وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام): مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام): مَنْ ضَيَّعَهُ الاْقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ الاْبْعَدُ .                

Search form

إرسال الی صدیق
مفاتيح لعلم البلاغة لنفتح ما إنغلق من نهج البلاغة – الأول

السيد الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم

فهذه مجموعة من الاصطلاحات والقواعد البلاغية التي هي بمنزلة المفتاح لهذا العلم لمن لم يقرأ هذا العلم او قرأ ولكن عسر عليه الفهم او فهم ولكن صعب عليه الحفظ ..فهنا سنحاول تبسيط اهم ما جاء في علم البلاغة من اصطلاحات وقواعد بأسهل ما يمكن حتى نتمكن سوية من استخدام هذه المفاتيح لفتح ابواب هذا العلم ثم توضيفه في نهج البلاغة ان شاء الله تعالى ..

المفتاح الاول :التشبيه : ومن امثلته الواضحة " علي كالاسد " و " فاطمة كالشمس " .

١ـ معناه

في اللغة : الدلالة على مشاركة أمرٍ بآخر في معنى، فالأمر الأول هو المشبه، والثاني هو المشبه به، وذلك المعنى هو وجه التشبيه، ولا بد فيه من آلة التشبيه، وغرضه، والمشبه، وفي اصطلاح علماء البيان: هو الدلالة على اشتراك شيئين في وصف من أوصاف الشيء في نفسه، كالشجاعة في الأسد، والنور في الشمس ..( تعريفات الجرجاني ) .

٢ـ عناصره

عناصر وما يتألف منه التشبيه اربعة :

ـ المشبًّه : وهو علي او فاطمة في مثالنا المتقدم .

ـ المشبه به : وهو الاسد او الشمس .

ـ اداة التشبيه : وهي الكاف .

ـ وجه الشبه : وهو الشجاعة في المثال الاول والنور في المثال الثاني ..

٣ـ شرطه

جهة الشبهة المشتركة بين المشبه والمشبه به اوضح واظهر في المشبَّه به من المشبَّه . فالجهة المشتركة في مثالينا التي هي الشجاعة والنور في المشبه به اوضح في الاسد والشمس من وجودهما في علي وفاطمة ..

٤ـ اقسامه

للتشبيه اقسام نذكر اهمها :

القسم الاول : التشبيه البليغ ، وهو ما توفر فيه قيدان :

١ـ لم تذكر فيه اداة التشبيه ..

٢ــ كذلك لم يذكر فيه وجه الشبه ..

مثاله : قول امير المؤمنين في نهج البلاغة في الخطبة الشقشقية عن عثمان وبني ابيه " ( ... وقام معه بنو ابيه يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع ..) فنلاحظ في هذا النص الامام عليه السلام يشبه اكلهم لمال الله كاكل الابل لنبتة الربيع ولكن لم يذكر لنا عليه السلام اداة التشبيه بمعنى لم يقل هكذا : يخضمون مال الله كما يخضم الابل وانما قال يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع ..هذا بالنسبة الى القيد الاول ..

وكذلك الحال لم يذكر فيه وجه الشبه بين اكل بني امية لمال الله وبين اكل الابل لنبتة الربيع الذي هو : الالتذاذ بالكل والاكثار منه بنهم وشهوة بعد الحرمان ..

القسم الثاني : التشبيه المؤكد : وفيه قيد واحد وهو " عدم ذكر اداة التشبيه " .

مثاله : علي اسد في الشجاعة وفاطمة في الضياء بدر .. فهنا ذكرنا وجه الشبه بين علي والاسد وهو الشجاعة وبين فاطمة والبدر وهو الضياء ولكن لم نذكر في المثالين اداة التشبيه فهو من التشبيه المؤكد ..

الفرق بين القسمين :

التشبيه الذي لم تذكر فيه الاداة

ــ إن ذكر معه وجه الشبه فهو المؤكد ..

ــ وإن لم يذكر معه وجه الشبه فهو البليغ ..

القسم الثالث : التشبيه المجمل والمفصل ..

ـ المجمل : ذكرت فيه الاداة دون وجه الشبه . مثاله : انت كالاسد .

ـ المفصل : وذكر ايضا وجه الشبه : انت كالاسد في الشجاعة .

٥ ــ دواعي واغراض التشبيه :

اولا : رفع الاستغراب والاستبعاد فيما يبدو اول الامر كذلك فيشبه بماهو ليس كذلك فترتفع الغرابة فيه ..

