الشيخ أحمد سلمان
الشبهة العاشرة : علوم النهج :
استند بعض المفكَّرين المعاصرين على قضية أخرى اعتبروها من الأمورالمشكَّكة في كتاب (نهج البلاغة) ، وهي احتواؤه على أفكار وأساليب سامية لم تكن معروفة في تلك الحقبة ، بل دخلت عند العرب مع بداية حركة الترجمة في عصرهارون الرشيد وابنه المأمون .
قال الدكتورأحمد زكي صفوت : أمّا الشك الخامس ، فإنّا مع اعتقادنا الكامل بأنّ الإمام كان خير قدوة في الزهد والورع ، وأعلى مثال في التقوى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها ، نرى أنّ ما عُزي إليه في هذا الباب لا يخلو من دخيل منتحل ، فهاك أقرأ خطبته التي يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض ، وانظرقوله فيها :
(( أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، کمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ؛ لشهادة كلّ صفة أنّها غيرالموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنه غيرالصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه ثنّاه ، ومن ثنَّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشارإليه ، ومن أشارإليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه ، ومن قال : فيم فقد ضمنّه ، ومن قال : علامّ فقد أخلى منه ، كائن لا عن حَدَث ، موجود لا عن عَدَم ، مع كلّ شيء لا بمقارنة ، وغير كلّ شيء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة...الخ))، ترى أنّ هذا الأسلوب قصيّ عن نهج الإمام ومسلكه ، فأنّ الفقرة الأولى مفرَّغة في قالب مقدّمات منطقية تفضي إلى نتيجة هي نفي الصفات عن الله تعالى ، والفقرة التالية لها مقدّمات أخرى تنتج أن من يثبت له الصفات فقد عدَّه من الحوادث ، وهذا الأسلوب المنطقي لم يُعهد في كلام العرب ، ولم يستعمله العلماء إلا بعد ترجمة المنطق والعلوم الدخيلة ، وذلك العصرلم يدركه الإمام.. وفوق هذا ، فإنّ تلك المباحث من مباحث علم الكلام ، وإثبات صفات المعاني لله تعالى أو نفيها عنه ، وكون الصفة عين الموصوف أو مغايرة له ، موضع جدل شديد بين الأشعرية والصفاتية والمعتزلة ، ونشأة ذلك العلم وتلك الفرق متأخَّرة عن علي في الوجود ، ولا تخلنّ من ذلك أنا نرمي الإمام بجهله بعلم التوحيد ، لا ، ولكنا نقول : إن التوحيد بالمعنى العلمي المعهود ومباحثه المعروفة لم تكن وُجدت في ذلك الحين [١] .
وقال فؤاد أفرام بستاني [٢] في كتاب الروائع : بيد أنّا نرى سبباً جديداً يدفعنا إلى الشك في بعض مقاطع حكمية وتفسيرية من التي تدخل فيها الأعداد والتقاسيم المتوازية ، المتشعبّة ، المتّفقة عدداً ، كقوله : ((الاستغفارعلى ستة معان)) ((والإيمان على أربع دعائم : على الصبر، واليقين ، والعدل ، والجهاد . والصبر منها على أربع شعب...الخ)) ، بتقسيم كل دعامة إلى أربع شعب ، وكذلك الكفر وتقسيمه إلى أربع دعائم ، والشك إلى أربع شُعَب ، وغيرذلك .
فأنّ استعمال الطريقة العددية في الشروح ، وتقسيم الفضائل أو الرذائل على أسلوبها ، لا نراه في الآداب الجاهلية ، بل لا نكاد نعرفه في الأدب الإسلامي إلَّا بعد ظهوركتاب ((كليلة ودمنة)) المعرّب ، وإذا علمنا أنّ إدخال الأعداد في الحكمة الأخلاقية ، وفي ترتيب المجرّدات والمعقولات ، له الدورالمهم في المذاهب المتشعبّة عن الطريق الفيثاغورية أو الأفلاطونية الحديثة ، وإذا علمنا أن العرب لم يعرفوا هذه الفلسفة إلا بترجمة كتب اليونان في العصرالعباسي الأول ، وإذا علمنا أنّ الشريف الرضي كان من الحكماء الأجلاء، والعلماء المعروفين ، وأنه عاش في عصرالعباسي الثالث ، ساغ لنا هذا الشك [٣] .
هذا من باب المثال ، وإلا فكثيرمن النقّاد والمفكّرين قد ذكروا هذا المعنى ، وصرّحوا بأنه من الأمورالتي تجعلهم يستريبون في كتاب (نهج البلاغة) ، ويحكمون بوجود نصوص دخيلة فيه .
والجواب على مثل هذا الطرح : أنه لا بد من إعادة صياغة استدلالهم ؛ لكي يتّضح وهنه وضعفه لدى الباحث .
