السيد الحسيني
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه سلسلة جديدة قطب رحاها النصوص المشكلة في نهج البلاغة التي يكثر الاستشهاد والاستشكال بها من المناوئين للشيعة فقد تتبعتها وجمعتها ورتبتها حسب المواضيع وبدأت بالرد عليها ، نبدأها باذن الله تعالى من هذا النص الذي ترتبط اشكاليته بموضوع الإمامة ، وقبل البدء لا يفوتني التنبه على ان المجال متاح لإضافة اي جواب او نكتة سيما العلمية منها بل ارحب بذلك وأكون لصاحبها من الشاكرين .
- و من كلام له (عليه السلام) كلم به طلحة و الزبير بعد بيعته بالخلافة و قد عتبا عليه من ترك مشورتهما، و الاستعانة في الأمور بهما :
لَقَدْ نَقَمْتُمَا يَسِيراً وَأَرْجَأْتُمَا كَثِيراً أَ لَا تُخْبِرَانِي أَيُّ شَيْءٍ كَانَ لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ أَمْأَيُّ قَسْمٍ اسْتَأْثَرْتُ عَلَيْكُمَا بِهِ أَمْ أَيُّ حَقٍّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ أَمْ جَهِلْتُهُ أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ.
وَاللَّهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلَافَةِ رَغْبَةٌ وَلَا فِي الْوِلَايَةِ إِرْبَةٌ وَلَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا وَحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَمَا وَضَعَ لَنَا وَأَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ وَمَا اسْتَنَّ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله)فَاقْتَدَيْتُهُ فَلَمْ أَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إِلَى رَأْيِكُمَا وَلَا رَأْيِغَيْرِكُمَا وَلَا وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشِيرَكُمَا وَإِخْوَانِيمِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا وَلَا عَنْغَيْرِكُمَا.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ الْأُسْوَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌلَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي وَلَا وَلِيتُهُ هَوًى مِنِّي بَلْ وَجَدْتُأَنَا وَأَنْتُمَا مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَدْفُرِغَ مِنْهُ فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيمَا قَدْ فَرَغَ اللَّهُ مِنْقَسْمِهِ وَأَمْضَى فِيهِ حُكْمَهُ فَلَيْسَ لَكُمَا وَاللَّهِ عِنْدِي وَلَا لِغَيْرِكُمَا فِي هَذَا عُتْبَى. أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ وَأَلْهَمَنَا وَإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ.
ثم قال (عليه السلام): رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ وَكَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ.
الجواب في نقاط :
١ـ هذا الكلام رواه قبل الرضي ابو جعفر الاسكافي في كتاب ( نقض العثمانية )على ما حكاه ابن ابي الحديد في « شرح نهج البلاغة م ٢ ص ١٧٣ كما جاء في مصادرالنهج للخطيب ، وايضا وجدته بعد البحث في كتاب اخر للاسكافي عنوانه : " المعيار والموازنة" ص ١١٤ وابو جعفر من شيوخ المعتزلة .قال بحر العلوم في الفوائد الرجالية ج ٣ص ٢٢٣ : " .. وأبو جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي أحد المتكلمين من معتزلة بغداد، تنسب إليها الاسكافية، وهم طائفة من المعتزلة. " اهـ
٢ـ عجبا لمن يحتج علينا بالنهج وحين نستشهد بما ورد فيه مسندا في مصادر اخرى او قامت القرائن والشواهد عليه يواجهونا بالقول ان كله موضوع وكذب .
قال الجبهان في تبديد الظلام ص ٢٥ متحدثا عن النهج : " ..ونحن نؤكد ان عليا بريء من كلما تضمنه هذا السفر من الحاد وزندقة .." اهـ
أقول : سبحانك الله اللهم هذا بهتان عظيم .
٣ـ ثم ان الكلام اعلاه عن الخلافة بالمعنى الذي يفهمهالمخاطب ـ طلحة والزبير ـ وهي ازهد عنده بل عن كل الدنيا من عفطة عنز ، وثمة فرقبين ما كان لي حق فيها وبين ما كان لي رغبة . كمن يقول عن امواله : لا رغبة لي فيهافهل تراه بهذا ينفي حق فيه ؟ ! كلا والف كلا ، ولم تكن له ايضا في الولاية اربة ـاي حاجة ـ فان الناس كل الناس هم المحتاجون اليه وهو ـ بابي وامي ـ مستغن عن الكلكما اجاب الخليل بن احمد حين سئل عن الدليل على امامته . فالخلافة والرئاسة ليستمقوما لإمامة الامام كما هو الحال بالنسبة لنبوة النبي ، وان كانت من استحقاقاتها ومنهنا فان له بالانبياء اسوة حسنة .
