وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
لمحةُ مع الشريف الرضي وغزلِه

الدكتورقاسم مختاري

راضية سادات ميرصفي

في هذه المقالة قمنا بدراسة شخصية الشريف الرضي الادبية وخاصةً خصائص الغزل في شعره.

ونحن نعلم أن حجازيات الشريف تمثلُ منهجَهُ الغزلي خيرَ تمثيل، فعلىها تبلورات عبقريته الفذة.

وهي تحوي جميع ميزات غزله التي نراها في قصيدته الميمية وسائرقصائده .

تغلّبت على غزله النفحة لدينية.

غزله شديد الإلتئام إلي نفسه ، صادرعن شعورحي ، عميق الإحساس على مظاهرالطهروالعفة والذكري، وفي شعره تتمثّل صورالوفاء والمحبّة والإخلاص والتسامح والعتاب الرقيق .

مقدمة

دراسة شخصية الشريف الرضي الأدبية من أروع الدراسات .

فنحن في مواجة رجلٍ من كرام الرجال وشاعرمن أغنى مَن أنتجتهم الأمة الإسلامية على إمتداد تاريخها.

---------------------------------------------------

* . أستاذ مساعد في جامعة آراك

*. ماجيستيرفي اللغة العربية وآدابها ، جامعة آراک.

تاریخ وصول : ١٨ / ١٠ / ١٣٨٨ تاریخ پذیرش ١٥ / ١٢ / ٨٨

 

کثیر من الناس یعرفون الشریف الرضي على أنه جامع كلام اميرالمؤمنين إلا علي (ع) من الخطب والحكم وغيرها في نهج البلاغة وقد كثرت الكتب عن ذلك وكثرت الشروح والبحوث عنه .

نعم هذه سمة شريفة ولكّنهم قد اهملوا شخصية الشريف الرضي الأدبية .

إنّه كان شاعراً ملتزماً بكل ما تعنيه الكلمة من معني ، فلم يكن من الشعراء الذين ((يتبعهم الغاوون...إنهم في كل وادٍ يهيمون)) بل كان شاعراً شيعياً يلتزم باصول الدين ويحبّ الرسول (ص) وآله الطاهرين المعصومين (ع) وشعره مرآة لنفسية الصادقة الخالصة في حبّ آل البيت (علىهم السلام).

إن التاريخ لن يغفرلاولئك الذين أهملوالشريف وتجاوزوا عنه، ولم يذكره في دراساتهم ولو بكلمة واحدة ، في حين أغرقوا على غيره مئات الصفحات وهذا الاهمال يدفع الانسان إلى أنْ يطالع سيرته وأدبّهُ ولو بشكل موجزٍ.

في هذا المقالة قبل أن نخوضَ في غمرة غزله ، نتكلم عن ترجمته وأدبه .

**********

ترجمته:

هو ابو الحسن محمد بن طاهرذي المناقب ابي احمد الحسين بن موسى بن ابراهيم بن موسى الكاظم (ع) (الثعالبي ، ١٩٨٣ م ، ٣ / ١١٣ ، الزركلي ، ١٩٨٦ م ، ٢ / ٩٩ ، عمررضا كحّاله ، ١٩٨٨ م ، ٨ / ٢٦١)

والده كان ابا احمد الحسين بن موسى كان ينتسب بالطاهر وبذي المناقب وبالأوحد.

أما والدته فهي فاطمة ، امرأة جليلة القدر وقد ألّف الشيخ المفيد (ره) كتابه ((أحكام النساء لأنها أوصته بها .

وينشد الشريف في شأنها :

ولو كان مثلك كل امٍ برّةٍ                           غِنى البّنون بها عن الآباء

أدبه:

إنه كان عالماً ، فاضلاً وشاعراً مترسلاً عفيفاً عالي الهمّة متديناً وقد صرح كثيرٌ من الأدباء والنقاد من معاصريه أو من الذين ظهروا في ساحة الأدب بعده بفضله ومجده.

ولقد أنعم الله تبارك وتعالى علىه ، وفتح له من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهرعنه في الآفاق وهو باقٍ ما بقي الدهر.

