العلامة المجلسي (قدس سره)
٤٨ ـ عم : من معجزاته ما اشتهرت به الرواية أنه عليه السلام خطب فقال في خطبته : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله ما تسألوني عن فئة تضل مائة أوتهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة ، فقام إليه رجل فقال : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟!
فقال عليه السلام : لقد حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله بما سألت عنه ، وإن على كل طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك ، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزك ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وآية ذلك مصداق ما خبرتك به ، ولولا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لاخبرت به ، ولكن آية ذلك ما نبأنه من سحلك الملعون ، وكان ابنه في ذلك الوقت صغيرا يحبو، فلما كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان ، تولى قتله وكان كما قال [١].
أقول : روى نحوذلك ابن أبي الحديد من كتاب الغارات لابن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار ، عن فضيل ، عن محمد بن علي ، وقال : في آخره : وهوسنان بن أنس النخعي [٢].
٤٩ ـ يل ، فض : عن ابن عباس قال أمير المؤمنين عليه السلام : علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم ، ففتح لي كل باب ألف مسألة ، قال : فبينما أنا معه بذي قار وقد أرسل ولده الحسن عليه السلام إلى الكوفة ليستفز [٣] أهلها ويستعين بهم على حرب الناكثين من أهل البصرة ، قال لي : يا ابن عباس ، قلت : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : سوف يأتي ولدي الحسن في هذا اليوم ومعه عشرة آلاف فارس وراجل ، لا ينقص واحدا ولا يزيد واحدا ، قال ابن عباس : فلما وصل الحسن عليه السلام بالجند لم يكن لي همة إلا مسألة الكاتب : كم كمية الجند ، قال لي : عشرة آلاف فارس وراجل لا ينقص واحدا ولا يزيد واحدا ، فعلمت أن ذلك العلم من تلك الابواب التي علمه بها رسول الله صلى الله عليه وآله [٤].
وقال أمير المؤمنين عليه السلام لما بايعه الملعون عبدالرحمن بن ملجم لعنه الله قال له : تالله إنك غير وفي ببيعتي ، ولتخضبن هذه من هذا ـ وأشار بيده إلى كريمته وكريمه ـ فلما أهل شهر رمضان جعل يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين عليهماالسلام فلما كان بعض الليالي قال : كم مضى من رمضان؟ قالا له : كذا وكذا ، فقال لهما عليهماالسلام : في العشر الاخير تفقدان أبيكما ، فكان كما قال [٥] عليه السلام .
ومن فضائله التي خصه الله بها أنه وفد إليه المغيرة بن شعبة وهو قائم يصلي في محرابه ، فسلم عليه فلم رد عليه السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين اسلم عليك فلم ترد علي السلام كأنك لم تعرفني؟ فقال : بلى والله أعرفك ، وكأني أشم منك ريح الغزل ، فقام المغيرة يجر أذياله ، فقال جماعة الحاضرين بعد قيامه : يا أمير المؤمنين ما هذا القول؟ فقال : نعم ، ما قلت فيه إلا حقا ، كأني والله أنظر إليه وإلى أبيه وهما ينسجان مآزر الصوف باليمن ، فتعجب الناس من كلامه ، ولم يكن أحد يعرفه بما خاطبه به أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذه معجزة لا يقدر عليها أحد غيره ولا الهم بها سواه [٦].
٥٠ ـ فص : علي بن الحسن بن محمد بن مندة ، عن محمد بن الحسين الكوفي ، عن إسماعيل بن موسى بن إبراهيم ، عن سليمان بن حبيب ، عن شريك عن حكيم بن جبير عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة بن قيس قال : خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على منبر الكوفة خطبته اللؤلوءة ، فقال فيما قال في آخرها : ألا وإني ظاعن عن قريب ومنطلق إلى المغيب ، فارتقبوا الفتنة الاموية والمملكة الكسروية ، وإماتة ما أحياه الله وإحياء ما أماته الله ، واتخذوا صوامعكم بيوتكم ، وعضوا على مثل جمر الغضا [٧] ، واذكروا الله كثيرا فذكره أكبر لوكنتم تعلمون ، ثم قال : وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل والفرات ، فلورأيتموها مشيدة بالجص والآجر مزخرفة بالذهب والفضة والازورد المستسقى والمرمر والرخام وأبواب العاج والآبنوس والخيم والقباب والستارات ، وقد عليت بالساج والعرعر والصنوبر والشب ، وشيدت بالقصور وتوالت عليها ملك بني الشيصبان أربعة وعشرون ملكا على عدد سني الملك ، فيهم السفاح والمقلاص والجموح والخدوع والمظفر والمؤنث والنظار والكبش والمتهور والعشار والمضطلم والمستصعب والعلام والرهباني والخليع والسيار والمترف والكديد والاكتب والمترف والاكلب والوثيم والظلام والعينوق.
