السيد الحسيني
بسم الله الرحمن الرحيم
لا اخفيكم سراً وعن نفسي لم اسمع بهذا الكلام ولم اقرأ " بعد التأمل فيه اولا وفهم معانيه ومغازيه ثانيا " واعتقد اني لن اسمع بنظيره الى قيام الساعة والله يخجل الانسان من الكتابة والحديث بعد ان يقرأ هذه الكلمات ويقول في نفسه ابقي كلام بليغ يتكلم به الانسان ؟...
يمكن القول عن النهج بشكل عام وامثال هذه الخطب بشكل خاص ما قاله الفلاسفة عن الكون " ليس في الامكان ابدع مما كان " يمكنني ان اقول :
ليس في الامكان ولا بمقدور الممكنات إنشاء كلام اقوى واتقن واروع مما صدر من مولانا امير المؤمنين ...بل ولا يضاهيه .
ونسبة كلامه صلوات الله عليه الى كلام سائر الناس هي كنسبة كلام الله تعالى الى كلام المخلوقين وعظمة كلام الله تاتي من عظمة ذاته المقدسة . وكذلك عظمة كلامه صلوات الله عليه من عظمة ذاته سلام الله عليه .. وعظمة ذاته هي نفس عظمة سيد الخلق اجمعين محمد صلى الله عليه واله بنص القرآن الكريم فكلامه سلام الله عليه فوق كلام المخلوقين ودون كلام الخالق.. ماذا اقول عنك وعن كلامك المقدَسَينٍ ؟
الواقع لا املك الا الخجل من الكتابة حين اقرأ كلامك .. سلام عليك يا قطب دائرة الامكان وسر الوجود بمراتبه ..
وصية بسيطة قبل قراءة الخطبة:
اليكم سادتي كلام الامير في نهجه المقدس ولكني اوصي نفسي واوصيكم قبل ذكر النص بان تقرأوا النص قراءة متأنية وبتأمل .. ولا باس بتكراره اذ قد تفوتنا بعض مراميه بسبب الغفلة فنتداركها بالتكرار .. ولا يظنن احد انه يقرأ كلاما ككلامي اوكلام امثالي حتى يكتفى بالقراءة السريعة ويمر عليها مرور الكرام .. فالنص الهي بلا شك ولا يمكن ان يستوعبه للوهلة الاولى عقلي البسيط الا بعد التامل ..
اليكم ساداتي الكرام النص ..
ومن خطبة له عليه السّلام خطبها بصفين ...
أمّا بعد، فقد جعل اللّه لى عليكم حقّا بولاية أمركم، ولكم علىّ من الحقّ مثل الّذى لى عليكم، فالحقّ أوسع الأشياء فى التّواصف وأضيقها فى التّناصف، لا يجرى لأحد إلّا جرى عليه، ولا يجرى عليه إلّا جرى له.
ولوكان لأحد أن يجرى له ولا يجرى عليه لكان ذلك خالصا للّه سبحانه دون خلقه، لقدرته على عباده، ولعدله فى كلّ ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنّه جعل حقّه على العباد أن يطيعوه وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثّواب تفضّلا منه وتوسّعا بما هومن المزيد أهله ثمّ جعل- سبحانه- من حقوقه حقوقا افترضها لبعض النّاس على بعض، فجعلها تتكافأ فى وجوهها، ويوجب بعضها بعضا، ولا يستوجب بعضها إلّا ببعض. وأعظم ما افترض- سبحانه- من تلك الحقوق حقّ الوالى على الرّعيّة، وحقّ الرّعيّة على الوالى، فريضة فرضها اللّه- سبحانه- لكلّ على كلّ، فجعلها نظاما لألفتهم، وعزّا لدينهم فليست تصلح الرّعيّة إلّا بصلاح الولاة، ولا يصلح الولاة إلّا باستقامة الرّعيّة، فإذا أدّت الرّعيّة إلى الوالى حقّه، وأدّى الوالى إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدّين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السّنن، فصلح بذلك الزّمان، وطمع فى بقاء الدّولة، ويئست مطامع الأعداء.
وإذا غلبت الرّعيّة واليها، أوأجحف الوالى برعيّته، اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر الادغال فى الدّين، وتركت محاجّ السّنن، فعمل بالهوى، وعطّلت الأحكام وكثرت علل النّفوس، فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل، ولا لعظيم باطل فعل فهنالك تذلّ الأبرار، وتعزّ الأشرار، وتعظم تبعات اللّه عند العباد، فعليكم بالتّناصح فى ذلك وحسن التّعاون عليه، فليس أحد- وإن اشتدّ على رضا اللّه حرصه، وطال فى العمل اجتهاده- ببالغ حقيقة ما اللّه أهله من الطّاعة [له] ولكن من واجب حقوق اللّه على العباد النّصيحة بمبلغ جهدهم، والتّعاون على إقامة الحقّ بينهم، وليس امرؤ- وإن عظمت فى الحقّ منزلته، وتقدّمت فى الدّين فضيلته- بفوق أن يعان على ما حمّله اللّه من حقّه، ولا امرؤ- وإن صعّرته النّفوس، واقتحمته العيون- بدون أن يعين على ذلك، أويعان عليه. . .
فأجابه عليه السلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه ويذكر سمعه وطاعته له، فقال عليه السلام:
إنّ من حقّ من عظم جلال اللّه فى نفسه، وجلّ موضعه من قلبه، أن يصغر عنده- لعظم ذلك- كلّ ما سواه، وإنّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعمة اللّه عليه، ولطف إحسانه إليه، فإنّه لم تعظم نعمة اللّه على أحد إلّا ازداد حقّ اللّه عليه عظما، وإنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح النّاس أن يظنّ بهم حبّ الفخر، ويوضع أمرهم على الكبر، وقد كرهت أن يكون جال فى ظنّكم أنّى أحبّ الإطراء، واستماع الثّناء، ولست- بحمد اللّه- كذلك، ولوكنت أحبّ أن يقال ذلك لتركته انحطاطا للّه سبحانه عن تناول ما هوأحقّ به من العظمة والكبرياء، وربّما استحلى النّاس الثّناء بعد البلاء، فلا تثنوا علىّ بجميل ثناء لإخراجي نفسى إلى اللّه وإليكم من التّقيّة فى حقوق لم أفرغ من أدائها، وفرائض لا بدّ من إمضائها، فلا تكلّمونىبما تكلّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّى بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطونى بالمصانعة، ولا تظنّوا بى استثقالا فى حقّ قيل لى، ولا التماس إعظام لنفسى، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له أوالعدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ، أومشورة بعدل، فإنّى لست فى نفسى بفوق أن أخطىء، ولا آمن ذلك من فعلى إلّا أن يكفى اللّه من نفسى ما هوأملك به منّى، فإنّما أنا وأنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره: يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا ممّا كنّا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضّلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى.