عادل حسن الأسدي
عامرالشعبي قال : تكلّم أميرالمؤمنين عليه السلام بتسع كلمات ارتجلهنَّ ارتجالاُ فقأن عيون البلاغة وأيتمن جواهرالحكمة وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ثلاث منها في المناجاة ، وثلاث منها في الحكمة ، وثلاث منها في الأدب .
وأمّا اللائي في المناجاة ، فقال : إلهي كفى بي عزَاً أن أكون لك عبداً ، وكفى بي فخراً أن تكون لي ربّاً ، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب .
واللائي في الحكمة ، فقال : قيمة كلّ امرئ ما يحسنه ، وما هلك امرئ عرف قدره ، المرء مخبوء تحت لسانه .
واللائي في الأدب : امنن على من شئت تكن أميره ، واستغن عمّن شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره [١] .
عمرو بن بحرالجاحظ " – عند ذكر قول الإمام علي عليه السلام : قيمة كلّ امرئ ما يحسنه - : فلو لم نقف من هذا الكتاب إلّا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية ومجزية مغنية ، بل لوجدناها فاضلة على الكفاية وغيرمقصرة عن الغاية [٢] .
قال ابن نباتة : حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيدة الانفاق إلّا سعة وكثرة حفظت مئة فصل من مواعظ الإمام علي عليه السلام [٣] .
كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي : في وصف علي عليه السلام – في علم البلاغة والفصاحة – : وكان فيها إماماً لا يشق غباره ومقدّماً لا تكف آثاره ، ومن وقف على كلامه المرقوم الموسوم بنهج البلاغة صارالخبرعنده فصاحته عياناً والظن بعلومقامه فيه إيقاناً [٤] .
وقال أيضاً : الفصاحة تنسب إليه ، والبلاغة تنقل عنه والبراعة تستفاد منه وعلم المعاني والبيان غريزة فيه [٥] .
عبدالحميد الكاتب : قيل له ما الذي خرّجك في البلاغة ؟ قال : حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثمّ فاضت [٦] .
الشريف الرضي : وعلى أمثلته حذا كلّ قائل خطيب وبكلامه استعان كلّ واعظ بليغ [٧] .
سبط بن الجوزي : كان علي عليه السلام ينطق بكلام قد حفَّ بالعصمة ، ويتكلم بميزان الحكمة ، كلام ألقى الله عليه المهابة ، فكلّ من طرق سمعه راعه فهابه .
وقد جمع الله له بين الحلاوة والمالحة والطلاوة والفصاحة لم تسقط منه كلمة ولا بارت له حجّة ، أعجزالناطقين ، وحاز قصب السبق في السابقين ، ألفاظ يشرق عليها نورالنبوة ويحيرالأفهام والألباب [٨] .
يحيى بن حمزة العلوي : ومن خَبرَ كلامَه ومارسَ أُسلوبه ونظامه ، تحقّق لا محالة أنّه قمر البلاغة المتوسطة في هالتها ، والطراز الباهي في أكمَّ غِلالتها [٩] .
وقال أيضاً : ومَن لحظَ كلامه بعين الإنصاف ، وأصغى سمعه لقبول الحق ودان بالاعتراف ،عرف أنّ كلامه في البلاغة شمس لا يشاركه غيره في الشعاع وأنّه في الفصاحة فلكٌ لا يُدانيه غيره في الارتفاع [١٠] .
محمّد عبدة : على ما أُودع نهج البلاغة من فنون الفصاحة وما خصّ به من وجوه البلاغة خصوصاً وهو لم يترك غرضاً من أغراض الكلام إلّا أصابه ولم يدع للفكر ممراً إلّا جابه [١١] .
جورج جرداق: ...وإنّ شروط البلاغة ،التي هي موافقة الكلام لمقتضى الحال ، لم تجتمع لأديبٍ عربّي كما اجتمعت لعليّ بن أبي طالب.
فإنشاؤه أعلى مثلٍ لهذه البلاغة ، بعد القرآن .
فهو موجزعلى وضوح ، قويّ جيّاش ، تامّ الانسجام لما بين ألفاظه ومعانيه وأغراضه من ائتلاف ؛ حلو الرنة في الأذن موسيقيّ الوقع .
وهو يرفق ويلين في المواقف التي لا تستدعي الشدّة .
ويشتدّ ويعنف في غيرها من المواقف ، ولا سيّما ساعة يكون القول في المنافقين والمراوغين وطلّاب الدنيا على حساب الفقراء والمستضعفين وأصحاب الحقوق المهدورة.
فأسلوب عليّ صريحُ كقلبه وذهنه ، صادق كطويّته ، فلا عجب أن يكون نهجاً للبلاغة !
وقد بلغ اُسلوب عليّ من الصدق حدّأ ترفّعَ به حتّى السجعُ عن الصنعة والتكلّف .
فإذا هو على كثرة ما فيه من الجمل المتقاطعة الموزونة المسجّعة ، أبعد ما يكون عن الصنعة وروحاً ، وأقرب ما يكون من الطبع الزاخر.
