قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي(ت٥٧٣هـ) [١]
فالعلوم في هذا الزمان تكاد تنهار إلى الطمس وتقرأ عليها آية (كَأَنى لَم تَغنَ بِالأَمسِ)[يونس/٢٤]. ولكن الله سبحانه بفضله وأفضاله وكرم جلاله يحفظ علم الدين ويهدي أصحابه إلى درك كماله. ولولم يكن إلا هذا الكلام المنسوب إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) لما جرت في الأرض أمواه الفضل، ولا كثرت عند أهل التحقيق أفواه الجهل، فإنّه قليب النبوة ومظنة الفتوة [٢] .
ظهير الدين علي بن زيد البيهقي(ت٥٦٥هـ) [٣]
وها أنا ذا أقول: هذا الكتاب النفيس مملوء من ألفاظ يتهذّب بها المتكلّم، ويتدرب بها المتعلّم، فيه من القول أحسنه ومن المعاني أرضنه، كلام أحلى من نغم القيان، وأبهى من نعم الجنان، كلام مطلعه كسنة البدر، ومشرعه مورد أهل الفضل والقدر، وكلمات وشيها خبر، ومعانيها فقر، وخطب مقاطعها غرر، ومبادئها درر، استعاراتها تحكي غمزات الألحاظ المراض [٤] ، ومواعظها تعبر عن زهرات الرياض، جمع قائل هذا الكلام بين ترصيع بديع، وتجنيس أنيس، وتطبيق أنيق.
فللّه درّ خاطر عن مخايل الرشد ماطر، وعين الله على كلام إمام ورث الفضائل كابراً عن كابر، ولا غرو للفروض الناظر إذا انهلّت فيه عزالي الأنواء [٥].
أن تخضر رباه، وتفوح ريّاه، ولا للساري في مسالك نهج البلاغة أن يحمد عند الصباح سراه، ولا لمجيل قداح الطهارة إذا صدقه رائد التوفيق والإلهام، أن يفوز بقدحي المعلّى والرقيب، ويمتطي غوارب كل حظّ ونصيب [٦].
ما ظنّك بكلام عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين(عليه السلام)، وهو كلام إذا لحظه الطّرف، رأى حقائق العلم المكنون، وإذا تصفّحه الخاطر جنى ثمرات السرّ المخزون. حتّى قال عمرو بن بحر الجاحظ: وددت أنّي أعطيت جميع مصنّفاتي، وقطعت أنسابها عنّي، وأخذت بىلها ثلاث كلمات منسوبة إلى علي بن أبي طالب(عليه السلام) وصارت منسوبة إليّ [٧].
قطب الدين محمد بن الحسين الكيدري البيهقي(ت٥٦٧هـ) [٨]
هذا الكتاب الذي نحن بصدده وهو كتاب نهج البلاغة نطفة من بحار علومه الغزيرة، ودرة من جواهر أصدافه الجمّة الغفيرة، وقطرة من قطرات غيثه المدرار، وكوكب من كواكب فلكه الدوّار، ولعمري إنّه الكاتب الذي لا يدانيه في كمال الفضل كتاب، وطالب مثله في الكتب كالعنزي لا يرجى له إياب، وهو محجر عيون العلم، وفي خلال الكتب كالبدر بين النجوم، ألفاظه علوية علوية، ومعانيه قدسية نبوية، وهو عديم المثل والنظير [٩].
----------------------------------------------
[١] . السيد أبو الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن، العالم المتبحّر الفقيه المحدّث المفسر المحقّق الثقة الجليل، صاحب الخرائج والجرائح، وقصص الأنبياء، ولب اللباب، وشرح النهج وغيره .(الكنى والألقاب: ٣/٧٢) .
[٢] . منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ١/٣ .
[٣] . أبو الحسن علي ابن أبي القاسم زيد ابن أميرك محمد ابن أبي علي الحسين ابن أبي سليمان فندق بن أيوب بن الحسن بن أحمد بن عبدالرحمن بن عبيدالله بن عمر بن الحسن بن عثمان بن أيوب بن خزيمة بن عمر بن خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين صاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله) البيهقي النيسابوري من مشايخ ابن شهرآشوب، ولد يوم السبت ٢٧ شعبان في سبزوار ومات سنة ٥٦٥ (الغدير في الكتاب والسنة والأدب: ٤/١٨٧) .
[٤] . المراض: فتور النظر، (الزبيدي، تاج العروس: ١/١٥٣، مادة مرض) .
[٥] . الأنواء جمع نوء: وهو في الأصل النجم الذي يطلع في السماء فيصحب طلوعه ريح ممطره، والمراد به هنا المطر، (ينظر: لسان العرب: ١/١٧٧، المجازات النبوية: ٢٢٥) .
[٦] . معارج نهج البلاغة: ٩٧ .
[٧] . معارج نهج البلاغة : ١١٠ .
[٨] . أبو الحسن محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري الإمامي، الشيخ الفقيه، الفاضل الماهر، والأديب الأريب، البحر الزاخر، صاحب الإصباح في الفقه، وأنوار العقول في جمع أشعار أمير المؤمنين(عليه السلام)، وشرح النهج، وغير ذلك. (الكنى والألقاب:٣/٧٣) .
[٩] . حدائق الحقائق : ٦٩ .