السؤال :
ماهو مضمون قول أمير المؤمنين عليه السلام (مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ) ؟
الجواب :
اللغة:
فأَضْمَرَ: بمعنى أخفى الشيء ولم يظهره.
فَلَتَاتِ: جمع فلتة، والفلتة: الفجأة من غير تدبّر،وتروّ.
صَفَحَاتِ: جمع صفحة ، وصفحة الشيء: جانبه،وصفحة الوجه : بشرته.
المعنى:
لا يظن الإنسان أنَّه قادر على أنّ يخفي شيئاً في قلبه بحيث لايطلع علية أحد، لأنه مهما حاول الكتمان فلا بدَّ أنْ يظهر ما أخفاه بالانفلات عن طرف لسانه في عباراته، أوفي بشرة وجهه وصفحاته.
وقيل : المقصود ههنا بيان ان الاعتقادات التي يضمرها الانسان ويحافظ عليها ويراعى سترها عن اطلاع الغير عليها لمصالح متصورة ومقاصد اختيارية سواء كانت نافعة أو ضاره فإنها وان بولغ في مراعاة حفظها واجتهد في عدم اطلاع الغير عليها لا بد وان تظهر ، ثم إنه عليه السلام نبه على سببين من أسباب الظهور وحكم بأنه لابد وان تظهر بأحدهما مع تلك المحافظة : أحدهما - فلتات اللسان وذلك أن النفس وإن كان لها عناية بحفظ ذلك لكنها قد تنصرف إلى مهم آخر فتنفعل حينئذ عن ملاحظة وجه المصلحة في كتمانه وسبب وجوب ستره فتنفلت المتخيلة من أسر العقل العملي فتلوحه وتبعث الشهوة إلى التكلم به من غير أن يكون للنفس شعور بشعورها به ، وذلك معنى كونه فلتة ، وقد يصدر الكلام فلتة على وجه آخر وذلك أن يتلفظ المضمر بكلام يكون مستلزما للايماء أو التنبيه على ذلك المعنى المضمر والمتكلم غافل عن ذلك الايماء وغير عالم بكيفية التنبيه من ذلك الكلام على مضمره والسامع ذو حدس قوى فيقع له الاطلاع على ذلك المضمر مع شدة الاعتناء بستره .
السبب الثاني من اسباب الظهور: صفحات الوجه وذلك إشارة إلى القرائن والامارات المستلزمة لاظهار المكتوم كما يدل تقطيب الوجه والعبوس والاعراض عن الشئ من معتاد البشاشة على بغض ذلك الشئ ، وانبساط الوجه والفرح به والاقبال عليه على محبته ، وكما تدل الصفرة العارضة للوجه حال نزول الامر المخوف على اضمار الوجل ، والحمرة العارضة عند نزول أسبابها كمشافهة من يتستر من فعل القبيح على حال فعله ومواجهته به على الخجل ، وكدلالة عرق الوجه وغض الطرف على الحياء ، وكدلالة الملاحظة بالبصر على وجه مخصوص على العداوة ، وعلى كثير من الأمور النفسانية وأمثال ذلك من القرائن التي تكاد لا تتناهى ، فهذه الأمور وأمثالها وان اجتهد في اخفائها فلابد وان تلوح من السببين المذكورين .