فقد روي عنه كما في علل الشرائع ص ١٤٩ قال : " .. فان لي بسنةالانبياء اسوة فيما فعلت قال الله عزوجل في كتابه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوةحسنة) قالواو من هم يا أميرالمؤمنين؟ قال أولهم إبراهيم " ع " إذقاللقومه: (واعتزلكم وماتدعون من دون الله) فإن قلتم ان إبراهيم اعتزل قومه لغيرهمكروه أصابه منهم فقد كفرتم وان قلتم اعتزلهم لمكروه رآه منهم فالوصي اعذر.
ولي يابن خالته لوط أسوة إ قال لقومه: لو أن لي بكم قوة او آوي إلى ركنشديد، فان قلتم ان لوطا كانت له بهم قوة فقد كفرتم، وان قلتم لم يكن له قوة فالوصياعذر، ولي بيوسف " ع " أسوة إذ قال: (رب السجن أحب إلى مما يدعوننياليه) فان قلتم ان يوسف دعا ربه وسأله السجن لسخط ربه فقد كفرتم، وان قلتم انهأراد بذلك لئلا يسخط ربه عليه فاختار السجن فالوصي أعذر، ولي بموسى " ع" أسوة إذ قال: (ففررت منكم لما خفتكم) فإن قلتم ان موسى فر من قومه بلا خوفكان له منهم فقد كفرتم، وان قلتم ان موسى خاف منهم فالوصي اعذر، ولي بأخي هارون" ع " أسوة إذ قال لاخيه: (بابن أم ان القوم استضعفونى وكادوا يقتلونني)فإن قلتم لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم وان قلتم استضعفوه واشرفواعلى قتله فلذلك سكت عنهم فالوصي اعذر.
ولي بمحمد صلى الله عليه وآله أسوة حين فر من قومه ولحق بالغار من خوفهموانا مني على فراشه، فإن قلتم فر من قومه لغيرخوف منهم فقد كفرتم وان قلتم خافهموانامني على فراشه ولحق هو بالغار من خوفهم فالوصي اعذر.
ومن كلام له (عليه السلام) لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان :
دَعُونِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وأَلْوَانٌ لَا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ ولَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ وإِنَّ الْآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ وَالْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ . واعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ ولَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وعَتْبِ الْعَاتِبِ وإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ ولَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً ." اهـ
الجواب :
١ـ المصدر الذي نقل منه الشريف الرضي هذا الكلام هوتاريخ الطبري ج ٣ ص ٤٥٦ ( كتب إلي السري ) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا فقالوا لهم دونكم يا أهل المدينة فقد أجلناكم يومين فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلن غدا عليا وطلحة والزبير وأناسا كثيرا فغشى الناس عليا فقالوا نبايعك فقد ترى ما نزل بالاسلام وما ابتلينا به من ذوي القربى فقال علي دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وله ألوان.....الخ " اذن فمدارها على شعيب بن ابراهيم راوية كتب سيف بن عمر واليك حال كلٌ منهما :
أما شعيب فقال صاحب المعجم الصغير لرواة الإمام ابن جرير ص ٢٣٨ :
[تخ ٢/ ٢٤٧]شعيب بن إبراهيم، الكوفي، راوية كتب سيف بن عمر عنه، من التاسعة، قال ابن عدي في" الكامل ": " له أحاديث وأخبار، وهوليس بذلك المعروف ،ومقدار ما يروي من الحديث، والأخبار، ليست بالكثيرة، وفيه بعض النكرة؛ لأنفي أخباره، وأحاديثه، ما فيه تحامل على السلف ".
وأما سيف بن عمر فأمره واضح جدا فهوالذي روى اغلب ما جاء عن ابن سبأ وقد اتهم سيف بالزندقة والكذب ووضع الحديث .
قال الحافظ في تهذيب التهذيب ٤ / ٢٩٦ :
قلتُ : بقية كلام ابن حبان : اتهم بالزندقة . وقال البرقانى ،عن الدارقطنى : متروك . وقال الحاكم : اتهم بالزندقة ، وهوفى الرواية ساقط . قرأت بخط الذهبى : مات سيف زمن الرشيد . اهـ .
