وفي المديح من جرير في قوله:
ألستم خير من ركب المطايا ***** وأندى العالمين بطون راح[١]
ومن زهير في قوله:
تراه إذا ما جئته متهللا ***** كأنّك تعطيه الذي أنت سائله
ولولم يكن في كفّه غير نفسه ***** لجاد بها فليتق اللَّه سائله[٢]
وفي الهجاء من الأعشى في قوله:
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ***** وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا[٣]
ومن جرير في قوله:
فغضّ الطرف إنّك من نمير ***** فلا كعبا بلغت ولا كلابا[٤]
وفي القدرة من النابغة في قوله:
فإنّك كالليل الذي هومدركي ***** وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع
وفي الرقة من امرىء القيس في قوله:
وما ذرفت عيناك إلاّ لتضربي ***** بسهميك في أعشار قلب مقتل[٥]
وفي الكسل مما رواه يحيى بن سعيد الاموي لبعضهم:
سألت اللَّه أن يأتي بسلمى ***** وكان اللَّه يفعل ما يشاء
فيأخذها ويطرحها بجنبي ***** ويرقدها وقد كشف الغطاء
ويأخذني ويطرحني عليها ***** ويرقدنا وقد قضي القضاء
ويرسل ديمه سحا علينا ***** فيغسلنا ولا يلقى عناء
وهذا باب واسع ومن أراد اطلاعا أكثر فليراجع (ديوان المعاني) لأبي هلال العسكري[٦].
وفي (المعجم): قال محمد بن سلام: سألت يونس النحوي عن أشعر الناس. فقال: لا أومي إلى رجل بعينه، ولكني أقول امرؤ القيس إذا ركب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب والأعشى إذا طرب وقالوا: وجرير إذا غضب.
ولابن جني كتاب مترجم بالمهج في تفسير اسماء شعراء الحماسة[٧].
في (الأغاني): قالوا: اجتمع الزبرقان بن بدر والمخبل السعدي وعبدة بن الطبيب وعمروبن الأهتم قبل أن يسلموا وبعد المبعث، قال: فجاءهم رجل من بني يربوع وهم جلوس يشربون، فقالوا له: أخبرنا أيّنا أشعر. قال: أخاف أن تغضبوا فأمّنوه. فقال: أما عمروفشعره برود يمينه تنشر وتطوى، وأما أنت يا زبرقان فشعرك كلحم لم ينضج فيؤكل ولم يترك نيئا فينتفع به، واما أنت يا مخبل فشعرك شهب من نار اللَّه يلقيها على من يشاء، وأما أنت يا عبدة فشعرك كمزادة أحكم خزرها فليس يقطر منها شيء[٨].
« فإن كان ولا بد » من ذكر أشعرهم مع اختلاف مشاربهم وتشتّت مساربهم.
« فالملك الضليل » وكما اختلف في الأشعر اختلف في الأشبه بأمرىء القيس، فقال الحموي في الحسين بن أحمد بن الحجاج الكاتب: قالوا انّه في درجة امرىء القيس لم يكن بينهما مثلهما وان كان جلّ شعره مجون وسخف، وناهيك برجل يصف نفسه بمثل قوله:
رجل يدّعي النبوّة في السخف ***** ومن ذا يشكّ في الأنباء
جاء بالمعجزات يدعوإليها ***** فأجيبوا إليها يا معشر السخفاء
خاطر يصفح الفرزدق في الشعر ***** ونحوينيك أمّ الكسائي[٩]
وقال الصاحب بن عباد: بدىء الشعر بملك يعني امرأ القيس وختم بملك يعني أبا فراس[١٠].
وأقول: إلاّ أنّ الملك الثاني كان مهديا لا ضليلا كالأول، فان أبا فراس صاحب القصيدة الميمية في مظلومية أهل البيت عليهم السّلام وظالمية بني العباس.
يححى أنّه دخل بغداد وأمر أن يشهر خمسمائة سيف خلفه وقيل أكثر، ووقف في المعسكر وأنشد القصيدة وخرج من باب آخر، أول القصيدة:
الحقّ مهتضم والدين مخترم ***** وفيء آل رسول اللَّه مقتسم
ومنها قوله:
يا للرجال أما للَّه منتصر ***** من الطغاة وما للدين منتقم
بنوعلي رعايا في ديارهم ***** والأمر يملكه النسوان والخدم
محلؤون فأصفى شربهم وشل ***** عند الورود وأوفى وردهم لمم
فالأرض إلاّ على ملاكها سعة ***** والمال إلاّ على أربابها ديم[١١]
كان أبوفراس ابن عم ناصر الدولة الحمداني وسيف الدولة الحمداني، فقالوا فيه: كان وشاح قلادة آل حمدان.