وتعمل القبة الغبراء ذات الفلاة الحمراء ، وفي عقبها قائم الحق يسفرعن وجهه بين الاقاليم كالقمر المضئ بين الكواكب الدرية ، ألا وإن لخروجه علامات عشرة ، أولها طلوع الكوكب ذي الذنب. ويقارب من الحادي [٨] ، ويقع فيه هرج ومرج شغب ، وتلك علامات الخصب ، ومن العلامة إلى العلامة عجب ، فإذا انقضت العلامات العشرة إذ ذاك يظهر بنا القمر الازهر وتمت كلمة الاخلاص لله على التوحيد [٩].
بيان : الشيصبان : اسم الشيطان ، وبنوالعباس هم أشراك الشيطان ، وإنما عدهم أربعة وعشرين مع كونهم سبعة وثلاثين لعدم الاعتناء بمن قل زمان ملكه وضعف سلطانه منهم ، أويكون المراد بيان عدد البطون التي استولوا على الخلافة لا عدد آحادهم ، فإن آخرهم كان الخامس والعشرين أوالرابع والعشرين من أولاد العباس ، والمراد بالكديد إما ثامن عشرهم وهوالمقتدر كما وقع فيما عده عليه السلام الثامن عشر ، فإنه كان مدة خلافته أربعا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا ، أوالحادي والثلاثون منهم بناء على سقوط من سقط منهم قبل ذلك ، فإلى العينوق يتم سبعة وثلاثون تمام عددهم ، والحادي والثلاثون هوالمقتفي ، وكان زمان خلافته أربعا وعشرين ، ويحتمل أن يكون المراد عدد لفظ الكديد ، فإنه ثمانية وثلاثون بانضمام بعض من خرج من قبل السفاح إليهم ولا يخفى بعده.
٥١ ـ كا : العدة ، عن سهل ، عن موسى بن عمر الصيقل ، عن أبي شعيب المحاملي ، عن عبدالله بن سليمان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ليأتين على الناس زمان يطرف[١٠] فيه الفاجر ، ويقرب فيه الماجن ، ويضعف فيه المنصف ، قال : فقيل له : متى ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال : إذا تسلطن النساء وسلطن الاماء وامر الصبيان [١١].
٥٢ ـ نهج : فتن كقطع الليل المظلم ، لا تقوم لها قائمة ، ولا ترد لهاراية تأتيكم مزمومة مرحولة ، يحفزها قائدها ويجهدها راكبها ، أهلها قوم شديد كلبهم ، قليل سلبهم ، يجاهدهم في الله قوم أذلة عند المتكبرين ، في الارض مجهولون وفي السماء معروفون ، فويل لك يا بصرة من جيش من نقم الله ، لارهج له ولا حس ، وسيبتلى أهلك بالموت الاحمر والجوع الاغبر [١٢].
بيان : « لا تقوم لها قائمة » أي لا تنهض بحربا فئة ناهضة ، أوقائمة من قوائم الخيل ، أي لا سبيل إلى قتال أهلها ، أوقلعة أوبنية قائمة ، بل تنهدم. « ولا ترد لها راية » أي لا تنهزم أصحاب راية من رايات تلك الفئة. قوله عليه السلام : « مزمومة مرحولة » أي عليها زمام ورحل ، أي تامة الادوات « يحفزها » إي يدفعها قائدها. « قليل سلبهم » أي نقمتهم القتل لا السلب. والرهج : الغبار. الحس صوت المشي. والموت الاحمر كناية عن الوباء والجوع الاغبر عن الموت. وأول الكلام إشارة إلى قصة صاحب الزنج أوإلى فتنة اخرى سيأتي في آخر الزمان ، وآخره أيضا يحتمل أن يكون إشارة إلى فتنة صاحب الزنج أوإلى طاعون يصيبهم حتى يبيدهم.
٥٣ ـ نهج : فاقسم بالله يا بني امية عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم وفي دار عدوكم [١٣].
٥٤ ـ نهج : أما والله ليسطلن عليكم غلام ثقيف ، الذيال الميال يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم إيه أبا وذحة.