قال العلامة علاء الدين مغلطاي في اكمال تهذيب الكمال :
(ت)سيف بن عمر التميمي البرجمي، ويقال: السعدي، ويقال: الضبي، ويقال: الأسيدي الكوفي صاحب كتاب «الردة والفتوح».
كذا ذكره المزي معتقدا المغايرة بين ضبة وتميم وسعد ولا مغايرة؛ لأن ابن حبيب قال في«المحبر»: ضبة بن عمروبن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل.
وقال ابن الجارود: ضعيف يحدث عنه البخاري.
وقال الدارقطني - فيما حكاه البرقاني -: متروك.
وقال أبوسعيد النقاش: عامة أحاديثه موضوعة، وقال الحاكم أبوعبد الله: اتهم بالسرقة وهوفي الرواية ساقط.
وقال ابن الجوزي في كتاب «الموضوعات»: هوكذاب بإجماعهم.
وذكره أبوالعرب والساجي، والعقيلي، والبلخي في «جملة الضعفاء».
وقال ابن حبان البستي : اتهم بالزندقة ويروي الموضوعات عن الأثبات، أبنا محمد بن عبد الله قال: سمعت جعفر بن أبان يقول سمعت ابن نمير يقول : سمعت سيفا الضي،وكان جميع يقول: حدثني رجل من بني تميم وكان سيف يضع الحديث، وكان اتهم بالزندقة.
وفي «كتاب الصريفيني»: يقال توفي بعد السبعين ومائة. اهــ
والحاصل مما مر خمسة اوصاف نقلت عن العلماء في سيف بن عمر :
١ـ متهم بالزندقة .
٢ـ متهم بالسرقة .
٣ـ عامة احاديثه موضوعة .
٤- يروي الموضوعات عن الاثبات .
٥ـ كذاب بالاجماع .
٢ـ قد أجاب علمائنا قديما بعد صرف النظر عن مصدره وحصر الكلام عن مضمونه بأوجه ثلاثة وهي كالتالي :
الوجه الأول : إن الذين أرادوه على البيعة هم كانوا العاقدين بيعة الخلفاء من قبل وقد كان عثمان منعهم أومنع كثيرا منهم عن حقه من العطاء لأن بني أمية استأصلوا الأموال في أيام عثمان فلما قتل قالوا لعلي نبايعك على أن تسير فينا سيرة أبي بكر وعمر لأنهما كانا لا يستأثران بالمال لأنفسهما ولا لأهلهما فطلبوا من علي ع البيعة على أن يقسم عليهم بيوت الأموال قسمة أبي بكر وعمر فاستعفاهم وسألهم أن يطلبوا غيره ممن يسير بسيرتهما وقال لهم كلاما تحته رمز وهوقوله إنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت .
قالوا وهذا كلامله باطن وغور عميق معناه الإخبار عن غيب يعلمه هوويجهلونه هم وهوالإنذار بحرب المسلمين بعضهم لبعض واختلاف الكلمة وظهور الفتنة . ومعنى قوله له وجوه وألوان أنه موضع شبهة وتأويل فمن قائل يقول أصاب علي ومن قائل يقول أخطأ وكذلك القول في تصويب محاربيه من أهل الجمل وصفين والنهروان وتخطئتهم فإن المذاهب فيه وفيهم تشعبت وتفرقت جدا . ومعنى قوله الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت أن الشبهة قد استولت على العقول والقلوب وجهل أكثر الناس محجة الحق أين هي فأنا لكم وزيرا عن رسول الله ص أفتي فيكم بشريعته وأحكامه خير لكم مني أميرا محجورا عليه
مدبرا بتدبيركم فإني أعلم أنه لا قدرة لي أن أسير فيكم بسيرة رسول الله ص في أصحابه مستقلا بالتدبير لفساد أحوالكم وتعذر صلاحكم .
الوجه الثاني : هذا كلام مستزيد شاك من أصحابه يقول لهم دعوني والتمسوا غيري على طريق الضجر منهم والتبرم بهم والتسخط لأفعالهم لأنهم كانوا عدلوا عنه من قبل واختاروا عليه فلما طلبوه بعد أجابهم جواب المتسخط العاتب .
الوجه الثالث : ان هذا الكلام مخرج على جهة التهكم والسخرية أي أنا لكم وزيرا خير مني لكم أميرا فيما تعتقدونه كما قال سبحانه ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ اَلْكَرِيمُ أي تزعم لنفسك ذلك وتعتقده .
نقل هذه الوجوه عن علمائنا الابرار ابن ابي الحديد وتبناها بعض شراح النهج ايضا وعضدوها بالشواهد التاريخية .
