![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/besmellah.png)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/mola.png)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/fi_rahab.jpg)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/haram.jpg)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/nahj.jpg)
الدكتورعبد الكريم حسين السعداوي
إنّ نسبة جمع كتاب ( النهج ) إلى الشريف المرتضى خطأ منشؤه أنَّ الشريف الرضي كان يُلقّب بالمرتضى أحياناً؛ لأنَّ جدّه إبراهيم المرتضى ـ الملقّب بالمجاب ـ بن الإمام موسى بن جعفر، وأنّ أخاه المرتضى كان يُلقّب بذلك أيضاً، ثم بقي هذا اللقب على هذا، ولُقّب الأول بالرضي يوم رضوا به نقيباً على نقباء العلويين ليتميّز به عن بقية آل المرتضى [١].
أمّا في ما يخص كلام ( النهج ): هل هو كلام الرضي أو كلام الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فيمكن أن أختصره على نحو نقاط لئلاّ يطول الوقوف عليه، فأقول :
١ ـ كلام ( النهج ) طَرَق أغلب مطالب الحياة، من معرفة ويقين زهد ووعظ وتحذير، وشجاعة، وحلم وإدارة وسياسة وغير ذلك، فهو متشعّب الفنون، مختلف الأنواع، فإذا نظرنا إلى الخطباء وأهل النثر والشعر وكتّاب الرسائل والعهود، لم نرَ فيهم من يبرع ويبدع في مطالب الحياة ما أبدعه صاحب ( النهج )، إذ إنّ لكلّ شاعر وكاتب مذهبه الخاص، متماشياً مع رغبته وهوايته، فيبدع في فنّ من دون آخر، كالحماسة، أو الغزل... أو غير ذلك.
إذن لا يصحّ أن يكون كلام ( النهج ) من أشخاص متعددين؛ لتباين الناس في الطريقة والأُسلوب؛ لأنّه كالسبيكة المفرغة لا تختلف أبعاضه في الطريقة والأسلوب، فهو كلام: لا يصحّ للعارف نسبته إلاّ لمتكلِّم واحد، قد فاض بعلوم كثيرة، فـ « أنّى للشريف الرضي هذا النَّفَس وهذا الأسلوب ؟! وقد وقفنا على رسائل الرضي، وعرفنا طريقته وفنّه في الكلام المنثور، وما يقع مع هذا الكلام في خَلِّ ولا خمرٍ... وقد وجدتُه ـ كلام الإمام ـ مسطوراً بخطوط أعرفها وأعرف خطوط مَن هو من العلماء وأهل الأدب، قبل أن يُخلق النقيب والد الرضي » [٢].
٢ ـ إنّ جامع (النهج) لو بلغ الغاية من الفصاحة والبلاغة وصارت له اليد الطولى في الوعظ والخطابة وفنون الكلام وأغراضه، بحيث صار ممّن يَقتَدِر على إنشاء كلام ( النهج ) واختراعه، لعُدَّ من أكبر الخطباء والوعّاظ وأعظم البلغاء، ولنعته أهلُ الخبرة بأحوال الرجال، الذين ترجموا حياته بذلك، ولكنّهم لم يصفوه ـ بعد العلم وشرف النفس ـ بغير الشعر وأنّه أشعر الهاشميين، ولو أنشأ كلام ( النهج ) لظهرت له بعض الخطب والرسائل مع رواجها في ذلك العصر وشغف أهله بها. وهذه فضيلة، لِمَ لَم ينسبها إلى نفسه ويتفوّق بها على أبناء جنسه ويجعلها من غُرَر فضائله؟
فلِمَ خلع هذه الفضيلة منه ونسبها إلى جدِّه علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ ولِمَ لَم ينسبها إلى النبي صلّى الله عليه وآله ؟
فذلك أكثر رواجاً لبضاعته! علماً أنّ معاصريه لم يحتجّوا عليه لمّا أصدر ( النهج )، بل أشهروه وأذاعوه [٣].
