وفي (الأغاني): قدم عمارة بن تميم ومحمد بن الحجاج سجستان لحرب ابن الأشعث، فلما قدماها هرب ولم يبق من أصحابه بسجستان إلاّ نحوسبعمائة رجل من بني تميم كانوا مقيمين بها. فقال لهما أبوحزابة التميمي الشاعر: ان الرجل قد هرب منكما ولم يبق من أصحابه أحد. وانما بسجستان من كان بها من بني تميم قبل قدومه. فقالا: ما لهم عندنا أمان لأنّهم كانوا مع ابن الأشعث وخلعوا الطاعة. فقال: ما خلعوا الطاعة ولكنه ورد عليهم في جمع عظيم لم يكن لهم بدفعه طاقة. فلم يجيباه إلى ما أراد. فعاد إلى قومه وحاصرهم أهل الشام فاستقلت بنوتميم، فكانوا يخرجون إليهم في كل يوم فيواقعونهم ويبيتونهم بالليل وينتهبون أطرافهم حتى ضجروا بذلك، فلما رأى عمارة فعلهم صالحهم وخرجوا إليه، فلما رأى قلتهم قال: ما كنتم إلاّ ما أرى. قالوا: لا فان شئت أن نقيلك الصلح أقلناك وعدنا للحرب. فقال: أنا غني عن ذلك. فقال أبوحزابة:
للَّه عينا من رأى من فوارس ***** أكر على المكروه منهم وأصبرا
وأكرم لولاقوا سوادا مقاربا ***** ولكن لقواطما من البحر أخضرا
فما برحوا حتى أعضوا سيوفهم ***** ذرى الهام منهم والحديد المسمرا
وحتى حسبناهم فوارس كهمس ***** حيوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا[١]
وفي (البيان): ذكر مؤمل بن خاقان ان تميم بن مر قال في خطبته: ان تميما لها الشرف العود، والعزّ الأقعس والعدد الهيضل، وهي في الجاهلية القدام والذروة والسنام، وقد قال الشاعر:
فقلت له وانكر بعض شأني ****** ألم تعرف رقاب بني تميم[٢]
وفيه أيضا: لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه فقال: يا بني احفظوا عني فلا أحد أنصح لكم مني، إذا مت فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم، ولا تهونوا عليهم وعليكم باصلاح المال فانّه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم، وإيّاكم ومسألة الناس فانّها أخزى كسب الرجل[٣].
وفيه: سئل دغفل النسابة عن تميم قال: حجر أخشن ان دنوت منه آذاك وان تركته أعفاك[٤].
وقال الراجز:
ان تميما اعطيت تماما ***** واعطيت مآثرا عظاما
وعددا وحسبا قمقاما ***** وبازخا من عزّها قداما
في الدهر أعيى الناس ان يراما ***** إذا رأيت منهم الأجساما
والدل والشيمة والكلاما ***** واذرعا وقصرا وهاما
عرفت ان لم يخلقوا طغاما ***** ولم يكن أبوهم مسقاما
لم تر في من يأكل الطعاما ***** أقل منهم سقطا وذاما
وفي (موفقيات ابن بكار): كان عبد الرحمن بن حسان معنى غريضا ذا كبر ونخوة، فكتب من المدينة إلى مسكين بن عامر بن شريح بن عمروبن عمروابن عدس بن زيد بن عبد اللَّه بن دارع يدعوه إلى المفاخرة والتهاجي في كتاب إلى أن قال فقال مسكين في قصيدة:
فان يبل الشباب فكلّ شيء ***** سمعت به سوى الرحمن بال
الا ان الشباب ثياب لبس ***** وما الأموال إلا كالظلال
وما أدري وان جامعت قوما ***** أفيهم رغبتي أم في الزيال
وعاملة وما تدري أفيه ***** يكون نجاحها أم في الحيال
لعلّك يابن فرخ اللؤم تنمي ***** تروم الراسيات من الجبال
فانّك لن تنال المجد حتى ***** ترد الماضيات من الليالي
أبي مضر الذي حدّثت عنه ***** وكلّ ربيعة الاثرين خالي
واني حين أنسب من تميم ***** لفي الشمّ الشماريخ الطوال
وآبائي بنوعدس بن زيد ***** وخالي البشر بشر بني هلال
كساني عزّتي عمروبن عمرو ***** وردّاني زرارة بالفعال
كفانا حاجب كسرى وقوما ***** هم البيض الكرام ذووالسبال
وسار عطارد حتى أتاهم ***** فأعطوه المنى غير انتحال
قال: « كفانا حاجب » يعني كفى العرب جميعا أمر كسرى حيث منعهم أن يرعوا في بلاد العجم إلا بضمين، فرهنه قوسه فأطلقه.