ومن خطبة له(عليه السلام) في رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، ومن هوجدير بأن يكون للخلافة وفي هوان الدنيا : ......
( الجدير بالخلافة )
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّأَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ وأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ فِيهِ فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ ولَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ لَا تَنْعَقِدُ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ فَمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ ولَكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ أَلَا وإِنِّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ رَجُلًا ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْهِ أُوصِيكُمْ عِبَادَاللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا خَيْرُ مَا تَوَاصَى الْعِبَادُ بِهِ وَخَيْرُ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ عِنْدَ اللَّهِ وقَدْ فُتِحَ بَابُ الْحَرْبِبَيْنَكُمْ وبَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ولَا يَحْمِلُ هَذَا الْعَلَمَ إِلَّاأَهْلُ الْبَصَرِ والصَّبْرِ والْعِلْمِ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ فَامْضُوا لِمَاتُؤْمَرُونَ بِهِ وقِفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ولَا تَعْجَلُوا فِيأَمْرٍ حَتَّى تَتَبَيَّنُوا فَإِنَّ لَنَا مَعَ كُلِّ أَمْرٍ تُنْكِرُونَه ُغِيَراً.
( هوان الدنيا )
أَلَا وإِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وتَرْغَبُونَ فِيهَا وَأَصْبَحَتْ تُغْضِبُكُمْ وتُرْضِيكُمْ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ ولَا مَنْزِلِكُمُ الَّذِي خُلِقْتُمْ لَهُ ولَا الَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْهِ أَلَا وإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ لَكُمْ ولَا تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا وهِيَ وإِنْغَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا فَدَعُوا غُرُورَهَالِتَحْذِيرِهَا وأَطْمَاعَهَا لِتَخْوِيفِهَا وسَابِقُوا فِيهَا إِلَىالدَّارِ الَّتِي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا وانْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا وَلَا يَخِنَّنَّ أَحَدُكُمْ خَنِينَ الْأَمَةِ عَلَى مَا زُوِيَ عَنْهُ مِنْهَا وَاسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ أَلَا وإِنَّهُ لَايَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْ ءٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَدِينِكُمْ أَلَا وإِنَّهُ لَا يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْ ءٌحَافَظْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ وأَلْهَمَنَا وإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ.اهـ
فيتمشكل بعضهم بكونالخلافة دائرة مدار الاقوائية كما هوظاهر مدلول النص اعلاه ، لا بالنص كما تعتقد الشيعة .!
الجواب :
١ـ بعد البحث والتنقيب في المصادر لم اعثر على المصدر الذي نقل منه الشريف الرضي المقطع المستشكل به تحديدا ـ دون الكلام الأخير ـ على ان هذا من نافلة القول فإن الكلام تام ولا اشكال فيه البتة .
٢ـ وبقطع النظر عن المصدر فالمقطع لا يحتوي على اي منافاة مع عقيدتنا بالامامة وانها بالنص لابالشورى لا بحسب بمدلوله المطابقي ولا التضمني ولا الالتزامي بل يمكننا القول بانه مؤيد لما نعتقده من ان تعيين الامام بالنص لا بالشورى لسببين :
الأول : ان الكلام الوارد الخطبة جعل الاقوائية والاعلمية هي الملاك في الاستخلاف ومعلوم ان ذلك لا يمكن معرفته وتشخيصه الا من قبل علّام الغيوب وهذه حقيقة قرآنية لا مناص منها فقد بينت في مواضع من القرآن نكتفي باثنين منها:
١ـ طالوت :{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّاللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُوَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة :٢٤٧] .
٢ـ آدم : {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة : ٣١] .
الثاني :ان الاحقية غير متقومة باختيار الناس بل بمؤهلات نفس الخليفة سواء مكنه الناس ام لم يمكنوه .
هذا وقد توفر هذا الملاك في شخص مولى الموحدين عليه سلام الله وصلوات المصلين فقد جاء في صحيح البخاري :
٤٤٨١ - حَدَّثَنَا عَمْرُوبْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَقْرَؤُنَا أُبَيٌّ، وَأَقْضَانَا عَلِيٌّ، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أُبَيٍّ،وَذَاكَ أَنَّ أُبَيًّا يَقُولُ: لاَ أَدَعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِاللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَونُنْسِهَا} [البقرة: ١٠٦] .