ولو نظر القارئ الكريم في الخطب والرسائل والمحاورات، أو المناظرات الدينية التي دارت بين الفقهاء والكتّاب في العصر العباسي والأموي، للَحِظ بوناً شاسعاً بين كلامها وبين كلام ( النهج ) [٤].
٣ ـ مَن وقف على مواضع كتاب ( النهج ) وقرأها بإنعام نظرٍ وتدبّر، عرف ما لمؤلفه من التثبّت في الرواية، والتحرّي في النسبة، والتحرّز في الإسناد، وأنّه لا ينسب لشخص ما نُسب لغيره إلاّ بعد التدبّر وترجيح النسبة بالشواهد والدلائل، ومن كان هكذا فهو جدير بأن ينزّه عن تعمّد، أو إدخال، أو وضع. قال في باب الحكم: « قال عليه السلام: « العَينُ وِكَاءُ السَّتَهْ.. ». وهذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي صلّى الله عليه وآله وقد رواه قوم لأمير المؤمنين عليه السلام، وذكر ذلك المبرّد في الكتاب ( المقتضب ) في باب اللفظ المعروف... » [٥]، ومثل هذا في: ( النهج ) كثير [٦].
لحظنا شدّة احتياط الرضي، لمّا جمع أقوال الإمام، وأرى ـ في هذا الموضع ـ أنّه لا عجب أن يشتبه كلام النبي وكلام الإمام؛ فإن مُستقاهما من قَلِيب ومفرغهما من ذَنُوب. غير أنّ الرضي يرى أن الخلط أو الوهم جاء من الراوي، أو من الناسخ الذي نقل عنه هذه الحكمة، ولهذا رجّح القول الصائب.
٤ ـ قدّم الرضي في ديباجته أنّ روايات كلام الإمام تختلف، فربَّما اتفق الكلام المختار في رواية فنُقل على وجهه، ثم وُجد بعد ذلك في رواية أخرى بزيادة لفظ، أو حسن عبارة فيكرره. ولهذا السبب عينه اختلفت روايات كلام ( النهج ) عن كلام الإمام في غير ( النهج ) [٧].
وقد اختلفت الصحابة ـ مع طول صحبتهم للرسول صلّى الله عليه وآله وكثرة صلاتهم خلفه ـ في التشهّد في الصلاة [٨]. وهذا ( صحيح البخاري )، وهو من أجلّ الصحاح عند جمهور المسلمين، ينقل كثيراً من الروايات بوجوه تختلف لفظاً ومعنىً، كما في حديث ( رزيّة يوم الخميس )؛ فقد نقله بوجوه تختلف كلماتها، ويتديّن بها المسلم على أنّ معناها واحد، في مواضع يعرفها المتتبعون [٩]. فلا ضير في أن يختلف الناس في نقل خطبة أو رواية كلام.
٥ ـ إنّ الرضي لم يجمع ( النهج ) ليجعل منه مصدراً من مصادر الفقه، أو مدركاً من مدارك الأحكام، بل جُلّ قصده أن يُخرج لمن سأله [١٠] جانباً من كلام الإمام يتضمّن عجيب البلاغة وغريب الفصاحة، فكان يلتقط الفصيح والأفصح من الكلام [١١]. وهذا إذا دلّ على شيء فإنما يدلّ على أنّه لم يَعتَنِ بالتناسق وتوالي الخطب في الموضوعات، بل ربّما اختار من الخطبة الطويلة ذات المرامي البعيدة والغايات الكثيرة بِضع كلمات هي أقلّ بكثير ممّا ترك، غير أنّه لا يدمج كتاباً في آخر، ولا خطبة في أُخرى.
وممّا يقوّي هذا أنّ خطب الإمام تنيف على أربعمئة وثمانين خطبة [١٢]، في حين أنّ المختار منها في ( النهج )هو( ١٢١ ) خطبة، منها مكرر لاختلاف الرواية [١٣]، ولهذا جاءت أبواب كتاب ( النهج ) بمحاسن كلم غير منتظمة.