وذوالقرنين آخاه لقيط ***** وكان صفيّه دون الرجال
وذوالقرنين عمروبن هند ***** هما حبيا بديباج كريم
وياقوت يفصل بالمحال ***** وكان الحازم القعقاع منّا
لزاز الخصم والأمر العضال ***** شريح فارس النعمان جدي
ونازلها إذا دعيت نزال ***** وقاتل خاله بأبيه منّا
سماعة لم يبع حسبا بمال ***** وندمان ابن جفنة كان خالي
ففارقه وليس له بقال ***** ويوم مظلم لبني تميم
جلونا شمسه والكف عال ***** دعتنا الحنظلية إذ لحقنا
وقد حملت على جمل ثقال ***** فأدركها ولم يعدل شريح
واعوج عند مختلف العوالي ***** فغرنا ان غيرتنا كذاكم
إذا برز النساء من الحجال ***** متى نأسر ونؤسر في اناس
ويوجع كلّما عقد الحبال ***** فنحن الذائدون إذا بدئنا
ولا يرضون منّا بالبدال
إلى أن قال:
كأنّ قدور قومي كلّ يوم ***** قباب الترك ملبسة الجلال
أمام الحي تحملها أثاف ***** ململمة كأثباج الرئال
كأنّ الموقدين لها جمال ***** طلاها الزفت والقطران طال
بأيديهم معازف من حديد ***** يشبهها مقيرة الدوالي
وقال في قوله « متى نأسر ونؤسر في أناس »: أسرت بنوأسد رجلا من زرارة وفي بني زرارة أسير من بني أسد فعوّضوه به، فأبت بنوأسد حتى زادوهم في فداء الزراري[٥].
وفي (بلاغات نساء البغدادي): قال معاوية لجروة بنت غالب التميمية:
أخبريني عن قومك. قالت: هم أكثر الناس عددا وأوسعهم بلدا وأبعدهم أمدا، هم الذهب الأحمر والحسب الأفخر، اما بنوعمروبن تميم فأصحاب بأس ونجدة وتحاشد وشدّة، لا يتخاذلون عند اللقاء ولا يطمع فيهم الأعداء، سلمهم فيهم وسيفهم على عدوّهم، واما بنوسعد بن زيد مناة ففي العدد الأكثرون وفي النسب الأطيبون، يضرون ان غضبوا ويدركون ان طلبوا، أصحاب سيوف وجحف ونزال وزلف، على ان بأسهم فيهم وسيفهم عليهم، واما حنظلة فالبيت الرفيع والحسب البديع والعزّ المنيع، المكرمون للجار والطالبون بالثار والناقضون للأوتار، واما البراجم فأصابع مجتمعة وكفّ ممتنعة، واما طهية فقوم هوج وقرن لجوج، وأما بنوربيعة فصخرة صماء وحية رقشاء، يغزون غيرهم ويفخرون بقومهم، وأما بنويربوع ففرسان الرماح وأسود الصباح، يعتنقون الأقران ويقتلون الفرسان، واما بنومالك فجمع غير مفلول وعزّ غير مجهول ليوث هرارة وخيول كرارة، واما بنودارم فكرم لا يدانى وشرف لا يسامى وعزّ لا يوازى.
فقال لها معاوية: أنت أعلم الناس بتميم، فما قولك في علي ؟ قالت: حاز واللَّه الشرف حدّا لا يوصف وغاية لا تعرف، وباللَّه أسأل إعفائي ممّا أتخوّف[٦].
وفي (كامل المبرد): وجّه الحجاج البراء بن قبيصة إلى المهلب يستحثه في مناجزة القوم، وكتب إليه انّك لتحبّ بقاءهم لتأكل بهم فقال المهلب لأصحابه: حركوهم. فخرج فرسان من أصحابه إليهم فخرج إليهم جمع فاقتتلوا إلى الليل، فقال لهم الخوارج: أما تملّون. فقالوا: لا حتى تملّوا. قالوا:
فمن أنتم ؟ قالوا: تميم. قالت الخوارج: ونحن بنوتميم. فلما أمسوا افترقوا.
فلما كان من الغد خرج عشرة من أصحاب المهلب وخرج إليهم عشرة من الخوارج، فاحتفر كلّ واحد منهم حفيرة وأثبت قدمه فيها، فكلّما قتل رجل منهم جاء رجل من أصحابه فاجتره ووقف مكانه حتى اعتموا. فقال لهم الخوارج: ارجعوا. فقالوا: بل ارجعوا أنتم. فقالوا: ويلكم من أنتم ؟ قالوا: تميم.
