وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
مجموعة من المبادئ الإدارية من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام – الثاني

٥- الاتزان والوقار وضبط الأعصاب في الأزمات

وهي حالة الاستقرار والثبات النفسي إزاء عوامل الإثارة الخارجية القوية التي تواجه الإنسان.

وقد ورد في خطبة المتّقين لأمير المؤمنين عليه السلام في صفة المتّقين: "في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور".

والوقار في الزلازل، هو أن لا يهتزّ المؤمن بين يدي الحوادث التي تزلزل نفوس الناس، ويحافظ على ثباته واستقرار سلوكه النفسي ووقاره، مهما كانت هذه الزلازل. وفي المكاره صبور، فلا يجزع ولا يغلبه الحزن. وفي الرخاء شكور، لا يصيبه البطر والرثاء.

وليس معنى ذلك بلادة الحسّ تجاه الأحداث التي تحلُّ بالإنسان، فلا يتأثّر بها، وإنّما معناه الاستسلام الباطني الكامل لله تعالى، في كلّ ما ينزل عليه من جانب الله.

إنّه حالة الاطمئنان الكامل إلى قضاء الله وقدره، وأنّه تعالى لا يريد به في كلّ ما ينزل عليه من قضاء وقدر إلّا خيراً، وقد ورد في الدعاء: "واجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك" فلا يجزع، ولا يخاف، ولا يحزن، ولا يقلق حيث يجزع الناس ويخافون ويحزنون ويقلقون، وهو أمر آخر غير بلادة الحسّ، كما ذكرنا، بل يتمتّع أصحابها برهافة الحسّ، ولا يتملّكه الموقع والمنصب، ولا يوحشه لو جرّد من كل ما أوتي من المواقع والمناصب والأموال. لا يغتر بتحشد الناس حوله ولا يوحشه انفراط الناس من حوله.

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "لا يزيدني كثرة الناس حولي عزّة ولا تفرّقهم عنّي وحشة"[١].

وعن الإمام محمد الباقر عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفي (رضي الله عنه): "واعلم بأنّه لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك، وقالوا أنّك رجل سوء لم يحزنك ذلك، أو قالوا أنّك رجل صالح لم يسرّك ذلك"[٢].

٦- ترك الإنسان ما لا يعنيه

الإدارة اختصاص، واعتناء، ومعنى الاختصاص أن يتفرّغ لما يختصّ به من الأمور فلا يتدخّل المسؤول الصحي في الشؤون العلمية والجامعية ولا يتدخّل مدير الجامعة في شؤون المحروقات... لكلٍّ اختصاصه في دائرة عمله، وتتوزّع الأمور على المسؤولين حسب اختصاصهم.

ومعنى الاعتناء أن يهتمّ المسؤولون بما يعنيهم، وما ينبغي أن يدخل في دائرة اهتماماتهم، فإذا تجاوز المسؤولون دائرة اعتناءاتهم وانشغلوا بما لا يعنيهم، ولا ينفعهم في دنيا ولا آخرة، تحوّلت حياتهم من إنتاج إلى استهلاك... إنّ الجهد الإداري في دائرة الاختصاص والاعتناء إنتاج، والجهد الذي يبذل خارج هذه الدائرة استهلاك، وعلى المسؤولين أن يحترزوا حالة الاستهلاك في جهودهم.

عن أمير المؤمنين عليه السلام للحارث الهمداني رحمه الله: "واقصر رأيك على ما يعنيك"[٣]، فإذا قصر المسؤول رأيه وعمله فيما يعنيه ويهمّه (موضع الاهتمام والاعتناء في عمله، واحترز عمّا لا يعنيه، كان رأيه وعمله منتجاً، وفي غير هذه الحالة يكون رأيه وعمله من استهلاك الرأي والجهد.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه"[٤].

إنّ الدخول فيما لا يعني الإنسان محرقة للعمر والجهد... والإسلام يُحمّل الإنسان مسؤولية كل أيّام عمره، وكلّ جهده وشبابه، فليس له جهد فائض ولا عمر فائض يضعه في غير موضع الحاجة والضرورة.