ومن قرأ كلام ( النهج ) ورسائل الرضي ومؤلفاته [١٤] عرف أنّ مقالة الرضي بالنسبة إلى كلام الإمام مَهوى الأخمص من القمة، وسُرّة الوادي من رأس الذروة، لا يخفى على ذي خبرة، ولا يشتبه على الناقد أوّل نظرة.
إذن ما يرويه الرضي في ( النهج ) ليس من كلامه ولا كلام أخيه المرتضى، بل إنّه كلام الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ولكن على مَ استند الرضي ؟ وما هي مصادره ؟
المتعارف عليه بين كتّاب العصر أن يعيّنوا القائل في ( كتبهم ) ومكان الطبع وتاريخه حينما يؤلّفون، وهذا من المنهج العلمي الحديث ولم يكن المنهج معروفاً في الأزمنة السابقة، ولا سيما عند أهل السِّير. وأغلب ما يسطّره أهل التاريخ مرسل لا يُعلم من أي مخبِر سُمع ولا عن أيّ مصدرٍ أُخذ [١٥]، فالأدباء والكتّاب واللغويون، يذكرون اسم القائل، وفي أغلب الأحيان يذكرون قوله من دون اسمه ولا يذكرون مصادر كتبهم، من نحو ( الجاحظ ) و ( ابن قيتية ) و ( المبرّد )، فقد سار الرضي على ما سار عليه القدماء ومعاصروه. وفي الحقيقة إنّ الرضي قد استشار مصادر جمّة لمّا جمع ( النهج ). ولا مجال لأن يطمع طامع من أبناء عصرنا هذا في أن يقف على جميع ما وقف عليه الرضي وأمثاله من أهل عصره من كتب التاريخ والأدب واللغة وغير ذلك، ممّا يمكن أن يكون مصدراً له في جَمْعه للكتاب، فكثير من المصادر قد بَلِيت وعفا عليها الزمان.
وقد تهيأ للرضي من المصادر ما لم يتهيأ لغيره، فلو لم يكن في متناول يده ـ يومئذ ـ إلاّ مكتبة أخيه ( علم الهدى ) المعروفة بـ ( دار العلم )، التي حوت أكثر من ثمانين ألف مجلد لكفى، مضافاً إليها مكتبة ( بيت الحكمة ) التي تحتوي على نيف وعشرة آلاف مجلد [١٦]، وهي من أغنى دور الكتب في عاصمة العباسيين [١٧]، ولم يكن وقتئذ أحسن منها [١٨]، إذ جُلبت إليها الكتب على اختلاف موضوعاتها وأشكال خطوطها [١٩]، وقد عُرفت ـ في ما بعد ـ بـ ( دار الحكمة ) [٢٠]، وغير هذه المكتبات العامة التي أفاد منها الرضي: مكتبة الصاحب بن عبّاد ( ت / ٣٨٥ هـ )، فقد كانت كتبه تنقل على أربعمئة جمل [٢١]، وغيرها.
وكان المأمون مثالاً في إنشاء المكتبات، واقتدى به بنو أمية في الأندلس، وأشبههم به الحكم بن الناصر ( ت / ٣٦٦ هـ ) الذي بلغت مكتبته ( ٠٠٠, ٤٠٠ ) مجلد [٢٢]. واقتدى بخلفاء بغداد أيضاً الخلفاء الفاطميّون في مصر، بدأ منهم بذلك العزيز بالله ثاني خلفائهم الذي تولى الخلافة سنة ( ٣٦٥ هـ )، وكان خصّص قاعات في قصره لكتبه سمّاها ( خزانة الكتب )، فلا عجب إذا ذكروا أنّها كانت تحتوي على ألف ألف وستمائة ألف كتاب [٢٣]، فأين ذهبت هذه الكتب ؟
لقد ابتُليت المكتبة الإسلاميّة والعربية بالفتن والمحن، فعاثت بها يد الأيام وفرّقتها، وقد حرص الطامعون والحاقدون عل الأمة العربية كلّ الحرص في القضاء على كلّ أثر عربي بين حرق وبين تلف [٢٤]، حتّى صارت تلالاً تعرف ( بتلال الكتب )، وقد عبث العبيد بجلودها [٢٥]. ولا أنسى ( أفران عكّا ) في ( جبل عامل )، فقد أوقِدَت سبعة أيام من كتب العامليين [٢٦]، وأُحرقت مكتبة ( بيت الحكمة ) [٢٧]، ونالت ما نالته أيام غزو التتر لبغداد سنة ( ٦٥٦ هـ )، حتّى قيل إنّ هولاكو اتّخذ من الكتب الموجودة في خزائن بغداد ـ يومئذٍ ـ جسراً تعبر عليه جنوده، فاصطبغ ماء دجلة بلون مِداد الكتب [٢٨] .