{ و من كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية }
إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ وَلَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ وَإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِفَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَلَعَمْرِي يَامُعَاوِيَةُ لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ إِلَّا أَنْ تَتَجَنَّى فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ وَالسَّلَامُ. اهـ
ووجه ايراد المخالفين للنص واستشكالهم به على الشيعة امور :
اولا : فيه اقرار بالشورى ، وهو مخالف لعقيدتنا في ان الامامة لا تثبت الا بالنص .
ثانيا : فيه اقرار بشرعية الذين سبقوه وهو خلاف ما يراه الشيعة .
ثالثا : فيه اعتراف ايضا بانعقاد الاجماع على بيعتهم وعلى الاقل الأول منهم .
والجواب عنها في نقاط:
١ـ ( الكتاب لكشف معاوية بالزامه والاحتجاج عليه بما يدعيه )
فبالعودة الى الكتاب في بعض المصادر التي نقلت الكتاب بجملته تقريبا ستتضح لنا الحقيقة ، منها على سبيل المثال لا الحصر كتاب المناقب للخوارزمي ج ١ ص ١١٨ فقد اورده كما يلي :
" قال رضي الله عنه : " كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قبل نهضته إلى صفين إلى معاوية لاخذ الحجة عليه . أما بعد : انه لزمتك بيعتى بالمدينة وأنت بالشام ... " إهـ
فهنا عبارات مهمتان :
الاولى : لأخذ الحجة عليه .. وهي تبين الغرض الذي عقد الكتاب لاجله ..
الثانية : لزمتك بيعتي بالمدينة وانت بالشام .. وهي تدل بالصراحة على ان الكتاب لأجل الالزام .
٢ـ ( الظرف يعرف من عنوانه )
بعد العودة الى عنوان النص( من كتاب له الى معاوية ) سنعرف ان الهدف منه الاحتجاج على معاوية والزامه فهو ملزم له ولأشياعه وليس بحجة على منهج علي واتباعه .
٣ـ ( لا اجماع في السقيفة ولو حصل فحجيته لدخول المعصوم فيه ) .
العبارة الواردة في النص اعلاه : " فإن اجتمعوا على رجل ... " مشعرة بعدة امور :
أـ التعريض بالاجماع المدعى بمن تقدم على امير المؤمنين عليه السلام اذ كما هومعلوم انهم لم يحصل لهم اجماع ولا اجتماع وهذا من ابجديات التاريخ ..
ب ـ التعبير بـ إن الشرطية دون اذا والفرق بينهما واضح لمن له ادنى المام بالبلاغة فان الاولى لا تفيد التحقق بخلاف الثانية ..
د ـ التعبير بــ "اجتمعوا " يعني لنا اجماع المهاجرين والانصار وهو حجة لدخول المعصوم فيه فلو كان المعصوم قد دخل في تلك الفلتة ـ وفرض المحال ليس بمحالـ لكان دخوله حجة ..هذا إن ــ ان اجتمعوا لكن هل اجتمعوا ؟!! كيف والمشيرون من بني هاشم غيّب ؟!!
فهذا الجواب على قاعدة : {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر :٦٥]
٤ـ ( ورود الإجماع في الخطبة لا يلزم تحققه ) .
بيان ذلك في نقطتين :
١ـ ان الإجماع وقع شرطا في قضية شرطية ـ فإن اجتمعواــ جوابها وجزائها او تاليها ـ كان ذلك لله رضى .. وجزءا القضية الشرطية هما قضيتان بحسب الاصل ..
٢ـ يقول علماء المنطق : قد تصدق القضية الشرطية مع كذب طرفيها ..
مثلا يقول تعالى : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء : ٢٢] فلو لاحظنا كلٌ من الجزئين على حدة لكان كاذبا :
١ـ في السماوات والارضين آلهة ../ كاذبة
٢ـ فسدت السماوات والارضون .. / كاذبة
ولكن مجموع القضية الشرطية صادق .. اذا اتضح ذلك نقول :
ما جاء من قول في الخطبة : " فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى" لايدل على وقوع الإجماع اصلا لانه ورد كجزء في قضية شرطية ـ إن اجتمعواعلى رجل وسموه اماما ــ وهذا الجزء قد يكذب مع مجموع الشرطية صحيح وصادق ولا اشكال فيه باعتبار احد المجمعين هو المعصوم ..