قال السيد : الوذحة الخنسفاء ، وهذا القول يومئ به إلى الحجاج ، وله مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره [١٤] .
بيان : الذيال : الذي يجر ذيله عليه الارض تبخترا. والميال : الظالم.
وقال ابن أبي الحديد : ما ذكره السيد لم أسمع من شيخ من أهل اللغة ولا وجدته في كتاب من كتب اللغة ، ـ [١٥] والمشهور أن الوذح ما يتعلق بأذناب الشاة من أبعارها فيجف ، ثم إن المفسرين بعد الرضي رضي اللهعنه قالوا في قصة هذه الخنسفاء وجوها :
منها أن الحجاج رأى خنفساء تدب إلى مصلاه فطردها ، فعادت فأخذها بيده فقرصه قرصا [١٦] فورمت يده منه ، وكان فيه حتفه ، قتله الله تعالى بأهون خلقه كما قتل نمرود بن كنعان بالبقة.
ومنها أن الحجاج كان إذا رأى خنفساء أمر بإبعادها وقال : هذه وذحة من وذح الشيطان ، تشبيها لها بالبعرة المتعلقة بذنب الشاة.
ومنها أنه رأى خنفساوات مجتمعات فقال : واعجبا لمن يقول : إن الله خلقها؟ قيل : فمن خلقها أيها الامير؟ قال : الشيطان ، إن ربكم لاعظم شأنا من أن يخلق هذه الوذح! فنقل قوله إلى الفقهاء فأكفروه.
ومنها أن الحجاج كان مثفارا أي ذا ابنة ، وكان يمسك الخنفساء حية ليشفي بحركتها الموضع! قالوا : ولا يكون صاحب هذا الداء إلا مبغضا لاهل البيت عليهمالسلام قالوا : ولسنا نقول كل مبغض فيه هذا الداء ، بل كل من فيه هذا الداء فهو مبغض.
قالوا : وقد روى ابن عمر الزاهد ـ ولم يكن من رجال الشيعة ـ في أماليه وأحاديثه عن السياري عن أبي خزيمة الكاتب قال : ما فتشنا أحدا فيه هذا الداء إلا وجدناه ناصبا ، قالوا : سئل جعفر بن محمد الصادق عن هذه الصنف من الناس فقال : رحم منكوسة يؤتى ولا يأتي ، وما كانت هذه الخصلة في ولي الله تعالى أبدا قط ، وإنما كان في الفساق والكفار والناصب للطاهرين ، وكان أبوجهل بن هشام المخزومي من القوم ، وكان أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وآله ، قالوا : ولذلك قال له عتبة بن ربيعة يوم بدر : « يا مصفر استه » ويغلب على ظني أنه معنى آخر وذلك أن عادة العرب أن يكني الانسان إذا أرادت تعظيمه بما هومظنة التعظيم ، وإذا أرادت تحقيره بما يستحقر ويستهان به ، كقولهم في كنية يزيد بن معاوية « أبوزنة » يغنون القرد كقول ابن بسام ، « أبوالنتن أبوالدفر أبوالجعر أبوالبعر »[١٧] .
فلنجاسته بالذنوب والمعاصي كناه أمير المؤمنين عليه السلام أبا وذحة ، ويمكن أن يكنيه بذلك لدمامته في نفسه وحقارة منظره وتشويه خلقه ، فإنه كان دميما قصيرا سخيفا أخفش العين معوج الساقين قصير الساعدين مجدور الوجه ، فكناه بأحقر الاشياء وهوالبعرة وقد روى قوم « إيه أبا ودجة » قالوا : واحدة الاوداج ، كناه بذلك لانه كان قتالا يقطع الاوداج بالسيف.
ورواه قوم « أبا وحرة » وهو دويبة يشبه الحرباء قصير الظهر وهذا وما قبله ضعيف [١٨].
٥٥ ـ نهج : يا أحنف كأني به وقدر سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب ولا قعقعة لجم ولا حمحمة خيل ، يثيرون الارض بأقدامهم كأنها أقدام النعام يومئ بذلك إلى صاحب الزنج ، ثم قال عليه السلام : ويل لسكككم العامرة والدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور ، وخراطيم كخراطيم الفيلة ، من اولئك الذين لا يندب قتيلهم ولا يفقدغائبهم ، أنا كاب الدنيا لوجهها وقادرها بقدرها وناظرها بعينها [١٩] .