ونظرة عجلى في الكتب التي شرحت ذلك [٢٩]، تعطي صورة واضحة لتلك الرزايا المؤسفة التي حلّت بالتراث العربي الإسلامي.
فهل نستطيع أن نتصوّر مقدار ما اطّلع عليه الرضي من المصادر والأسانيد الموجودة في زمانه ؟ وهل نتحرّج من القول إذا قلنا: إنّ ما بقي من تلك الأسفار بالنسبة إلى ما فُقد منها ما هو إلاّ كقطرةِ من بحر لجيّ ؟! إذن أكثر ما يرويه الشريف الرضي يعتمد على مصادر لم نقف عليها، وروايات لم يصل إلينا منها إلاّ اليسير جداً ولو واحد من المئة، ولم نعرف منها إلاّ أسماء بعضها في كتب ( الفهارس ) و ( الرجال )، فالوقوف على جميع مصادر الرضي ضرب من المحال.
لقد ذكرَ الرضي رضي الله عنه ثمانية عشر مصدراً، ولم يذكر المصادر الأخرى. وأرى أنّ علّة ذلك هي أنّ كلّ مؤلفي المصنّفات التي ذكرها كانوا من أهل القرن الثالث، ما خلا الرواة منهم من أهل القرنين الأول والثاني. والرضي قريب من عصرهم لا يبعد عنهم كثيراً، وهذا يعني أنّ كلام الإمام الذي حَوَته مصنفاتهم لم يشتهر، فضلاً عن أنّ كتابة أي مؤلَّف ـ يومئذ ـ تستغرق وقتاً كبيراً، فهم لا يملكون المطابع الحديثة كالتي في عصرنا الحالي، فلهذا صرّح بذكرها للتعريف بها. أمّا المصادر التي لم يذكرها الرضي فهي التي حوت ما استفاض واشتُهر من كلام الإمام الذي كان معلوماً عندهم [٣٠]..
وإلى هذا ذهب الجاحظ بقوله: « إنّ خُطَب عليّ كانت مدوّنة محفوظ مجلّدة.. » [٣١] فهي مشهورة عندهم معروفة، و « هي التي تدور بين الناس، ويستعملونها في خطبهم » [٣٢]، ففوات وقت طويل على تأليف هذه المصنفات يجعلها تتيسر ويسهل تداولها، فيتناقلها الناس في ذلك العصر، لا سيما و ( الرضي ) من أهل العصر العباسي الذي ازدهرت فيه الحضارة، وانتشرت فيه حتى العلوم الأجنبية عن طريق ترجمتها إلى العربية [٣٣].
ذكرتُ ـ قبل قليل ـ أنّ الرضي دوّن ثمانية عشر مصدراً في كتاب ( النهج ) وذكر أنّه نقل نصوصه ـ النهج ـ منها. وهي مصادر مروية بطريقة السند المسلسل على طريقة رجال الحديث النبوي الشريف في النقل، وعددها تسعة مصادر، ومصادر مدوّنة ذكر أسماءها وأسماء مؤلفيها وعددها تسعة أيضاً.
وسأشرع بالمصادر المروية بالسند، ذاكراً النص المروي في ( النهج )، ثم أعقبها بالمصادرالمدونة، مشيراً إليها في مواضعها من كتاب ( النهج )، مستعملاً ثلاثة شروح للتوثيق، مرتّباً إياها ترتيباً زمنياً.