هذا الإشكال مبني على مقدَّمتين :
الأولى : هي أن هذه العلوم لم تكن معروفة في عصرالإمام علي عليه السلام ، فلا يوجد تقسيمات عددية ، ولا مطالب كلامية ، ولا أطروحات منطقية .
الثانية : أن كل العرب الذين عاشوا في ذلك العصر لم يكن لهم اطلاع على هذه العلوم ، ولا اضطلاع بهذه الصناعات .
وكلا المقدمتين لا نسلّم بهما .
أما الجواب على الأولى : فهو أنا لا نسلّم أن هذه الأموركانت غيرمعروفة تماماً عند العرب ، نعم عامة العرب لا علم لهم بها ، لكن هذا لا يعني انعدامها التام من الأوساط العربية في تلك الحقبة ، وإلا فالحال كما قدّمنا سابقاً أن هذه المقدمة مبنية على استقراءات ناقصة ، ولولا مخافة الإطالة وإصابة القارئ بالملالة لسقنا عدة شواهد على ما ادُّعي .
ومن الشواهد على وجود مقاطع تفسيرته تدخل فيها الأعداد والتقاسيم المتوازية ، المتشعبّة ، ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن عبدالله بن عمرو ر عن النبي صلى الله عليه وآله ،قال : أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً – أو كانت فيه خصلة من أربعة كانت فيه خصلة من النفاق – حتى يدعها : إذا حدَّثَ كذب ، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر [٤] .
أمّا الثانية : فسببها القراءة الإسقاطية لكتاب (نهج البلاغة) ، وليس القراءة الاستنطاقية ؛ وذلك لأن هؤلاء قرؤوا الكتاب بتصوّرمسبق لشخصية أميرالمؤمنين عليه السلام ، وهي أنّه رجل عادي ، حاله حال أقرانه من العرب الذين عاصروه ، وبالتالي فلا يمكن أن يصدرمنه مثل هذا ، أما لو قرؤوا الكتاب قراءة استنطاقية لعرفوا شذرات من حقيقة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، واستنشقوا عبقات من معارفه ، وتذوقوا حلاوة لطائفه .
وهذه هي المنهجية التي سارعليها غيرالشيعة على مرّ العصور، وهي تكذيب ما نُسب لأهل البيت عليهم السلام عامة ، ولأميرالمؤمنين عليه السلام خاصة ؛ لأنهم نزّلوهم منزلة عامة الناس ، ومن هنا ضُعّف عشرات الأحاديث الواردة في فضلهم وخصائصهم لأجل هذا الاعتقاد الفاسد.
ومن باب التمثيل نذكر شاهدين :
الأول : قول النبي صلى الله عليه وآله في حق أخيه وابن عمه وخليفته أميرالمؤمنين
عليه السلام : أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها [٥] .
هذا الحديث لم يعجب من في قلوبهم شيء على أهل البيت ، فضعَّفوه ، وحكموا عليه بالوضع ؛ فقط لأن المتن لا يتلائم مع أهوائهم المنحرفة عن الحق والمائلة عن الصراط المستقيم .
قال ابن تيمية في تعليقه على هذا الحديث : وأما حديث (( مدينة العلم)) فأضعف وأوهي ، ولهذا إنما يُعّد في الموضوعات المكذوبات وإن كان الترمذي قد رواه ، ولهذا ذكر ابن الجوزي في الموضوعات ، وبيَّن أنه موضوع من سائر طرقه ، والكذب يُعرَف من نفس متنه ، لا يحتاج إلى النظر في إسناده [٦] .
وقال الألباني تعليقاً على هذا الحديث : وجملة القول أن حديث الترجمة ليس في أسانيده ما تقوم به الحجة ، بل كلها ضعيفة ، وبعضها أشد ضعفاً من بعض ، ومَنْ حَسَّنه أو صحَّحه فلم ينتبه لعنعنة الأعمش في الإسناد الأول ، فإن قيل : هذا لا يكفي للحكم على الحديث بالوضع ، قلت : نعم ، ولكن في متنه ما يدل على وضعه [٧] .
وكما يرى القارئ النبيه أن التضعيف والتصحيح مسألة هوى وعصبية ، وإنكارالصحة لا دليل عليه سوى الدفع بالصدر!
وإلا فإن هذا الحديث وحده كافٍ لرد هذه الشبهة المطروحة ، فمن كان باباً لمدينة علم النبي صلى الله عليه وآله هل سیکون أقل شأناً من أرسطو وأفلاطون وابن خلدون وفولتيرحتى يصبح ما جاء به هؤلاء فتحاً علميًّا منشؤه نبوغهم وعبقريتهم ، وما جاء به أميرالمؤمنين عليه السلام منسوب إليه ومنحول عليه ؛ لأنه عاجزعن الإتيان بما جاء به أولئك !
