السؤال :
ما هو دورنا تجاه هذا الكتاب العظيم؟ كيف نخرجه من حيز المكتبة لأفق الواقع؟ كيف يمكننا استخراج العبر لإسقاطها على واقعنا، واتخاذها نهجاً عملياً لمعالجة مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والثقافية؟
الجواب :
حقيقة من المؤسف جداً أن يغفل علماء الشريعة وعلماءنا الأفاضل عن قيمة هذا الكتاب العظيم، الذي يمثل أهم ما جاء من كتب في تراثنا الاسلامي المحمدي الأصيل، حتى شرحه كان بأيدي علماء آخرين كابن أبي الحديد قديماً صاحب الشرح الأبرز والأقوى، والذي شرح فيه نهج البلاغة شرحاً ناهز العشرين مجلداً من الحجم المتعارف هذا الشرح إعترف به له جميع علمائنا وعلماء المسلمين في قوته وحسن بيانه ودقائق مطالبه وحيادته وقدرته الاستدلالية وفق ما جاء في النهج، فشرح ابن أبي الحديد من الاعمال النادرة التي سجلها التاريخ والعالم العلمي إلا أنه يبقى بعيداً عن الجيل الحديث لغة وطريقة ومنهجاً، كذلك القول في شرح الشيخ محمد عبده الذي انشهر في غضون وقت قصير جداً وأصبح من الكتب المهمة مع أنه شرح اعتمد على تفسير المفردات بشكل أساسي لكن استطاع الشيخ محمد عبده أن يقرب الكتاب الى جيل المثقفين بشرحه الوجيز هذا.
نعم هناك شروح مختلفة لنهج البلاغة إلا أنها تبقى لخواص العلماء، أو أنها تبقى لنخبة العلماء المتخصصين في العلوم الدينية مثل شرح ابن ميثم البحراني الذي هو في الحقيقة يتناسب مع فئة معينة وهم العلماء فقط والعارفين للغة العلم التخصصي.
وهناك من إنتبه إلى هذا الأمر فحاول أن يقرب نهج البلاغة الى الفئة الأكبر والأوسع من فئة العلماء، فقام بتصنيف جديد لنهج البلاغة وترتيب جميل لموضوعاته وقد استطاع بالفعل أن يقرب الكتاب الى الشريحة المثقفة دينياً وغيرها ممن يتذوقون الأدب والبلاغة وبهذا يعتبر كتاب نهج البلاغة دخل في طور جديد يفتح من خلاله عدة اتجاهات في التعامل مع نهج البلاغة.
فمن الذين تقدموا بنهج البلاغة نحو الامام العالم الاديب لبيب بيضون بكتابه (تصنيف نهج البلاغة ) حيث سهل الطريق أمام المثقفين للتعرف على ما يريدون من نهج البلاغة بعد أن كاد يكون طلاسم لا يفقهه إلا البعض من العلماء.
وخلاصة القول هو أن نهج البلاغة تراث إسلامي عقائدي عظيم لم يعطى حقه بالشكل المناسب، وحتى نستفيد منه يجب أولاً أن ينبري العلماء المتخصصون بجانب الأدباء ليقدموا شروحاً مختلفة المستوى لنهج البلاغة تتوافق مع مختلف الأعمار المعرفية وتتناسب مع الجيل والعصر الحديث لغة ومضمونا، وثانياً أن يقوم بعض آخر ممن لهم القدرة في التصنيف والترتيب والسبر باستلهام منهجاً بل مناهج تتناسب مع العمر أيضا، وأن تقدم بشكل دروس، ودورات ومناهج.
وفي الآونة الأخيرة لاحظنا أن هناك بادرة رائعة نتمنى بل نرجوا لها النجاح والدوام والتطور، في الحوزة العلمية بقم المقدسة، حيث تم ادخال كتاب نهج البلاغة كمقرر رسمي في الحوزة ويجب على الطالب أن يمر بهذا المقرر، وهو يختلف مستوى دراسته من سنة الى أخرى، فهناك الحفظ وهناك الفهم والشرح الوافي بجانب الحفظ وهناك الدراسة الموضوعية لنهج البلاغة التي تتم وفق الموضوعات المقررة.
وعلى الشباب هنا أن يقوموا بدور نشر نهج البلاغة وتعاليمه واحياءه في الأوساط الشبابية والدراسية والدورات التي تعقد والفعاليات التي تقام من ندوات ودروس و ورش عمل وغير ذلك فعليهم أن يخلقوا حالة نشطة جادة للتوجه الى نهج البلاغة خطوة خطوة، فليتعرفوا على نهج البلاغة تعرفاً منهجياً مرحلياً، من المؤلف الى صاحب النصوص الى معاني المفردات الى الحفظ والشرح ودراسة المموضوعات باباً باباً وهكذا وفق خطة مرسومة مدروسة تتناسب وشأن الشباب.