أ ـ المصادر المروية بالسند
١ ـ أبو جُحَيفة السوائي: وهب بن عبدالله ( ت / ٧٥ هـ ). روى عن الإمام: « إنَّ أوّل ما تُغلَبُون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم... » [٣٤].
٢ ـ كُميل النخعي الحِميَري: كُميل بن زياد ( ت / ٨٢ هـ ). روى عنه الشريف الرضي كتاباً وجّهه الإمام عليّ عليه السلام إلى كُميل رضي الله عنه عندما كان واليه على ( هيت )، أوّله: « أمّا بَعدُ، فإنّ تضييعَ المرء ما وُلّي... » [٣٥]، وكلاماً خاطب به كُميلاً، بدايته: « يا كُميل بنَ زِياد، إنّ هذه القلوب أوعيةٌ فخيرُها أوعاها... » وكلاماً آخر مطلعه: « يا كُمَيلُ، مُرْ أهْلَك أنْ يَروحوا في كَسْبِ المكارم... » [٣٦].
٣ ـ نَوف البَكالي الحِميَري: أبو زيد، نوف بن فضالة (ت / ٩٠ ـ ١٠٠ هـ ). روى عنه الرضي خطبة بدايتها: « الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق... »، وحديثاً حدّثه به الإمام، أوّله: « أراقِدٌ أنتَ أم رامِقٌ... ؟ » [٣٧].
٤ ـ ذِعْلِب اليماني: من أهل القرن الأول الهجري، وقد سأل الإمام عليّاً عليه السلام: هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين ؟ فقال الإمام علي: « أفأعبُدُ ما لا أرى ؟! فقال وكيف تراه ؟ فقال الإمام علي: لا تُدرِكُهُ العُيونُ بِمُشاهَدةِ العيان...» [٣٨].
٥ ـ ضِرار بن ضَمرة الضبائي: من أهل القرن الأول الهجري، وقد روى عنه الرضي قول الإمام: « يا دُنيا إلَيكِ عَنّي، أبِيَ تَعَرّضتِ، أم إلَيَّ تَشَوَّقتِ... » [٣٩].
٦ ـ الإمام الباقر: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ( ت / ١١٤ هـ ). روى عن جدّه، وروى الرضي عنه: « كانَ في الأرضِ أمانانِ مِن عذابِ الله، وقد رُفِعَ أحدُهُما، فدُونكُم الآخرَ، فَتَمَسَّكُوا به... » [٤٠] .
٧ ـ ابن صدقة العبدي: أبو محمد، مَسعدَة بن صدقة، من أهل القرن الثاني الهجري، روى عنه الرضيّ خطبة ( الأشباح ) للإمام، بدايته: « الحمدُ لله الذي لا يَفِرُهُ المَنعُ والجُمودُ... » [٤١].
٨ ـ أبو العباس ثعلب الشيباني: أحمد بن يحيى ( ت / ٢٩١ هـ ). روى عن ابن الأعرابي ( ت / ٢٣١ هـ )، عن المأمون العباسي ( ت / ٢٢٣ هـ ) قول الإمام [٤٢] : « اُخْبُرْ تَقْلِهْ » [٤٣] .
ولا حاجة بي إلى ترجمته لتوافر كتابه، وطبع أغلب مؤلفاته.
٩ ـ ذِعلب اليمامي: أبو محمد ذِعلب اليمامي نسبة إلى ( اليمامة )، وقديماً تسمّى ( جواً )، من أهل القرن الرابع الهجري، روايته عن أحمد بن قتيبة ( ت / ٣٢٢ هـ ) عن عبدالله بن يزيد، عن مالك بن دِحية، عن الإمام علي قوله: « إنَّما فَرَّقَ بَينَهم مَبادئُ طِينِهم... » [٤٤].