فانظر إلى هذا الكلام المسجّع وإلى مقدار ما فيه من سلامة الطبع : (( يعلم عجيج الوحوش في الفلوات ، ومعاصي العباد في الخلوات ، واختلاف النينان في البحارالغامرات ، وتلاطم الماء بالرياح العاصفات!)) .
أو إلى هذا القول من إحدى خطبه : (( وكذلك السماء والهواء، والرياح والماء ،فانظرإلى الشمس والقمر، والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف هذا الليل والنهار، تفجّرهذه البحار،وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال،وتفرّق هذه اللغات،والألسن المختلفات...إلخ)).
وأوصيك خيراً بهذا السجع الجاري مع الطبع : (( ثمّ زيّنها بزينة الكواكب ، وضياء الثواقب [١٢] وأجرى سراجاً مستطيراً [١٣] وقمراً منيراً، في فلك دائر، ويقف سائر...إلخ)) .
فإنّك لو حاولتَ إبدال لفظٍ مسجوع في هذه البدائع جميعاً ، بآخرغيرمسجوع ، لعرفت كيف يخبو إشراقها ، ويبهت جمالها ،ويفقد الذوق فيها أصالته ودقّته وهما الدليل والمقياس.
فالسجع في هذه الأقوال العلوية ضرورة فنيّة يقتضيها الطبع الذي يمتزج بالصنعة امتزاجاً حتّى لكأنّهما من معدنٍ يبعث النثرَ شعراً له أوزانٌ وأنغام ترفق المعنى بصُوَر لفظيةٍ لا أبهى منها ولا أشهى !
وإذا قلنا : إنّ أُسلوب عليّ تتوفر فيه صراحة المعنى وبلاغة الأداء وسلامة الذوق الفني ، فإنّما نشيرعلى القارئ بالرجوع إلى نهج البلاغة ليرى كيف تتفجّر كلمات عليّ من ينابيع بعيدة القرار في مادتها؛ وبأية حلّة فنية رائعة الجمال تمور وتجري.
وإليك هذه التعابيرالحسان في قوله :
(( المرء مخبوء تحت لسانه)) .
وفي قوله : (( الحلم عشيرة)) .
أو في قوله : (( من لا عوده كثفت أغضانه)) .
أو في قوله : ((كلّ وعاء يضيق بما جعل فيه إلّا وعاء العلم فإنه يتسع)) .
أو في قوله أيضاً : (( لوأحبّني جبلٌ لتهافت)) .
أو في هذه الأقوال الرائعة : ((العلم يحرسك وأنت تحرس المال . رٌبّ مفتونٍ بحسن القول فيه .إذا أقبلتِ الدنيا على أحد أعارته محاسنَ غيره ، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.
ليكن أمرالناس عندك في الحقّ سواء افعلوا الخيرولا تحقِروا منه شيئاً فإنّ صغيره كبيروقليله كثير. هللك خزان المال وهم أحياء. ماجاء فقيرإلّا بما متّع به غنيّ !))
فأنت ترى ما في أقواله هذه من الأصالة في التفكيروالتعبير، هذه الأصالة التي تلازم الأديب الحقّ بصورة مطلقة ولا تفوته إلّا إذا فاتته الشخصية الأدبية ذاتها .
ويبلغ أُسلوب عليّ قمة الجمال في المواقف الخطابية ، أي في المواقف التي تثور بها عاطفته الجيّاشة ، ويتّقد خياله فتعتلج فيه صوّرٌ حارَةُ من أحداث الحياة التي تمرّس بها .
فإذا بالبلاغة تزخر في قلبه وتتدفق على لسانه تدفّق البحار.
ويتميّزأُسلوبه ، في مثل هذه المواقف ، بالتكرار بغيةَ التقرير والتأثير، وباستعمال المترادفات ، وباختيارالكلمات الجزلة ذات الرنين .
وقد تتعاقب فيه ضروب التعبير من إخبار إلى إستفهام إلى تعجّب إلى إستنكار.
وتكون مواطن الوقف فيه قويّةً شافية للنفس .
وفي ذلك ما فيه من معنى البلاغة وروح الفنّ .
وإليك مثلاً لهذا خطبة الجهاد المشهورة ، وقد خطب الإمام بها الناس لمّا أغار سفيان بن عوف الأسدي على مدينة الأنبار بالعراق وقتل عامله عليها :
(( هذا أخو غامدٍ قد بغلت خيلُه الأنبار وقتل حسّان بن حسّان البكري وأزال خيلكم عن مسالحها وقتل منكم رجالاً صالحين .
وقد بلغني أّنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، والاُخرى المعاهدة ، فينزعُ حِجلَها ، وقُلبها ، ورِعاثَها ، ثمّ انصرفوا وافرينَ ما نال رجلاً منهم كلمٌ ، ولا أريق لهم دم ، فلو أنّ أمراً مسلماً مات من بعد هذا أسَفاً ، ما كان به مَلوماً ، بل كان به عندي جديراً.
فيا عجباً ، والله ِ يميت القلبَ ويجلب الهمّ اجتماعُ هؤلاء على باطلهم وتفرتقكم عن حقّكم .