عن أبي ذرّ رحمه الله: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أُعلّمك بعمل خفيف على البدن، ثقيل في الميزان؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: هو الصمت، وحسن الخلق، وترك ما لا يعنيك".

٧- التنظيم والتخطيط

من وصية أمير المؤمنين عليه السلام لولديه الحسن والحسين عليهما السلام: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أموركم".

التقوى والنظم عاملان أساسان في سلامة المجتمع. التقوى تحصّن المجتمع من الداخل، وتحفظ حدود الله سبحانه وتعالى بين الناس، والنظم يحفظ الأولويات في العمل، ويحفظ الجهد من الإهدار، ويؤمن الحاجات الأساس في المجتمع، ويحقّق الإنتاج الكثير بأقل الجهد والزمن، ويطوّر حركة المجتمع.

والنظم مسألة ضرورية لكلّ جوانب حياة الإنسان، حتى في حياته الشخصية، ولا تختصّ بالجانب الإداري من المجتمع... وعلى المسلم أن يُنظّم حياته ووقته بين العمل والعبادة والراحة والنوم والاهتمام بشؤون البيت والعائلة حتى تنتظم حياته الشخصية.

والتخطيط نحو من التنظيم للمشاريع الكبيرة قبل البدء بها وعناصر التخطيط تُحدِّد الغايات والأهداف وتضع البرامج العملية للوصول إلى الغايات والأهداف، ضمن مراحل من العمل.

والتخطيط الواقعي الدقيق يأخذ بنظر الاعتبار دور الزمان في إنجاز المشروع والإمكانات اللازمة له والعقبات التي تعيق العمل، والطريقة الصحيحة لمواجهة العقبات...

وهذا هو معنى التدبير والعلم والحيلة على لسان النصوص الشرعية.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا ابن مسعود إذا عملت عملاً، فاعمل بعلم وعقل، وإيّاك أن تعمل بغير تدبير، وعلم، فإنّه جلّ جلاله يقول: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا[٥].[٦]

قالوا: إن امرأة حمقاء في مكة كانت تغزل الصوف ثم تنقض غزلها من بعد قوة أنكاثاً.

وكذلك العمل إذا لم يكن عن تدبير وتخطيط يكون هذا شأنه، نقض بعد غزل، وهدم بعد بناء.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إمارات الدول إنشاء الحيل"[٧]. إن التدبير الصحيح والحيل الصحيحة تحفظ الدول وتبقيها.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً: "التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم"[٨]. وإنّما يندم الإنسان على جهده وعمله، حيث لا يسبق جهده وعمله التدبير والتخطيط الصحيح.

فإذا أعطى الإنسان المشروع اهتماماً في التخطيط والتدبير قبل العمل، بشكل موضوعي وعلمي، وفكّر في كل جوانب العمل لم تواجهه العقبات، إنّما يُفاجئ الإنسان بالعقبات إذا لم يُخطّط من قبل لمواجهتها، ولم يأخذها بنظر الاعتبار.

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "من قعد عن حيلته أقامته الشدائد"[٩].

ولربما يُغني التخطيط الصحيح عن الإمكانات والآليات الكثيرة، وفي ذلك يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام: "التلطُّف في الحيلة أجدى من الوسيلة"[١٠]. وليس من عمل ولا مشروع إلّا وقد جعل الله السبيل إليه التخطيط والتدبير السليم والحيلة المناسبة.

يقول الإمام علي عليه السلام: "لكلِّ شيء حيلة"[١١].

٨- سعة الصدر

وهو من أهمّ الآليات الإدارية والقيادية. عن أمير المؤمنين عليه السلام،  قال: "آلة الرئاسة سعة الصدر"[١٢].

وسعة الصدر تعني الصبر تجاه المشاكل والتحدّيات، والسيطرة على النفس في حالات الانفعال والغضب، وفي حالات الفرح والتوفيق، والحلم، وهي حالة استيعاب للمشاكل والمتاعب والتحديات التي تواجه العاملين من ناحية الآخرين.