مثاله : امير المؤمنين عليه السلام جمع الاضداد قريب ومتواضع بلفقراء بعيد عن الاغنياء كالشمس بعيدة في قرصها قريبة في نورها .. فهنا كأنك تريد ان تجيب عن سؤال حاصله : كيف يكون في آن واحد قريب وبعيد ؟ فتجيب عن ذلك بتشبيهك له بالشمس التي تتصف في عين الوقت بانها قريبة وبعيدة ولا محذور في ذلك ..

ثانيا : بيان حال وصفة للمشبه لولا التشبيه لما عرف بها ..

مثاله : علي كالدر والذهب المصفى وباقي الناس تراب ..

ثالثا : بيان مقدار تلك الصفة التي عرف بها اجمالا ويؤتى بالتشبيه لإيضاحها تفصيلا ..

مثاله : العباس عليه السلام في الحرب تصبح عيناه وكان من يراهما عن بعد يظن انها نار ..

رابعا : تقرير الصفة وبيانها بالمثال ..

مثاله : فضائل امير المؤمنين عليه السلام كالمسك حتى وان اخفي تبقى رائحته ظاهرة يشمها الجميع .

خامسا : تجميل او تقبيح المشبّه ..

مثاله :

ضريح الإمام الحسين عليه السلام كأنه جنة الخلد و صيف العراق كأنه نار جهنم ..

٦ـ التشبيه المقلوب :

هو ان تجعل المشبه مشبها به على خلاف الشرط الذي بيناه في النقطة الثالثة .. ولكن هنا المتكلم يعكس وكأنه يدعي ان جهة الشبه في المشبه اقوى منها في المشبه به ..

مثلا : تقول : كان الاسد في الشجاعة علي .. او كان نور الشمس وجه فاطمة .. فهنا عكسنا وكان الاصل ان يقال هكذا : كان علي اسد في الشجاعة ولكننا قلبنا لاجل ان نوحي الى السامع ان جهة الشبه التي هي الشجاعة في مثالنا موجودة في علي بشكل اقوى واوضح حتى ان الاسد هو الذي يشبه به لا انه هو الذي يشبه بالاسد ..

والبيت الذي طالما يمثل به البلاغيون لهذا النوع من التشبيه هو :

وبدا الصباح كان غرته ***** وجه الخليفة حين يُمتدح

فالشاعر هنا يقول ان الصباح حين يظهر ويبدو يشبه وجه الخليفة..فعكس وجعل الصباح مشبها ووجه الخليفة مشبها به ..

المفتاح الثاني : الحقيقة والمجاز

١ـ معناهما :

ـ الحقيقة : استعمال الكلمة فيما وضعت له كاستعمال الاسد في الحيوان المفترس والشمس في الكوكب الذي يظهر نهارا .

ـ المجاز : استعمالها في غير ما وضعت له لعلاقة بين المعنى الموضوع له اللفظ والمعنى المستعمل فيه كاستعمال الاسد في الرجل الشجاع والشمس في وجه المرأة ذات الوجه المضيء .

٢ـ علاقات المجاز المصححة للإستعمال ..

بين المعنى الحقيقي والمجازي عدة روابط وعلاقات هي التي صححت لنا استعمال الكلامة في غير معناها وهي كثيرة نذكر اهمها :

اولا : السببية بحيث نطلق السبب ونريد المسبب .. مثلا : اكلنا مطرا من مزرعتنا.. ونقصد به زرعا او نباتا .

ثانيا : المسببية : كقوله تعالى : وينزل لكم من السماء رزقا .. فاطلق على المطر انه رزق .

ثالثا : الكلية : كقوله تعالى : يجعلون اصابعهم في آذانهم .. مع انهم لا يضعون الا الانامل التي هي جزء من الاصابع ..

رابعا : الجزئية : كقولك : رقبتي لا تحتمل الذنوب .. مع ان الرقبة جزء منك .

خامسا : اعتبار الماضي ..كـ " آتوا اليتامى اموالهم .. فاليتيم اذا بلغ وكنت قد اخذت منه مالا فانتم اخطب بهذه الاية مع انه خرج عن حد اليتم .

سادسا : اعبتار المستقبل : كــ " اني اراني اعصر خمرا " .. وهو قد راى انه يعصر عنبا والا فالخمر كيف يعصر ..

وهناك علاقات اخرى نكتفي بهذا المقدار ..