الثاني : روى الخاصّة والعامة قول أميرالمؤمنين عليه السلام : علّمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم ، يُفتح لي من كل باب ألف باب [٨] .
وهذا الحديث طبعاً أزعج القوم كثيراً ؛ لأنه يشتمل على أمرين مخالفين لما هو مشهور بينهم :
المخالفة الأولى : هو أنّ آخرالناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وآله هو أميرالمؤمنين عليه السلام ، وليس عائشة كما يروّجون ، وأنّه توفي بين سحرها ونحرها ، وهذا ليس محل حديثنا في هذا البحث المتواضع .
المخالفة الثانية : هو أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أفاض على علي أميرالمؤمنين عليه السلام علمه ، واختصّه بسرّه دون غيره من الصحابة ، وهذه فضيلة عظيمة ومنقبة فريدة .
ولهذا حاول الذهبي توهين الحديث بكل الطرق وبشتّى الوسائل ، فجعل نفسه سخريا عند كل كل من اطلع على مهزلته .
بداية تعامله مع الحديث كان في كتابه (ميزان الاعتدال) حيث قال : وحدثنا أبو يعلى ، حدثنا كامل بن طلحة ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني يحيى بن عبد الله المعافري ، عن أبي عبدالرحمن الحبلي ، عن عبدالله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال فی مرضه : ادعو لي أخي .
فدُعي أبوبكر، فأعرض عنه ، ثم قال : ادعوا لي أخي .
فدُعي له عثمان ، فأعرض عنه ، ثم دُعي له علي ، فستره بثوبه ، وأكبَّ عليه ، فلما خرج من عنده قيل له : ما قال لك ؟ قال : علَّمني ألف باب ، كل باب يفتح ألف باب . قلت : كامل صدوق .
وقال ابن عدي : لعل البلاء فيه من ابن لهیعة فإنه مفرط في التشيّع [٩].
إذن الحديث ضعيف عند الذهبي ، إذ وافق قول ابن عدي في أن علّته هو ابن لهيعة ؛ لأنه مفرط في التشيع كما زعم هذا الإمام الناقد الخبير.
لكن للذهبي رأي آخر في (تاريخ الإسلام) حيث قال : قلت ومناكيره جمة ، ومن أردئها كامل بن طلحة عن ابن لهيعة أن حي بن عبدالله أخبره عن أبي عبدالرحمن الجبلي عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في مرضه : ادعوا لي أخي .
فدعوا له أبابكر، فأعرض عنه ، ثم قال : ادعول لي أخي .
فدعوا له عمر، فأعرض عنه ، ثم عثمان كذلك ، ثم قال : ادعوا لي أخي .
فدعوله عليًّا ، فستره بثوبه ، وانكبَّ عليه ، فلما خرج قيل له : يا أبا الحسن ماذا قال لك ؟ قال : علمني ألف باب ، يفتح كل باب ألف باب...رواه أبوأحمد بن عدي ، ثم قال : لعل البلاء فيه من ابن لهيعة ؛ فانه مفرط في التشيع .
كذا قال ابن عدي ، وما رأيت أحداً قبله رماه بالتشيّع ، وكامل الجحدري وإن كان قد قال أبوحاتم : لا بأس به ، وقال ابن حنبل : ما علمت أحداً يدفعه بحجة فقد قال فيه أبوداوود : رَميتُ بكتبه . وقال ابن معين : ليس بشيء ؛ فلعل البلاء من كامل ، والله أعلم [١٠] .
عجيب يا ذهبي في ميزان الاعتدال كان كامل الجحدري صدوقاً ، وابن لهيعة ضعيف ، وهنا انقلبت الآیة ، وأصبح ابن لهيعة صدوقاً ، وكامل مطعوناً فيه !
هل انتهى الأمرالى هنا ؟
الجواب : لا ؛ لأن عند الذهبي رأياً ثالثاً صرّح به في كتابه (سيرأعلام النبلاء) عند تعرضه لنفس الحديث ، حيث قال : فأما قول أبي أحمد بن عدي في الحديث الماضي : (علّمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب )) فلعل البلاء فيه من ابن لهيعة ؛ فانه مفرط في التشيع ، فما سمعنا بهذا عن ابن لهيعة ، بل ولا علمت أنه غيرمفرط في التشيع ، ولا الرجل متَّهم بالوضع ، بل لعله أدخل على كامل ، فإنه شيخ محله الصدق ، لعل بعض الرافضة أدخله في كتابه ولم يتفطن هو، فالله أعلم [١١] .
والظاهر أن الذهبي اكتشف تناقضه ، فأراد إصلاح الأمر وحفظ ماء الوجه بتوثيق الرجلين ، وبضرب الحديث في نفس الوقت !
