٠٧ .
[٥] . يظهر ان هذه الكليشة كانت خير مبرر للحذف والاختصار وتغيير النصوص .
[٦] . ١: ١٠٩ ـ ١١٠ .
[٧] . ١ : ١١١ .
[٨] . ١ :١١١ ـ ١١٢ .
[٩] . ١: ١١٢ .
[١٠] . ١: ٢٥٨.
[١١] . ٢: ٢٤٢ .
[١٢] . ٢: ٥٧٩ ـ ٥٨٠ .
[١٣] . ٢: ٦٥٧.
[١٤] . ٢: ٦٧٦ .
[١٥] . ٣: ٥ .
[١٦] . ٤: ٥١٢ ـ ٥١٣ .
[١٧] . قال الرضي والفند المنفرد من الجبال وقال ابن ابي الحديد: وانما قال لوكان جبلا لكان فندا لان الفند قطعة الجبل طولا وليس الفند القطعة من الجبل كيفما كانت ولذلك قال لا يرتقيه الحافر لان القطعة المأخوذة من الجبل طولا في دقة لا سبيل للحافر الى صعودها ولو اخذت عرضا لامكن صعودها .
[١٨] . ٤: ٦٥٦ .
[١٩] . ٤: ٧٠٠ .
يتبع ......