ومثل النفوس مثل الأواني الكبيرة التي لا تفيض ولا تضيق ولا تتلوث بما فيها، بعكس الأواني الضيّقة، فإنّها تفيض وتضيق وتنفعل بما فيها، فإذا أُلقي فيها ماء آسن، وقذر ظهر عليها... ويلقى نفس القذر، والماء الآسن في البحر والنهر، لا يبقى منه أثر بعد لحظات، ويستهلكه ماء البحر... وكذلك شأن الصدور الواسعة تستهلك حالات الغضب والانتقام والانفعال، رغم وجود الإثارة القوية والشديدة.

وكما تقاوم الصدور الواسعة عوامل الغضب والانتقام والانفعال، وتواجهها بالصبر والحلم، والتعقُّل، فلا يطفح عليها، ولا تتأثّر بها، كذلك تقاوم عوامل الانفعال من النوع الآخر، وهي الانفعال تجاه التوفيق والنجاح والفوز، فلا يغلبهم الفرح والحبور، وما يجر إليه من البطر والرئاء عادة، فإنّ وعاء النفوس والصدور إذا اتسعت لا تضيق بهذا ولا ذاك، وتستوفي كلّاً منهما، وهاتان الخصلتان وجهان لحالة واحدة، وهي حالة شرح الصدر.

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تكن عند النعماء بطراً، ولا عند البأساء فشلاً"[١٣].

قد دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة فاتحاً، ويكاد رأسه يمس قربوس فرسه، تواضعاً لله سبحانه وتعالى، لم ينفعل، ولم ينتقم، ولم يظهر عليه من أمارات الفتح العظيمة، غير الشكر لله، والتواضع لله، والاعتراف لله تعالى بالجميل فيما أعطاه. وهذه الخصلة في نفوس المؤمنين هي التي يسميها القرآن بـ (شرح الصدر).

ويَمُنّ الله تعالى به على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في المراحل الأولى من الأمر بتبليغ الرسالة، فيقول تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ *  وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ[١٤]، والوزر: ثقل المسؤولية الذي ينقض ظهور المسؤولين...

ويَمُنّ الله تعالى على عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآيات بأمرين: شرح الصدر، وتخفيف ثقل العادة والعذاب والمسؤولية عنه، وهو ما تعبّر عنه الآية الكريمة بـ ﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ﴾، وبينهما فرق.

وشرح الصدر هو أن يوسع الله تعالى وعاء صدور عباده لتستوعب المشاكل والتحديات بالصبر والحلم. والأمر الآخر تيسير الأمر، ﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي[١٥]: هو تخفيف ثقل العمل على المؤمنين العاملين.

وفي مقابل (سعة الصدر): ضيق الصدر، وهي حالة من الضيق، وعدم الاستيعاب تنتاب الإنسان في السراء والضراء معاً، تجعله عرضة للانفعالات المختلفة كالبطر والرئاء، والتعجُّل، والانتقام، والتعب، واليأس، وضيق النفس والغضب... وهذه الحالات تسلب المسؤولين القدرة على إدارة الموقف، وهي حالة ضارّة في إدارة الأعمال الكبيرة منها والصغيرة، حتى داخل العوائل، وفي الأسواق، وفي العلاقات الاجتماعية المحدودة. وقد روي في هذا المعنى عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّما الحليم من إذا أُوذي صبر، وإذا ظُلِم غفر"[١٦].

وأبلغ ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذا المعنى هو ما أشرنا إليه سابقاً: "ولا تكن عند النعماء بطراً، ولا عند البأساء فشلاً"[١٧].

وهذه الكلمة تُحدّد حالة سعة الصدر، والقدرة على الاحتواء والاستيعاب من بعدين: في البأساء والضراء، فلا يسرع إليه الفشل والعي والعجز والضعف في البأساء، ولا يسرع إليه البطر والسرور والحبور في النعماء.

٩- عدم إضاعة الفرص

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الفرصة تمرّ مرّ السحاب فانتهزوا فرص الخير"[١٨].