فقبحاً لكم حين صرتم غرضاً يُرمى : يُغارعليكم ولا تغيرون ، وتُغزَون ولا تَغزون ، ويُعصي الله وترضون)) .
فانظرإلى مقدرة الإمام الفنّية في هذه الكلمات الموجزة.
فإنه تدرّج في إثارة شعور سامعيه حتّى وصل بهم إلى ما يصبو إليه.
وسلك إلى ذلك ريقاً تتوفّر فيه بلاغة الأداء وقوة التأثير، فإنّه أخبرَ قومه بغزو سفيان بن عوف على الأنبار وفي ذلك ما فيه من عار يلحق بهم، ثمّ أخبرهم بأنّ هذا المعتدي إنّما قتل عامل أميرالمؤمنين في جملة من قتل ، وبأنّ هذا المعتدي لم يكتفِ بذلك فأغمد سيوفه في نحورٍ كثيرة من رجالهم وأهليهم .
وفي الفقرة الثانية من الخطبة توجّه الإمام إلى مكان الحميّة من السامعين، إلى مثارالعزيمة والنخوة من نفس كلّ عربّي ، وهو شرف المرأة.
وعليّ يعلم أنّ من العرب من لا يبذل نفسه إلّا للحفاظ على سمعةِ امرأةٍ وعلى شرف فتاة ؛ فإذا هو يعنّف هؤلاء القوم على القعود دون نصرة المرأة التي استباح الغزاة حماها ثمّ انصرفوا آمنین ، ما نالتْ رجلاً منهم طعنةٌ ولا أريق لهم دم َ !
ثمّ أنّه أبدى ما في نفسه من دهش وحيرة من أمرٍغريب : فإنّ أعداءَه يتمسكون بالباطل فيناصرونه ، ويدينون بالشرّ فيغزون الأنبار في سبيله ، فيما يقعد أنصاره حتّى عن مناصرة الحقّ فينخذلونه ويفشلون عنه !
ومن الطبيعيّ أن يغضب الإمام في مثل هذا الموقف، فإذا بعبارته تحاًمل كلّ ما في نفسه من الغضب ، فتأتي حارّةً شديدهً مسجّعة مقطعة ناقمة : فقبحاً لكم حين صرتُم غرضاً يُرمى : يُغارعليكم ولا تغيرون ، وتُغزَون ولا تَغزُون، ويُعصي الله وترضون!
والخطباء في العرب كثيرون؛ والخطابة من فنونهم الأدبية التي عرفوها في الجاهلية والإسلام ولا سيّما في عصرالنبي والخلفاء الراشدين لَما كان لهم بها من حاجة .
أما خطيب العهد النبويّ الأكبر فالنبيّ لا خلافَ في ذلك .
أما في العهد الراشدي ، وفيما تلاه من العصور العربية قاطبةً فإنّ أحداً لم يبلغ ما بلغ إليه عليّ ابن أبي طالب في هذا النحو.
فالنطق السهل لدى الإمام كان من عناصر شخصيته؛وكذلك البيان القويّ بما فيه من عناصرالطبع والصناعة جميعاً .
ثمّ أنّ الله يسّر له العدّة الكاملة لِما تقتضيه الخطابة من مقوّمات اُخرى على ما مرّ بنا .
فقد ميّزه الله بالفطرة السليمة،والذوق الرفيع ، والبلاغة الآسرة،ثمّ بذخيرةِ من العلم انفرد بها عن أقرانهِ ، وبحجّةٍ قائمة، وقوة إقناعِ دامغة، وعبقريةٍ في الارتجال نادرة .
أضف إلى ذلك صدقه الذي لا حدود له وهو ضرورةٌ في كلّ خطبة ناجحة .
وتجاربه الكثيرة المريرة التي كشفت لعقله الجبارعن طبائع الناس وأخلاقهم وصفات المجتمع ومحرّكاته ، ثمّ تلك العقيدة الصلبة التي تصعب مداراتها .
وذلك الألم العميق الممزوج بالحنان العميق، وبطهارة القلب وسلامة الوجدان وشرف الغاية.
وإنّه لمن الصعب أن نجد في شخصيات التاريخ من اجتمعتْ لديه كلّ هذه الشروط التي تجعل من صاحبها خطيباً فذّاً،غيرعليّ بن أبي طالب .
وماعليك إلّا استعراض هذه الشروط، ثمّ استعراض مشاهيرالخطباء في العالمين الشرقي والغربي ،لكي تدرك أنّ قولنا هذا صحيح لا غلوّ فيه.
وابن أبي طالب على المنبر رابط الجأش شديد الثقة بنفسه وبعدل القول،ثمّ أنّه قويّ الفراسة سريع الإدراك يقف على دخائل الناس وأهواء النفوس وأعماق القلوب،زاخرٌ جنانُهُ بعواطف الحرية والإنسانية والفضيلة، حتّى إذا انطلق لسانه الساحر بما يجيش به قلبه أدرك القومَ بما يحرك فيهم الفضائل الراقدة والعواطف الخامدة .