له ألقاب منها : (( نقيب النقباء)) ( اميني ، ١٩٦٧ م ، ٤ / ٢٠٧ – ٢٠٤) ((الشريف الاجّل)) ، ((ذوالمنقيتين)) و(( الرضي ذوالحسبين)) . (ابن الجوزي ، ١٥ / ٨٩ ).

إنه اديب بارع وهذا الامر يظهر ممّا خلف للاجيال اللاحقة من النظم والنثر، لكن شخصيته في شعره تختلف عنه في نثره .

إنه في نثره عالمُ اديبٌ يكتب في العلوم اللغوية والشرعية باسلوب متين ذي عبارات قوية وألفاظ رصينة موزونة وتشهد على ذلك ما كتبه في نهج البلاغة وايضاً كتاب ((خصائص الائمة)).

إنه شاعر ذو خصائص ذاتية ندرت في غيره من الشعراء ، يحرص كل الحرص على تقديم النصح ما وسعه ذلك ويجهد في أن يكون معلم الاخلاق في كل قولٍ وفعلٍ .

كان الشعر عنده خاصةُ نفسية ، لا وسيلة للكسب ينظمه الشاعرعن عاطفة متأججة ويضمّنه حرارة قلبه .

فقد أحب الشاعر وطمع في المعالي (الفاخوري ، ١٩٨٦ م ، ص ٦٦٨).

ويسميه الادباء ((النايحة الثكلي)) لرقة شعره (الصفدي ، ١٩٩١ م ، ٣٧٤).

شعره على الاسلوب القديم : جزالة في اللفظ وفخمة في المعني وقد غلبت على شعره الحماسة والفخر وبرع في الرثاء والغزل العفيف وفي شعره رمزٌ بارعٌ وغزل بالبقاع الشريفة في الحجازخاصّة ولشعره عذوبة وطلاوة على كثرة تكلّفه ( فروخ ، ١٩٨٥ م ، ٣ / ٠ – ٥٩).

ابتدأ الشريف الرضي بقول الشعربعد أن جاوز العشر بقليل وإعترف كثيرمن الادباء بأنه ((أشعرالطالبين)) (الثعالبي ، ١٩٨٣ م ، ٣ / ١٣١).

جاء في تاريخ بغداد (( أنّ الرضي قريش وقد كان في قريش من يجيد القول الا أنَّ شعره قليل فأما مجيدٌ مكثر فليس الّا الرضي )) (الخطيب البغدادي ، ٢ / ٢٤٦).

يقول الباخرزي عن شعره : ((كان شعره تغنياً بحبه وآلامه ونشيداً من أناشيد الفخروالعزة)) (الباخرزي ، ١٩٨٥ م ، ١ / ٢٩٣).

يدّل شعرالشريف الرضي على أنه شديد التأثر بالمتنبي فقد اكبّ علىه يقرؤه المرة والمرات محباً له ، متعاطفا معه ، متمثّلاً لكل ما يقول من شكوي الزمان وانه لا يعطيه ما يستحقه حتي جعل اشعاره تطبع كما طبعت أشعارالمتنبي ، بالتذمر من الدهر بل بالثورة علىه دون أن يلمّ به شيء من يأس أوقنوط (شوقي ضيف ، ١٩٦٦ م ، ٥ / ٣٧٢).

كان الرضي شاعراً شيعياً شديد الايمان والاعتقاد باصول التشيع .

كما نعلم أنّ مذهب الشيعة الامامية أخذ يعمّ في العراق في عصرالبويهيين (آل بويه) وأخذ اتباعه يتكاثرون ويتكاثر معهم الشعراء ومضوا ينظمون في جانبين هما ، مناقب على بن ابيطالب (ع والبكاء على الحسين (ع) وندبه حتي يصبحا وضوعين اساسين في شعرالشيعة الامامية (نفسه ، ٥ / ٣٣٨).

ولعّل من اسباب عدم اهتمام النقاد به وبشعره ، تشيعه وايمانه الخالص بأهل البيت (ع) وولاء ه لهم.