فلم يجد حلا إلا أن يسجل القضية ضد مجهول ، ويتَّهم المجرم الخفي بوضع هذا الحديث ، وطبعاً دليله على هذا هو : ((لعلّ)) !
واتّهام الذهبي رافضيًّا مجهولاً بدسّ الحديث في كتاب كامل الجحدري يذكّرني بما يحصل في بعض الدول في هذه الأيام ، حيث تقوم بعض الحكومات بارتكاب الجرائم العظام الجسام ، ثم ينسبون الأمر إلى مندسين أو إلى جهات خارجية .
وقد صدق الشاعر حين قال :
سُمَّيْتَ بالذهبيَّ تسميةً ***** مشتقَّةً مِنْ ذَهابِ العقلِ لا الذَّهَبِ
ملّقبُ بِكَ ما لُقَّبْتَ وَيْكَ بِهِ ***** يا أيها اللّقبُ الملقى على اللّقبِ
فإن كان تعاملهم مع الروايات الصحيحة الصريحة الثابتة في فضل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والموجودة في كتبهم المعتبرة بهذه الصورة المضحكة ، فكيف نريد منهم قبول كتاب (نهج البلاغة) ؟
فخطأ هؤلاء الذي وقعوا فيه هو انطلاقهم من واقعهم الذهني ، وإسقاطه على النص ، وهذا خلاف المنهج العلمي الصحيح ، وهو الانطلاق من النص لمعرفة الواقع .
أما الذي تجرَّد عن كل تراكماته السابقة فإنه سيعلم من هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولهذا فإن ابن أبي الحديد الشافعي المعتزلي قد وصل إلى جزءٍ من الحقيقة ، فقال في مقدمة شرحه على النهج : وما أقول في رجل تُعْزَى إليه كل فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كل طائفة ، فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبوعذرها ، وسابق مضمارها ، ومجلّي حليتها ، كل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى ، وقد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الإلهي ؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم ، ومعلومه أشرف الموجودات ، فكان هو أشرف العلوم ، ومن كلامه عليه السلام اقتبس ، وعنه نقل ، وإليه انتهى ، ومنه ابتدأ ، فإن المعتزلة الذين هم أهل التوحيد والعدل ، وأرباب النظر، ومنهم تعلَّم الناس هذا الفن تلامذته وأصحابه ؛ لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية ، وأبوهاشم تلميذ أبيه ، وأبوه تلميذه عليه السلام ، وأما الأشعرية فإنهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشرالأشعري ، وهو تلميذ أبي على الجبائي ، وأبوعلي أحد مشايخ المعتزلة ، فالأشعرية ينتهون بأخرة إلى أستاذ المعتزلة ومعلمهم وهوعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وأما الإمامية والزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر.
ومن العلوم : علم الفقه ، وهو عليه السلام أصله وأساسه ، وكل فقيه في الإسلام فهوعيال عليه ، ومستفيد من فقهه ، أما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمد وغيرهما ، فأخذوا عن أبي حنيفة ، وأما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن ، فیرجع فقه أيضاً إلى أبي حنيفة ، وأما أحمد بن حنبل ، فقرأ على الشافعي فيرجع فقهه أيضاً إلى أبي حنيفة ، وأبوحنيفة قرأ على جعفربن محمد عليه السلام وقرأ جعفرعلى أبيه عليه السلام ، وينتهي الأمر إلى علي عليه السلام ، وأما مالك بن أنس ، فقرأ على ربيعة الرأي ، وقرأ ربيعة على عكرمة ، وقرأ عكرمة على عبدالله بن عباس ، قرأعبد الله بن عباس على علي بن أبي طالب ، وإن شئت رددت إليه فقه الشافعي بقراءته على مالك كان لك ذلك ، فهؤلاء الفقهاء الأربعة ، وأما فقه الشيعة : فرجوعه إليه ظاهر، وأيضاً فإن فقهاء الصحابة كانوا : عمر بن الخطاب ، عبدالله بن عباس ، وكلاهما أخذ عن علي عليه السلام ، أما ابن عباس فظاهر، وأما عمر فقد عرف كل أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة ، وقوله غير مرة (( لولا علُّي لهلك عمر)) ، وقوله (( لا بقيتُ لمعضلة ليس لها أبوالحسن)) ، وقوله : (( لا يفتينَّ أحد في المسجد وعليٌّ حاضر)) ، فقد عُرف بهذا الوجه أيضاً انتهاء الفقه إليه ، وقد روت العامة والخاصة قوله صلى الله عليه وآله : (( أقضاکم علي)) ، والقضاء هوالفقه فهو إذن أفقههم ، وروى الكل أيضاً أنه عليه السلام قال له وقد بعثه إلى اليمن قاضياً : (( اللهم اهد قلبه ، وثبَّت لسانه )) قال : ((فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين )) ، وهوعليه السلام الذي أفتى في المرأة التي وضعت لستة أشهر، وهوالذي أفتى في الحامل الزانية ، وهوالذي قال في المنبرية : صار ثمنها تسعاً ، وهذه المسألة لو فكرالفرضي فيها فكراً طويلاً لاستحسن منه بعد طول النظرهذا الجواب ، فما ظنك بمن قاله بديهة ، واقتضبه ارتجالاً.