أما إنشاؤه الخطابي فلا يجوز وصفه إلّا بأنّه أساسّ في البلاغة العربية .
يقول أبوالهلال العسكري صاحب ((الصناعتين)) : ((ليس الشأن في إيراد المعاني – وحدها – وإنّما هو في جودة اللفظ ، أيضاً ، وصفائه وحسنه وبهائه ونزاهته ونقائه وكثرة طلاوته ومائه مع صحّة السبك والتركيب والخلوّ من أود النظم والتأليف .
من الألفاظ ما هو فخمٌ كأنّه يجرّ ذيول الأرجوان أنفةُ وتيهاً .
ومنها ما هو ذو قعقعةٍ كالجنود الزاحفة في الصفيح .
ومنها ما هو كالسيف ذي الحدّين .
ومنها ما هو كالنقاب الصفيق يٌلقى على بعض العواطف ليستر من حدّتها ويخفّف من شدّتها.
ومنها ما له وميض البرق .
ومنها ما له ابتسامة السماء في ليالي الشتاء!
من الكلام ما يفعل كالمقرعة وهو كلام الانتقاد والتنديد .
ومنه ما يجري كالنبع الصافي وهو المعدّ للرضا والغفران .
ومنه ما يضيء كالشهاب وهوكلام التعظيم ، كذلك من الكلام ما ليس له طابع خاص فيؤتى به لتقوية الجملة ودعم المعنى فهو يلائم كلّ حال)) .
كلّ ذلك ينطبق على خطب الإمام علي في مفرداتها وتعابيرها،هذا بالإضافة إلى أنّ الخطبة تحسن إذا انطبعت بهذه الصفات اللفظية على رأي صاحب الصناعتين؛ فكيف بها إذا كانت، كخطب ابن أبي طالب ، تجمع روعة هذه الصفات في اللفظ إلى روعة المعنى وقوّته وجلاله !
وإليك ما جاء في فصلٍ سابقاً لنا من هذا الكتاب تحت عنوان ((الضميرالعملاق)) بصدَد بيان الإمام عليّ ، لا سيّما ما كان منه في خطبه :
نهجُ البلاغة آخذٌ من الفكر والخيال والعاطفة آیاتٍ تتصل بالذوق الفنّي الرفيع ما بقي الإنسان وما بقي له خيال وعاطفة وفكر؛ مترابط بآياته متساوق؛متفجربالحس المشبوب والإدراك البعيد، متدفّق بلوعة الواقع وحرارة الحقيقة والشوق إلى معرفة ما وراء هذا الواقع؛متآلف يجمع بين جمال الموضوع وجمال الإخراج حتّى ليندمج التعبيربالمدلول ،أوالشكل بالمعنى،اندماج الحرارة بالنار والضوء بالشمس والهواء بالهواء ؛ فما أنت إزاءَه إلّا ما يكون المرء قبالةَ السيل إذ ينحدر والبحر إذ يتموّج ، والريح إذ تطوف .
أو قبالةَ الحَدَثِ الطبيعي الذي لابدّ أن يكون بالضرورة على ما هو كائنٌ عليه من الوحدة لا تفرّق بين عناصرها إلّا لتمحو وجودها وتجعلها إلى غيركوْن !
بيانٌ لو نطق بالتقريع لا نقضّ على لسان العاصفة انقضاضاً !
ولو هدّد الفساد والمفسدين لَتفجّر براكينَ لها أضواء وأصوات !
ولو أنبسط في منطقٍ لخاطب العقول والمشاعرفأقفل كلّ باب على كلّ حجّة غيرما ينبسط فيه ! ولودعا إلى تأملٍ لرافق فيك منْشأً وأصل التفكير، فساقك إلى ما يريده سَوْقاً، ووصَلَكَ بالكون وصْلاً ، ووحّد فيك القوى للاكتشاف توحيداً .
وهو لو راعاك لأدركت حنان الأب ومنطق الأبوّة وصدق الوفاء الإنساني وحرارة المحبة التي تبدأ ولا تنتهي !
أما إذا تحدّث إليك عن بهاء الوجود وجمالات الخلق وكمالات الكون ، فإنّما يكتب على قلبك بمدادٍ من نجوم السماء !
بيانُ هو بلاغةُ من البلاغة ، وتنزيلٌ من التنزيل .
بيان اتّصل بأسباب البيان العربي ما كان منه وما يكون ، حتّى قال أحدهم في صاحبه : إنّ كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق [١٤] .
وقال أيضاً : ... أمّا الخيال في (( نهج البلاغة)) فمديدٌ وسيع خفّاق الجوانح في كلّ أفق ! وبفضل هذا الخيال القوي ، الذي حُرم منه كثيرمن حكماء العصور ومفكرّي الأٌمم ، كان عليّ يأخذ من عقله وتجاربه المعاني ذات الموضوعية الخالصة ، ثمّ يطلقها زاهيةُ متحركة في إطار تثبت على جنباته ألوانُ الجمال على أروع ما يكون اللون .
فالمعنى ، مهما كان عقليّاً جافاً ،لا يمرّ بمخيّلة عليّ حتّى تنبت له أجنحةٌ تقضي فيه على صفة الجمود وتُبلوِرُ ما فيه من حقيقة .