قالوا: ونحن تميم. فرجع براء بن قبيصة إلى الحجاج فقال له: مه ؟ قال: رأيت قوما لا يعين عليهم إلاّ اللَّه[٧].
وفي (الطبري): وفد الأحنف بن قيس وجارية بن قدامة من بني ربيعة بن كعب والجون بن قتادة العبشمي والحتات بن يزيد أبومنازل أحد بني حوى بن سفيان بن مجاشع إلى معاوية، فأعطى كلّ رجل منهم مائة ألف وأعطى الحتات سبعين ألفا، فلما كانوا في الطريق سأل بعضهم بعضا فأخبروا بجوائزهم، فكان الحتات أخذ سبعين ألفا، فرجع إلى معاوية فقال: ما ردّك ؟ قال: فضحتني في بني تميم، أما حسبي بصحيح ؟ أولست ذا سن ؟
أولست مطاعا في عشيرتي ؟ فقال معاوية بلى. قال: فما بالك خسست بي دون القوم ؟ فقال: اني اشتريت من القوم دينهم ووكلتك إلى دينك ورأيك في عثمان وكان عثمانيا فقال: وأنا فاشتر مني ديني. فأمر له بتمام جائزة القوم وطعن في جائزته[٨].
قلت أي طعن بالوباء في إقامته لتحصيل ما أمر به فحبسها معاوية فقال الفرزدق في ذلك:
أبوك وعمي يا معاوية أورثا ***** تراثا فيحتاز التراث أقاربه
فما بال ميراث الحتات أخذته ***** وميراث حرب جامد لك ذائبه
فلوأنّ هذا الأمر في جاهلية ***** علمت من المرء القليل حلائبه
ولوكان في دين سوى ذا شنأتم ***** لنا حقّنا أوغصّ بالماء شاربه
ولوكان إذ كنّا وفي الكفّ بسطة ***** لصمم عضب فيك مضاربه
وقد رمت شيئا يا معاوي دونه ***** خياطيف علود صعاب مراتبه
وما كنت أعطي النصف من غير قدرة ***** سواك ولومالت عليّ كتائبه
ألست أعزّ الناس قوما واسرة ***** وأمنعهم جارا إذا ضيم جانبه
وما ولدت بعد النبي وآله ***** كمثلي حصان في الرجال يقاربه
أبي غالب والمرء ناجية الذي ***** إلى صعصع ينمي فمن ذا يناسبه
وبيتي إلى جنب الثريا فناؤه ***** ومن دونه البدر المضيء كواكبه
أنا بن الجبال الصم في عدد الحصى ***** وعرق الثرى عرقي فمن ذا يحاسبه
أنا بن الذي أحيى الوئيد وضامن ***** على الدهر اذ عزت لدهر مكاسبه
وكم من أب لي يا معاوي لم يزل ***** أغرّ يباري الريح ما أزور جانبه
نمته فروغ المالكين ولم يكن ***** أبوك الذي من عبد شمس يقاربه
تراه كنصل السيف يهتزّ للندى ***** كريما يلاقي المجد ماطر شاربه
طويل نجاد السيف مذ كان لم يكن ***** قصي وعبد الشمس ممّن يخاطبه[٩]
فردّ ثلاثين ألفا على أهله.
وقال ابن أبي الحديد ذكر أبوعبيدة في (تاجه) أنّ لبني تميم مآثر لم يشركها فيها غيرهم، أما بنوسعد بن زيد مناة فلها ثلاث خصال يعرفها العرب: إحداها كثرة العدد حتى ملأت السهل والجبل، عدلت مضر كثرة وعامة، العدد منها في كعب بن سعد ولذلك قال سعد بن معزا:
كعبي من خير الكعاب كعبا ***** من خيرها فوارسا وعقبا
تعدل جنبا وتميم جنبا
ولذا كانت تسمى سعد الأكثرين وفي المثل (في كل واد بنوسعد).