ومن العلوم : علم تفسيرالقرآن ، وعنه اُخذ ، ومنه فُرَّغ ، وإذا رجعت إلى كتب التفسيرعلمت صحة ذلك ؛ لأن أكثره عنه وعن عبدالله بن عباس، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له ، وانقطاعه إليه ، وأنه تلميذه وخريجه ، وقيل له : أين علمك من علم ابن عمك ؟ فقال : (( كنسبة قطرة من المطر إلى البحرالمحيط)) .
ومن العلوم : علم الطريقة والحقيقة ، وأموال التصوّف ، وقد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام ، إليه ينتهون ، وعنده يقفون ، وقد صرّح بذلك الشبلي ، والجنيد ، وسري ، وأبويزيد البسطامي ، وأبو محفوظ معروف الكرخي ، وغيرهم ، ويكفيك دلالة على ذلك الخرقة التي هي شعارهم إلى اليوم ، وكونهم يسندونها بإسناد متصل إليه عليه السلام .
ومن العلوم : علم النحو والعربية ، وقد علم الناس كافة أنه هوالذي ابتدعه وأنشأه ، وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه وأصوله ، من جملتها : الكلام كله ثلاثة أشياء : اسم وفعل وحرف ، ومن جملتها : تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة ، وتقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم ، وهذا يكاد يلحق بالمعجزات [١٢] . لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر، ولا تنهض بهذا الاستنباط [١٣] .
اعتمدت نقل هذا الكلام على طوله لأنه مهم جدًّا ، فهذا الرجل قد أثبت أن كل العلوم المتدوالة بين المسلمين متلقّاه عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، مما يؤكّد أنه لم يكن رجلاً عاديًّا ليقاس ببني جنسه ، بل هو وأهل بيته كما في الزيارة الجامعة : إن ذُكِرَالخيركنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه [١٤] .
الشبهة الحادية عشر: الدسّ في نهج البلاغة :
حاول البعض أن يُنصف الشريف الرضي قدس سره ، فبرَّأ ساحته من الكذب والوضع على جدّه أميرالمؤمنين عليه السلام ، ولكن في المقابل اتَّهم غلاة الشيعة بالکذب والدس ، وبالتالي فإن في كتاب ( نهج البلاغة) أموراً مكذوبة وضعها غيرالشريف الرضي، والنتيجة أن كتاب (نهج البلاغة) لم يسلم من الدس والوضع ، وهذا يمنعنا عن قبول هذا الكتاب أوالعمل به .
وهذا الكلام وإن كان فيه إنصاف لجامع الكتاب ، إلا أنّ فيه حيفاً وجوراً وتسقيطاً للكتاب كله .
وسيتبين لك أيها القارئ أن هذا كلام هو مجرد سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء وذلك لعدة أمور:
أولاً : اننا لو سلّمنا بصحة ما قيل فإن هذا لا يعني سقوط الكتاب كله ؛ لأنه لا يلزم من وجود أخبارموضوعة فيه عدم اعتبارالكتاب بكامله ، بل غاية ما في الأمر أن الباحث عليه أن يمحّص الروايات ؛ ليميز بين الصحيح منها والسقيم ، وهذا ما نقول به .
ولو أننا اتبعنا هذا المنهج ، وأسقطنا كل كتاب اشتمل على بعض الموضوعات ، لما بقي لهم كتاب سالماً ، وما بقي حجر؛ إذ أنه لا يخلو كتاب من أحاديث مكذوبة مدسوسة ، ومن باب الأمثلة نذكر:
١ – صحيح البخاري : فقد روى محمد بن إسماعيل بسنده عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله قال : من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرَّب إليّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبّه ، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصربه ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشيء بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما تردّدت عن شي أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته [١٥] .
علّق الذهبي على هذا الحديث بقوله : فهذا حديث غريب جدًّا ، لولا هيبة الجامع الصحيح لعدّوه في منكرات خالد بن مخلد ، وذلك لغرابة لفظه ؛ ولأنه مما ينفرد به شريك ، وليس بالحافظ ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد ، ولاخرجه من عدا البخاري ، ولا أظنه في مسند أحمد ، وقد اختُلف في عطاء ، فقيل : هو ابن أبي رباح ، والصحيح أنه عطاء به يسار [١٦].