هذه المصادر المعنعنة غير متصلة، لكنّ طريق بعضها معروف، كروايته عن الإمام محمد الباقر عليه السلام، فطريق مثل هذه الرواية خلَفٌ عن سلف. وكلّ ما حدّث به الرضي هنا، من الرواة. والراوي يروي لفلان من دون غيره، وليس لازماً أن يكون المروي مشهوراً عند الناس.
ب ـ المصادر المدوّنة
١ـ كتاب ( حلف ربيعة واليمن ) للكلبي، أبي منذر هشام بن محمد ( ت / ٢٠٤ هـ ) [٤٥] .
٢ ـ كتاب ( الجمل ) للواقدي، أبي عبدالله، محمد بن عمر ( ت / ٢٠٧ هـ ) [٤٦] .
٣ ـ كتاب ( غريب الحديث ) لأبي عبيد، القاسم بن سلاّم الهَرَوي ( ت / ٢٢٤ هـ ) [٤٧].
٤ ـ كتاب ( المقامات ) للإسكافي، أبي جعفر، محمد بن عبدالله ( ت / ٢٤٠ هـ ) [٤٨] .
٥ ـ كتاب ( إصلاح المنطق ) لابن السكّيت، أبي يوسف، يعقوب بن إسحاق ( ت / ٢٤٤ هـ ) [٤٩].
٦ ـ كتاب ( المغازي ) للأموي، أبي عثمان، سعيد بن يحيى بن أبان بن سعيد بن العاص بن أمية ( ت / ٢٤٩ هـ ) [٥٠].
٧ ـ ( كتاب البيان والتبيين ) للجاحظ، أبي عثمان، عمرو بن بحر ( ت / ٢٥٥ هـ ) [٥١].
٨ ـ ( كتاب ( المقتضب ) للمبرّد، أبي العباس، محمد بن يزيد ( ت / ٢٨٥ هـ ) [٥٢].
٩ ـ ( كتاب ( تاريخ الرسل والملوك ) للطبري، أبي جعفر، محمد بن جرير ( ت / ٣١٠ هـ ) [٥٣].
انتهت مصادر الرضي التي أوردها في النهج: تسعةٌ مدوّنة، وتسع رواياتٍ معنعنة غير متّصلة.
على أنّ هناك من الوثائق التأريخية المعتمد عليها ما لو رجع إليها المتتبع لازداد إيماناً ويقيناً بصحة النسبة وثبوتها على نحوٍ لا يقبل الجدل والارتياب، وهذا ما سأنهَدُ إلى جمعه والإلمام به إن شاء الله في الفصل القادم.
توثيق النصّ
أغفلتُ عدداً كبيراً من المصادر توزّعت على ثلاثة أنواع، تلك هي:
أ ـ المصادر الشفوية التي لم يذكرها الشريف الرضي في كتاب ( النهج )، وهي رواياته عن معاصريه وعن آبائه. وهو ـ كما يعرف القارئ ـ أنّ نسبه ينتهي إلى مؤلّف ( النهج ) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، إذ إنّ المتهم بالوضع هو الرضي نفسه، فلإبطال هذه الحجّة كانت غفلتي عنها.
ب ـ مصادر الشعر الذي استشهد به ابن أبي الحديد وذكر أسماء شعرائه، دون أن ينسبه إلى دواوينهم ولا إلى مجاميع الشعراء المدوّنة، فتركتها لئلاّ يقول قائل: إنّ هذا المصدر أو ذاك استشهد به الشارح وزمانه متقدّم على زمان الرضي.
ج ـ الرسائل والصحائف والوثائق وما إليها، التي ذكرها ابن أبي الحديد من دون أن ينقل عنها لا مباشرة ولا غير مباشرة، كدفاتر الأصمعي الباهلي ( ت / ١٨٧ هـ ) التي رآها هارون العباسي ( ت / ١٦٣ هـ ) ووزيره جعفر البرمكي ( ت / ١٨٧ هـ )، حينما زاره في بيته، على الرغم من تأخرهم عن الرضي بثلاثة قرون، وبسبب أنّه لم ينقل عنهم مع وجود مادّة ( النهج ) في كتبهم.
