وقال (عليه السلام): مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                

Search form

إرسال الی صدیق
في وصف الأنصار وطوائف قريش وتميم وفي الشعراء – الثاني

الحكمة (١٢٠) وسئل عليه السلام عن قريش فقال:

أَمَّا ؟ بَنُومَخْزُومٍ ؟ فَرَيْحَانَةُ ؟ قُرَيْشٍ ؟ تُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ واَلنِّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ وأَمَّا ؟ بَنُوعَبْدِ شَمْسٍ ؟ فَأَبْعَدُهَا رَأْياً وأَمْنَعُهَا لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهَا وأَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا وأَسْمَحُ عِنْدَ اَلْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا وهُمْ أَكْثَرُ وأَمْكَرُ وأَنْكَرُ ونَحْنُ أَفْصَحُ وأَنْصَحُ وأَصْبَحُ.

أقول: وفي (رسالة الجاحظ) كما في (ينابيع مودة سليمان الحنفي) قال علي عليه السلام حين سئل عن بني هاشم وبني امية « نحن أنجد وأمجد وأجود وهم أنكر وأمكر وأغدر »[١].

وقال عليه السلام أيضا: نحن أطعم للطعام وأضرب للهام[٢].

وروى (موفقيات ابن بكار) عن عبد اللَّه بن إبراهيم الجمي عن نوفل بن عمارة: قال رجل من قريش لعلي عليه السلام: أخبرنا عنكم وعن بني عبد شمس.

قال: نحن أصبح وأفصح وأسمح. فقال الرجل: ما أبقيت للقوم شيئا. قال: بلى هم أكثر وأمكر وأنكر[٣].

وفي (العقد): قيل لعلي عليه السلام: أخبرنا عنكم وعن بني امية. فقال: بنوامية أنكر وأمكر وأفجر، ونحن أصبح وأنصح وأسمح.

وقال الشعبي: قال علي عليه السلام: أما بنوهاشم فأطعمها للطعام وأضربها للهام، وأمّا بنوأمية فأشدّها حجرا وأطلبها للأمر الذي لا ينال فينالونه[٤].

وفي (العيون): قال علي عليه السلام: خصصنا بخمس بصباحة وفصاحة وسماحة ورجاحة وحظوة يعني عند النساء[٥].

وسئل عليه السلام فقال: هم أغدر وأفجر وأمكر، ونحن أفصح وأصبح وأسمح.

قول المصنّف: « وسئل عليه السلام عن قريش » في (المروج): قريش خمسة وعشرون بطنا: بنوهاشم، بنوالمطلب، بنوأسد بن عبد العزى، بنوعبد الدار بن قصي، بنوزهرة بن كلاب، بنوتيم بن مرة، بنومخزوم، بنويقظة، بنوعدي بن كعب، بنوسهم، بنوجمح وهم قريش البطاح، بنومالك بن حنبل، بنومعيص، بنوعامر، بنوأسامة بن لؤي، بنوالأدرم وهم تيم بن غالب، بنومحارب بن فهم، بنوالحرث بن عبد اللَّه، بنوعائذة وهم خزيمة بن لؤي بنوبنانة وهم سعد بن لؤي قريش الظواهر[٦].

وفي (المعارف): النضر بن كنانة أبوقريش، وولده مالك والصلت وصار الصلت في اليمن ورجعت قريش إلى مالك بن النضر فهوأبوها كلّها، وولده فهر والحارث، ومن الحارث أبوعبيدة، وأما فهر فمنه تفرّقت قبائل قريش وولده غالب ومحارب، ومن محارب ضرار بن الخطاب شاعر قريش في الجاهلية، وولد غالب لؤي وتيم ومن تيم الأدرم من أعرابهم قال:

ان بني الأدرم ليسوا من أحد ***** ليسوا إلى قيس وليسوا من أسد

ولا توفاهم قريش في العدد وأمّا لؤي فإليه ينتهي عدد قريش وشرفها، وولده كعب وعامر وسعد وخزيمة والحارث وعوف، وولد عامر حسل ومعيص، ومن معيص ابن ام كلثوم، ومن حسل سهل وسهيل والسكران بنوعمرووسامة بن لؤي وقع بعمان، وأما سعد بن لؤي فمنهم عائذة وهم في بني شيبان ومقاس العائذي الشاعر.