فالذهبي يحكم على حديث في صحيح البخاري الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله بأنه غريب جدًّا منكر!
٢ – صحيح مسلم : روى مسلم بن الحجاج في صحيحه بسنده عن أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بیدي ، فقال : خلق الله عزَّوجل التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الإثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النوريوم الأربعاء وبثَّ فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخرالخلق في آخرساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصرإلى الليل [١٧] .
وقد علق الشيخ عبدالعزيز بن بازعلى هذا الحديث بقوله : ومما أُخذ على مسلم رحمه الله رواية حديث أبي هريرة : أن الله خلق التربة يوم السبت...الحديث، والصواب أن بعض رواته وَهِمَ برفعه للنبي صلى الله عليه وآله ، وإنما هو من رواية أبي هريرة رضى الله عنه عن كعب الأحبار؛ لأن الآیات القرآنیة والأحاديث القرآنية الصحيحة كلها قد دلَّت على أن الله سبحانه قد خلف السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وأوله يوم الأحد،وآخرها يوم الجمعة ؛ وبذلك علم أهل العلم غلط من روى عن النبي صلى الله عليه وآله أن الله خلق التربة يوم السبت ، وغلط كعب الأحبار ومن قال بقوله في ذلك ، وإنما من الإسرائيليات الباطلة [١٨] .
إذن فصحيح مسلم كما نصَّ ابن باز يحتوي على إسرائيليات باطلة نُسب زوراً وبهتاناً للنبي صلى الله عليه وآله .
٣ – مسند أحمد : أجمع علماء أهل السنة على أن في مسند الإمام أحمد بن حنبل أحاديث ضعيفة ، واختلف في وجود الموضوعات فيه ، فأثبت عبدالرحمن بن الجوزي في كتابه (الموضوعات) وجود أحاديث موضوعة فيه ، ووافقه على ذلك الحافظ العراقي ، فقد نقل عنه السيوطي في التدريب قوله : ولا نسلّم ذلك – أي بصحة المسند – والذي رواه عنه أبوموسى المديني أنه سئل عن حديث ، فقال : (( انظروه ، فإن كان في المسند وإلا فليس بحجة)) ، فهذا ليس بصريح في أن كل ما فيه حجة ، بل ما ليس فيه ليس بحجة ، قال : على أن ثم أحاديث صحيحة مخرّجة في الصحيحين وليست فيه ، ومنها حديث عائشة في قصة أم زرع ، قال : وأما وجود الضعيف فيه فهو محقَّق ، بل فيه أحاديث موضوعة جمعتها في جزء [١٩].
وقد حاول غيرهم تنزيه المسند عن وجود الموضوع ، مثل ابن حجرالعسقلاني الذي ألف كتاباً أسماه : (القول المسدَّد في مسند أحمد) ، خفَّف فيه من وطأة ما ذكرابن الجوزي ، وحكم على جلّ الأحاديث بأنها ضعيفة جدّا، لكن لا يمكن الجزم بوضعها .
فلو اتبعنا هذا المنهج وأقررنا الملازمة بين وجود أحاديث موضوعة وإسقاط الكتاب لما بقي كتاب واحد عند المسلمين ، وهذا لازم باطل لا اظن أن عاقلاً يلتزم به .
الثاني : أن هذا القول لا يخلو من احتمالين : إما أن يكون الدّس قد وقع بعد أن جمع الشريف الرضي قدس سره وانتهى منه ، فيكون المتهم بذلك هم النسّاخ الذين تولوا نسخ الكتاب وإيصاله لنا بهذه الصورة ، وإما أن يكون الدّس قد وقع قبل جمع الشريف الرضي قدس سره ، فيكون المتهم بهذا الجرم الرواة الذين نُقلت عنهم فقرات النهج .
أما الاحتمال الأول فلا يمكن القبول به ؛ لأن الكتاب قد شاع وانتشربعد أن دوّنه الشريف الرضي قدس سره ، واهتم به الناس تداولاً وقراءة وحفظاً وشرحاً ، حتى قال السيد هبة الله الشهرستاني قدس سره : ونسبة الكتاب إليه مشهورة ، وأسانيد شيوخنا في إجازاتهم متواترة، ونسخة عصرالشريف موجودة ، والتي نُسخت بخطه الشريف مشهورة [٢٠] .
وكلام السيد فيه فائدتان :
الأولى : أن الكتاب متواترعن صاحبه ، مما يفيدنا العلم بانتسابه له ، وينهي كل احتمال تبديل أو تحريف أو تزييف .
والفائدة الثانية : هي أن السيد ذكرأن نسخة الشريف الرضي قدس سره موجودة محفوظة إلى يومنا هذا ، مما يبطل كل دعوى زيادة ونقصان .
