أمين نخلة [١] (ت ١٩٧٦هـ)
في جواب من سأله أن يختار له مائة كلمة من حكم أمير المؤمنين(عليه السلام):
سألني أن أنتقي مائة كلمة من كلمات أبلغ العرب أبي الحسن، تخرجها في كتاب، وليس بين يدي الآن من كتب الأدب التي يرجع إليها في مثل هذا الغرض إلا طائفة قليلة، منها: إنجيل البلاغة (النهج) فرحت أسرح إصبعي فيه، ووالله لا أعرف كيف أصطفي لك المائة من مئات، بل الكلمة من كلمات، إلاّ إذا سلخت الياقوتة عن أختها الياقوتة، ولقد فعلت ويدي تتقلّب على اليواقيت، وعيني تغوص في اللمعان، فما حسبتني أخرج من معدن البلاغة بكلمة لفرط ما تحيرت في التخيير! فخذه هذه المائة، وتذكر أنّها المحات من نور، وزهرات من نور، ففي نهج البلاغة من نعم الله على العربية وأهلها أكثر بكثير من مائة كلمة.. فإذا شاء أحد أن يشفي صبابة نفسه من كلام الإمام فليقبل عليه في (النهج) من الدّفة إلى الدّفة، وليتعلّم المشي على ضوء نهج البلاغة [٢] .
شبلي شميل (ت١٣٣٥هـ) [٣]
هل عرفت عقلاً كهذا العقل، وعلماً كهذا العلم، وبلاغة كهذه البلاغة، وشجاعة كهذه الشجاعة، تكتمل من الحنان بما لا يعرف حدوداً، حتّى ليبهرك هذا القدر من الحنان، كما يبهرك ذلك القدر من المزايا، تلتقي جميعاً وتتّحد في رجل من أبناء آدم وحوّأء، فإذا هو العالم المفكّر، الأديب الإداري، الحاكم القائد الذي يترك الناس والحكّام وذوي المطامع والجيوش يتآمرون به، ليقبل عليك فيهزّ فيك مشاعر الإنسان الذي له عواطف وأفكار، فيهمس في قلبك هذه النجوى الرائعة بما فيها من حرارة العاطفة الكريمة، قائلاً: "فَقدُ الأحِبّة غُربَةٌ" أو "لا تشمت بالمصائب" أو "ليكن دنوُك من الناس ليناً ورحمة" أو "اعفُ عمّن ظلمك، وأعط من حرمك، وصِل مَن قطعك، ولا تُبغض من أبغضك".
هل عرفت من الخلق عظيماً يلتقي مع المفكّرين بسموّ فكرهم، ومع الخيّرين بحبّهم العميق للخير، ومع العلماء بعلمهم، ومع الباحثين بتنقيبهم، ومع ذوي المودّة بمودّاتهم، ومع الزهّاد بزهدهم، ومع المصلحين بإصلاحهم، ومع المتألّمين بآلامهم، ومع المظلومين بمشاعرهم وتمرّدهم، ومع الأدباء بأدبهم، ومع الأبطال ببطولاتهم، ومع الشهداء بشهادتهم، ومع كلّ إنسانيّة بما يشرّفها ويرفع من شأنها، ثم إنّ له في كلّ ذلك فضل القول الناتج عن العمل، والتضحية المتّصلة بالتضحية، والسابقة في الزمان [٤].
عبد المسيح الأنطاكي (ت١٣٤١هـ) [٥]
لاجدال أنّ سيدنا علياً أمير المؤمنين(عليه السلام) هو إمام الفصحاء وأستاذ البلغاء وأعظم من خطب وكتب في عرف أهل هذه الصناعة الألبّاء وهذا كلامه(عليه السلام) قد قيل فيه بحقّ أنّه فوق كلام الخلق وتحت كلام الخالق، قال هذا كلّ من عرف فنون الكتابة واشتغل في صناعة التحبير والتحرير بل هو أستاذ الكتّاب العرب ومعلّمهم بلا مراء فما من أديب لبيب حاول إتقان صناعة التحرير إلاّ وبين يديه القرآن ونهج البلاغة ذاك كلام الخالق وهذا كلام أشرف المخلوقين وعليهما يعوّل في التحرير والتحبير إذا أراد أن يكون في معاشر الكتبة المجيدين.
ولعلّ أفضل من خدم لغة قريش الشريف الرضي الذي جمع خطب وأقوال وحكم ورسائل سيدنا أمير المؤمنين من أفواه الناس وأماليهم وأصاب كلّ الإصابة بإطلاقه عليه اسم "نهج البلاغة" وما هذا الكتاب إلاّ صراطها المستقيم لمن يحاول الوصول إليها من معاشر المتأدبين [٦].
--------------------------------------------------
[١] . أمين بن رشيد نخلة حقوقي شاعر من لبنان، نال إجازة الحقوق من بيروت من معهد الحقوق بدمشق عمل في المحاماة وكان عضواً مراسلاً بمجمع اللغة العربية بدمشق (إتمام الأعلام: ٤٨) .
[٢] . كتاب المئة : ٥ .
[٣] . شبلي بن إبراهيم شميل، طبيب، حكيم عالم بالعلوم الطبيعية، سياسي، أديب، ناثر، ناظم، ولد في كفر شيما بلبنان، وتعلّم بالجامعة الأميركية بيروت. (معجم المؤلفين: ٤/٢٩٤) .
[٤] . ماذا في التاريخ: ٧/١٤٩ .
[٥] . عبد المسيح ابن فتح الله عبد المسيح بن حنا الأنطاكي، الحلبي، أديب، كاتب، شاعر، صحافي، يوناني الأصل. سكن أحد أجداده أنطاكية، وانتقلت عائلتهم إلى حلب، فولد، ونشأ بها، وأنشأ مجلة الشذور وجريدة الشهباء. (معجم المؤلفين: ٦/١٧٥).
[٦] . ملحمة الإمام علي: ٦٩٩ .