اهتمّ الشريف في مؤلفاته الكثيرة بشرح الخصائث البلاغية القرآنية والبلاغية النبوية والعلوية كما يدلّ على ذلك مؤلفاته ((حقائق التنزيل)) و((مجازالقرآن)) و((خصائص الأئمة (ع) و((نهج البلاغة) وغيرها وهذا كله ردّ على المفتريات التي وجّهت الي التشيع والتي ادّعت أنّ الشيعة لا يتهمّون بالقرآن والحديث .

وإضافة إلى ذلك جديرٌ بالذكربان شعره مرآة لايمانه الصادق ومحّبته الخالصة تجاه اهل البيت (ع).

غزله:

إنّ ديوان الشريف مليءٌ بقصائد الغزل والنسيب وكان الشاعرمعروفاً عند القدماء بصدق اللوعة والصبابة.

ولكن حسبه فخراً أنّه تغزّل ولم يفحش ، نسب ولم يتطرّف.

ولم يكن نسبة مكانته الاجتماعية والدينية واخلاقه تسمح له بأن يتطرّف ، فهو ابن السادة الاشراف المعروفين بالتقى والورع ، وهو نقيب الطالبين واميرالحج ووالي ديوان المظالم ولذلك فهو لم يستطع أن يجازف بمعنوياته مقابل الصبابة والوجد وانما كان يلبّي حاجات نفسه .

وحافظ الشريف على تعاليم دينه تماماً واعتبرها أساساً في التخلق فلم يعهد عنه تقصيرعلى الملذّات أو إقبال على شرب الخمرة وهو إن وصفها فبناءً على طلب .

((وهكذا فقد كان الشريف الرضي في الغزل مهذّباً رقيقاً ، وهو رجل إحساس مرهف ينثرعلى طريق الحج فلذ قلبه وكبده.

لقد قتحت مواسم الحج عيني نفسه وإذا هي خلجات وجدان ورفرقة أجنحة وإذا هي حب عميق تيهجه النظرة وتلهبه الذكرى ، وتذهب به الآفاق الواسعة حداءً مع القوافل أصداءً في المحالفل .

وإذا الحب عنده ذوبان على جمر ونار، وإذا هي رامٍ وسفاك وهي على رميها وسفكها ، نعيم في نعيم ، والعذاب منها عذوبة ومرارتها حلاوة.

والغزل عند الشريف أمانِ وتحيات ، والتياع وأشواق ، وإرسال العبرات والنظرات ، وخفقات فؤاد يروعه البين وتقطعه حسرات واسئله ومناداة ، وكل شيءٍ ما عدا الفظاظة والقباحة والقاذورات.)) (الفاخوري ، ١٤١١ ، ٢ / ٤٧١).

لذلك فهو من رواد المدرسة العذرية بما تحمله من خصائص ومميزات وكان للتربية الدينية والاخلاقية وللبيئة التي نشأ اثركبيرفي أخلاقيات الشريف واتجاهات غزله .

فقد دعيت غزليات الشريف ((بالحجازيات)) لأنه أنشدها في مواسم الحج على الجبال وفي الاغوار.

امّا الحجازيات فهي نحوار بعين قصيدة وقد تفتحت بها عبقرية بفضل طريق الحج وهي تحوي ميزات غزله جميعها .

ولذلك على حد تعبير زكي مبارك في كتابه عبقرية الشريف الرضي ((لا مفرّ من الاعتراف بانّ الشريف كان مثال الجرأة والشجاعة حين إستطاع أن يؤرّخ هواه في أيام الحج بقصائده الحجازيات وهذه الجرأة كانت من فيض الشاعرية .

فانّ الشاعر الحق أشجع الناس وأقدرهم على الاستهانة بالمكارة والحتوف، والشريف أشجع الشعراء واشعرالشعراء )) ( مبارك ، ١٩٨٨ م ، ٢ / ١٢٦).

الشريف يكثر من تشبيه الحب بالداء ويستعير للحبيب استعارة الاقدمين من حيوان البيداء ويحمل الريح والركب تحياته ونظراته وأشواق نفسه ويكثرمن السؤال ، وإثارة الذكريات ولا سيما ذكري الوداع .

