وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
مقدمة السيد الشريف الرضي في نهج البلاغة

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّا بعد حمد الله الذي جعل الحمد ثمناً لنعمائه ، ومَعاذاً  [١] من بلائه ، ووسيلاً [٢] إلى جِنانه ، وسبباً لزيادة إحسانه .
والصلاة على رسوله نبيّ الرحمة ، وإمام الأئمّة ، وسراج الأمّة ، المنتخب من طينة الكرم ، وسلالة المجد [٣] الأقدم ، ومَغرِس الفخار المُعْرِق  [٤] ، وفرع العَلاء المثمر المورق .
وعلى أهل بيته مصابيح الظُّلم ، وعِصَم  [٥] الأمم ، ومنار [٦] الدين الواضحة ، ومثاقيل [٧] الفضل الراجحة صلّى الله عليهم أجمعين ، صلاة تكون إزاءً لفضلهم   [٨]، ومكافأة لعملهم ، وكفاء لطيب فرعهم وأصلهم ، ما أنار فجر ساطع ، وخوى نجم [٩] طالع .
فإنّي كنتُ في عنفوان شبابي [١٠] ، وغضاضة الغصن [١١]، ابتدأتُ بتأليف كتاب في خصائص الأئمّة ( عليهم السلام ) : يشتمل على محاسن أخبارهم ، وجواهر كلامهم ، حداني عليه [١٢] غرض ذكرته في صدر الكتاب ، وجعلته أمام الكلام .
وفرغت من الخصائص التي تخصّ أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) ، وعاقت عن إتمام بقية الكتاب محاجزات الأيام ، ومماطلات الزمان  [١٣].
وكنتُ قد بوّبتُ ما خرج من ذلك أبواباً ، وفصّلته فصولاً ، فجاء في آخرها فصل يتضمّن محاسن ما نقل عنه ( عليه السلام ) من الكلام القصير في المواعظ والحِكم والأمثال والآداب ، دون الخطب الطويلة ، والكتب المبسوطة .
فاستحسن جماعة من الأصدقاء ما اشتمل عليه الفصل المقدّم ذكره ، معجَبين ببدائعه ، ومتعجّبين من نواصعه   [١٤].
وسألوني عند ذلك أن أبتدئ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في جميع فنونه ، ومتشعّبات غصونه : من خطب ، وكتب ، ومواعظ وأدب .
علماً أنّ ذلك يتضمّن من عجائب البلاغة ، وغرائب الفصاحة ، وجواهر العربية ، وثواقب  [١٥]  الكلم الدينية والدنياوية ، ما لا يوجد مجتمعاً في كلام ، ولا مجموعَ الأطراف في كتاب ; إذ كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مشرَعَ [١٦] الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، ومنه ( عليه السلام ) ظهر مكنونها ، وعنه أخذت قوانينُها ، وعلى أمثلته حذا كلّ قائل  [١٧] خطيب ، وبكلامه استعان كلّ واعظ بليغ .
ومع ذلك فقد سبق وقصروا ، وتقدّم وتأخّروا ، لأنّ كلامه ( عليه السلام ) الكلامُ الذي عليه مَسْحة  [١٨] من العلم الإلهي ، وفيه عَبْقَة   [١٩] من الكلام النبوي .
فأجبتهم إلى الابتداء بذلك ، عالماً بما فيه من عظيم النفع ، ومنشور الذكر ، ومذخور الأجر .
واعتمدتُ [٢٠] به أن أبيّن عن عظيم قدر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في هذه الفضيلة ، مضافة إلى المحاسن الدثِرَة [٢١]، والفضائل الجمّة .
وأنّه ( عليه السلام ) انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأولين الذين إنّما يؤثر [٢٢] عنهم منها القليل النادر ، والشاذّ الشارد  [٢٣].
فأمّا كلامه ( عليه السلام ) فهو البحر الذي لا يُساجَل [٢٤] ، والجمّ الذي لا يحافَل  [٢٥] .
وأردتُ أن يسوغ لي التمثّل في الافتخار به ( عليه السلام ) بقول الفرزدق :

 