فخيال الإمام عليّ هو نموذج للخيال العبقريّ الذي يقوم على أساسِ من الواقع العميق ، فيحيط بهذا الواقع ويبرزه ويجلّيه ، ويجعل له امتداداتٍ من معدنه وطبيعته، ويصبغه بألوانٍ كثيرة من مادّته ولونه .
فإذا الحقيقة تزداد وضوحاً وإذا بطالبها يقع عليها أو تقع عليه !
وقد تميّزالإمام بقوة ملاحظة نادرة ،ثمّ بذاكرةٍ واعية تخزن وتتّسع .
وقد مرَّ من أطوار حياته بعواطفّ جرّها عليه حقدُ الحاقدين ومكرالماكرين، ومرّ منها كذلك بعواطف كريمة أحاطه بها وفاءُ الطيّبين وإخلاص المخلصين .
فتيسّرت له من ذلك جميعاً عناصرُ قوية تغذّي خياله المبدع .
فإذا بها تتعاون في خدمة هذا الخيال وتتساوق في لوحاتٍ رائعة حيّة، شديدة الروعة والحيوية، تتركّزعلى واقعيةٍ عميقة وتمتدّ لها فروعٌ وأغضان، ذات أوراق وأثمار!
ومن ثمّ يمكنك،إذا شئت،أن تحوّل عناصرالخيال القويّ في (( نهج البلاغة)) إلى رسومِ مخطوطة باللون، لشدّة واقعيتها واتسّاع مجالها وامتداد أجنحتها وبروز خطوطها .
ألا ما أروع خيالَ الإمام إذ يخاطب أهل البصرة وكان بنفسه ألمُ منهم بعد موقعة الجمل، قائلاً: (( لَتَغرِقَنّ بلدتُكم حتّى كأنيّ أنظرُ إلى مسجدها كجؤجؤ طير في لجّة بحر)) .
أو في مثل هذا التشبيه الساحر: (( فِتَنٌ كِقِطَع الليل المظلم)).
أو هذه الصورة المتحركة : ((وإنّما أنا كقطب الرحى : تدورعليّ وأنا بمكاني)).
أو هذه اللوحة ذات الجلال التي يشبّه فيها امتدادات بيوت أهل البصرة بخراطيم الفيّلة، وتبدو له شرفاتهن كأنّها أجنحة النسور:((ويلُ لسِكَكِكم العامرة،والدورالمزخرفة التي لها أجنحةُ كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم الفّيلة)).
أمّا النظرية الفنّية القائلة بأنّ كلّ قبيح في الطبيعة يصبح جميلاً في الفنّ ، فهي إن صحّت فإنّما الدليلُ عليها قائمٌ في حديث ابن أبي طالب عن سكان القبور.
فما أهوّلَ الموتَ وما أبشعَ وجهه ؛ وما أروع كلام ابن أبي طالب فيه وما أجمل وقعه .
فهو قولُ آخذُ من العاطفة الفيّاضة نصيباً كثيراً ، ومن الخيال الخصيب نصيباً أوفر.
فإذا هو لوحةُ من لوحات الفنّ العظيم لا تدانيها لوحات عباقرة الفنون في أوروبا ساعة صوّروا الموت وهوله لوناً ونغماً وشعراً .
فبعد أنْ يُذكّرعليّ الأحياء بالموت ويقيم العلاقة بينهم وبينه ، يطلق في أذهانهم هذه الصورة الرائعة التي يأمر بها العقل، وتشعلها العاطفة ، ويجسّم الخيالُ الوثّابُ عناصرها ، ثمّ يعطيها هذه الحركاتِ المتتابعةَ وهي بين عيونٍ تدمع وأصواتٍ تنوح وجوارح تئنّ، قائلا:((وأنّما الأيّام بينكم وبينهم بواكٍ ونوائح عليكم)) .
ثمّ يعود فيطلق لعاكفته وخياله العنانَ فإذا بهما يُبدعان هذه اللوحةَ الخالدة من لوحات الشعرالحيّ: ((ولكنّهم سُقُوا كأساً بدّلتْهم بالنُّطق خَرَساً ، وبالسمع صمّماً ، بالحركات سكوناً .
فكأنّهم في ارتجال الصّفة صرعى يُبات. جيرانٌ لا يتآنسون ، وأحبّاء لا يتزاورون . بَلِيتْ بينهم عُرى التعارف ، وانقطعت منهم أسباب الأخاء . فكلّهم وحيدٌ وهُمْ جميعٌ ، وبجانب الهجر وهم أخلّاء لا يتعارفون الليلٍ صباحاً، ولا لنهارٍ مساءً. أيَ الجديديّن ظّعنُوا فيه كان عليهم سَرْمَداً)) .
فهل أيت إلى هذا الإبداع في تصويرهول الموت ووحشة القبروصفة سكانه فقوله : ((جيران لا يتآنسون وأحبّاء لا يتزاورون)) .
