




في الصوم والصائمين
وعن ذلك ما حَرَسَ [١] اللهُ عبادّه المؤمنين بالصلوات والزكوات ، ومجاهدةِ الصيام [٢] في الأيام المفروضات ، تسكيناً [٣] لأطرافهم ، وتخشيعاً [٤] لأبصارهم ، وتذليلاً [٥] لنفوسهم ، وتخفيضاً [٦] لقلوبهم.
نومً الصائمِ عبادة ، وصمتُه تسبيحٌ ، ودعاؤه مستجابٌ ، وعملهُ (علمه) مضاعف ، إنَّ للصائم عند إفطارِه دعوةٌ لا تُرَدُّ.
لكم من صائم ليس له من صيامِهِ إلاّ الظماء [٧] ، وكم من قائمِ [٨] ليس له من قيامِهِ إلاّ العناءُ [٩] حبذا نومُ الأكياسٍ [١٠] وافطارُهم .
في النهي عن التحاسد
إمّا بعدُ فإنَّ الأمرَ [١١] ينزِلُ من السماءِ إلى الأرضِ كقطراتِ المطرِ إلى كلّ نفسِ بما قسمَ لها من زيادة أو نقصانِ فإذا رأى احدُكم لأخيهِ غفيرةً [١٢] في أهلِ أو مالِ أو نفسِ فلا تكونَّن لهُ فتنةً [١٣] فإن المرءَ المسلمَ البريءَ من الخيانةِ ما لم يغْش [١٤] دناءةً تظهرُ فيخشعُ [١٥] لها إذ ذُكرتْ وتُغْرى بها [١٦] لئامُ الناسِ كانَ كالفالج الياسرِ [١٧] الذي ينتظرُ أوّلَ فورةِ من قِداحهِ [١٨] تُوجبُ له المغنَم [١٩] له المغنَم ويُرفعُ بها عنه المغرَمَ [٢٠] وكذلك المرءُ المسلمُ البرءيُ من الخيانةِ ينتظرُ من الله إحدى الحسنين إما داعيَ اللهِ [٢١] فما عندَ الله خيرُ له وإمّا رزقَ اللهِ فإذا هو ذو أهلِ ومالِ ومعه دينُهُ وحسبُهُ إنَّ المال والبنينَ حرثُ [٢٢] الدنيا والعملُ الصالِحُ حرثُ الآخرةِ وقد يجمعُهما الله لأقوام فاحذروا من الله ما حذَّركُم من نفسه . واخشوهُ خشيةً ليست بتعذيرِ واعلموا في غيررياءِ ولا سُمعةِ فإنَّه من يعمل لغيرالله يكْلُه الله إلى من عملَ لهُ نسأل الله منازلَ الشهداءِ ، ومعايشةَ السعداءِ ومرافقةَ الأنبياءِ.
في الجهاد
أما بعدُ فإنَّ الجهادَ بابٌ من أبواب الجنةِ فتحَهُ اللهُ لخاصَّةِ أوليائهِ ، وهو لباسُ التقوى ، ودرعُ الله الحصينة وجُنَّتُهُ [٢٣] الوثيقةُ ، فمن تركَه رغبةً عنه [٢٤] ألبسهُ الله ثوبّ الذلَّ والبلاء ، وديَّتَ [٢٥] بالصَّغارِ [٢٦] والقماءٍ [٢٧] ، وضُرِبَ على قلبهِ بالأسدِاد [٢٨] وأديل [٢٩] الحق منه بتضييع الجهاد، وسيمَ الخَسْفَ [٣٠] ، ومُنع النَّصفَ [٣١] ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً ، وسراً وإعلاناً وقلتُ لكم : أغزوهم قبل أن يغزوكُم فواللهِ ماغُزِيَ قومٌ في عٌقر [٣٢] دارهم إلاّ ذُلَّوا، فتواكلْتُم [٣٣] ، وتخاذلتُم حتى شُنَّتِ الغاراتُ عليكم ، وما مُلِكتْ عليكم الأوطانُ ، وهذا أخو غامدِ وقد وردَتْ خيله الأنبارَ، وقد قتلَ حسان بن حسانَ البكري وأزال خيلَكُم عن مسالحها [٣٤] .
