الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
إن البحث في نتاجات المستشرقين التي اهتمت بالتراث الإسلامي يعد من الابحاث الصعبة وذلك لعدة اسباب منها :
١ـ تعدد لغات المستشرقين ، إذ ان دراساتهم لم تكتب بلغة ـ اجنبية ـ واحدة .
٢ـ الكم الهائل مما كتبوه ، وألفوه ، وحققوه حول التراث الإسلامي ، مضافاً لها بحوث ومقالات كتبت في مجلات وصحف ودوريات مختلفة وكثيرة لا يمكن الوقوف على احصائيات دقيقة لها .
٣ـ كثرة المستشرقين مما لا يمكن لأحد الإحاطة بعددهم ، بل ان الموجود مجرد احصائيات أولية وليس أكثر .
٤ـ عدم ترجمة جميع التراث الاستشراقي المعروف ، بل ان ما ترجم منه إلى اللغة العربية ـ قد ـ لا يتجاوز العشر على أحسن التقادير [١] .
٥ـ عدم وجود منهجية معينة ـ خاصة ـ للتعامل مع الكتابات الاستشراقية القديمة والحديثة ، إذ لا يوجد تخصص في البلاد الإسلامية يعنى بالاستشراق ولا توجد معاهد تهتم بذلك ، على عكس الدول الأوربية التي كانت ولا زالت تحتفظ بمعاهد خاصة وكراسي خاصة لدراسة التراث الإسلامي وكل ما يتعلق به ، بل انهم يولونه أهمية كبيرة جداً .
لا يخفى الاهتمام الذي أولي لدراسة شخصية النبي محمد ( ص ) من قبل المستشرقين ، وبالخصوص كونه ( ص ) شخصية انهت هيمنة الديانة المسيحية والتي دانت قروناً . بل إنها الشخصية التي اطاحت بحصون كبرى للمسيحية في البلاد العربية ، والتي سحبت من تحت يد المسيحية جميع الأراضي التي كانت تابعة لها في بلاد العرب .
يقول المستشرق ( مونتغمري وات ) [٢] بهذا الصدد : ( ليس بين رجال العالم رجل كثر شانئوه كمحمد ... فلقد كان الإسلام خلال قرون عدة العدوالأكبر للمسيحية ... وأخذت الدعاية الكبرى في القرون الوسطى تعمل على إقرار فكرة " العدوالأكبر " في الأذهان , حتى ولوكانت تلك الدعاية خالية من كل موضوعية ... حتى إذا ما حل القرن الحادي عشر كان للأفكار الخرافية ... في أذهان الصليبيين أثر يؤسف له ... ) [٣] .
كل ذلك أثار حفيظة الكنيسة لتتجه نحوالتعرف على كل شيء عن ذلك الشخص الذي فعل بها ما فعل ، وكذلك لتعرف خصوصياته ، وأقرب المقربين له من أقارب وأصحاب . فكان الاهتمام في أوربا منصباً على دراسة سيرته ( ص ) وسيرة أهل بيته ( عليهم السلام ) ، فكانت المطاعن نفس المطاعن ، والانتقادات نفس الانتقادات من جانب ، والمديح نفس المديح ، والانبهار نفس الانبهار من جانب آخر .
إن الشخصية الثانية من شخصيات أهل بيت النبي ( ص ) التي خضعت للدراسة ؛ هي شخصية الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) ،فقد تناول دراسة سيرة حياته جملة من المستشرقين بكل تفاصيلها سواء من خلال المؤلفات الشيعية المشهورة ، أومن خلال كتب التاريخ السنية .
نعم ، ان جملة من المستشرقين قد اخذوا ما كتب من طعن وتشويه بشخصية الإمام علي ( ع ) في كتب العامة أخذ المسلمات بلا ادنى تحليل ، أو مقارنة نصوص ، وذلك اما لجهلٍ أو لتعمدٍ في ذلك .
ثم كان لكتاب ( نهج البلاغة ) الذي احتوى على خطب ورسائل وكلمات الإمام علي ( ع ) ـ والذي جمعه الشريف الرضي ـ اهتماماً خاصاً به ، كونه سفر بلاغي عظيم ، وكونه يحتوي على أحاديث وحوادث وردت على لسان الإمام علي ( ع ) وقضايا لم تك معروفة من قبل قد تعرض لها أمير المؤمنين ( ع ) ، وأخبار وإخبارات أوقفت عقول كل من يقرئها ، مما أثار في داخل البعض ـ المعادي والحاسد والحاقد ـ ان يطعن بها جهلاً وعدواناً .