السؤال :
هناك نص في نهج البلاغة عن أمير الموحدين يقول فيه :
والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة ولاكنكم دعوتموني إليها .نهج البلاغة ، كلم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة ؟
الجواب :
الكلام الوارد في (نهج البلاغة) عن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قد كلّم به طلحة والزبير اللذين بايعاه بعد مقتل عثمان, وجاءا يعاتبانه على ترك مشورتهما والاستعانة في الامور بهما. ومن يتابع جملة من بياناته (عليه السلام) بعد مقتل عثمان واقبال الناس على مبايعته للخلافة ورفضه (عليه السلام) لذلك يستكشف أنَّ الامام (عليه السلام) إنما كان يتكلم بمثل هذا الكلام للظروف الخاصة التي كانت تحيق بتلك المرحلة الصعبة من حياة المسلمين. وعلى سبيل المثال نذكر قوله (عليه السلام) للناس لما أرادوه على البيعة: (دعوني والتمسوا غيري فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان, لا تقوم له القلوب, ولا تثبت عليه العقول, وإن الآفاق قد أغامت, والمحجة قد تنكرت, واعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم, ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب, وإن تركتموني فأنا كاحدكم ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أموركم, وأنا لكم وزيراً, خير لكم مني أميراً...) (نهج البلاغة: ١/١٨٢)...
ففي بيانه (عليه السلام) هنا عدّة دلالات واشارات منها:
١ـ بيان زهده الحقيقي في الملك الدنيوي الذي قتل من أجله عثمان.
٢ـ كشف الشبهات عن البعض الذي قد يعتقد أن للإمام (عليه السلام) يداً في مقتل عثمان ليستلم الخلافة بعده.
٣ـ اختبار الناس وتمحيصهم في بيعته, لأنه (عليه السلام) قد أخبرهم بأنَّ بيعته تختلف عن بيعة غيره, وقال لهم: (واعلموا أني إن اجبتكم ركبت بكم ما أعلم), أي سيكون أساس ملكي الحق والعدل والمساواة التي قد لا يرتضيها البعض.
والأمر الثالث المشار إليه الذي كان يصر الامام (عليه السلام) عليه في قوله وفعله في بادئ الأمر كان يهدف منه الى أمر قيادي تعبوي يريد به تغيير الواقع الفاسد الذي وصلت اليه الأمور نتيجة التصرفات غير المسؤولة للسابقين عليه, وذلك بالتحشيد الشعبي الحقيقي على مبايعته ليتسنى له (عليه السلام) قيادة الناس وفق قبول عرفي واجتماع واسع له.
وهذا المعنى لا يتنافى مع النص عليه من قبل الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) للخلافة, ولا يعني ان الخلافة خاضعة لاختيار الناس وبيعتهم, وإنما البيعة من الناس في هذا المورد تعد تأكيداً عرفياً, واجراءً تعبوياً يصح اللجوء اليه لاغراض قيادية ظرفية لا غير, وإلا فالامام المنصّب من قبل الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) والمنصوص عليه هو الإمام والخليفة الشرعي سواء قبل الناس ذلك أم أبوا.