وأمّا كعب بن لؤي فولده مرة وهصيص وعدي، ومن هصيص بنوسهم وبنوجمح وأما عدي فمنهم عمر، وأما مرة فمنهم تيم رهط أبي بكر وطلحة، ومنهم مخزوم ومن مخزوم أبوجهل بن هشام، وفي هشام قالوا:

وأصبح بطن مكّة مقشعرا ***** كأنّ الأرض ليس بها هشام

ومنهم كلاب وولد كلاب زهرة وقصي، وزهرة أخوال النبي صلّى اللَّه عليه وآله، وأمّا قصي واسمه زيد فسمّي مجمعا لأنّه جمع قبائل قريش وأنزلها مكّة وبنى دار الندوة وأخذ المفتاح من خزاعة وولده عبد مناف واسمه المغيرة وعبد الدار وعبد العزى وعبد وقد باد ومن عبد العزى خويلد بن أسد أبوخديجة وجد الزبير، ومن عبد الدار آل أبي طلحة قتلوا يوم أحد إلاّ عثمان بن طلحة أسلم فدفع النبي صلّى اللَّه عليه وآله إليه مفتاح الكعبة وشيبة بن عثمان في ولده المفتاح، وولد عبد مناف هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل ومن نوفل جبير بن مطعم[٧].

« فقال أمّا بنومخزوم » بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. قال الجوهري: يقال لكلّ مثقوب مخزوم.

وفي (البيان): قال خالد بن صفوان لعبدري: هشمتك هاشم وأمتك امية وخزمتك مخزوم، وأنت من عبد دارها ومنتهى عارها تفتح لها الأبواب إذا أقبلت وتغلقها إذا أدبرت[٨].

« فريحانة قريش » وفي (البيان): سأل معاوية دغفلا عن بني مخزوم فقال: معزى مطيرة، عليها قشعريرة، إلاّ بني المغيرة، فإنّ فيهم تشادق الكلام ومصاهرة الكرام[٩].

وفي (البيان): قال معاوية: لا ينبغي أن يكون الهاشمي غير جواد، ولا الاموي غير حليم، ولا الزبيري غير شجاع، ولا المخزومي غير تياه. فبلغ ذلك الحسن بن علي عليهما السّلام فقال: قاتله اللَّه أراد أن يجود بنوهاشم فينفد ما بأيديهم، ويحلم بنوامية فيتحببوا إلى الناس، ويتشجع آل الزبير فيفنوا، ويتيه بنومخزوم فيبغضهم الناس[١٠].

« تحب حديث رجالهم » قد عرفت أن دغفلا النسابة قال في بني المغيرة: تشادق الكلام.

هذا، ومن المحبوبين حديثا مالك بن نويرة اليربوعي الذي قتله خالد بن الوليد من قبل أبي بكر غدرا وزنا بامرأته حتى أنكر ذلك عليه عمر، قال أخوه متمم لعمر: أسرني بنوتغلب في الجاهلية فبلغ ذلك مالكا فجاء ليفتديني، فلما رآه القوم أعجبهم جماله وحدّثهم فأعجبهم حديثه فأطلقوني له بغير فداء.

« والنكاح في نسائهم » ومن نسائهم ام سلمة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وآله ومنهن ام سلمة زوجة السفاح.