بيان : اللجب : الصوت. والحمحمة : صوت الفرس دون الصهيل. قوله عليه السلام « يثيرون الارض » أي التراب ، لان أقدامهم في الخشونة كحوافر الخيل ، وقيل كناية عن شدة وطئهم الارض ليلائم قوله : « لا يكون له غبار » قوله عليه السلام : « كأنها أقدام النعام » لما كانت أقدام الزنج في الاغلب قصارا عراضا منتشرة الصدر مفرجات الاصابع فأشبهت أقدام النعام في بعض تلك الاوصاف وأجنحة الدور ـ التي شبهها عليه السلام بأجنحة النسور ـ رواشنها [٢٠] وما يعمل من الاخشاب والبواري بارزة عن السقوف لوقاية الحيطان وغيرها عن الامطار وشعاع الشمس ، وخراطيمها : مئازيبها التي تطلى بالقار [٢١] ، تكون نحوا من خمسة أذرع أوأزيد ، تدلى من السطوح حفظا للحيطان.
وأما قوله عليه السلام : « لا يندب قتيلهم » فقيل : إنه وصف لهم لشدة البأس والحرص على القتال ، وأنهم لا يبالون بالموت ، وقيل : لانهم كانوا عبيدا غرباء لم يكن لهم أهل وولد ممن عادتهم الندبة وافتقاد الغائب ، وقيل : « لا يفقد غائبهم » وصف لهم بالكثرة ، وأنه إذا قتل منهم قتيل سد مسده غيره ، ويقال : كببت فلانا على وجهه أي تركته ولم ألتفت إليه. وقوله : « وقادرها بقدرها » أي معامل لها بمقدارها وقوله : « ناظرها بعينها » أي ناظر إليها بعين العبرة أوأنظر إليها نظرا يليق بها [٢٢].
٥٦ ـ نهج : ومنه يومئ إلى وصف الاتراك : كأني أراهم قوما كأن وجوههم المجان المطرقة ، يلبسون السرق والديباج ، ويعتقبون الخيل العتاق ، ويكون هناك استحرار قتل حتى يمشي المجروح على المقتول ، ويكون المفلت أقل من المأسور ، فقال له بعض أصحابه : لقد عطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب ، فضحك عليه السلام وقال للرجل وكان كلبيا : يا أخا كلب ليس هوبعلم غيب وإنما هوتعلم من ذي علم ، وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله : « إن الله عنده علم الساعة » الآية [٢٣] فيعلم سبحانه ما في الارحام من ذكر وانثى وقبيح أوجميل وسخي أو بخيل وشقي أو سعيد ، من يكون في النار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا ، فهذا علم الغيب الذي لا يعمله أحد إلا الله ، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه ، ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطم عليه جوانجي [٢٤].
توضيح : المجان جمع مجن وهو الترس. والمطرقة بسكون الطاء : التي قد أطرق بعضها إلى بعض أى ضمت طبقاتها ، فجعل يتلو بعضها بعضا كطبقات النعل ، ويروي بتشديد الراء أي كالترسة المتخذة من حديد مطرقة بالمطرقة ، والطرق : الدق ، ويحتمل أن يكون التشديد للتكثير. والسرق جمع سرقة وهي جيد الحرير ، وقيل : لا يسمى سرقا إلا إذا كانت بيضاء ، وهي فارسية أصلها سرة ، وهو الجيد.
قوله عليه السلام : « ويعتقبون الخيل » أي يحبسونها لينتقلوا من غيرها إليها ، واستحرار القتل شدته. وضحكه عليه السلام إما من السرور بما آتاه الله من العلم أو للتعجب من قول القائل. والاضطمام افتعال من الضم وهو الجمع ، والجوانح الاضلاع مما يلي الصدر ، وانطباقها على قصص جنكيز خان وأولاده لا يحتاج إلى بيان.