وقد ذكرابن أبي الحديد في كتابه أن عنده النسخة الأصلية لكتاب (نهج البلاغة) ، فقال : وقد وجدت النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع (نهج البلاغة) ، وتحت فلان : عمر [٢١] .
ويظهرمن كلمات الفيلسوف الفقيه ابن ميثم البحراني في شرحه على النهج أنه اطلع على النسخة الأصلية ، فإنه قال في موضع من شرحه : وفي نسخة الرضي رحمه الله : ((مُستكرِهين)) بكسرالراء بمعنى : كارهين ، يقال : استكرهتُ الشيء أي كرهته [٢٢] .
بل نقل السيد عبدالزهراء الخطيب في كتابه القيّم (مصادرنهج البلاغة وأسانيده) جملة من المخطوطات التي كانت موجودة في عصره،أحداها كانت بخط السيد المرتضى قدس سره ، قال : حدثني شيخنا العلامة الخبيرالمتتبّع الشيخ عبد الحسين الأميني مؤلف (الغدير) دام علاه ، قال : ((رأيت نسخة من (نهج البلاغة) عند أحد الاعلام في النجف الأشرف ،وعليها إجازة السيد المرتضى أعلى الله مقامه بخط يده لبعض تلامذته ، وفيها يقول:((أجزت لفلان رواية كتاب .
وقد نقل أيضاً عدّة مخطوطات أخرى اطلع عليها في كتابه المذكور، فمن أراد الاطلاع عليها فليراجع هذا الكتاب .
أما الاحتمال الثاني : فهو وإن كان في نفسه ممكناً ، ولا مانع منه عقلاً أوعرفاً ، إلا أن إثباته يحتاج إلى دليل وبرهان ، والادّعاء لوحده لا يكفي ؛ فمن يدّعي وجود خُطَب موضوعة فعليه أن يضع يده عليها ، ويقيم على دعواه الدليل الصحيح .
ونحن هنا لسنا في مقام نفي هذا الأمر، لكن نقول : إنه حتّى لو ثبت هذا فإنه لا يضّر بالدرجة باعتبارالكتاب ، ولا بفضل وعلم المؤلف .
وقد تعرّض ابن أبي الحديد المعتزلي لهذه الشبهة وأجاب عليها بجواب محكم يخضع له كل منصف ، حيث قال : أحسن خطبة خطبها هذا الكاتب (يقصد أبا الشحماء العسقلاني) ، وهي كما تراها ظاهرة التكلّف ، بيَّنة التوليد ، تخطب على نفسها ، وإنما ذكرت هذا لأن كثيراً من أرباب الهوى يقولون : إن كثيراً من (نهج البلاغة) كلام محدث ، صنعه قوم من فصحاء الشيعة، وربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن وغيره ، وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم ، فصلّوا عن النهج الواضح ، وركبوا بينات الطريق ضلالاً وقلة معرفة بأساليب الكلام ، وأنا أوضح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط ، فأقول : لا يخلو إما أن يكون كل نهج البلاغة مصنوعاً منحولاً وبعضه ، والأول باطل بالضرورة ؛ لأنا نعلم بالتواترصحّة إسناد بعضه إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ، وقد نقل المحدَّثون كلّهم أو جلّهم ، والمؤرَّخين كثيراً منه ، وليسوا من الشيعة ليُنسبوا إلى غرض في ذلك ، والثاني يدل على ما قلناه ؛ لأن مَنْ قد نس بالكلام والخطابة ، وشدا طرفاً من علم البيان ، وصار له ذوق في هذا الباب ، لا بد أن يفرَّق بين الكلام الركيك والفصيح ، وبين الفصيح والأفصح ، وبين الأصيل والمولَّد ، وإذا وقف على كراس واحد يتضمن كلاماً لجماعة من الخطباء أو لاثنين منهم فقط ، فلا بد أن يفرَّق بين الكلامين ، ويميَّز بين الطريقتين ، ألا ترى أنا مع معرفتنا بالشعر ونقده ، لو تصفَّحنا ديوان أبي تمام ، فوجدناه قد كُتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره ، لعرفنا بالذوق مباينتها لشعرأبي تمام ونَفَسه ، وطريقته ومذهبه في القريض ، ألا ترى أن العلماء بهذا الِشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه ، لمباينتها لمذهبه في الشعر، وكذلك حذفوا من شعر أبي نواس شيئاً كثيراً ، لما ظهرلهم أنه ليس من ألفاظه ، ولا من شعره ، وكذلك غيرهما من الشعراء ولم يعتمدا في ذلك إلا على الذوق خاصة ، وأنت إذا تأمّلت (نهج البلاغة) وجدته كله ماءً واحداً ، ونَفَساً واحداً ، وأسلوباً واحداً ، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية ، وكالقرآن العزيز، أوله كأوسطه، وأوسطه كآخره ، وكل سورة منه ، وكل آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآیات والسور، ولو كان بعض (نهج البلاغة) منحولاً وبعضه صحيحاً ، لم يكن كذلك ، فقد ظهرلك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أن هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ، واعلم أن قائل هذا القول يطرق على نفسه ما لا قِبَل له به ؛ لأنا متى فتحنا هذا الباب ، وسلّطنا الشكوك على أنفسنا في هذا النحو، لم نثق بصحة كلام منقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله أبداً ، وساغ لطاعن أن يطعن ويقول : هذا الخبرمنحول ، وهذا الكلام مصنوع ، وكذلك ما نُقل عن أبي بكر وعمرمن الكلام والخطب والمواعظ والأدب وغير ذلك ، وكل أمر جعله هذا الطاعن مستنداً له فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الراشدين، والصحابة والتابعين ، والشعراء والمترسلين والخطباء ، فلناصري أميرالمؤمنين عليه السلام أن يستندوا إلى مثله فيما يروونه عنه من (نهج البلاغة) وغيره ، وهذا واضح [٢٣] .