في (المروج): كانت ام سلمة بنت يعقوب بن سلمة بن عبد اللَّه بن الوليد بن المغيرة المخزومي عند عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك فهلك عنها، ثم كانت عند هشام فهلك عنها، فبينا هي ذات يوم إذ مر بها أبوالعباس السفاح وكان جميلا وسيما فسألت عنه فنسب لها، فأرسلت مولاة لها تعرض عليه أن يتزوجها وقالت لها: قولي له: هذه سبعمائة دينار وجه بها إليّ وكان معها مال عظيم وجوهر وحشم فأتته المولاة فعرضت عليه ذلك فقال: أنا مملق لا مال عندي. فدفعت إليه المال فأنعم لها وأقبل إلى أخيها فسأله التزويج فزوجه إيّاها، فأصدقها خمسمائة دينار وأهدى مائتي دينار ودخل عليها من ليلته، فإذا هي على منصة، فصعد عليها فإذا كلّ عضومنها مكلّل بالجوهر فلم يصل إليها، فدعت بعض جواريها فنزلت وغيّرت لبسها ولبست ثيابا مصبغة وفرشت له فراشا على الأرض دون ذلك، فلم يصل إليها. فقالت: لا يضرّك هذا،

كذلك كان يصيبهم مثل ما أصابك. فلم تزل به حتى وصل إليها من ليلته وحظيت عنده، وحلف ألا يتزوج عليها ولا يتسرى، فولدت له محمدا وريطة، وغلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها وبتدبيرها...[١١].

وفي (نسب قريش مصعب الزبيري): بعث عبد الملك بن مروان إلى المغيرة ابن عبد الرحمن المخزومي أن يقدم عليه أراد أن يزوجه اخته زينب فقدم المغيرة أيلة وبها يحيى بن الحكم، فخطب إليه اخته زينب وجعل له أربعين ألف دينار فزوّجه إيّاها. ولما قدم دمشق على عبد الملك خطب إليه زينب فقال له: مررت بعمّك يحيى فخطبها إليّ فزوجتها منه ولم أعلم أن لك فيها حاجة. فغضب عبد الملك على عمّه وأخذ كلّ شي‏ء له، فقال يحيى « كعكتان وزينب » يعني لا ابالي إذا وجدت كعكتين وعندي زينب وكانت زينب تسمى من حسنها الموصولة، لأنّ كل رب منها كأنّما حسن خلقه ثم وصل إلى الإرب الآخر[١٢].

هذا، وورد مدح مطلق نساء قريش، روى (الكافي) عن أحدهما عليهما السّلام قال:

خطب النبي صلّى اللَّه عليه وآله ام هاني بنت أبي طالب فقالت: يا رسول اللَّه اني مصابة في حجري أيتام ولا يصلح لك إلاّ امرأة فارغة. فقال النبي: ما ركب الإبل مثل نساء قريش أحناها على ولد ولا أرعى على زوج في ذات يديه[١٣].

هذا، وأتى ابن أبي الحديد بما يضحك الثكلى، فاقتصر في شرح العنوان على عد رجال مخزوم في الجاهلية والاسلام وما قيل فيهم من الأشعار. ثم ان ابن أبي الحديد كأنّه كان من أكبر رجال مخزوم وأنف من قوله عليه السلام فيهم، فقال: ويمكن أن يقال قالت مخزوم ما أنصفنا من اقتصر في ذكرنا على أن قال « مخزوم ريحانة قريش تحب حديث رجالهم والنكاح في نسائهم » ولنا في الجاهلية والإسلام مآثر عظيمة ورجال كثيرة. ثم عدّ منهم المغيرة والوليد بن المغيرة وهشام بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعمر بن أبي ربيعة وخالد بن الوليد وابنه عبد الرحمن وهشام بن إسماعيل وجمعا آخر، وقال: ينبغي أن يقال إنّه عليه السلام لم يقل هذا الكلام احتقارا لهم، ولكن لما كان أكثر همّه يوم المفاخرة أن يفاخر بني عبد شمس لما بينه وبينهم فلما مر ذكر مخزوم بالعرض قال فيهم ما قال، ولوكان يريد مفاخرتهم لما اقتصر على ما قال. على أن أكثر هؤلاء إسلاميون بعده وعلي إنّما يذكر من قبله[١٤].

فإنّ هذا الرجل يدّعي المعرفة ويتكلّم بمثل هذا الكلام، إلاّ انّه لما كان كثير من الذين قال بامامتهم سابّين له عليه السلام لا غرومنه ان يقتصر على هذا المقدار، وكان يمكنه اذ أنف لمخزوم أن يقول انّه غير معلوم كون هذا من كلامه عليه السلام فقد عرفت ان (رسالة الجاحظ) و(عقد ابن عبد ربه) و(عيون ابن قتيبة) اقتصرت على نقل وصفه عليه السلام لهاشم وامية دون مخزوم.