ثمّ هل فطنت إلى هذه الصورة الرهيبة لأبدية الموت التي لا ترسمها إلّا عبقرية عليّ: أيّ الجديدين ظَعَنوا فيه كان عليهم سَرْمداً ؟)) ومثل هذه الروائع في (( النهج)) كثير.
هذا الذكاء وهذا الخيال في ((نهج البلاغة)) يتّحدان اتحاد الطبيعة بالطبيعة مع العاطفة الشديدة التي تمدّها بوهج الحياة.
فإذا الفكرة تتحرك وتجري في عروقها الدماءُ سخّية حارة .
وإذا بها تخاطب فيك الشعورَ بمقدار ما تخاطب العقلَ لانطلاقها من العقل الذي تمدّ العاطفة بالدفء.
وقد يصعب على المرء أن يعجب بأثرمن آثار الفکر أو الخيال في ميادين الأدب وسائرالفنون ، إن لم تكن للعاطفة مشاركةٌ فعّالة في انتاج هذا الأثر.
ذلك أنّ المركّب الإنساني لا يرضيه ، طبيعياً ، إلّا ما كان نتاجاً لهذا المركّب .
وهذا الأثر الأدبي الكامل ، هو ما نراه في نهج البلاغة .
وإنّك لتحسّ نفسك مندفعاً في تيّار جارف من حرارة العاطفة بسائرألوانها وأنت تسير في نهج البلاغة من مكان إلى آخر.
أفلا يشيع في قلبك الحنان والعطف شيوعاً وأنت تصغي إلى الإمام يقول:((لو أحبّني جبلٌ لتهافت)) .
أو:(( لا رأي لم لا يطاع!)) .
أو:(( دعوني والتمسوا غيري)).
أو: (( يادنيا غرّي غيري!)) .
أو في هذا القول الموجزالزاخر بالحنان : ((فقْدُ الأحبّة غرب)) .
أو في قوله: ((اللهم إنّي استعديك على قريش، فإنّهم قد قطعوا رحمي واكفأوا إنائي ، وقالوا: ألا إنّ في الحق أن نأخذه وفي الحق أن تمنعه، فاصبرمغموماً أو متْ متأسفاً . فنظرتُ فإذا ليس لي رافدٌ ولا ذابّ ولا مساعدٌ إلّا أهل بيتي !)) .
وإليك هذا الجمال في العاطفة ، وهذه القوة في كلامٍ له عند دفن السيّدة فاطمة ، ويخاطب به ابن عمه الرسول :
((السلام عليك يا رسول الله عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللحاق بك !
قَلّ، يا رسول الله،عن صفيّتك صبري ، ورقّ عنها تجلّدي ، إلّا أنّ لي في التأسّي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك ، موضع تعَزّ؟)) .
ومنه : ((أمّا حزني فسرْمد، وأما ليلي فمسّهد، إلى أن يختارالله لي دارك التي أنت بها مقيم!)) ثمّ إليك هذا الخبر:
روى أحدهم عن نوف البكالي بصدد إحدى خطب الإمام عليّ قال :
خطبّنا هذه الخطبة بالكوفة أميرُالمؤمنين عليه السلام ، وهو قائم على حجارة نصبَها له جعدة بن هبيرة المخزومي ، وعليه مدرعة من صوف، وحمائل سيف ليف، وفي رجليه نعلان من ليف، فقال عليه السلام ، في جملة ما قال :
((ألا إنّه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلاً، وأقبل منها ما كان مدبراً،وأزمع الترحالَ عبادُ الله الأخيار؛وباعوا قليلاً من الدنيا لا يبقى بكثيرمن الآخرة لا يفني! ما ضرّ إخواننا الذين سُفكت دماؤهم وهم بصفّين إلّا يكونوا اليوم أحياء يُسيغون الغصَص،ويشربون الرنِق؟! قد، والله لقوالله فوفّاهم اجورهم وأحلّهم دارالأمن بعد خوفهم! أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمّار؟ وأين ابن التّيّهان؟ وأين ذوالشهادتين؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدواعلى النيّة؟)) .
قال: ثمّ ضرب بيده على لحيته الشريفة فأطال البكاء!
وأخبر ضرار بن حمزة الضابئ قال: فأشهد لقد رأيته - يقصد الإمام - في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في ظلامه قابض على لحيته يتململ ويبكي بكاء الحزين ويقول: ((يا دنيا يا دنيا إليكِ عني! أبي تعرّضتِ ؟ أم إليّ تشوّفتِ ؟ لا حان حينك، هيهات؟ غرّي غيري ،لاحاجة لي فيك، طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها ! فعيشكِ قصير، وخطرك يسير،وأملك حقيرَ! آه من قلّة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد!)).
هذه العاطفة الحارة الشريفة التي عرفها الإمام في حياته، تواكبه أنّى اتّجه في ((نهج البلاغة)) حيث سار.
تواكبه في ما يحمل على الغضب والسخط، كما تواكبه في ما يثيرالعطف والحنان .