فإذا سنحت للإنسان الفرصة فعليه المبادرة قبل أن تفوت، وهذه الفرصة قد تكون في إقبال القلوب على الله تعالى في العبادة والدعاء والصلاة، وليس دائماً تُقبِل القلوب على الله، فإذا وجد الإنسان في نفسه إقبالاً على الدعاء والصلاة والذكر والاستغفار، فعليه أن يُبادر إلى ذلك، قبل أن تفوته حالة الإقبال، وتغلبه حالة الانقباض.

كذلك في المشاريع الثقافية والسياسية والاقتصادية والتبليغية قد تمرّ على المؤمنين فرصة من فرص العمل لا تدوم ولا تتكرّر، فعليهم المبادرة بانتهاز الفرصة قبل أن تمرّ الفرصة.

لقد عاش الإمام الباقر عليه السلام فترة ضعف بني أمية، وعاش الإمام الصادق عليه السلام فترة انتقال السلطة من بني أمية إلى بني العباس، فانتهزا هذه الفرصة أفضل الانتهاز ونشرا ثقافة أهل البيت عليهم السلام ومعارفهم نشراً واسعاً، وانتشرت منذ ذلك الحين معارف أهل البيت عليهم السلام في الأوساط العلمية الإسلامية انتشاراً واسعاً.

وللإمام علي عليه السلام كلمة في هذا الأمر ينبغي أن نتوقّف عندها بعض الشيء: "من الخُرق المعاجلة قبل الإمكان، والأناة بعد الفرصة"[١٩].

من السفه والخطأ أن يستعجل الإنسان الأمور قبل أوانها، ومن السفه والخطأ أن يتوانى الإنسان عن المبادرة بعد حصول الفرصة. ذلك الاستعجال وهذه الأناة كلّاً منهما خُرق وخطأ.

١٠- صفة الأناة

هي حالة غير (الحزم) إلّا أنّها تلتقي بالحزم، وحقيقة الأناة: عدم التعجّل.

وما يُصيب الناس من التعجّل والاستعجال يكون في أمرين: في البدء بالعمل قبل أوانه، والبدء بالعمل قبل أوانه يفسد العمل، كمن يزرع في غير الموسم، ولكلّ مشروع ولكلّ عمل ظرفه الخاص، فإذا دخل صاحبه في المشروع في غير ظرفه أفسد على نفسه المشروع وأحبط عمله.

وأكثر ما يُصيب الإنسان الإحباط في الأعمال السياسية والثورية وفي حركة المعارضة السياسية وفي المشاريع الحركية لهذا السبب... فقد ينجح قائد في تحريك الشارع وإثارة الناس للاعتراض والثورة على نظام فاسد، ويتحرّك معه الشارع، ويُحقّق ما يريد... وقد يتحرّك آخر فلا يستطيع أن يصنع شيئاً، ولا يُحرّك ساكناً في الشارع... والفرق الزمن والظرف... ولو تأنّى الثاني ودرس الظروف الموضوعية للثورة لم يواجه الإحباط، فإنّ للثورة ضدّ أيّ نظام فاسد ظرفها الخاص، فإذا بدأ بها قبل ظرفها لم تنجح الثورة.

ولكن ليس معنى ذلك الخلود إلى الراحة، والاستكانة للنظام الفاسد، وإنّما معنى ذلك ترحيل الاعتراض والثورة والحركة ضمن مراحل من العمل والإعداد والتحضير لها. وهذه هي الأناة الأولى في العمل، انتظار الظرف الزمني المناسب، وترحيل العمل ضمن مراحل، وليس الركون والسكون والسكوت.

وعن هذه الأناة يقول أمير المؤمنين عليه السلام - كما في الرواية -: "إيّاك والعجلة قبل أوانها"... ومعنى الكلمة: انتظار الوقت والظرف المناسب للعمل وعدم التعجيل في العمل، وترحيل العمل والتخطيط له ضمن مراحل.