ثم أيّ قيمة لرجال كفار ومنافقين ومخالفين عند اللَّه تعالى وعند رسوله صلّى اللَّه عليه وآله وعنده عليه السلام، وقد قال الجاحظ فيما نقل نفسه عنه ان في مخزوم نزل قوله تعالى وذرني والمكذِّبين أولي النّعمة... [١٥]وقوله تعالى... وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم...[١٦] وفي الوليد نزل قوله تعالى ذرني ومن خلقتُ وحيداً. وجعلت له مالاً ممدوداً. وبنين شهوداً. ثم يطمع أن أزيد. كلا انّه كان عنيداً. سأُرهقه صعوداً. انّه فكّر وقدّر. فقُتل كيف قدّر. ثم قُتل كيف قدّر. ثم نظر ثم عبس وبسر. ثم أدبر واستكبر. فقال ان هذا إلا سحرٌ يؤثر. ان هذا إلاّ قول البشر. سأُصليه سقر. وما أدراك ما سقر. لا تبقي ولا تذر. لواحة للبشر[١٧] وقوله تعالى أما من استغنى.

فأنت له تصدى. وما عليك ألاّ يزّكى[١٨] وفي أبي جهل نزل قوله تعالى ذق انّك أنت العزيز الكريم[١٩] وقوله تعالى فليدع ناديه. سندع الزبانية[٢٠].

وكان أبوجهل أعتى من فرعون، ففرعون لما أدركه الغرق قال...

آمنت أنّه لا إله إلا الذي آمنت به بنوإسرائيل...[٢١] حتى قال له جبرئيل الان وقد عصيت قبل...[٢٢] وأما أبوجهل فحين قتله ادّعى أنّه غلب على النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله.

وعكرمة بن أبي جهل كان سرّ أبيه، فروى الزبير بن بكار أنّه لما بويع أبوبكر ندم قوم من الأنصار وذكروا عليّا عليه السلام وهتفوا باسمه وأنّه في داره لم يخرج إليهم، وكان أشدّ قريش على الأنصار نفر سهيل بن عمروالعامري والحرث بن هاشم وعكرمة بن أبي جهل المخزوميان. وهؤلاء أشراف قريش الذين حاربوا النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله ثم دخلوا في الاسلام وكلّهم موتور قد وتره الأنصار. إلى أن قال: فلما بلغ الأنصار قول هؤلاء الرهط قام ثابت بن قيس بن شماس فقال: يا معشر الأنصار إنّما يكبر عليكم هذا القول لوقاله أهل الدين من قريش، فأما إذ كان من أهل الدّنيا لا سيما من أقوام كلّهم موتور فلا يكبرن عليكم، فان تكلمت رجال قريش الذين هم أهل الآخرة مثل كلام هؤلاء فعند ذلك قولوا ما أحببتم وإلا فأمسكوا[٢٣].

وأما خالد بن الوليد فعمدة آثاره فراره بالمسلمين يوم موتة فصار عارا للإسلام، ولما رجعوا إلى المدينة كان المسلمون يصيحون بهم يا فرار ويحثّون عليهم التراب، وغدره بجمع من المسلمين زمان النبي صلّى اللَّه عليه وآله وقتله لهم بغير حق، فتبرأ منه ومن فعله النبي صلّى اللَّه عليه وآله وبعث لإرضاء أوليائهم، وغدره بجمع من المسلمين زمان أبي بكر كما مر وقرره أبوبكر ودافع عنه فعزله عمر ساعة وفاة أبي بكر وقيامه بالأمر لذلك[٢٤].

وأما ابنه عبد الرحمن فأحد أعوان معاوية، وكان عليه السلام يلعنه بعد صفين كما يلعن معاوية بعد صلاة غداته ومغربه[٢٥].