وأمّا كون امرىء القيس ملكا فلأن أباه حجر بن عمروالكندي ملك على بني أسد، وكان يأخذ منهم شيئا معلوما، فامتنعوا منه فسار إليهم فأخذ سرواتهم فقتلهم بالعصي، ثم اجتمع بنوأسد فجاؤوا إليه على غفلة فوجدوه نائما فذبحوه، فآلى أمرؤ القيس ألاّ يأكل لحما ولا يشرب خمرا حتى يثأر بأبيه ثم استجاش بكر ابن وائل فأوقع بهم.
وأمّا كونه ضليلا فلعهره، حتى أنّ أباه أراد قتله لذلك، قال ابن قتيبة في (شعرائه): كان أبوه قد طرده لما صنع بفاطمة ما صنع، كان عاشقا لها فطلبها زمانا فلم يصل إليها وكان يطلب غرة حتى كان منها يوم الغدير بدارة جلجل، فلما بلغ ذلك أباه دعا مولى له وقال له: اقتل امرأ القيس وائتني بعينيه، فذبح جؤذرا فأتاه بعينيه، فندم. فقال له: أبيت اللعن إنّي لم أقتله[١٢]....
وفي (الأغاني): كان امرؤ القيس عاشقا لابنة عم له يقال لها عنيزة، فطلبها زمانا فلم يصل إليها، وكان في طلب غرة من أهلها ليزورها فلم يقض له حتى كان يوم الغدير وهويوم دارة جلجل وذلك أن الحي احتملوا فتقدّم الرجال وتخلّف النساء والخدم والثقل، فلما رأى ذلك امرؤ القيس تخلّف بعدما سار مع قومه غلوة، فكمن في غابة من الأرض حتى مر به النساء فإذا فتيات وفيهن عنيزة، فلما وردن الغدير قلن: لونزلنا فذهب عنّا بعض الكلال. فنزلن إليه ونحين العبيد عنهن ثم تجردن فاغتمسن في الغدير، فأتاهن امرؤ القيس محتالا وهنّ غوافل، فأخذ ثيابهن فجمعها وقال لهن: واللَّه لا أعطي جارية منكن ثوبها ولوأقامت في الغدير يومها حتى تخرج مجرّدة: فأبين ذلك عليه حتى تعالى النهار ثم خشين أن يقصرن دون المنزل الذي أردنه، فخرجت إحداهن فوضع لها ثوبها ناحية فأخذته فلبسته، ثم تتابعن على ذلك حتى بقيت عنيزة، فناشدته اللَّه أن يطرح إليها ثوبها فقال: دعينا منك. فخرجت فنظر إليها مقبلة ومدبرة، فأخذت ثوبها وأقبلن عليه يعذلنه ويقلن له: عريتنا وحبستنا وجوعتنا. قال: فان نحرت لكن مطيتي أتأكلن منهأ. قلن: نعم.