كل ذلك في لوعة ظاهرة وعاطفة وانقة ولهجة بدوية رفقتها الحاضرة ، وابتكاررائع في وصف اللوعة والشوق وتضجّرفي الكلام اللين العذب الذي يسحربموسيقاع (الفاخوري ، ١٩٨٦ م ، ص ٦٦٩).

((إنّ الشريف لم يكن يتكلم اللغة البغدادية الّا حين يأسره الغضب أو الحزن بل هومن تلاميذ البيداء وذلك ان الانفاس البغدادية لا نحسها عنده الا في النادرالقليل.

فهو بعيد كل البعد عن أنفاس الشعراء الذين تمتعت آذانهم وعيونهم بضجيج بغداد ومواكب بغداد و تعلىله فقد كان رجلاً فيهم إن المفروض علىه ان لا يعرف بغيرالتى والعفاف ولم تكن دنيا الناس في ذلك العهد تسمح لرجلٍ مثله ان يخاطربمركزه الادبي والديني في سبيل الوجد والصبابة)) ( مبارك ، ١٩٨٨ م ، الجزء الثاني ، ٩٢ و٩٠) ولذلك يصرّح بأنّه لم يخرج في غزله من الرشد والتقى ولا يستطيع احد أن يتهمه بالخروج منهما:

وَأكذبُ بالتصون مُدّعيهم                                       واُلجمُ قائليهم بالعفافِ

ولو أنّي أطعت الرُّشد يوماً                                  لأبدلتُ التحامل بالُتجافِي

(الشريف الرضي ، ١٩٩٤ م ، ٢ / ١٥)

يا ليلة السفح ، هلّا عُدتِ ثانيةً                          سَقَي زمانكِ هطالٌ من الدّيم

(نفسه ، ٢ / ٢٧٥ – ٢٧٣)

وفي هذه القصيدة يتحسّرالشاعرعلى الايام السالفة التي قضاها مع محبوبته ويستقي علىها الديم الغزيرة ولكن أنّي له ذلك ود مضت تلك الايام دون ان يقضي في تلك الليلة حاجات فؤاده .

وينطلق الشريف مسترجعا متخيلا تلك الليلة مدققا بالاحداث التي كانت فيها ویستحضرالظبية رمزا للمحبوبة التي استوقفت بصر وفؤاده ودفعته لإبتداع فكرة الصيد في الحرم لآجلها وللآلتقاء بها ليلا على حشمة وتقى ؛ فقد نزع به الحب اليها فباتا ضجعين تلّفهاما أثواب من الهوى والتقى ، ومن حولهما الريح الحنون التي ما فتئت وبدافع من الغيرة و الحنان تجاذبهما وتداعب ثيابهما وشعرهما .

وتفوح رائحة الطيب من كيان الحبيبه ويضيء البرق وجنتها الوضاءة المشرقة والشريف يقبّلها في حلكة الظلام وهويحاول كتمان الصبح ليتمكّن من قضاء أطول وقت معها .

والشريف يستحسن  تلك الليلة ويرغب بتجددها ودوامها لأنه متيم بتلك المحبوبة ويعلن اخلاصه ووفاءه لها.

إنّ الشريف في قصيدته هذه يتذبذب بين التقليد والتجديد ، فيها مسحة من الغزل الجاهلي والأموي إذلينتها الروح العباسية مع ما فيها من التجديد والإبداع.