أولئك آبائي فجئني بمثلهم ***** إذا جمعَتْنا يا جرير المجامعُ

ورأيتُ كلامه ( عليه السلام ) يدور على أقطاب  [٢٦] ثلاثة :
أوّلها : الخطب والأوامر .
وثانيها : الكتب والرسائل .
وثالثها: الحكم والمواعظ .
فأجمعتُ  [٢٧] بتوفيق الله جلّ جلاله على الابتداء باختيار محاسن الخطب ، ثمّ محاسن الكتب ، ثمّ محاسن الحِكَم والأدب ، مفرداً لكلّ صنف من ذلك باباً ، ومفضلاً فيه أوراقاً ، لتكون مقدّمة لاستدراك ما عساه يشذّ عنّي عاجلاً ، ويقع إليّ آجلاً .
وإذا جاء شيء من كلامه ( عليه السلام ) الخارج في أثناء حوار ، أو جواب سؤال ، أو غرض آخر من الأغراض ـ في غير الإنحاء التي ذكرتها ، وقررت القاعدة عليها ـ نسبته إلى أليق الأبواب به ، وأشدّها ملامحة   [٢٨] لغرضه .
وربما جاء فيما أختارُهُ من ذلك فصول غير مُتّسِقة  [٢٩] ، ومحاسن كَلِم غير منتظمة ; لأنّي أورد النكت واللّمَع [٣٠] ، ولا أقصد التتالي والنسَق  [٣١].
ومن عجائبه ( عليه السلام ) التي انفرد بها ، وأمِنَ المشاركةَ فيها ، أنّ كلامه ( عليه السلام ) الوارد في الزهد والمواعظ ، والتذكير والزواجر ، إذا تأمّله المتأمّل ، وفكّر فيه المتفكّر ، وخلع من قلبه أنّه كلام مثله ممّن عظم قدره ، ونفذ أمره ، وأحاط بالرقاب ملكه ، لم يعترضه الشك في أنّه من كلام من لا حظّ له في غير الزهادة ، ولا شغل له بغير العبادة ، قد قبع  [٣٢] في كسر بيت  [٣٣] ، أو انقطع إلى سفح جبل  [٣٤] ، لا يسمع إلاّ حسّه ، ولا يرى إلاّ نفسه ، ولا يكاد يوقن بأنّه كلامُ من ينغمس في الحرب مصْلِتاً سيفه  [٣٥] ، فيقُطّ الرقاب  [٣٦]، ويُجَدِّل الأبطال [٣٧] ، ويعود به ينْطُفُ [٣٨]  دَماً ، ويقطر مُهَجاً [٣٩] ، وهو مع تلك الحال زاهد الزهّاد ، وبدَلُ الأبدال [٤٠] .
وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصه اللطيفة ، التي جمع بها بين الأضداد ، وألّف بين الأشتات [٤١] ، وكثيراً ما أُذاكر الإخوان بها ، وأستخرج عجبهم منها ، وهي موضع للعبرة بها ، والفكرة فيها .
وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظُ المردد ، والمعنى المكرّر ، والعذر في ذلك أنّ روايات كلامه ( عليه السلام ) تختلف اختلافاً شديداً : فربما اتفق الكلام المختار في رواية فنُقِلَ على وجهه ، ثمّ وُجد بعد ذلك في رواية أخرى موضوعاً غير موضعه الأوّل : إمّا بزيادة مختارة ، أو لفظ أحسن عبارة ، فتقتضي الحال أن يعاد ، استظهاراً للاختيار ، وغَيْرةً على عقائل الكلام [٤٢] .
وربما بَعُدَ العهدُ أيضاً بما اختير أوّلاً فأُعيدَ بعضُه سهواً أو نسياناً ، لا قصداً واعتماداً .
ولا أدّعي ـ مع ذلك ـ أنّي أحيط بأقطار جميع كلامه [٤٣] ( عليه السلام ) حتّى لا يشذّ عنّي منه شاذّ ، ولا يَنِدُّ نادّ [٤٤] ، بل لا أبعد أن يكون القاصر عنّي فوق الواقع إليّ ، والحاصل في رِبْقتي [٤٥] دون الخارج من يديّ ، وما عليّ إلاّ بذل الجهد ، وبلاغ الوسع ، وعلى الله سبحانه نهج السبيل [٤٦]، وإرشاد الدليل ، إن شاء الله تعالى .
ورأيتُ من بعد تسمية هذا الكتاب بـ ( نهج البلاغة ) إذ كان يفتح للناظر فيه أبوابها ، ويقرّب عليه طِلابها ، وفيه حاجة العالم والمتعلّم ، وبغية البليغ والزاهد ، ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل ، وتنزيه الله سبحانه عن شَبَهِ الخلق ، ما هو بِلال كلّ غلّة   [٤٧]، وشفاء كلّ علّة ، وجِلاء كلّ شبهة .
ومن الله سبحانه أستمدّ التوفيق والعصمة ، وأتنجّزُ التسديد والمعونة ، وأستعيذه من خطأ الجنان ، قبل خطأ اللسان ، ومن زلّة الكَلِم   [٤٨]، قبل زلّة القدم ، وهو حسبي ونعم الوكيل .

-----------------------------------------------------

[١] . المعاذ : الملجأ .

[٢] . وسيلاً ـ جمع وسيلة ـ : وهي ما يتقرّب به .

[٣] . طينة الكرم : أصله ; وسلالة المجد : فرعه .

[٤] . الفخار المعرق : الطيب العرق والمنبت .