٥ـ ( معاوية لا من المهاجرين ولا من الانصار )
بناءً على ما تقدم نود الفات النظر الى مسألة مهمة اشتمل النص على الاشارة اليها ايضا وهي : ان الشورى المدعى عقد الامامة بهامنحصرة بالمهاجرين والانصار حتى عند القائلين بالشورى وبالتالي فان تبجح معاوية بها لا ينفعه في محاججته ومخاصمته مع علي عليه السلام فان الشورى لدى اصحابها والملتزمين بها حسب النص اعلاه مختصة بالمهاجرين والانصار ومعاوية طليق لا هومهاجري و لا انصاري فتحيله تحت غطاء الشورى لا يمكن ان يمرر وينطلي على احد فان الشورىلا تشمل الطلقاء ابناء الطلقاء " وَإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.."على حد تعبير النص .
٦ـ وقد جرى بيني وبين احد السلفية حوار لخصته وكتبته ووضعته في موضوع مستقل تجدوه في الرابط ادناه :
http://www.alkafeel.net/forums/showthread.php?t=
- ومن خطبة له (عليه السلام) خطبها بصفين :
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَعَلَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلَايَةِ أَمْرِكُمْ وَلَكُمْعَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ فَالْحَقُّ أَوْسَعُالْأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ وأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِلَا يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ ولَا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا جَرَىلَهُ ولَوكَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ ولَا يَجْرِيَ عَلَيْهِ لَكَانَذَلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِولِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ ولَكِنَّهُسُبْحَانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ وجَعَلَجَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وتَوَسُّعاًبِمَا هُومِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ.
( حق الوالي وحق الرعية )
ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْحُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَهَاتَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا ويُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً ولَا يُسْتَوْجَبُبَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ. وأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْكَالْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ وحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَىالْوَالِي فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّفَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وعِزّاً لِدِينِهِمْ فَلَيْسَتْ تَصْلُحُالرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ ولَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّابِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِيحَقَّهُ وأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ واعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وجَرَتْ عَلَىأَذْلَالِهَا السُّنَنُ فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ وطُمِعَ فِي بَقَاءِالدَّوْلَةِ ويَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ. وإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُوَالِيَهَا أَوأَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ وكَثُرَ الْإِدْغَالُ فِي الدِّينِ وتُرِكَتْمَحَاجُّ السُّنَنِ فَعُمِلَ بِالْهَوَى وعُطِّلَتِ الْأَحْكَامُ وكَثُرَتْعِلَلُ النُّفُوسِ فَلَا يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ ولَا لِعَظِيمِبَاطِلٍ فُعِلَ فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ وتَعِزُّ الْأَشْرَارُ وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعِبَادِ. فَعَلَيْكُمْبِالتَّنَاصُحِ فِي ذَلِكَ وحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ وَإِنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَا اللَّهِ حِرْصُهُ وطَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُبِبَالِغٍ حَقِيقَةَ مَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ وَلَكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِجُهْدِهِمْ والتَّعَاوُنُ عَلَى إِقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ ولَيْسَامْرُؤٌ وإِنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ وتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِفَضِيلَتُهُ بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ وَلَا امْرُؤٌ وإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ واقْتَحَمَتْهُ الْعُيُونُ بِدُونِأَنْ يُعِينَ عَلَى ذَلِكَ أَويُعَانَ عَلَيْهِ.
فَأَجَابَهُ (عليه السلام) رَجُلٌ مِنْأَصْحَابِهِ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ يُكْثِرُ فِيهِ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ ويَذْكُرُسَمْعَهُ وطَاعَتَهُ لَهُ، فَقَالَ (عليه السلام):
إِنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ عَظُمَ جَلَالُاللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي نَفْسِهِ وجَلَّ مَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِهِ أَنْيَصْغُرَ عِنْدَهُ لِعِظَمِ ذَلِكَ كُلُّ مَا سِوَاهُ وإِنَّ أَحَقَّ مَنْ كَانَكَذَلِكَ لَمَنْ عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ولَطُفَ إِحْسَانُهُإِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ تَعْظُمْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا ازْدَادَحَقُّ اللَّهِ عَلَيْهِ عِظَماً وإِنَّ مِنْ أَسْخَفِحَالَاتِ الْوُلَاةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِويُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ وقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِيظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الْإِطْرَاءَ واسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ ولَسْتُبِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ ولَوكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَلَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوأَحَقُّبِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ والْكِبْرِيَاءِ ورُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَبَعْدَ الْبَلَاءِ فَلَا تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لِإِخْرَاجِي نَفْسِيإِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وإِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي حُقُوقٍ لَمْأَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وفَرَائِضَ لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهَا فَلَاتُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ ولَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّيبِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ ولَا تُخَالِطُونِيبِالْمُصَانَعَةِ ولَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي ولَاالْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَلَهُ أَوالْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَعَلَيْهِ فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَومَشُورَةٍ بِعَدْلٍ فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ ولَا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي إِلَّا أَنْ يَكْفِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوأَمْلَكُ بِهِ مِنِّيفَإِنَّمَا أَنَا وأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لَا رَبَّ غَيْرُهُيَمْلِكُ مِنَّا مَا لَا نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا وأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّافِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلَالَةِ بِالْهُدَىوأَعْطَانَا الْبَصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى. اهـ
فيقول المستشكل : ان الاشكال يتمحور فيما جاء في آخر الخطبة اعني به : فانيلست في نفسي بفوق ان اخطئ ولا آمن ذلك من فعلي ..الخ حيث يتنافى بحسب ظاهره معالعصمة التي تعني عدم وقوعه في الخطأ . !