إن الشريف يحاول أن يكتم الصبح عن محبوبته لأنّ محبوبته تهجره عند الصبح حتي يوقظهما عصفور:

واَكتم الصبح عنها وهي غافلة                      حتى تكلم عصفورٌ على علم

(نفسه ، ٢ / ٢٧٤)

وكذلك الشاعرالجاهلي ، عنترة أيضاً قلقٌ ومتروّع من رحيل محبوبته :

ما راعّني إلّا حولةُ أهلها                        وسط الدّيار،تسفّ حب الخمخم

(عنترة ، ١٩٩٢ م ، ص ١٥٤)

 ونشاهد هذا المعني في غزل عمربن ابي ربيعة إذ يقول :

فما راعني الاّمناد : ((ترحلوا))                  وقد لاح مفتوق من الصبح اشقر

(عمر بن ابي ربيعة ، ١٩٩٢ م ، ص ٢٠٢)

يأتي الشريف بصورة الأسنان التي فيها وميض البرق الذي يهدي الشاعرللوصول إلي مواقع اللثم في حلكة الظلام :

وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي                        مواقع اللثم في داجٍ من الظلم

(الشريف الرضي ، ١٩٩٤ م ، ٢ /٢٧٤)

وكم تقترب صورة الاسنان في شعرالشريف من صورة الاسنان في شعرعنترة :

فوددت تقبيل السيوف لأنها                          لمعت كبارق ثغرك المتبسّم

(عنترة ، ١٩٩٢ م ، ص ١٩١)

حالة اللمعان موجودة في كلتا الصورتين إذ إنّ صورة الشريف تكون في جو عاطفي غيرصورة عنترة التي جاءت في جوّ الحرب.

برق الثغريهدي الشريف إلي مواقع اللثم ، ولمعان السيوف يذكّرعنترة بأسنان المحبوبة التي ودّ تقبليها والصورتان تنفقان في المبالغة .

ولعل الشريف قد أبدع في هاتين الصورتين (( يلّفنا الشوق)) و((يشي بنا الطيب)) في البيتين الآتیین)) :

بتنا ضجعین في ثوبي هوى وتقى               يلّفنا الشوق من فرع الي قدم

يشي بنا الطيب أحياناً وآونة                   يضيئنا البرق مجتازاً على إضم

(الشريف الرضي ، ١٩٩٤ م ، ٢ / ٢٧٤)

فهما تعبرّان عن ذوق حضاري رفيع ينمّ عن شخصيته وهوعندما يأتي بمفرده ((الشوق)) بدلا من ((الثوب)) يدلّ على عفّته الناتجة عن لاحتراس والتأدّب ؛ وفي وشاية الطيب بدلاً من وشاية العاذل تأكيد على عفاف الشاعروطهارة محبوبته .

وكان الشريف من أسرة عريقة في المجد والشهامة ، وكان الي ذلك ذا نفسية مفطورة على الرفعة والإباء ، فلم يستطع في حبه إلا ان يكون عذريا ولذلك ، العذرية تسود في قصيدته ولا يصرّح بأسماء من تغزّل بهن كما صرّح أقرانه من الشعراء .

إن الشريف يبدأ (( ميميته)) بمقدمة متطوّرة عن مقدمة الشعرا الجاهلين وهو لا يعرف طللا ولارحلة بل يسترجع ليلة واحدة من ليالي السفح ؛ لأنّ هذه الليلة تُمثّل له اللحظات الجميلة :

يا ليلة السفح ، هلا عدت ثانية                        سقي زمانك هطّال من الديم

(نفسه ، ٢ / ٢٧٣)

كما نرى في قصيدته ((الميمية وسائرقصائده ، الشعور بالجمال كان لدي الشريف الرضي اكبرمن شعورالشعراء الآخرين ، الذين وصلوا الي الحب من خلال الإحساس.

لقد عشقوا من خلال تأثيرالعيون الحوراء والاعناق المسبوكة وغيرذلك مما جاؤوا بها في قصائدهم الغزلية ، أي أنهم عشقوا الحسي ، والجزئي ؛ فهذا شاعريحب امرأة سمراء ، وذاك يحب امرأة شقراء ، فكان القلب يريد الشهوة ، اما الشريف الرضي فكان غيرذلك تماما ؛ لأن مفاهيمه عن الجمال كانت من معطيات نفسه الشريفة الراقية .