والأناة الثانية: الأناة في جني الثمار... وكما يضرّ التعجّل الأوّل، يضرّ التعجّل الثاني... فمن يريد أن يقتطف الثمرة قبل أوانها يقتطفها فجّة، وعندئذ يُصيبه الإحباط، ولو أنّه تأنّى في اقتطاف الثمرة إلى أوان نضجها لم يلحقه هذا الإحباط.

وعن هذه الأناة يقول أمير المؤمنين عليه السلام - كما في الرواية -: "من تأنّى أصاب ما يتمنّى"[٢٠].

إنّ الذي يتأنّى في إنجاز النتائج لوقتها يُحقّقها بأفضل الأشكال. ومهما يكن من أمر فإنّ للزمن وظروف العمل دوراً في البدء بالعمل وترحليه واستنجاز النتائج المطلوبة منه، ومن يتجاوز (الزمن) يواجه حالات الإحباط كثيراً... وسوف يأتي الحديث عن هذه النقطة تحت عنوان آخر.

١١- البشاشة والبشر

عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته للأشتر (رضوان الله عليه): "واخفض للرعية جناحك، وابسط لهم وجهك".

وفي وصيّته لعبد الله بن عباس، وكان عامله على البصرة: "سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك".

إنّ على المسؤولين والحكام أن لا يحجبوا الناس عن أنفسهم، بالبشر والبشاشة وانبساط الوجه، ولا يقابلون الناس بوجوه منقبضة. والإمام يوصي الأشتر رحمه الله في وصيته: أن يخفض للرعية جناحه، فلا يستعلي عليهم، ويبسط لهم وجهه، فلا يُقابلهم بالانقباض.

وفي وصيّته لعبد الله بن عباس يوصيه أن يسع الناس في ثلاث: في مجلسه، ووجهه، وحكمه، فلا يضيق مجلسه بالعامة من الناس (الجمهور) ولا ينتقي لمجلسه النخبة، وإنّما يفتح مجلسه لعامّة الناس في مواعيد منتظمة، وهذه هي التوسعة الأولى.

والتوسعة الثانية: أن يسعهم بوجهه، والتوسعة بالوجه من أفضل أنواع التوسعة، فلا يقبض وجهه في لقائهم، ولا يُشعر الناس بالتضايق منهم، والوجوه تنطق للناس بالتوسعة والتضييق. وإذا وجد المسؤول من أسباب الانقباض شيئاً في نفسه فعليه أن يحفظ الانقباض والحزن لنفسه، ويتعلّم أن يُظهِر للناس البشر والبشاشة، ويحتفظ لنفسه بالحزن والهموم.

يقول الإمام علي عليه السلام في خطبة المتّقين المعروفة في وصف المتّقين: "حزنه في قلبه وبشره على وجهه".

وفي كلمة أخرى مروية عنه عليه السلام في هذا السياق: "إنّ بشر المؤمن في وجهه، وقوّته في دينه، وحزنه في قلبه"[٢١]. والتوسعة الثالثة في الحكم، فلا يضيق حكمه عن عامة الناس وجمهورهم، وإنّما يعمّ عدله وحكمه الجميع، ويؤثر رضا العامة على رضا الخاصة في الحق... وهذا هو كلام الإمام عليه السلام: "سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك".

١٢- الرأي بين التسرُّع والعجب

الرأي من ضرورات الإدارة، والمدير الذي لا يملك الرأي في دائرة مسؤوليته لا يستطيع أن يُمارس الدور الذي يقع على عهدته.

ولكن الرأي يتعرّض لآفتين كبيرتين، يجب أن يبرأ عنهما المسؤول ويتخلّص منهما:

الآفة الأولى: العجب، فإنّ العجب يُفسد على الإنسان رأيه، ويُفقده الرشد والصواب... ولعلّ من أسباب العجب بطانته الذين يُقرّبون له ذلك ويحسّنون له مواقع رأيه، ولا يجرحونه بالنقد.

وهذه الحالة تُفسد على المسؤولين رأيهم، وتوقعهم في تخبُّط كبير. عن أمير المؤمنين عليه السلام: "رضاك عن نفسك من فساد عقلك"[٢٢].