[٥] . العصم ـ جمع عصمة ـ : وهو ما يعتصم به .

[٦] . المنار : الإعلام ، واحدها منارة .

[٧] . المثاقيل ـ جمع مثقال ـ : وهو مقدار وزن الشيء ، فمثاقيل الفضل زناته ، والمراد أنّ الفضل يعرف بهم مقداره .

[٨] . إزاء لفضلهم : أي مقابلة له .

[٩] . خوى النجم ـ بالتخفيف ـ : سقط ، ـ وبالتشديد ـ : إذا مال للمغيب ، وخوت النجوم : أمحلت فلم تمطر ، كأخوت وخوّت بالتشديد .

[١٠] . عنفوان الشباب : أوّله .

[١١] . غضاضة الغصن : طراوته ولينه .

[١٢] . حداني عليه : بعثني وحملني ، وهو مأخوذ من حداء الإبل .

[١٣] . محاجزات الأيام : ممانعاتها ، ومماطلات الزمان : مدافعاته .

[١٤] . البدائع ـ جمع بديعة ـ : وهي الفعل على غير مثال ، ثمّ صار يستعمل في الفعل الحسن وإن سبق إليه مبالغة في حسنه ; والنواصع ـ جمع ناصعة ـ : الخالصة ، وناصع كل شيء خالصه .

[١٥] . الثواقب : المضيئة ، ومنه الشهاب الثاقب ، ومن الكلم ما يضيء لسامعها طريق الوصول إلى ما دلّت عليه فيهتدي بها إليه .

[١٦] . المشرع : تذكير المشرعة ، وهو المورد .

[١٧] . حذا كل قائل : اقتفى واتبع .

[١٨] . عليه مسحة : أثر أو علامة ، وكأنّه يريد ( بهاء منه وضياء ) .

[١٩] . العبقة : الرائحة اللاصقة بالشيء والمنتشرة عنه .

[٢٠] . اعتمدت : قصدت .

[٢١] . الدَثِرة ـ بفتح فكسر ـ : الكثيرة ، وكذلك الجمّة .

[٢٢] . يؤثر : أي ينقل عنهم ويحكي .

[٢٣] . الشاذ الشارد : المنفرد الذي ليس له أمثال .

[٢٤] . لا يُساجَل : لا يغالب في الامتلاء وكثرة الماء .

[٢٥] . لا يحُافَل : لا يغالب في الكثرة ، من قولهم : ضرع حافل : ممتلئ كثير اللبن ، والمراد أنّ كلامه لا يقابل بكلام غيره لكثرة فضائله .

[٢٦] . أقطاب : أصول .

[٢٧] . أجمع عليه : عزم .

[٢٨] . الملامحة : الإبصار والنظر ، والمراد هنا المناسبة والمشابهة .

[٢٩] . المتسق : المنتظم يتلو بعضه بعضاً .

[٣٠] . النكت : الآثار التي يتميّز بها الشيء ، واللمع : الآثار المميّزة للأشياء بإضاءتها وبريقها .

[٣١] . النسق : التتابع والتتالي .

[٣٢] . قبع القنفذ ـ كمنع ـ : أدخل رأسه في جلده ، والرجل أدخل رأسه في قميصه ، أراد منه : انزوى .

[٣٣] . كسر البيت : جانب الخباء .

[٣٤] . سفح الجبل : أسفله وجوانبه .

[٣٥] . أصلت سيفه : جرّده من غمده .

[٣٦] . يقطّ الرقاب : يقطعها عرضاً ، فإن كان القطّ طولاً قيل : يقد .

[٣٧] .  يجدل الأبطال : يلقيهم على الجدالة ـ كسحابة ـ وهي وجه الأرض .

[٣٨] . ينطف ـ من نطف كنصر وضرب ـ نطفاً وتنطافاً : سال .

[٣٩] . المهج ـ جمع مهجة ـ : وهي دم القلب ، والروح .

[٤٠] . الأبدال : قوم صالحون لا تخلو الأرض منهم ، إذا مات منهم واحد بدّل الله مكانه آخر ، والواحد بدل أو بديل .

[٤١] . الأشتات ـ جمع شتيت ـ : ما تفرّق من الأشياء .

[٤٢] . عقائل الكلام : كرائمه ، وعقيلة الحي : كريمته .

[٤٣] . أقطار الكلام : جوانبه .

[٤٤] . الناد : المنفرد الشاذ .

[٤٥] . الربقة : عروة حبل يجعل فيها رأس البهيمة .

[٤٦] . نهج السبيل : إبانته وإيضاحه .

[٤٧] . الغلة : العطش , و بلالها: ما تبل به و تروي.

[٤٨] . زلة الكلم : الخطأ في القول , وزلة القدم: خطأ الطريق والإنحراف عنه.

****************************