في القرابة
أيّها الناس إنه لا يستغني الرجلُ ، وإن كان ذا مالِ ، عن عشيرته ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم وهم أعظمُ الناس حيطة [٣٥] من ولائهِ واَلَمَّهم لشعثه [٣٦] وأعطفهم عليه عند نازلةٍ [٣٧] نزلت به ، ولسانُ الصدقِ [٣٨] يجعله الله للمرء في الناس خيرٌله من المال يورّثه غيره (منها) الا لا يعدلنَّ [٣٩] احدكم عن القرابةِ يرى بها الخصاصةَ [٤٠] أن يسدَّها [٤١] بالذي يزيدُه إن أمسكه [٤٢] ولا ينقصُهُ إن أهلكُه [٤٣] ، ومن يقبض [٤٤] يده عن عشيرته فإنما تُقبضُ منه عنهم يدٌ واحدةٌ وتقبضُ منهم عنه أيدِ كثيرة ومتى تلن حاشيته [٤٥] يستدم [٤٦] من قومه المودة .
من كلام لأميرالمؤمنين عليه السلام
إنّ الوفَاء توأمُ الصدقِ ، ولا أعلمُ جُنَّةَ [٤٧] أوقى [٤٨] منهُ ولا يغدوُ من علمَ كيف المرجعُ [٤٩] ولقد أصبحْنَا في زمانِ ، لقد اتخذَ أكثرُ اهلهِ الغدرَكيْساً [٥٠] ونسبَهُم أهلُ الجهِلِ فيه إلى حسنِ الحيلةِ ، ما لهم ؟ قاتَلَهم اللهُ ! قد يرى الحُوّلُ [٥١] القلّبُ [٥٢] وجه الحيلة ودَونَه مانغَ من أمرٍاللهِ ونهيهِ فيدعُها رأيَ عين [٥٣] بعدَ القدرة عليها وينتهزُ فرصتّها من لا حريجةَ [٥٤] لهُ في الدين.
أيّها النّاسُ ، إن أخوفَ ما أخافُ عليكمُ إثنان : اتباعُ الهوى [٥٥] ، وطولُ الأمل ، فأمَّا اتباعُ الهوى فيصدَ عن الحقَّ ، وأما طولُ الأمل فيُنْسى الآخرة الا وإنَّ الدنيا قد ولّتْ حذَّاء [٥٦] ، فلم يبقَ منها إلا صُبابة [٥٧] كصبابة الإناء اصطبَها صابُّها [٥٨] ، الا وأنّ الآخرة قد أقبلت ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا أبناءَ الدنيا ، فإنّ كلَّ ولدِ سيلحقُ بأمَّه يومَ القيامةِ ، وإنَّ اليوم عملُ ولا حساب ، وغداً حسابٌ ولا عمل.
من كلام له عليه السلام
ردّ فيه على قول قائل له إن الرد على مخالفيه بالمصانعة والمداهنة أفضل وأولى من المحاربة لهم ، فأجاب إن ذلك ليس من المصلحة الدينية في شيء وأن قتالهم لا يضعفه ولا يعجزه .
ثم ذكر صفات فيها حث على قتالهم لأن في ذلك فراراً من الله إلى الله وهذا فيه تقوى الله وخشيته والفوز في الدارين .
قال عليه السلام : ولعمري ما عليّ من قتالِ من خالفَ الحقَّ وخابط [٥٩] الغيَّ [٦٠] من إدهانِ [٦١] ولا ايهان [٦٢] فاتقوا الله عبادالله وفرّوا إلى الله [٦٣] من الله [٦٤] ، وامضوا [٦٥] في الذي نهجهُ [٦٦] لكم وقوموا بما عَصَبهُ بكم [٦٧] . فعليُ ضامن لفلجكم [٦٨] آجلاً وإن لم تمنحوه [٦٩] عاجلاً .