وعنه عليه السلام أيضاً: "من أُعجب بحسن حالته قصّر عن حسن حيلته"[٢٣]. إنّ العجب يُفسد على الإنسان الرأي والحيلة. وأكثر عوامل العجب لدى المسؤولين، البطانة المغالية والمتملّقة.

وكما يجب على المسؤول أن يتوقّى العجب برأيه، يجب عليه أن يستمع إلى الرأي الآخر، ويحترمه، فلربما شخص تزدريه العيون، يُقدّم إليه رأياً جديراً بالاهتمام والتأمّل.

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا يصغرنّ عندك الرأي الخطير إذا أتاك به الرجل الحقير"[٢٤].

والآفة الأخرى للرأي: التعجّل والتسرُّع في الرأي، وفي مقابل التعجّل والتسرُّع، الحزم، وهو التروّي والتأمّل قبل اتخاذ الرأي والقرار. وبقدر ما يُفسد التعجُّل والتسرُّع الرأي على صاحبه فإنّ عدم الحزم يؤدّي إلى تعطيل القرار، وهو من الضعف والعجز... وقد قال تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ[٢٥].

والعزم لا يكون إلّا بالحزم، فإذا تمّ للإنسان كان عليه أن يتوكّل على الله ويمضي في عمله. ولا يسمح لنفسه التردّد في القرار بعد أن اكتملت لديه أسبابه.

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا هبت أمراً فقع فيه، فإنّ توقّيه أعظم ممّا تخاف منه"[٢٦].

---------------------------------------------------------------------------
[١] السيّد الرضي، نهج البلاغة، كلمات الإمام علي عليه السلام، الكتاب ٣٦.
[٢] ابن شعبة، تحف العقول، ٢٩٢.
[٣] السيّد الرضي، نهج البلاغة، كلمات الإمام علي عليه السلام، عهد الإمام عليه السلام إلى مالك الأشتر.
[٤] الفيض الكاشاني، المحجّة البيضاء، ج ٥، ص ٢٠.
[٥] سورة النحل، الآية٩٢.
[٦] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٧٤، ص ١١٠.
[٧] الريشهري، ميزان الحكمة، ج ٢، ص ٥٥١.
[٨] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٦٨، ص ٣٣٨.
[٩] الآمدي، غرر الحكم، ج ٢، ص ٢٠٦.
[١٠] م.ن، ج ١، ص ١٠٧.
[١١] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٨، ص ٤٤.
[١٢] السيّد الرضي، نهج البلاغة، كلمات الإمام علي عليه السلام، حكمة ١٧٦.
[١٣] السيّد الرضي، نهج البلاغة، كلمات الإمام علي عليه السلام، الكتاب ٣٣.
[١٤] سورة الشرح، الآيات ١ – ٣.
[١٥] سورة طه، الآية ٢٦.
[١٦] الآمدي، غرر الحكم، ج ١، ص ٢٦٨.
[١٧] السيّد الرضي، نهج البلاغة، كلمات الإمام علي عليه السلام، كتاب ٣٣.
[١٨] السيّد الرضي، نهج البلاغة، كلمات الإمام علي عليه السلام، الحكمة ٣١.
[١٩] السيّد الرضي، نهج البلاغة، كلمات الإمام علي عليه السلام، الحكمة ٣٦٣.
[٢٠].الكلمتان اللتان رويناهما عن أمير المؤمنين عليه السلام لا تأبيان التفسير بكلٍّ من الأناتين.
[٢١] الآمدي، غرر الحكم، ٣٠٦١.
[٢٢] الآمدي، غرر الحكم، ج ١، ص ٣٨٢.
[٢٣] م. ن، ج ٢، ص ٢٠٩.
[٢٤] الآمدي، غرر الحكم، ج ٢، ص ٣٢٦.
[٢٥] سورة آل عمران، الآية ١٥٩.
[٢٦] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٦٨، ص ٣٦٢.

يتبع .....

****************************