وأيضاً من قصائد الغرلية الرائعة ، قصيدته المسماة بـ ((العصماء)) ، وقد انطلق ينشد أروع الحانه وأنغامع على أوتارقلبه المشتاق :

يا ظبية البانِ ترعى في خمائله                        ليهنّكِ اليوم أنَّ القلبَ مَرعاكِ

الماءُ عندكِ مبذولٌ لشاربه                          وليسَ يرويك الّا مِدمَعي الباكي

هّبّتْ لناس رياحِ الغور رائحةٌ                            بعد الرُّقادِ عرفناها بِرّياكِ

ثم انثنينا ، إذا ما هَزَّنا طربٌ                            على الرّحالِ تعلّلنا بذكراكِ

سهمٌ أصاب وَراميهِ بذي سَلَمِ                      مَن بالعراقِ ، لَقد أبعَدْتِ مَرماكِ

حكت لحِاظك ، في الريم من مُلحَ                   يوم اللقاءِ فكان الفضل للحاكي

(نفسه ، ٢ / ١٠٧)

أيّة روعة في هذه القصيدة التي اشتهرت في الادب العربي ، وعرفها جمهورمن الشعراء، بل أيّ جمال يتلألأ في ثنايا الابيات .

فالشاعرهنا يتحدث عن فتاة حجازية رمته بسهام لحاظها وهوفي العراق ، فأسرت فؤاده ، وفجرت عينه دموعاً باكية حزينة .

لقد اصبح قلبه مرعاها ، ودموعه النبع الذي يرويها .(( ويرينا الشاعرفي هذه الابيات أن الحلاوة في عيون النساء أمتع من الحلاوة في عيون  الظباء ؛ ذلك لانها تتمتع بصفة الإصفاح فعين الظبية تروعك ، ولكنها لا تُحدّثك ، أما عين المرأة فتروعك وتُفضي إليك في لحظة واحدة بألف حديث )) (مبارك ، ١٩٨٨ م ، الجزء الثاني ، ص ١٣٩).

نحن نري في غزل الشريف الرضي وفاءاً مطلقاً وإخلاصاً وانّ محبوبته واحدة في كل الاحوال .

انه يتألّم ويتعذّب ليلاقي محبوبته اويصل الي وعد لقاء وهذا من ميزات الشريف الرضي في حياته واشعاره.

كان للشريف الرضي مذهب في العشق ، كما يقول عزيزالسيد جاسم في كتابه : ((وقد توصل الشريف الرضي إلي رسم مذهبه في العشق من خلال تجوبته الواقعية المثيرة.

ويبدو أن ثراء شخصيته كان يدفع به في كل اهتمام إلي أقصاه ، ففي الشعريصبح أشعرقريش ومن أشهرشعراء العرب ، وفي السياسة يصبح نائب الخليفة ، اميرالحج ، نقيب الطالبين ، وفي الأدب والفقه والنحويصبح عالماً لا يشقّ له غبار، ثم في العشق يصبح اميرالعشاق ومعجم العشق )) (السيد جاسم ، ١٩٨٥ م ، ص١٠٣).

وايضاً نرى في مقالة ((محمد التونجي)) حيث يقول : ومما امتازبه شعرالشريف الرضي إنطباعه بطابع العروبة والبداءة ولا سيما حجازياته لتي كان ينظمها في نجد وحجاز، فتساعده رقة الهواء واتساع الفضاء ومشاهدة العرب الصميمين من تلك الديارعلى طبع قصائده بطابع الرقة والبداوة ومضافاً الي ما في طبعه من ذلك وايضاً من مميزاته ايراده الكثيرمن الالفاظ العربية الرقيقة العذبة المصقولة التي هي انتهي لى السماع من بارد الماء على الظمأ كلفظ الجزع وهكذا حجازياته ، تردد صداها في الاندلس وعارفها هناك الشعراء وكان فيها مجدداً في وصف مواسم الحج وفي التعبيرعن حبه وغرامه بنبل وترفّع في الاماكن الدينية المقدسة)) (التونجي ، ص ٥٧).

نتيجة:

كان الشريف شاعراً بارعاً أبدع في كل فن وقد أجاده في كل قصائده وخاصة ((الحجازيات)) وهي من فرائد الشعرالعربي امتازت عن غيرها بغرائب من الأحاسيس والمشاعربمعان طريفة تشوق العقول والاذواق حتى يعدّ صاحبها من فحول الابداع .