حتّى إذا رأى تخاذل أنصاره عن مسانده الحقّ فيما يناصرالآخرون الباطل ويحيطونه بالسلاح والأرواح،تألّم وشكا،ووبَخ وأنّب، وكان شديداً قاصفاً، مزمجراً، كالرعد في ليالي الويل ! ويكفيك أن تقرأ خطبة الجهاد التي تبدأ بقوله :
((أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم ، كلامكم يوهي الصمّ الصلاب الخ )).
لتدرك آیة عاطفة متألمة متوجعة ثائرة هي تلك التي تمدّ هذه الخطبة ينبْض الحياة وجيشانها ! [١٥] .
ميخائيل نعيمة : إنّ علياً لمن عمالقة الفكر والروح والبيان في كلّ زمان ومكان .
وقال أيضاً : إنّه – من بعد النبي صلى الله عليه وآله – سیّد العرب على الإطلاق بلاغة وحكمة وتفهماً للدين وتحمساً للحق [١٦] .
جبران خليل جبران : أمّا بلاغة الإمام علي فإنّها النور ذوالمناهج والطرق التي تاه عنها العرب فلم يفهومها ومنهم من آثروا عليها ظلمات أيامهم يتيهون في شعابها رجوعاً إلى الجاهلية واتصالاً بمن تمثل بهم الجاهلية من سماسرة المنافع وتجارالأعناق [١٧] .
وقال أيضاً : إنّ تاج لويس الرابع عشر مع ما رصع به من كرائم الأحجار وغوالي اللآلئ لا يعدل في ميزان الحقيقة نعل الإمام علي التي قال لابن عبّاس عنها ما قال [١٨] .
محمّد محيي الدين : وهو الكتاب الذي جمع بين دفتيه عيون البلاغة وفنونها وتهيأت به للناظر فيه أسباب الفصاحة ودنا قطافها [١٩] .
مرشلوس – في المجلّد الأوّل في كتابه رحلة إلى الشرق - : اللغة العربية هي الأغنى والأفصح والأكثر والألطف وقعاً بين سائر لغات الأرض بتراكيب أفعالها تتبع طيران الفكر وتصوره بدقة وبأنغام مقاطعها الصوتية ، تقلّد صراخ الحيوانات ورقرقة المياه الهاربة وعجيج الرياح وقصف الرعد، أمّا هذه اللغة....فإنّك واجدٌ أُصولها وفروعها وجمال ألوانها وسحر بيانها في أدب الإمام علي [٢٠] .
هبة الدين الشهرستاني : لقد حاورني ببغداد سنة ١٣٢٨ هـ رئيس كتّاب القنصلية البريطانية (نرسيسيان) من فضلاء الأرمن زاعماً تفوق البلاغة على كلّ كلام عربي لكثرة ما فيه من السهل الممتنع الذي لا يوجد في سواه وانقياد الأسجاع الصعاب فيه بلا تكلف واستشهد بقوله عليه السلام : أم هذا الذي أنشاه في ظلمات الأرحام... وبصراً لاحظاً [٢١] .
معجباً بحسن التسجيع وكيف يجري الروي كالماء السلسال على لسان الإمام عليه السلام ثمّ قال : ولو كان يرقى هذا الخطيب العظيم منبرالكوفة في عصرنا هذا لرأيتم مسجدها على سعته يتموج بقبعات الإفرنج للاستسقاء من بحر كلمه الزاخر.
خامساً : أثرنهج البلاغة في الأدب العربي
نهج البلاغة هذا الكتاب التراثي الضخم ،والبحرالزاخر في شتى المجالات والجوانب يحوي على مختلف الثقافات والأفكارالقيمة والمثل العلياء والنبل الحميدة هذا من جانب، وعلى الثروة اللغوية والأدبية والبلاغية من جانب آخر.
فالبلاغة تزخر في قلب قائلها عليه السلام وتتدفق على لسانه ،وكيف لا،وهو ارتضع من فم الرسالة المحمّدية .
وكان منذ نعومة أظفاره ينهل منها، فتعلم الكثير،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله :((أنا مدينة العلم وعلي بابها)) وأنّ هذا الشعارالذي رفعه النبي صلى الله عليه وآله قد تحقّق،فكان الإمام علي عليه السلام سيّد البيان وعملاق الفصاحة وأميرالأدب وعبقري البلاغة.
فقد اتخذ الإمام عليه السلام أُسلوباً بلاغياً وطريقاً خاصّاً لم يسبقه أحد من قبل ، فعبارته انسيابية تناسب كلماء كما عبرعنها ابن بي الحديد ، وكلامه كما قالوا : فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ، وها هم الأدباء والكتّاب والشعراء قد أخذوا من كلماته وحكمه وضمونها في كتاباتهم وأشعارهم، ومن هؤلاء شاعرالعرب الكبير أبي الطيب المتنبي حيث يقول :
كذا الدنيا على من كان قبلي ***** صروف لم يدُمنَ عليه حالا
وهذا مأخوذ من خطبته في صفة الدنيا عليه السلام : دار بالبلاء محفوفة...إنّكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم [٢٢] .
وقوله أيضاً :
إذا أنت أكرمت الكريم مكلته ***** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
وهذا مأخوذ من قوله عليه السلام : احذروا صولة الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع [٢٣] .