وبعد هذه الجولة في شبهات القوم تبيّن للقارئ الكريم أن كل ما قيل في الطعن في كتاب (نهج البلاغة) ليست إلا قشة تمسّك بها هؤلاء الغرقى ، لطمس فضيلة واضحة لأميرالمؤمنين عليه السلام كما يصنعون بسائر فضائله عليه السلام التي لا يغطيها السحاب، والتي سار بذكرها الركبان ، وأن كل طعن في (نهج البلاغة) إنما هو بداعي التعصب المذهبي الممقوت ، أو البغض لأميرالمؤمنين عليه السلام ومعاداة شيعته .
------------------------------------------------------------------------------------------------
[١] . ترجمة علي بن أبي طالب : ١٤٣ .
[٢] . أديب ، مؤرخ ، أكاديمي وسياسي لبناني ولد سنة ١٩٠٤ ، وتوفي سنة ١٩٩٤ ؛ يعتبرمن أكبرالمثقفين في لبنان وأحد نقاد الأدب العربي في القرن العشرين ، أسهم في إنشاء الجامعة اللبنانية سنة ١٩٥١ ، وكان أول رئيس لها ، كما درس الأدب العربي لسنوات طويلة في جامعة القديس يوسف .
[٣] . الروائع : ٣٢ .
[٤] . صحيح البخاري ٢ / ٧٣٧ .
[٥] . المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٦ ، المعجم الكبير١١ / ٥٥ .
[٦] . الفتاوى الكبرى ٤ / ٤٣٧ .
[٧] . سلسلة الأحاديث الضعيفة ٦ / ٤٧٢ .
[٨] . كتاب سليم بن قيس ٢١١ ، الكافي ١ / ٢٩٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٨٥ ، كنزالعمال ١٣ / ١١٤ .
[٩] . ميزان الاعتدال ٢ / ٤٨٢ .
[١٠] . تاريخ الاسلام ١١ / ٢٢٤ .
[١١] . سير أعلام النبلاء ٨ / ٢٦ .
[١٢] . العجب من صاحب كتاب (ضياء السالك إلى أوضح المسالك) الذي أنكر نسبة وضع علم النحولأميرالمؤمنين عليه السلام ، فقط لأن المنطق والعقل عنده يقضيان بالتدريج في مثل هذا العمل كما عبر في ١ / ٩ من الكتاب ، وكأنه لا يوجد أي جانب غيبي في شخصية الإمام عليه السلام ، رغم أن القضية لا علاقة لها بالاعجاز والغيب ولذلك أن أغلب من أخ لعلم النحو قد أثبت أن أميرالمؤمنين عليه السلام هو واضعه بل نقل الاجماع على ذلك كما في كتاب انباء الرواة بأنباء النحاة للقفطي ١ / ١٤ .
[١٣] . شرح نهج البلاغة ١ / ١٧ .
[١٤] . من لا يحضره الفقيه ٢ / ٦١٦ .
[١٥] . صحيح البخاري ٧ / ١٩٠ .
[١٦] . میزان الاعتدال ١ / ٦٤١ .
[١٧] . صحيح مسلم ٨ / ١٢٧ .
[١٨] . مجموع فتاوى ابن باز٢٥ / ٧٠ .
[١٩] . تدريب الراوي ١ / ١٧٢ .
[٢٠] . ما هونهج البلاغة ؟ : ١٣ .
[٢١] . شرح نهج البلاغة ١٢ / ٣ .
[٢٢] . شرح ابن ميثم للنهج ٤ / ٣٤١ .
[٢٣] . شرح نهج البلاغة ١٠/ ١٢٩ .
إنتهى .
مقتبس من كتاب نهج البلاغة فوق الشبهات والتشكيكات – الشيخ أحمد سلمان