٣ـ شرط المجاز .. وجود قرينة تمنع من ارادة المعنى الحقيقي ومع عدمها يحمل اللفظ على الحقيقة .. وهي على قسمين :

أـ لفظية : مثلا " ذهبت اليوم الى النجف وزرت الاسد وقبلتُ ضريحه الطاهر " فهنا قرينة لفظية واضحة تمنع من حمل كلمة الاسد على معناها الحقيقي ..

ب ـ حالية : مثلا " ظهرت الشمس " تقول هذه الجملة لمخاطبك في الليل مثلا . فيفهم من ذلك انك تقصد معنى اخر غير المعني الحقيقي وهو المعنى المجازي ..

المفتاح الثالث : الاستعارة..

١ـ تعريفها ..

الاستعارة : ادعاء معنى الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه، مع طرح ذكر المشبه من البين، كقولك: لقيت أسداً، وأنت تعني به الرجل الشجاع.." كما جاء في تعريفات الجرجاني " .

.ويمكننا ان نقول ان في الاستعارة جهة من المجاز لانها ايضا من استعمال اللفظ في غير ما وضع له .. وايضا فيها جهة من التشبيه باعتبار انه تشبيه قد حذف احد طرفيه ..

مثالها من القرآن الكريم :

{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة : ٢٥٧]

هنا الله سبحانه وتعالى في هذه الاية استعمل ما نسميه بـــ الاستعارة لماذا ؟ لانه عبر الفسق والضلال بـــ الظلام وعبر عن الهداية بـــ النور .. وواضح ان هذا مجاز لانه من استعمال اللفظ في غير ما وضع له لان كلمتي الظلام والنور موضوعتان لهذا المعنى الحسي المعروف .. هذا من جهة ومن جهة اخرى فان هذا في الحقيقة تشبيه للمعاني غير المحسوسة التي هي الضلال والايمان بالظلام والنور .. اذن فيه مجازية وفيه تشبيه وهذا هو معنى الاستعارة ..

٢ـ نوعا الاستعارة ..

للإستعارة نوعان شائعان هما : التصريحية والمكنية ..

اما الاستعارة التصريحية فهي التي يذكر فيها المشبّه به بالصراحة بمعنى يذكر بنفسه لا بامر يشير اليه ..

مثلا : رأيت اسدا يمشي في السوق .. فهنا في هذا المثال ذكر المشبّه به وهو الاسد وحذف المشبه " الرجل الشجاع " وحين ذكرتَ المشبه به ذكرته بنصه ولفظه فقلتَ " اسدا " وكقوله تعالى : يخرجهم من الضلمات الى النور .. فهنا صرح بلفظ المشبه به وهو الضلمات والنور صراحة ..

واما المكنية : فهي التي ذكر فيها المشبه به ولكن لا بالصراحة كما هو الحال بالنسبة الى التصريحية وانما ذكر بما يشير اليه وما هو من لوازمه ..

مثلا : واشتعل الرأس شيبا .. فهنا شبه رأسه بالمادة التي يسرع فيها اشتعال النار كالحطب مثلا ولم يذكره صريحا وانما ذكر خاصة من خواصه الا وهو الاشتعال واشار به اليه .

او مثلا : تقول : هناك رؤوس اينعت وقد قطفها امير المؤمنين عليه السلام في حروبه ..

فهنا انت تشبه رؤوس الكفار او المنافقين بالثمر وحذفت الثمر وذكرت ماهو من لوازم الثمر وهو " اينعت "

٣ـ تقسيم الاستعارة ..

تنقسم الاستعارة الى قسمين اساسيين :

القسم الاول : الاستعارة الاصلية ..

القسم الثاني : الاستعارة التبعية ..

اما القسم الاول : ( الاصلية ) فهي ماكان اللفظ المستعار فيها من الالفاظ الجامدة " اي غير مشتقة " ..

مثلا : ( اذا عضك الزمن من الخلف فاعلم انك في المقدمة ) .

فهنا شبهنا الزمن بالحيوان المفترس وجئنا بشيء من خصائصه وهو " العض " والعظ من الالفاظ الجامدة اي ليس له فعل ومصدر وما اشبه ذلك حتى يشتق منها ..

مثال اخر .. " يا كوكبا ما كان اصغر عمره " هنا استعرنا الكوكب للولد الصغير والكوكب من الالفاظ الجمادة ..