وضربت الذكر صفحاً عن الرسائل والصحائف والوثائق، كرسائل النبي صلّى الله عليه وآله، والخلفاء، والولاة والأمراء، والقادة، وغيرهم، كصحيفة الغدر التي تآمر كاتبوها ـ بعد خطبة الغدير ـ في الوداع، على إخراج الخلافة من يد الإمام علي عليه السلام [٥٤]، وكتاب المأمون العباسي ( ت / ٢١٨ هـ ) الذي أمر فيه بلعن ( الشجرة الملعونة ) على المنابر، ثم أمر المعتضد العباسي ( ت / ٢٩٨ هـ ) بقراءته على المنابر [٥٥]، فإنّ أمثال هذه الرسائل والصحف والكتب، ليست من مصادره المدوّنة المستقلّة، بل جاءت نصوصها في مصادره الأصلية.
فصحيفة الغدر من موادّ كتاب ( السقيفة ) لأبي صادق سُليم بن قيس الهلالي، وكتاب المأمون والمعتضد من مواد كتاب ( تاريخ الرسل والملوك ) للطبري. وتأسيساً على هذه الأسباب صرفتُ النظر عنها إلى غيرها.
المصادر التي تيسرت لي، نزر من غمر ـ قياساً ـ إلى مصادر الرضي التي اعتمدها في عصره، فقد وقفتُ على جملة من خطب ( النهج ) وكتبه وحكمه، مذكورة في مصنّفات كُتبت قبل عصر الرضي، وفي مصنفات عاصرته، أمدّها إلى سنة ( ٤٨٦ هـ ) وهي سنة وفاة آخر معاصر له، ذلك هو القاضي أبو المعالي أحمد بن علي بن قدامة [٥٦]، وسأصدف عن المصادر التي لحقت هذا التاريخ في هذا الفصل، لكنِّي سأوثّق بها دراستي لغريب ( النهج ) في فصول البحث كلّها.
ومن هذه المصادر ما روت كلام ( النهج ) بزيادة أو نقصان، ومنها ما روته بطريقة السند المتصل، وثالثة نقلت الكلام على نحو يختلف عمّا في ( النهج )، ولم تُشِر إليه من قريب أو بعيد، ممّا نعتقد معه أنّ مصدرها في النقل غير ( النهج )، فوجود مصدر لتلك الخطبة أو الحِكمة أو طرف من كتاب لا يدلّ على عدم الوجود، مع أنّه إذا ثبت البعض أمكن دعوى ثبوت الكلّ؛ لأنّ ألفاظ ( النهج ) مترابطة مع بعضها، فكلُّ كلمةٍ فيه آخذة بعنق قرينتها، جاذبة إيّاها إلى نفسها.
هذا وسأشير إلى هذه المصادر بأنواعها الثلاثة، كلّ في موضعه من ( شرح النهج ) ومن موضع كلام الإمام من المصدر نفسه، إشارة واحدة خوفاً من الإطالة. ولا يفوتني أن أذكر أنّ خطب الإمام كانت كثيرة، والذي حُفظ منها في سائر مقاماته ( أربعمائة ونيف وثمانون خطبة ) [٥٧]، وقد دُوِّنت في مجلدات، لذا قال القطب الراوندي [٥٨]: « سمعت بعض العلماء بالحجاز يقول: إني وجدتُ في مصر مجموعاً من كلام علي عليه السلام في نيف وعشرين مجلداً... » [٥٩].
فعلى هذا لم يكن الرضي هو السابقَ إلى جمع كلام الإمام، ولا الأوّل في تدوينه، فقد عُني به أناس عناية بالغة وحفظوه في أيامه، ودوّنوه ساعة إلقائه [٦٠]، وصنّفوا فيه مصنّفات كثيرة، تلك هي بداية المظانّ التي ضمّت كلام الإمام علي عليه السلام التي نعدّها من أُصول ( نهج البلاغة ) التي عرفها الرضي، ثم نشير إلى نصوصها التي وردت في( شرح النهج ).
يتبع ......