فاخترط سيفه فعقرها ونحرها وكشطها وصاح بالخدم فجمعوا إليه حطبا فأجّج نارا عظيمة، ثم جعل يقطع من سنامها وأطائبها وكبدها فيلقيها على الجمر فيأكلن ويأكل معهن ويشرب من ركوة كانت معه ويغنيهن وينبذ إلى العبيد والخدم من الكباب حتى شبعن وطربن، فلما أراد الرحيل قالت احداهن:
أنا أحمل طنفسته. وقالت الاخرى: أنا أحمل رحله. وقالت الاخرى: أنا أحمل حشيته وانساعه. فتقسمن متاع راحلته بينهن وبقيت عنيزة لم تحمل له شيئا، فقال لها يا بنة الكرام لا بد لك أن تحمليني معك فإنّي لا أطيق المشي وليس من عادتي. فحملته على غارب بعيرها، فكان يدخل رأسه في خدرها فيقبلها، فإذا امتنعت مال حدجها فتقول له: يا امرأ القيس عقرت بعيري فانزل. فذلك قوله:
تقول وقد مال الغبيط بنا ***** عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل[١٣]
وقال ابن أبي الحديد كان يعلن في شعره بالفسق كقوله:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ***** فألهيتها عن ذي تمائم محول
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له ***** بشقّ وتحتي شقها لم يحول[١٤]
وكقوله:
سموت إليها بعدما نام أهلها ***** سموحباب الماء حالا على حال
فقالت: لحاك اللَّه انّك فاضحي ***** ألست ترى السمار والناس أحوالي
فقلت لها: تاللَّه أبرح قاعدا ***** ولوقطعوا رأسي لديك وأوصالي
فلما تنازعنا الحديث وأسمحت ***** هصرت بغصن ذي شماريخ ميال
فصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا ***** ورضت فذلّت صعبة أي إذلال
حلفت لها باللَّه حلفة فاجر ***** لناموا فما ان حديث ولا صال
فأصبحت مشعوفا وأصبح بعلها ***** عليه القتام كاسف الوجه والبال[١٥]
وكقوله:
وبيضة خدر لا يرام خباؤها ***** تمتعت من لهوبها غير معجل
تخطيت أبوابا إليها ومعشرا ***** عليّ حراصا أويسرون مقتلي
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها ***** لدى الستر إلا لبسة المتفضل
فقالت: يمين اللَّه ما لك حيلة ***** وما أن أرى عنك الغواية تنجلي
فقمت بها أمشي تجر وراءنا ***** على أثرنا اذيال مرط مرحل
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ***** بنا بطن حبت ذي حقاف عقنقل
هصرت بفودي رأسها فتمايلت ***** عليّ هضيم الكشح ريا المخلخل[١٦]
وكقوله:
فبتّ أكابد ليل التمام ***** ولم يبد منّا لدى البيت بشر
وقد رابني قولها يا هناه ***** ويحك الحقت شرا بشر[١٧]
وكقوله:
تقول وقد جردت من ثيابها ***** كما رعت مكحول المدامع أتلعا
لعمرك لوشخص أتانا رسوله ***** سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
فبتنا نصد الوحش عنّا كأننا ***** قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا
تجافى عن المأثور بيني وبينها ***** وتدني عليّ السابري المضلعا[١٨]
قلت: وجره عهره إلى هلكته، فكان أتى قيصرا ليعينه على ثأر أبيه، فسمع بمراودته ابنته فأهلكه، ففي (شعراء ابن قتيبة): لم يزل امرؤ القيس يسير في العرب يطلب النصر حتى خرج إلى الروم ونظرت إليه ابنة قيصر فعشقته، فكان يأتيها وتأتيه فطبن الطماح الأسدي لهما وكان حجر أبوامرىء القيس قتل أباه فوشى به إلى الملك فخرج امرؤ القيس متسرعا، فبعث قيصر في طلبه رسولا فأدركه دون أنقرة بيوم ومعه حلة مسمومة، فلبسها في يوم صائف فتناثر لحمه وتفطّر جسده، وكان يحمله جابر التغلبي فذلك قول امرىء القيس:
فأما تريني في رحالة جابر***** على جرح كالقر تخفق أكفاني
فيا رب مكروب كررت وراءه ***** وعان فككت الغل منه ففداني
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه ***** فليس على شيء سواه بخزان[١٩]
وقال حين حضرته الوفاة بأنقرة:
رب خطبة محبرة ***** وطعنة مسحنفرة
وجفنة مثعنجرة ***** تبقى غدا بأنقرة
وهذا آخر شيء تكلّم به ثم مات[٢٠].
ولولا أن تعنّفني قريش ***** مقال الناصح الأدنى الشفيق
ومثله في الإسلام عمر بن أبي ربيعة المخزومي الشاعر، فكانوا يسمّونه الفاسق لتعرضه للنساء، ففي (الشعراء): حجّ عبد الملك فلقيه عمر فقال له عبد الملك: يا فاسق. فقال له: بئست تحية ابن العم على طول الشحط.
قال: يا فاسق أما إنّ قريشا تعلم إنّك أطولها صبوة وأبطأها توبة، ألست القائل: لقلت إذا التقينا قبّليني
ولوكنّا على ظهر الطريق[٢١] وكان يتعرّض للنساء ويتشبب بهن، فسيّره عمر بن عبد العزيز إلى الدهلك ثم غزا في البحر فاحرقت السفينة التي كان فيها فاحترق هوومن معه[٢٢].