والجواب :
اولاً : ( مصدر الخطبة وسندها )
هذه الخطبة رواها قبل الشريف الرضي الشيخ الكليني فيالكافي ٨ / ٣٥٢ / برقم / ٥٥٠ وسندها كالتالي :
- علي بن الحسن المؤدب ، عن أحمد بن محمد بن خالد ،وأحمد بن محمد، عن علي بن الحسن التيمي جميعا ، عن إسماعيل بن مهران قال : حدثنيعبد الله بن الحارث ، عن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : خطب أمير المؤمنين( عليه السلام ) الناس بصفين ...الخ .
وقد علق عليه العلامة المجلسي في مرآة العقول ج ٢٦ / ص٥١٧ قائلا :
الحديث الخمسون والخمسمائة : ضعيف بعبد الله بن الحارث ،وأحمد بن محمد معطوف على علي بن الحسن وهوالعاصمي ، والتيمي هوابن فضال ، وقل منتفطن لذلك ..اهـ
وبالرغم من ذلك وكما هومنهجنا ان لا نكتفي بالبحثالسندي فانا سنعرض المعنى الصحيح للجملة المعترض بها من الخطبة وسنرى انها بعيدةجدا عن مورد الاشكال .
ثانيا : هذا النص موافق تماما لما نعتقده ولا ضير فيهسيما بعد ملاحظة تمام الجملة ـ وعادة ما يقتطعها المستشكلون من الخطبة عن قصد اوبلا قصد ــ وهي " ..إِلَّا أَنْ يَكْفِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوأَمْلَكُبِهِ مِنِّي .." وهل العصمة الا ان يكفي الله تعالى نفس المعصوماوقل توفيق من الله ولطف وملكة منه تعالى يفعله في عباده يحول بينهم وبين المعاصيولولاه لا يأمن المعصوم على نفسه الخطأ ؟!
وعليه فهو نظير قوله تعالى في يوسف عليه السلام : {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}[يوسف : ٢٤] فلولا العصمة لجاز ان يهم بها يوسف عليه السلام ـ بناءً على تفسير البرهانبالنبوة والعصمة ـ فالجنبة البشرية بما هي لا تقتضي عصمة كما انها لا توجب نبوةولا رسالة ولا امامة وفي ذات الوقت لا توجب الوقوع في الخطأ بمعنى انها في حدنفسها تقبل الامرين ـ الخطأ والصواب ـ فيرتفع احتمال الوقوع في الخطأ بعروض النبوةاوغيرها من المناصب والمقامات الالهية وهذا بطبيعة الحال لا يقتضي خروج صاحبالمقام الالهي عن بشريته فتبقى فيه الجنبة الملكية البشرية وبها يتصل بالخلقوالجنبة الملكوتية الالهية ومن خلالها يتصل بالخالق وقد اكد الله تعالى في القرآنالكريم على ذلك بقوله في سورتين ـ الكهف وفصلت آمرا نبيه الكريم ص بالقول : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) .