وقول أبي العتاهية :
إنّما الدهرأرقم ليّن ***** المسّ وفي نابه السنام العُقام
وهذا مأخوذ من قوله عليه السلام : مثل الدنيا كمثل الحية لين مسها والسم الناقع في جوفها يهوي إليها الغِرالجاهل ويحذرها ذو اللب العاقل [٢٤] .
وقوله أيضاً :
لدوا للموت وابنوا للخراب ***** فكلكم يصيرإلى تراب
وهذا مأخوذ من قوله عليه السلام : إنّ ملكاً ينادي في كلّ يومٍ : لدوا للموت ، واجمعوا للفناء ، وابنوا للخراب [٢٥].
وقول الطغرائي :
الجود والإقدام في فتيانهم ***** والبخل في الفتيات والإشفاق
والطعن في الأحداق رماتهم ***** والراميات سهاماً الأحداقُ
وهذا مأخوذ من قوله عليه السلام : خيار خصال النساء شرارخصال الرجال [٢٦] .
وكقول بعض الشعراء :
تفني اللذاذة ممن نال بغيته ***** من الحرام ويبقى الإثم والعارُ
تبقي عوقب سوء في مغبتها ***** لا خيرفي لذة من بعدها النارُ
وهذا مأخوذ من قوله عليه السلام : شتان بين عملين : عمل تذهب لذته وتبقى تبعته وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره [٢٧] .
وقول الحسن البصري في إحدى خطبه : رحم الله أمراً كسب طيباً... قوماً كانوا إذا جنَّهم اللّيل، فقيام على أطرافهم ، يفترشون وجوههم، تجري دموعهم على خُدودهم، يناجون مولاهم في فكاك رقابهم [٢٨] .
وهذه العبارات في الخطبة مأخوذة من قول الإمام علي عليه السلام ((أمّأ اللّيل فصافّون
أقدامهم... مفترشون لجباهم وركبهم وأطراف أقدامهم، يطلبون إلى الله فكاك رقابهم)) [٢٩] .
وقد قال الشريف المرتضى: كان الحسن البصري بارع الفصاحة، بليغ المواعظ كثيرالعلم، وجميع كلامه في الوعظ،وذمّ الدنيا أو جلّه مأخوذ لفظاً ومعنىّ،أو معنىّ دون لفظ من كلام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فهوالقدوة والغاية [٣٠] .
وهذا غيضٌ من فيض ،وصدق مرشلوس حين قال : أمّا هذه اللغة (العربية))...
فإنّك واجدٌ أُصولها وفروعها وجمال ألوانها وسحر بيان في أدب الإمام علي .
------------------------------------------------------------------------------------
[١] . نقلاً من كتاب من أروع ما قاله الإمام علي عليه السلام : ص ٦ .
[٢] . البيان والتبيين : ج ١ ص ٨٣ .
[٣] . شرح ابن أبي الحديد : ج ١ ص ٢٨ .
[٤] . مطالب السؤول : ص ١٣٥ .
[٥] . المصدرالسابق : ص ٢٠٥ .
[٦] . شرح بن أبي الحديد : ج ١ ص ٢٨ .
[٧] . نهج البلاغة : مقدمة الشريف الرضي ص ٨ .
[٨] . تذكرة الخواص : ص ١١٣ .
[٩] . الطراز : ص ١٦٠ .
[١٠] . الطراز : ص ١٨٣ .
[١١] . نهج البلاغة لمحمد عبده : مقدمة الكتاب ص ٤ .
[١٢] . الثواقب : المنيرة المشرقة .
[١٣] . سراجاً مستطيراً : منتشرالضياء ، ويريد به الشمس .
[١٤] . الإمام علي صوت العدالة الإنسانية : ص ٣١٧ – ٣٢٢ .
[١٥] . الإمام علي صوت العدالة الإنسانية : ص ٣٠٤ – ٣٠٨ .
[١٦] . الإمام علي صوت العدالة الإنسانية : ص ٣٦٥ .
[١٧] . المصدر السابق : ص ٣٦٣ .
[١٨] . مصادر نهج البلاغة : ج ١ ص ٤٢٢ .
[١٩] . استناد نهج البلاغة : ص ٨ .
[٢٠] . نقلاً عن كتاب الإمام علي صوت العدالة الإنسانية : ص ٣٢٤ .
[٢١] . ما هونهج البلاغة : ص ٤ .
[٢٢] . الخطبة رقم ٢٢٦ .
[٢٣] . الحكمة رقم ٤٩ .
[٢٤] . الحكمة رقم ١٢٠ .
[٢٥] . الحكمة رقم ١٣٢.
[٢٦] . الحكمة رقم ٢٣٤ .
[٢٧] . الحكمة رقم ١٢١ .
[٢٨] . جمهرة الخطب : ج ٢ ص ٤٨ .
[٢٩] . الخطبة رقم ١٩٣ .
[٣٠] . أمالي المرتضى ج١ : ص ١٥٣
إنتهى .
مقتبس من كتاب من بلاغة الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة (دراسة وشرح لأهم الصور البلاغية) – عادل حسن الأسدي