وقد وصف عليه السّلام امرأ القيس في رواية ابن دريد بذي القروح لما عرفت من لبسه الحلة المسمومة وتوليدها فيه القروح[٢٣].
وفي (الأغاني): أرسل القراء الأشراف وهم سليمان بن صرد وهاني بن عروة وخالد بن عرفطة ومسروق بن الأجدع إلى لبيد: أيّ العرب أشعر ؟
قال: الملك الضليل ذوالقروح. قالوا: من ذوالقروح ؟ قال: امرؤ القيس[٢٤].
قول المصنّف: « يريد امرؤ القيس » قال ابن أبي الحديد: قال محمد بن سلام الجمحي في (طبقات شعرائه): حدث عوانة عن الحسن ان النبي صلّى اللَّه عليه وآله قال لحسان: من أشعر العرب ؟ قال: الزرق العيون من بني قيس. قال: لست أسألك عن القبيلة، انّما أسألك عن رجل واحد. فقال: ان مثل الشعر كناقة نحرت فجاء امرؤ القيس فأخذ سنامها وأطائبها، ثم جاء المتجاوران من الأوس والخزرج فأخذا ما والى ذلك منها، ثم جعلت العرب تمرعها حتى إذا بقي الفرث والدم جاء عمروبن تميم والنمر بن قاسط فأخذاه. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وآله: ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها، خامل يوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار...[٢٥].
قلت: وروى الخطيب في (تاريخ بغداده) عن عفيف بن معديكرب قال:
كنّا عند النبي صلى اللَّه عليه وآله فجاء وفد من أهل اليمن فقالوا له: لقد أحيانا اللَّه ببيتين من شعر امرىء القيس. قال لهم: وما ذاك ؟ قالوا: أقبلنا نريدك حتى إذا كنّا بموضع كذا وكذا أخطأنا الماء فمكثنا لا نقدر عليه، فانتهينا إلى موضع طلح وممر، فانطلق كلّ منّا إلى أصل شجرة ليموت في ظلّها، فبينما نحن في آخر رمق إذا راكب قد أقبل معتم، فلما رآه بعضنا تمثّل:
ولما رأت أنّ الشريعة همّها ***** وأنّ بياضا في فرائصها دامي
تيممت العين التي عند ضارج ***** يفيء عليها الظل عرمضها طامي
فقال الراكب: من يقول هذا الشعر ؟ قلنا: امرؤ القيس. قال: هذه واللَّه ضارج أمامكم وقد رأى ما بنا من الجهد. فرجعنا إليها فإذا بيننا وبينها نحومن خمسين ذراعا، فإذا هي كما وصف امرؤ القيس عليها العرمض يفيء عليها الظلّ. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وآله: ذاك مشهور في الدنيا خامل في الآخرة، مذكور في الدّنيا منسي في الآخرة، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار[٢٦].
رواه (عيون ابن قتيبة). وقد أشار ابن لنكك إلى حديث النبي صلّى اللَّه عليه وآله المتقدّم في قوله:
إذا خفق اللواء عليّ يوما ***** وقد حمل امرؤ القيس اللواء
رجوت اللَّه لا أرجوسواه ***** لعل اللَّه يرحم من أساء
وفي (حيوان الجاحظ): قال خلف الأحمر: لم أر أجمع من بيت لامرىء القيس:
أفاد وجاد وساد وقاد ***** وعاد وزاد وأفضل
ومن بيت له:
له أيطلا ظبي وساقا نعامة ***** وارخاء سرحان وتقريب تنفل
وقالوا: لم نر في التشبيه كقوله حين شبّه شيئين بشيئين في حالين مختلفين في بيت واحد:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ***** لدى وكرها العناب والحشف البالي[٢٧]
وفي (الشعراء): سبق امرؤ القيس الشعراء إلى أشياء ابتدعها واتبعوه عليها من استيقافه صحبه في الديار ورقة النسيب وقرب الماجد ويستحسن من تشبيهه قوله:
كأنّ عيون الوحش حول قبابنا ***** وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب
وقوله:
كأني غداة البين لما تحملوا ***** لدى سمرات الحي ناقف حنظل