والثانية: الإفاضة في الجاهلية، كان ذلك في بني عطارد وهم يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى قام الاسلام، وكانوا إذا اجتمع الناس أيام الحج بمنى لم يبرح أحد حتى يجوز القائم بذلك من آل كرب بن صفوان، قال أوس بن معزا:
ولا يريمون في التعريف موقفهم ***** حتى يقال أجيزوا آل صفوانا
والثالثة: أنّ منهم أشرف بيت في العرب الذي شرفته ملوك لخم، قال المنذر بن المنذر بن ماء السماء ذات يوم وعنده وفود العرب ودعا ببردي أبيه: ليلبس هذين أعزّ العرب وأكرمهم حسبا. فأحجم الناس. فقال أحيمر بن خلف بن بهدلة: أنا لهما. قال الملك: بماذا ؟ قال: بأنّ مضر أكرم العرب وأعزّها وأكثرها عديدا، وإنّ تميما كأهلها وأكثرها وان بيتها وعددها في بني بهدلة وهوجدّي. قال: هذا في أصلك وعشيرتك، فكيف في عترتك وأدانيك ؟ قال: أنا
أبوعشرة وأخوعشرة وعم عشرة. فدفعهما إليه. وإلى هذا أشار الزبرقان في قوله:
وبردا ابن ماء المزن عمي اكتساهما ***** بفضل معدّ حيث عدّت محاصله
ولهم في الاسلام خصلة. قدم قيس بن عاصم المنقري على النبي صلّى اللَّه عليه وآله في نفر من بني سعد، فقال صلّى اللَّه عليه وآله: هذا سيّد أهل الوبر. فجعله سيد خندف وقيس ممّن يسكن الوبر.
وأمّا بنوحنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم فلهم خصال كثيرة، فمن ذلك بيت زرارة بن عدس بن زيد بن دارم بن مالك بن حنظلة، يقال انّه أشرف البيوت في بني تميم. ومن ذلك قوس حاجب بن زرارة المرهونة عند كسرى عن مضر كلّها وفي ذلك قيل:
أقسم كسرى لا يصالح واحدا ***** من الناس حتى يرهن القوس حاجب
ومن ذلك في صعصعة بن ناجية من مجاشع بن دارم، وهوأول من أحيى الوئيد. قام الإسلام وقد اشترى ثلاثمائة موءودة فأعتقهن وربّاهن، وكانت العرب تئد البنات خوف الإملاق.
ومن ذلك غالب بن صعصعة أبوالفرزدق، قرى مائة ضيف واحتمل عشر ديات لقوم لا يعرفهم. وكان من حديث ذلك ان بني كلب بن وبرة افتخرت بينها في أنديتها، فقالت: نحن لباب العرب الذين لا ينازعون حسبا وكرما. فقال شيخ منهم: ان العرب غير مقرّة لكم بذلك، ان لها احسابا وان لها لبابا وان لها فعالا، ولكن ابعثوا مائة منكم في أحسن هيئة وبزة ينفرون من مروا به من العرب ويسألونه عشر ديات ولا ينتسبون له، فمن قراهم وبذل لهم الديات فهوالكريم الذي لا ينازع فضلا. فخرجوا حتى قدموا أرض بني تميم وأسد، فنفروا الأحياء حيّا حيّا وماء فماء لا يجدون أحدا على ما يريدون، حتى مروا على أكثم بن صيفي فسألوه ذلك فقال: من هؤلاء القتلى ومن أنتم وما قصّتكم، فان لكم لشأنا باختلافكم في كلامكم ؟ فعدلوا عنه ثم مروا بعتيبة بن الحرث بن شهاب اليربوعي فسألوه ذلك، فقال: من أنتم ؟ قالوا:
فقال: اني لأبغي كلبا بدم فان انسلخ الأشهر الحرم وأنتم بهذه الأرض وأدرككم الخيل نكلت بكم وأثكلتكم امهاتكم. فخرجوا من عنده مرعوبين.
فمروا بعطارد بن حاجب بن زرارة فسألوه ذلك فقال: قولوا أبياتا وخذوها.
فقالوا: أما هذا فقد سألكم قبل أن يعطيكم. فتركوه ومرّوا ببني مجاشع بن دارم فأتوا على واد قد امتلأ من البعير فيها غالب بن صعصعة يهنأها، فسألوه القرى والديات فقال لهم: هاكم البذل قبل النزول، فابتزوها من البرك وخذوا دياتكم ثم انزلوا. فنزلوا وأخبروه بالحال وقالوا: أرشدك اللَّه من سيد قوم لقد أرحتنا من طول النصب ولوعلمنا لقصدنا إليك، فذلك قول الفرزدق:
فللَّه عينا من رأى مثل غالب ***** قرى ماه ضيفا ولم يتكلّم
واذ نبحت كلب على الناس أنّهم ***** أحقّ بتاج الماجد المتكرّم
فلم يجز عن أحسابها غير غالب ***** جرى بعناني كل أبلج خضرم[١٠]
وأما بنو يربوع بن حنظلة فمنهم عتاب بن هرمي بن رباح، كانت له ردافة ملوك آل المنذر، والردافة أن يثنى به في الشرب وإذا غاب الملك خلفه في مجلسه. وورث ذلك بنوه كابرا عن كابر حتى قام الإسلام[١١].