وأما عمر بن أبي ربيعة فهوالهتاك للمحصنات حتى سمّي بالفاسق وأحرقه اللَّه في الدنيا قبل الآخرة[٢٦].

وأما هشام بن اسماعيل فهوأحد من كان يسبّه عليه السلام، فلما عزله الوليد عن المدينة وأمر ان يوقف للناس كان يحذّر السجاد عليه السلام لذلك[٢٧]، فلم يتعرّض عليه السلام له تكرّما. فأي فخر في هؤلاء الذين كانوا لجهنم حطبا.

ومع أنّه طوّل في نقل جمع منهم فاته من معروفيهم عمر بن عبد الرحمن. وهوالذي أتى في مكة إلى الحسين لما جاءته كتب أهل العراق وقال له عليه السلام: إن تستنصحني أذكر نصيحتي وإلاّ كففت.

مع أنّ كلامه عليه السلام في بيان ذكر صفات طوائف قريش لا تعداد رجالهم فهل كان عليه السلام نسابة يذكر رجالهم، فأراد ابن أبي الحديد أن يكون له عليه السلام كتاب نسب لقريش ككتاب مصعب الزبيري وابن بكار.

مع أنّ مخزوما مع اشتهارهم بالكبر والتيه لم يذكر عليه السّلام ذلك بل اقتصر على صحة النقل على كونهم ريحانة قريش، فقالوا: قال النبي صلّى اللَّه عليه وآله لحزن بن أبي وهب المخزومي جدّ سعيد بن المسيب: ما اسمك ؟ قال: حزن.

فقال عليه السلام له: بل أنت سهل. فقال حزن: انّما السهولة للحمار. قال سعيد بن المسيب: فما زالت تلك الحزونة تعرف فينا حتى اليوم[٢٨].

وفي (الاستيعاب): قال أهل النسب وفي ولد حزن جروية وسوء خلق معروف ذلك فيهم لا يكاد يعدومنهم ولذلك قال معاوية كما مر لا ينبغي للمخزومي أن يكون غير تياه[٢٩].

وأما ردّ الحسن عليه السلام عليه إنّما لأن معاوية لم يقل ذلك عن غرض صحيح بل للتحريض على الازدياد من الصفة المذمومة.

ولوكان ابن أبي الحديد قال: إنّهم بعد بني عبد مناف أشرف طوائف

 قريش كان كلامه صحيحا، فلما سمع أبوقحافة أبوصديقهم قيام ابنه بالأمر تعجّب من تقدّم تيم الرذل على اولئك فقال: كيف رضيت بنوعبد مناف وبنومخزوم بذلك[٣٠].

وكون مخزوم ريحانة قريش ليس وصفا من انشائه عليه السلام، بل كان مقولا قبله عليه السلام وقد فسّره عليه السلام لهم بتفسير حسن بأن لم يقتصر على حبّ نكاح نسائهم بل زاد حبّ حديث رجالهم. فروى أبوعبيدة في كتاب تاجه وقد نقله ابن أبي الحديد[٣١] في موضع آخر إنّ خالد بن عبد الرحمن المخزومي دخل مسجد الكوفة، فانتهى إلى حلقة فيها أبوالصقعب التيمي من تيم الرباب وكان من أعلم الناس فلما سمع علمه وحديثه حسده فقال له: ممن الرجل ؟

قال: من تيم الرباب. فقال له: ما أنت من سعد الأكثرين ولا حنظلة الأكرمين ولا عمروالأشدّين. فقال له أبوالصقعب: فممّن أنت ؟ قال: من بني مخزوم. قال:

واللَّه ما أنت من هاشم المنتجبين ولا امية المستخلفين ولا عبد الدار المستحجبين فبم تفخر ؟ قال: نحن ريحانة قريش. قال أبوالصقعب: قبحا لما جئت به، وهل تدري لم سمّيت مخزوم ريحانة قريش ؟ سمّيت بحظوة نسائها عند الرجال. فأفحمه.