القسم الثاني : ( التبعية ) وهي ضد تلك بمعنى يكون فيها اللفظ الذي حصلت فيه الاستعارة مشتقا وليس جامدا ..

مثلا : ( لماذا قتلت ابنك حتى كاد ان يموت ) فهنا استعرنا لفظ القتل للضرب والقتل مشتق كما هو واضح مشتق من المصدر " ضرْب " ..

ولا نبخل عليكم بالمثال الاخر .. كقوله تعالى {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف : ١٥٤] فهنا الاية الكريمة تشبه ذهاب الغضب وانتهاؤه بالسكوت والسكوت مصدر اشتق منه في الاية الفعل " سكت " بمعنى انتهى ..

٤ـ تقسيم آخر للإستعارة " ثلاثي "

تنقسم الاستعارة تقسيما آخر غير ما ذكرناه من التقسيم الثنائي الذي مر في النقطة الثالثة من نقاط المفتاح الثالث .. هذا التقسيم هو تقسيم ثلاثي واقسامه هي :

القسم الاول : الاستعارة المرشحة ..

القسم الثاني : الاستعارة المجردة ..

القسم الثالث : الاستعارة المطلقة ..

وها نحن نشرع في بيان كل قسم مع الامثلة ..

اما القسم الاول : الاستعارة المرشحة هي التي يُذكر فيها خاصية من خواص المشبُه به بعد ان تتم الاستعارة وتستوفي قرائنها وتكمل ..

مثلا : {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة : ١٦] ..

هنا لو لاحظنا النص القراني المتقدم سنجد فيه استعارة " اشتروا " لإرادتهم واخذهم الضلالة فبدلا من ان يقول : ارادوا او اختاروا الضلالة قال : اشتروا اذن هنا استعارة ولهذه الاستعارة قرينة وهي " الضلالة " لانها لا تشترى او تباع اذ نحكم بان في المقام استعارة .. اذن استوفت الاستعارة قرينتها وتمت والحمد لله .. هذا اولا .. وثانيا : نجد ان النص القراني ما اكتفى بالاستعارة وسكت وانما ذكر امرا آخر وهو " فما ربحت تجارتهم " وهذا يعد ملائما لـ المشبه به وهو " الشراء " .

واما القسم الثاني : الاستعارة المجردة .. فهي ما ذكر فيها شيئا من خصائص وملائمات المشبه ـ لا المشبه به كما كان في المرشحة ـ بعد تمام الاستعارة من جهة قرائنها الدالة على وقوع التشبيه ..

مثلا : ( علي عليه السلام اشجع الناس اذا حمل ذو الفقار كان يشرب سيفه من دماء الكفار ويغني فوق رؤوسهم ) فهنا شبهنا سيف علي ذا الفقار بانسان يشرب ويغني وجئنا بما ينسجم معه وهو في الجملة مشبه وليس بمشبها به ..

القسم الثالث : الاستعارة المطلقة : لا هذه ولا تلك .. فلا يؤتى معها لا بما يتناسب مع المشبه ولا مع المشبه به ..

مثلا : {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة : ١١]

٥ـ الاستعارة التمثيلية ..

ـ تعريفها : هي عبارة عن استعمال جملة مكان جملة بحيث يغدو استعمال الجملة الاولى مجازا ولكن المجازية ههنا ليس بلحاظ مفردات الجملة وانما بلحاظ مجموعها .. مع مشابهة بين معنيي الجملتين هو الذي صحح لنا استعمال احداهما مكان الاخرى حتى انه لا يمكن ان يكون المعنى الحقيقي هو المقصود من الجملة المستعملة ..

ـ امثلتها : في الحقيقة امثلة الاستعارة التمثيلية لا تعد ولا تحصى ولكن ما لايدرك كله لا يترك جله كما يقال .. ولهذا نكتفي ببعض الامثلة الواضحة ..

فمثلا : في ذهننا الجملة التالي " زلة العالم متوقعة ولو حصلت فهي حالة متوقعة لانه ليس معصوما ومغفورة في قبال بحر حسناته " ولكن بدلا ان بهذه الالفاظ لنعبر عما يجول في ذهننا نقول " لكل جواد كبوة " فهذه الجملة في الحقيقة لا نريد منها المدلول النصي والحرفي واللغوي الظاهري وانما هي صورة عن الجملة الاولى لوجود مشابهة بينهما وهي واضحة ..