قال أميرالمؤمنين عليه السلام
أما بعدُ ، فإنَّ الدنيا ، قد أدبرَتْ [٧٠] وآذنَت [٧١] بوداعِ ، وأنَّ الآخرةَ قدْ أشرَفتْ [٧٢] باطلاع [٧٣] ! الا وإنَّ اليوم المضمارَ [٧٤] ، وغداً السباقَ ، والسبقةُ الجنة ، والغايةُ النارُ، اَفلا تائبٌ من خطيئتهِ قبلَ منيته [٧٥] ؟ ألا عاملٌ لنفسِهِ قبلَ يوم بؤسِهِ [٧٦] ؟ الا وإنكَّم في أيامِ أملِ من ورائِهِ أجل ، فمنْ عمل في أيامِ أملِهِ قبلَ حضورِاَجلِهِ نفعَهُ عملُهُ ولم يضررْهُ اَجلهُ ومن قصَّرَ في أيامِ أملِهِ قبل حضورِأجلهِ فقْد خسرَعملَهُ وضَرّه أجّلُه ، ألا فاعملوا في الرغبةِ كما تعملونَ في الرهبةِ! ألا وإنّي لم أرَ كالجنةِ نامَ طالبُها ولا كالنارِ نامَ هاربُها ألا وإنَّهُ من لا ينفعهُ الحقُ ليضررْه الباطلُ ، ومن لم يستقمْ به الهدى [٧٧] يجربهِ الضلالُ إلى الردى [٧٨] ، ألا وإنَّكم ، قد اُمرتُم بالظَّعن [٧٩] ، ودُللتُم على الزاد [٨٠] وإنَّ أخوفَ ما اخافُ عليكُم اتباعُ الهوى و طولُ الأملِ تزودُوا من الدنيا ما تَحزُزُون [٨١] أنفسكُم بِهِ غداً.
قال أميرالمؤمنين :
ولقد بلغني أن الرجال منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزعُ حجلَها [٨٢] وقُلبها [٨٣] وقلائدِها ورعاتها [٨٤] ، ما تُمنع منه إلاَّ بالاسترجاع [٨٥] ، والاسترحام ، ثم انصرفوا وافرين ما نالَ رجلاً منهم كلمٌ [٨٦] ، ولا أريقَ [٨٧] لهم دمّ ، فلوا أن أمرءاً مسلماً مات من بعد هذا آسفاً ما كان به ملوماً [٨٨] ، بل كان عندي جديراً ، فيا عجباً - والله - يميتُ القلبَ ويجلبُ الهمَّ اجتماعُ هؤلاء القومِ على باطلهم وتفرَقكم عن حقَّكم ، فقحباً لكم وترحاً [٨٩] ، حين صرَتُم غرضاً يُرمى [٩٠] يُغارعليكم ولا تغيرون ، وتُغزون ولا تَغزون ، ويُعصى اللهُ وترضون ، فإذا أمرتُكم بالسيرإليهم في أيام الصيف قلتم هذه حمَّارةُ القيظ [٩١] ، أمهلنا يُسبَّخُ [٩٢] عنَّا الحرَ، وإذا أمرتُكم بالسيرإليهم في الشتاءِ قلتم : هذه صبَّارةُ القررَّ [٩٣] أمهلنا ينسلخ عنا البرد ، كلَّ هذا فراراً من الحرَ والقرَ فأنتم واللهِ من السيفِ أفرّ .
قال أميرالمؤمنين عليه السلام :
إنَّ الله بعثَ محمداً صلَّى الله عليه وآله وسلَّم نذيراً للعالمين ، وأميناً على التنزيل ، وأنتُم معشرالعربِ على شرّ دين [٩٤] ، وفي شرّ دار [٩٥] ، منيخون بين حجارةٍ خُشُن [٩٦] ، وحيَّاتِ صم [٩٧] تشربون الكدرَ [٩٨] ، وتأكلون الجَشَب [٩٩] ، وتسفكونَ دماءكم وتقطعون أرحامكم ، الأصنام فيكم منصوبةً [١٠٠] ، والآثامُ بكم معصوبةٌ [١٠١] .
فإذا ليس لي معينّ إلاَّ أهلَ بيتي فضننتُ [١٠٢] بهم على الموت ، وأغضيتُ [١٠٣]عن القذى [١٠٤] وشربتُ على الشجى [١٠٥] ، وصبرتُ على أخذِ الكظمِ وعلى أمرّ من طعمِ العلقم.
يتبع ......