وفي خبر خالد بن صفوان مع السفاح: لما جعل يصف له أقسام النساء الجواري والحرائر ليرغبه فيهن ويعطيه جائزة، فسمعت ام سلمة امرأة السفاح ذلك وبعثت من خدمها من ضربه شديدا، فعكس الأمر لارضاء ام سلمة وقال للسفاح: أخبرتك أنّ بني مخزوم ريحانة قريش وعندك ريحانة من الرياحين وأنت تسطح بعينك إلى حرائر النساء والإماء.

ثم اعتذاره بأنّه عليه السلام لم يقصد احتقار مخزوم، خبط في خبط فلم يكن عليه السلام أوّلا في مقام المفاخرة بل في مقام بيان صفات طوائف قريش، وثانيا أي ربط لهذا الكلام بمفاخرته مع عبد شمس وهل كون كتابه عليه السلام إلى معاوية « منّا النبيّ ومنكم المكذّب » الوارد في ذلك يجعل كلّ كلام كذلك، وثالثا لم يمر ذكر مخزوم بالعرض كيف وفي العنوان ذكر أوّلا، ورابعا ان قوله « وعلي عليه السلام إنّما يذكر من قبله » غلط، فهذا شي‏ء عام فكل إنسان يصف طائفة يصف من وجد منهم لا من يوجد بعده، وانّما فرقه عليه السلام مع باقي الناس أنّه لا يكترث بغير الفضائل الدينية والأخلاقية.

هذا، وفي (الأغاني): وفد عمر بن أبي ربيعة على عبد الملك فسأله عن مفاخرته مع الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب، فقال: بينا أنا جالس في المسجد الحرام في جماعة من قريش إذ دخل الفضل ووافقني وأنا أتمثّل بهذا البيت:

وأصبح بطن مكّة مقشعرا ***** كأن الأرض ليس بها هشام

فقال: يا أخا بني مخزوم إنّ بلدة تبجح بها عبد المطلب وبعث فيها النبي صلّى اللَّه عليه وآله وفيها بيت اللَّه تعالى لحقيقة ألا تقشعر لهشام، وإنّ أشعر من هذا البيت وأصدق قول من يقول:

انما عبد مناف جوهر ***** زين الجوهر عبد المطلب

فقلت: يا أخا بني هاشم أشعر من صاحبك الذي يقول:

إنّ الدليل على الخيرات أجمعها ***** أبناء مخزوم للخيرات مخزوم

فقال لي: أشعر واللَّه من صاحبك الذي يقول:

جبريل أهدى لنا الخيرات أجمعها ***** أرام هاشم لا أبناء مخزوم

فقلت في نفسي: غلبني واللَّه، ثم حملني الطمع في انقطاعه عني فقلت له:

بل أشعر منه الذي يقول:

أبناء مخزوم الحريق إذا ***** حرّكته تارة ضرما

يخرج منه الشرار مع لهب ***** من حاد عن حده فقد سلما

فأقبل علي وقال: أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول:

هاشم بحر إذا سما وطما ***** أخمد حر الحريق واضطرما

واعلم وخير القول أصدقه ***** بأنّ من رام هاشما هشما

فتمنيت واللَّه أن الأرض ساخت بي، ثم تجلدت عليه فقلت: أشعر من صاحبك الذي يقول:

أبناء مخزوم أنجم طلعت ***** للناس تجلوبنورها الظلما

تجود بالنيل قبل تساله ***** جودا هنيئا وتضرب البهما

فأقبل عليّ بأسرع من اللحظ، ثم قال أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول:

هاشم شمس بالسعد مطلعها ***** إذا بدت أخفت النجوم معا

اختارنا اللَّه في النبي فمن ***** قارعنا بعد أحمد قرعا

فأسودت الدّنيا في عيني، فانقطعت فلم أجد جوابا، ثم قلت له: يا أخا بني هاشم ان كنت تفتخر علينا بالنبي فما تسعنا مفاخرتك. فقال: كيف لا أفتخر به ولوكان منك لفخرت به علي. فقلت: صدقت إنّه لموضع الفخار.