٥٧ ـ وقال البرسي في مشارق الانوار : قال عليه السلام للدهقان الفارسي وقد حذره من الركوب والمسير إلى الخوارج فقال له : اعلم أن طوالع النجوم قد انتحست ، فسعد أصحاب النحوس ونحس أصحاب السعود ، وقد بد المريخ يقطع في برج الثور وقد اختلف في برجك كوكبان وليس الحرب لك بمكان ، فقال له : أنت الذي تسير الجاريات وتقضي علي بالحادثات وتنقلها مع الدقائق والساعات ، فما السراري؟ وما الزراري؟ وما قدر شعار المدبرات؟ فقال : سأنظر في الاصطرلاب واخبرك ، فقال له : أعالم أنت بماتم البارحة في وجه الميزان؟ وبأي نجم اختلف برج السرطان؟ وأية آفة دخلت على الزبرقان؟ فقال : لا أعلم ، فقال : أعالم أنت أن الملك البارحة انتقل من بيت إلى بيت في الصين؟ وانقلب برج ماجين؟ وغارت بحيرة ساوة؟ وفاضت بحيرة حشرمة؟ وقطعت باب الصخرة من سفينته؟ ونكس ملك الروم بالروم؟ وولي أخوه مكانه لا وسقطت شرفات الذهب من قسطنطينية الكبرى؟ وهبط سور سرانديل ؟ وفقد ديان اليهود؟ وهاج النمل بوادي النمل؟ وسعد سبعون ألف عالم؟ وولد في كل عالم سبعون ألفا والليل يموت مثلهم؟ فقال : لا أعلم ، فقال : أنت عالم بالشهب الخرس الانجم؟ والشمس ذات الذوائب التي تطلع مع الانوار وتغيب مع الاسحار؟ فقال : لا أعلم ، فقال : أعالم أنت بطلوع النجمين اللذين ما طلعا إلا عن مكيدة ولا غربا إلا عن مصيبة ، وإنهما طلعا وغربا فقتل قابيل هابيل ، ولا يظهران إلا بخراب الدنيا ؟ فقال : لا أعلم ، فقال : إذا كان طرق السماء لا تعلمها فإني أسألك عن قريب ، أخبرني ما تحت حافر فرسي الايمن والايسر من النافع والضار ؟ فقال : إني في علم الارض أقصر مني في علم السماء! فأمر أن يحفر تحت الحافر الايمن فخرج كنز من ذهب ، ثم أمر أن يحفر تحت الحافر الايسر فخرج أفعى فتعلق بعنق الحكيم فصاح : يا مولاي الامان ، فقال : الامان بالايمان ، فقال : لاطيلن لك الركوع والسجود ، فقال : سمعت خيرا فقل خيرا ، اسجد لله واضرع بي إليه ، ثم قال : يا سمر سقيل نحن نجوم القطب وأعلام الفلك ، وإن هذا العلم لا يعلمه إلا نحن وبيت في الهند [٢٥].
٥٨ ـ شرح النهج : قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين : حدثنا منصور بن سلام التميمي قال : حدثنا حيان التميمي ، عن أبي عبيدة ، عن هرثمة بن سليم قال : غزونا مع علي عليه السلام صفين ، فلما نزل بكربلاء صلى بنا ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال : واهالك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغيرحساب ، قال : فلما رجع هرثمة من غزاته إلى امرأته جرداء بنت سمير ـ وكانت من شيعة علي عليه السلام ـ حدثها هرثمة فيما حدث فقال لها : ألا أعجبك من صديقك أبي حسن؟ قال : لما نزلنا كربلاء وقد أخذ جفنة [٢٦] من تربتها وشمها وقال : واها لك أيتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب ، وما علمه بالغيب؟ فقالت المرأة له : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا ، قال : فلما بعث عبيدالله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين عليه السلام كنت في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى الحسين عليه السلام وأصحابه عرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع علي عليه السلام والبقعة التي رفع إليه من تربتها والقول الذي قاله فكرهت مسيري ، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين عليه السلام فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل ، فقال الحسين عليه السلام : أمعنا أم علينا؟ فقلت : يابن رسول الله لا معك ولا عليك! تركت ولدي وعيالي أخاف عليهم من ابن زياد ، فقال الحسين : فتول هربا حتى لا ترى مقتلنا ، فوالذي نفس حسين بيده لا يرى اليوم مقتلنا أحد ثم لا يعيننا إلا دخل النار ، قال : فأقبلت في الارض أشتد هربا حتى خفى علي مقتلهم.
قال نصر : وحدثنا مصعب قال : حدثنا الاجلح بن عبدالله الكندي عن أبي جحيفة قال : جاء عروة البارقي إلى سعد بن وهب فسأله وقال : حديث حدثتناه عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : نعم بعثني مخنف بن سليم إلى علي عليه السلام عند توجهه إلى صفين ، فأتيته بكربلاء فوجدته يشير بيده ويقول : ههنا ههنا ، فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال : ثقل لآل محمد صلىاللهعليهوآله ينزل ههنا ، فويل لهم منكم وويل لكم منهم ، فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال : ويل لهم منكم : تقتلونهم ، وويل لكم منهم : يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.