وقد أجاد في وصف الفرس:
مكر مفر مقبل مدبر معا ***** كجلمود صخر حطّه السيل من عل
له ايطلا ظبي وساقا نعامة ***** وارخاء سرحان وتقريب تتفل[٢٨]
وفي (تاريخ اليعقوبي): لما بلغ امرؤ القيس مقتل بني أسد لأبيه وكان غائبا جمع جمعا وقصد لهم، فلما كان في الليلة التي أراد أن يغير عليهم في صبيحتها نزل بجمعه ذلك فذعر القطا، فطار عن مجاثمه فمر ببني أسد، فقالت بنت علباء القائم بأمر بني أسد: ما رأيت كالليلة قطا أكثر. فقال علباء: (لوترك القطا لنام)، فأرسلها مثلا وعرف أن جيشا قد قرب منه، فارتحل وأصبح امرؤ القيس فأوقع بكنانة فأصاب فيهم وجعل يقول: يا لثارات حجر. فقالوا: واللَّه ما نحن إلا من كنانة. فقال:
ألا يا لهف نفسي بعد قوم ***** هم كانوا الشفاء فلم يصابوا
وقاهم جدّهم ببني أبيهم ***** وبالأشقين ما كان العقاب
وأفلتهن (علباء) جريضا ***** ولوأدركنه صفر الوطاب
ومضى إلى اليمن لما لم يكن به قوّة على بني أسد ومن معهم من قيس، فأقام زمانا وكان يدمن مع ندامى له، فأشرف يوما فإذا براكب مقبل، فسأله من أين أقبلت ؟ قال: من نجد. فسقاه مما كان يشرب، فلما أخذت منه الخمرة رفع عقيرته وقال:
سقينا امرأ القيس بن حجر بن حارث ***** كؤوس الشجا حتى تعوذ بالفهر
وألهاه شرب ناعم وقراقر ***** وأعياه ثار كان يطلب في حجر
وذاك لعمري كان أسهل مشرعا ***** عليه من البيض الصوارم والسمر
ففزع امرؤ القيس لذلك ثم قال: يا أخا أهل الحجاز من قائل هذا الشعر ؟
قال: عبيد بن الأبرص. قال: صدقت. ثم ركب واستنجد قومه فأمّدوه بخمسمائة من مذحج، فخرج إلى أرض معد فأوقع بقبائل من معد وقتل الأشقر بن عمرووهوسيّد بني أسد وشرب في قحف رأسه وقال:
قولا لدودان عبيد العصا ***** ما غرّكم بالأسد الباسل
وطلب قبائل معد امرأ القيس وذهب من كان معه وبلغه ان المنذر ملك الحيرة قد نذر دمه، فأراد الرجوع إلى اليمن فخاف حضرموت وطلبته بنوأسد وقبائل معد، فسار إلى سعد الأيادي وكان عاملا لكسرى على بعض كور العراق واستتر عنده إلى أن مات سعد، فسار إلى تيماء وسأل السموأل بن عاديا أن يجيره، فقال: أنا لا أجير على الملوك. فأودعه أدرعا وانصرف عنه إلى ملك الروم واستنصره، فوجه معه تسعمائة من أبناء البطارقة، فسار الطماح الأسدي إلى قيصر وقال له: إنّ امرأ القيس شتمك في شعره وزعم أنّك علج أغلف. فوجّه قيصر إليه بحلّة قد فضخ فيها السمّ، فلما ألبسها تقطع جلده فقال:
تأوبني دائي القديم فغلسا ***** احاذر أن يزداد دائي فأنكسا
لقد طمح الطماح من بعد أرضه ***** ليلبسني من دائه ما تلبسا
فلوأنّها نفس تموت سوية ***** ولكنّها نفس تساقط أنفسا[٢٩]
هذا، وفي (عقلاء مجانين النيسابوري) قال الجاحظ: رأيت مجنونا بالكوفة فقال لي: من أنت ؟ قلت: عمروبن بحر الجاحظ. قال: يزعم أهل البصرة انّك أعلمهم. قلت: ان ذلك يقال. قال: من أشعر الناس ؟ قلت: امرؤ القيس. قال: حيث يقول ماذا ؟ قلت:
كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا ***** لدى وكرها العناب والحشف البالي
قال: فأنا أشعر منه. قلت: حيث تقول ماذا ؟ قال: حيث أقول:
كأنّ وراء الستر فوق فراشها ***** قناديل زيت من وراء قرام
فأينا أشعر ؟ قلت: أنت ***** والقرام: الستر الملوّن[٣٠].
هذا، وادّعى رجل شاعرية شخص عند شاعر فقال:
وتشابهت سور القرآن عليكم ***** فقرنتم الأنعام بالشعراء