مثال اخر : تقول لمن ينصح من لا تنفع نصيحته تقول له " انت تنفخ في قربة مزروفة " فهذا الاستعمال منك استعارة تمثيلية فانت مكان ان تقول " لا نفع في نصح فلان " قلت له " تنفخ في قربة مزروفة " ومعنى ذلك لا فائدة من نصحه ولكن هذا استعمال مجازي للجملة برمتها ..

مثال اخر : " لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين " مكان قولك " لا ينبغي للإنسان الفطن النبه ان يخدع مرتين بنفس الخديعة " مثلا ... او " قطعت جهيزة قول كل خطيب " بدلا من ان تقول مثلا " فلان صاحب القول الاول والاخير بحيث ينهي مسألة استمر فيها الخلاف والتشاور " ...وهكذا

المفتاح الرابع : ( المجاز اللغوي والمرسل والعقلي )

١ـ معانيها :

أـ المجاز اللغوي : استعمال الكلمة في غير ما وضعت له لغة لوجود جهة شبهة تجمع بين المعنى اللغوي وبين المعنى المجازي الذي استعمل فيه الكلمة .. كاستعمال الاسد في الرجل الشجاع .. وهذا قد مر بيانه اكثر من مرة .. ولهذا سينصب حديثنا فيما سياتي من نقاط على النوعين التاليين : ـ المجاز المرسل ـ و ـ المجاز العقلي .

ب ـ المجاز المرسل : هو ايضا استعمال الكلمة في غير معناها اللغوي الذي وضعت له ولكن الذي صحح هذا الاستعمال ليس المشابهة كما مر عليك في المجاز اللغوي والاستعارة .. بل ثمة مانع من ارادة المعنى اللغوي للكلمة من جهة وهناك علاقات خاصة هي المصححة للإستعمال من جهة اخرى ..وقد اشرنا لها في المفتاح الثالث وسنبينها هنا ايضا ..

ومن امثلة المجاز المرسل قوله تعالى : إني اراني اعصر خمرا .. فالذي يعصر هو العنب فكيف يعصر الخمر ؟ الجواب هذا من المجاز المرسل لانه لا يصح عصر الخمر من جهة فهذه هي القرنية المانعة من ارادة المعنى اللغوي للكلمة " الخمر في المثال " والذي صحح الاطلاق هو " ما يؤول اليه العنب هو الخمر " فالعلاقة هي ملاحظة ما سيكون ويؤول اليه الشيء ..

ت ـ المجاز العقلي : هو نسبة واسناد الحدث والمعنى الى غير صاحبه الحقيقي .. مثلا تقول : جاء الشتاء وجائنا بالبرد وجاء الصيف وجائنا بالحر .. فهنا هل الشتاء هو يجلب لنا البرد والصيف هو يجلب الحر ؟ بكل تاكيد كلا .. الله سبحانه وتعالى هو الفاعل الحقيقي وهو الذي ياتينا بالحر والبرد ولكنك اسندت الفعل الى غيره بالمجاز العقلي ..مثال اخر تقول :

" بنى رئيس الجمهورية مدرسة في منطقتنا " فالذي باشر فعلا عملية البناء هم العمال والمهندسون بامر من رئيس الجمهورية .. ولكنك نسبت الفعل له بالمجاز العقلي ..

٢ـ بين علاقات المرسل وصور العقلي ..

سبق ان المحنا الى بعض علاقات المرسل ولكن حيث ان المقام يقتضيها فلا بأس باعادتها وبالإعادة افادة كما يقال مع اضافة امر جديد يوجبه الموضوع الآن وهو أنحاء وصور المجاز العقلي ولهذا فإن الكلام سيكون في نقطتين :

الاولى : علاقات المجاز كثيرة اهمها ما يلي :

١ـ السببية : بمعنى اطلاق اسم السبب وإرادة المسَبّب ..

مثاله : للحسين يد على شيعته بل وعلى المسلمين جميعا .. فهنا اطلقتَ اليد على ما يحصل بسببها وبواسطتها الا وهي الافضال والنعم ..

٢ـ المسببية : أي اطلاق اسم المسبب وإرادة السبب ..

مثلا : فمن شهد منكم الشهر فاليصمه .. فهنا اطلقتَ اسم ما يحصل نتيجة رؤية الهلال الذي هو الشهر وانت تريد سببه وهو الهلال .. والا فالشهر لا يشاهد ..

٣ـ الجزئية : بان تستعمل الجزء وانت تريد الكل ..