وسررت بقطع الكلام إذ ابتدأ المناقضة، ثم قال: قد قلت فلم أجد بدا من الاستماع. فقلت: هات. فقال:

نحن الذين إذا سما بفخارهم ***** ذوالفخر أقعده هناك القعدد

افخر بنا ان كنت يوما فاخرا ***** تلفى الاولى فخروا بفخرك أفردوا

قل يابن مخزوم لكلّ مفاخر ***** منّا المبارك ذوالرسالة أحمد

ما ذا يقول ذوالفخار هنا لكم ***** هيهات ذلك هل ينال الفرقد

فحصرت وتبلدت ثم قلت له: أنظرني. وفكّرت مليّا ثم أنشأت أقول:

لا فخر إلاّ قد علاه محمّد ***** فإذا فخرت به فاني أشهد

ان قد فخرت وفقت كلّ مفاخر ***** وإليك في الشرف الرفيع المقصد

ولنا دعائم قد تناهى أول ***** في المكرمات جرى عليها المولد

من دامها حاشى النبي وأهله ***** في الأرض غطغطه الخليج المزبد

دع ذا ورح بفناء خودبضة ***** مما نطقت به وغنى معبد

مع فتية تندى بطون أكفّهم ***** جودا إذا هزّ الزمان الأنكد

يتناولون سلافة عامية ***** طابت لشاربها وطاب المقعد

فواللَّه لقد أجابني بجواب مثل كان أشدّ عليّ من الشعر، فقال لي: يا أخا بني مخزوم: « أريك السها وتريني القمر ». فقلت له: لا أرى شيئا أصلح من السكوت. فضحك وقام عنّي. قال: فضحك عبد الملك حتى استلقى[٣٢].

« وأما بنوعبد شمس فأبعدها رأيا، وأمنعها لما وراء ظهورها » في (بيان الجاحظ): خاض جلساء عبد الملك يوما في قتل عثمان، فقال رجل منهم: في أي سنّك كنت يومئذ ؟ قال: كنت دون المحتلم. قال: فما بلغك من حزنك عليه ؟

قال: شغلني الغضب له عن الحزن عليه[٣٣].

-----------------------------------------------
[١] . ينابيع المودة: ١٥٤.
[٢] . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٥: ٢٠٨.
[٣] . موفقيات ابن بكار: ٣٤٣.
[٤] . العقد الفريد ٣: ٣١٥.
[٥] . العيون ٤: ٢٥.
[٦] . المروج ٢: ٣٢.
[٧] . المعارف: ٦٧.
[٨] . البيان والتبيين ١: ٣٣٦.
[٩] . البيان والتبيين ١: ١٢١.
[١٠] . البيان والتبيين ٤: ٦١.
[١١] . المروج ٣: ٢٦٠.
[١٢] . نسب قريش: ٣٠٧.
[١٣] . الكافي ٥: ٣٢٦ ح ٣.
[١٤] . شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٨٥.
[١٥] . المزمل: ١١.
[١٦] . الأنعام: ٩٤.
[١٧] . المدثر: ١٠ ٢٩.
[١٨] . عبس: ٤ ٧.
[١٩] . الدخان: ٤٩.
[٢٠] . العلق: ١٦ ١٨.
[٢١] . يونس: ٩٠.
[٢٢] . يونس: ٩١.
[٢٣] . أخبار الموفقيات للزبير بن بكار: ٥٨٣.
[٢٤] . المغازي للواقدي ٢: ٧٦٤.
[٢٥] . الغارات: ١٧٤.
[٢٦] . الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني ١: ٢٤٨.
[٢٧] . الكامل لابن الأثير ٥: ٥٢٦ ٥٢٧.
[٢٨] . سنن ابن أبي داود ٤: ٢٨٩ ح ٤٩٥٦، دار الفكر. البخاري ٨: ٥٣ دار الفكر.
[٢٩] . الاستيعاب ١: ١٣٩. ترجمة حزن بن أبي وهب.
[٣٠] . شرح نهج البلاغة لابن الحديد ١٨: ٢٨٥.
[٣١] . شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ١٥: ١٣٢.
[٣٢] . الأغاني ١٦: ١٨٦ ١٨٩.
[٣٣] . بيان الجاحظ ٢: ٣٢١.

يتبع  ...

****************************