ثالثا : للسيد جعفر مرتضى العاملي كتيب صغير يقع في ( ٤٧صفحة ) خاص بالنص المستشكل به اعلاه ومعالجته ذكر فيه ستة اجوبة ننقل منه اربعة فقط :
قال في كتيب : ( لست بفوق ان اخطأ من كلام علي ع / ص ٢٨ ) ما نصه :
١- هضم النفس والتواضع :
لقد أشار البعض ، كابن أبي الحديد المعتزلي ، ومحمدبن إسماعيل المازندراني الخواجوئي وأوضحه العلامة محمد باقر المجلسي رحمه الله ؛إلى أنه « عليه السلام » قد قال مقالته تلك على سبيل هضم النفس ، والانقطاع إلىالله ، والتواضع ، الباعث لهم على الانبساط بقول الحق ، وعدِّ نفسه من المقصرين فيمقام العبودية ، والإقرار بأن عصمته من نعمه تعالى عليه .
وليسأنه اعتراف بعدم العصمة كما تُوُهِّم ، بل ليست العصمة إلا ذلك ، فإنها هي أن يعصمالله تعالى العبد عن ارتكاب المعاصي.
وقد أشار « عليه السلام » إلى ذلك بقوله :إلا أن يكفي الله .
ويؤكد صحة هذا التوجيه : أنه « عليه السلام » قد قال هذه الكلمات في حرب صفين . ولم يكنالعراقيون آنئذ يعتقدون بإمامته وعصمته « عليه السلام » ، فيما عدا بعض الأفرادالقليلين منهم .
واستشهد الخواجوئي لذلك بما روي عن علي « عليه السلام » : (ألم تعلموا : أن لله عباداًأسكتتهم خشيته من غير عيّ ولا بكم ، وإنهم لفصحاء العقلاء الألباء العالمون باللهوأيامه ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انكسرت ألسنتهم ، وانقطعت أفئدتهم ، وطاشتعقولهم ، وتاهت حلومهم ، إعزازاً لله وإعظاماً وإجلالاً . فإذا أفاقوا من ذلكاستبقوا إلى الله بالأعمال الزاكية ،يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين ، وإنهمبراء من المقصرين والمفرطين ،إلا أنهم لا يرضون بالقليل الخ . . ).
- وَقَالَ (عليه السلام) : مَا أَهَمَّنِي ذَنْبٌ أُمْهِلْتُ بَعْدَهُ حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَسْأَلَ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.اهـ
ووجه المشكل فيه هو قوله : " ما اهمني ذنب " الذي ينافي بظاهره العصمة .
الجواب :
اولا : في مصادر النهج للخطيب : وردت في ( سراج الملوك ) ص ٣٧٢ و(غرر الحكم) ص ٣١٣ كما في ( نهج البلاغة ) .اهـ
قلتُ : وورد في ربيع الابرار ص ٢٦٧ والكل متأخر عن الشريف الرضي :
اما الاول : فصاحبه ابو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي وقد توفي سنة ٥٢٠ هـ
واما الثاني : فهو للآمدي التميمي وقد توفي سنة ٥٥٠ هـ .
واما الثالث : فهو الزمخشري وهو متوفى سنة ٥٣٨ في حين ان الشريف الرضي قد توفي سنة ٤٠٣ فلا نعرف المصدر الذي نقل منه الشريف الرضي ومن هنا فالرواية محكوم عليها بالارسال .
ولهذا قال السيد البروجردي في جامع احاديث الشيعة ج ٤ / ص ٢٨ " وفي مرسلة نهج البلاغة من هذا الباب قوله عليه السلام ما أهمني ذنب أمهلت بعده حتى أصلي ركعتين ..." اهـ
ثانيا : ( النقض بالقرآن ) .
يمكن الرد بالنقض على المستشكل بآيات عدة في القرآن الكريم :
منها : قوله تعالى : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} (غافر : ٥٥) .
ومنها : قوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (محمد : ١٩) .
وقوله تعالى ايضا : {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} (الفتح: ٢) .
فعلى فهم المستشكل ان هذه الايات تثبت الذنوب لسيد الخلق ـ نعوذ بالله ـ فهل يلتزم بهذا ام نرجع تحديد مفهوم الذنب وهل هو يساوق المعصية ومخالفة الاوامر اوارتكاب النواهي الالزاميين في كل حال ام ان الذنب مع كل بحسبه حتى عند المخالفين كما سيتضح ذلك لاحقا ؟ !!!
ثالثا : ( النقض بالسنة )
(البخاري )
٦٣٠٧ - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً) .
وفي البخاري ايضا :
٦٣٩٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكَ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ أَبِى مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ ( رَبِّ اغْفِرْ لِى خَطِيئَتِى وَجَهْلِى وَإِسْرَافِى فِى أَمْرِى كُلِّهِ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى خَطَايَاىَ وَعَمْدِى وَجَهْلِى وَهَزْلِى ، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِى ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ) .