مثلا : اجمل كلمة سمعتها عن التوحيد هي كلمة الامام في خطبته الاولى من نهج البلاغة .. فهنا اطلقت الجزء الذي هو الكلمة الواحدة والتي هي اسم فقط او فعل فقط او حرف فقط على كلام وخطبة تشمل المئات من الكلمات إن لم نقل الآلاف ..

٤ـ الكلية : يعني بعكس الامر السابق .. بمعنى تطلق الكل وتريد الجزء ..

مثلا : يجعلون اصابعهم في آذانهم حذر الموت ... فهنا الله تعالى اطلق على اناملهم التي هي جزء من الاصابع اطلق عليها اصابع .. فاطلق الكل ـ اصبع ـ واراد الجزء ـ الانملة ـ والا فلا يمكن ان يضعوا اصابعهم بكاملها في آذانهم ..

٥ـ ملاحظة الماضي : أي تستعمل الكلمة بما كان لها من اسم وانت تريد حالها الذي هي عليه فعلا ..

مثلا : لا تلبس الحديد في اصابعك .. فهنا انت تريد الخاتم فعلا و الذي كان حديدا قبل ان يصنع خاتما .

٦ـ ملاحظة المستقبل : فتستعمل الكلمة بما لها من اسم مستقبلي وانت لا تريد الا واقعها الحالي ..

مثلا : " اني ارني اعصر خمرا " فهنا اطلق الخمر على العنب باعتبار حالته التي سيؤول اليها .

٧ـ الحالية : وهي اطلاق الظرف والمكان والمحل على المظروف ..

مثلا : " واسأل القرية " فالقرية لا تسأل وانما يسأل الحال فيها ..

٨ـ الحالية : بعكس العلاقة السابعة تماما ..

مثلا : ملتقانا في الحسين عليه السلام .. فانت تطلق اسم الحال في المرقد وتريد المكان ..بمعنى انت تريد ان تقول : ملتقانا في صحن الامام الحسين عليه السلام ..

النقطة الثانية : ( صور وانواع المجاز العقلي )

قلنا في النقطة الأولى من المفتاح الرابع ان معنى المجاز العقلي باختصار هو ان تنسب الفعل والحدث الى غير فاعله وصاحبه الحقيقي .. وما نريد الحديث عنه هنا هو ان هذا العزو والنسبة او قل الإسناد كما يسمى عندهم ـ أي اسناد الفعل الى غير صاحبه الحقيقي ـ هذا الاسناد لا يصح ان يكون لكل شيء والإ ستصبح المسألة فوضوية ..وانما لا بد ان يكون ما اسند اليه الفعل له علاقة وارتباط ومناسبة مع الفعل ...

ونكتفي هنا بذكر اربعة منها و هي كما يلي :

١ـ ان يكون شرطا او له علاقة في حصول وتحقق الفعل وبالتالي يصح نسبة الفعل له ..

مثلا : مشيت في كربلاء حتى اخذتني قدماي الى ضريح الحسين عليه السلام ..

فهنا انت تنسب الاخذ الى القدمين مع انك انت من اخذ بالبدن كله بما في ذلك القدمين الى الضريح المقدس ولكن نسبت الاخذ والذهاب الى القدمين لما لهما من الدور في تحقق المشي .. فاستعملت مجاز عقلي ارتباطه وعلاقته الشرطية او قل السببية ..

٢ـ ان يكون زمان الحدث والفعل ..مثلا : ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا ..

فهنا نسب الإبداء الى الايام باعتبار ان الإبداء سيقع في تلك الايام فنسبها اليها والاصل ان يقول هكذا : ستبدي لك وقائع الايام .. فهنا مجاز عقلي علاقته بما نسب اليه واسند اليه الزمانية .

٣ـ ان يكون مكان الفعل .. مثلا : في العشرين من صفر تكتض وتزدحم شوارع كربلاء بالزوار الكرام ..

فهنا تنسب الاكتضاض والازدحام الى الشوارع وهي في الحقيقة مكان للإزدحام لا انها هي التي تزدحم بالزوار .

٤ـ المفعولية بان تنسبه الى ما يقع عليه الحدث لا ما يقع منه ..

مثلا : حرم الامام الحسين آمن يوميا والحمد لله ..

فاسناد الامن الى الحرم مجاز عقلي من اسناد الحدث الى مفعوله لان الحرم يقع عليه الامن فالحرم مأمون .

والحمد لله رب العالمين ..

يتبع .....

****************************