إنّ الشريف شاعرالعفة والمجد ولذالك نراه يركّز في قصائده على مظاهرالطهروالعفّة والذكري .

إنّه يبني الإنسان ويبري الاخلاق ؛ لانّه يخلّد في قصائده المثل العلىا من كرم وشجاعة و.... لقد جعل قصائده مدرسة تُحاكي من شكلها ومضمونها ، فلم يقع في غزله في الحسيات التي وقع غيره من الشعراء.

اختارفي غزله الالفاظ المناسبة الفخمة الرنانة الراقية وسبكها في تعابيرخلّاقة ، متكئاً على اللغة العميقة والفكرة الاصيلة واعتمد على الاسلوب الجزل والخيال المثير بصورحية من الحياة وكان للبلاغة نصيب وافرفي شعره .

وقد جمع بين الإكثاروالإجادة في غزله ومعظم اشعاره وهذا شيء لا يمكن أن يتوفّرإلا لقليل من الشعراء على غرارالشريف الرضي .

المصادر:

ابن الجوزي ، ابوالفرج ، المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم ، بيروت ، دارالجيل ، ١٣٥٨ هـ .

الاميني ، الغدير، المجلد الرابع ، بيروت ، دارالجيل ، ١٩٦٧ م .

الباخرزي ، ابوالحسن ، دمية القصر، المجلد الأول ، الكويت ، دارالعروبة للنشروالتوزيع ، ١٩٨٥م.

البغدادي ، خطيب ، تاريخ بغداد ، بيروت ، دارالكتب العلمية ، ١٣٤٩ هـ .

التونجي ، محمد مجلة الثقافية الاسلامية ، العدد الثاني والعشرون ، مقالة المعاني الخلقية في شعرالرضي ، ص ٥٧ وما بعدها .

الثعالبي، ابومنصور، يتيمة الدهر، المجلد الثالث ، بيروت ، داراحياءالتراث العربي ، ١٩٨٣ م .

الزركلي ،خيرالدين ، الاعلام ، بيروت ، دارالكتب العلمية ، ١٩٨٦ م .

السيد جاسم ، عزيز، الاغتراب في حياة وشعرالشريف الرضي ، دارالاندلس ، ١٩٨٥ م.

الشريف الرضي ، ديوان ، بيروت ، دارصادر، ١٩٩٤ م.

شوقي ضيف ، تاريخ الادب العربي ، المجلد الخامس ، بيروت ، دارالجيل ، ١٩٦٦ م .

الصفدي ، الوافي بالوفيات ، المجلد الثاني ، بيروت ، دارالكتب العلمية ، ١٩٩١ .

العسقلاني ، لسان الميزان ، بيروت ، داراحياء التراث العربي ، ١٩٩٥ م .

عمربن ابي ربيعة ، ديوان ، شرح يوسف شكري فرحات ، بيروت ، دارالجيل ، ١٩٩٢ م.

عنترة ، ديوان ، شرح خطيب التبريزي ، بيروت ، دارالكتاب العربي ، ١٩٩٢ م .

الفاخوري ، حنا ، تاريخ الادب العربي ، بيروت ، دارالجيل ، ١٩٨٦ م.

الفاخوري ، حنا الموجزفي الادب العربي وتاريخه ، المجلد الثاني ، بيروت ، دارالجيل ، ١٤١١ هـ ق .

فروخ ، عمر، تاريخ الادب العربي ، المجلد الثالث ، بيروت ، دارالجيل ، ١٩٨٥م.

كحّالة ، عمررضا ، معجم المؤلفين ، المجلد الثامن ، بيروت ، دارالمستشرق ، ١٩٨٨ م .

مبارك ، زكي ، عبقرية الشريف الرضي، الجزء الثاني ، بيروت ، دارالجيل ، ١٩٨٨ م .

نورالدين ، حسن جعفر، الشريف الرضي حياته وشعره ، بيروت ، دارالكتب العلمية ، ١٩٩٠م .

****************************