قال نصر : وقد روي هذا الكلام على وجه آخر أنه عليه السلام قال : فويل لكم منهم وويل لكم عليهم ، فقال الرجل : أما ويل لنا منهم فقد عرفناه فويل لنا عليهم ما معناه؟ فقال : ترونهم يقتلون لا تستطيعون نصرتهم.
قال نص : وحدثنا سعيد بن حكيم العبسي ، عن الحسن بن كثير ، عن أبيه أن عليا عليه السلام أتى كربلاء فوقف بها ، فقيل له : يا أمير المؤمنين هذه كربلاء ، فقال : ذات كرب وبلاء ، ثم أومأ بيده إلى مكان فقال : ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم ثم أومأ بيده إلى مكان آخر فقال : ههنا مراق دمائهم ، ثم مضى إلى ساباط [٢٧].
٥٩ ـ أقول : روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ أنه قال زرعة بن البرج الطائي لامير المؤمنين عليه السلام : أما والله لئن لم تتب من تحكيمك الرجال فأقتلنك ، أطلب بذلك وجه الله ورضوانه فقال له علي عليه السلام : بؤسا لك ما أشقاك! كأني بك قتيلا تسفي عليك الرياح ، فكان كما قال [٢٨].
وذكر المدائني في كتاب الخوارج قال : لما خرج علي عليه السلام إلى أهل النهر قبل رجل من أصحابه ممن كان على مقدمته ، فأخبره بأن القوم عبروا النهر فحلفه ثلاث مرات في كلها يقول : نعم ، فقال عليه السلام : والله ما عبروه ولن يعبروه وإن مصارعهم دون النطفة ، فجاء الفرسان كلها تركض وتقول ، فلم يكترث عليه السلام بقولهم حتى ظهر خلاف ما قالوا.
وذكر محمد بن يزيد المبرد في كتاب الكامل أنه قال علي عليه السلام لاصحابه يوم النهروان : احملوا عليهم فوالله لا يقتل منكم عشرة ولا يسلم منهم عشرة ، فحمل عليهم فطحنهم طحنا ، قتل من أصحابه عليه السلام تسعة وأفلت من الخوارج ثمانية [٢٩].
وروى جميع أهل السير كافة أن عليا عليه السلام لما طحن القوم طلب ذا الثدية طلبا شديدا ، وقلب القتلى ظهر البطن فلم يقدر عليه ، فساءه ذلك وجعل يقول : والله ماكذبت ولا كذبت ، اطلبوا الرجل وإنه لفي القوم ، فلم يزل يتطلبه حتى وجده وهورجل مخدج اليد [٣٠] كأنها ثدي في صدره.
وروى إبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين عن الاعمش عن زيد بن وهب قال : لما شجرهم علي عليه السلام بالرماح قال : اطلبوا ذا الثدية ، فطلبوه طلبا شديدا حتى وجدوه في وهدة من الارض تحت ناس من القتلى ، فاتي به وإذا رجل على يديه مثل سبلات السنور ، فكبر علي عليه السلام وكبر الناس معه سرورا بذلك.
وروى أيضا عن مسلم الضبي عن حبة العرني قال : كان رجل أسود منتن الريح ، له يد كثدي المرأة ، إذا مدت كان بطول اليد الاخرى وإذا تركت اجتمعت وتقلصت وصارت كثدي المرأة ، عليها شعرات مثل شوراب الهرة ، فلما وجدوه قطعوا يده ونصبوها على رمح ، ثم جعل علي عليه السلام ينادي : صدق الله وبلغ رسوله ، لم يزل يقول ذلك هووأصحابه من العصر إلى أن غربت الشمس أوكادت.
وروى ابن ديزيل أيضا قال : لما عيل صبر علي عليه السلام في طلب المخدج قال : آتوني ببغلة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فركبها وأتبعه الناس ، فرأى القتلى وجعل يقول : اقلبوا ، فيقلبون قتيلا عن قتيل حتى استخرجه ، فسجد علي عليه السلام. وروى كثير من الناس أنه لما دعا بالبغلة قال : ايتوني بها فإنها هادية ، فوقفت به على المخدج فأخرجه من تحت قتلى كثيرين.
وروى العوام بن حوشب عن أبيه عن جده يزيد بن رويم قال : قال علي عليه السلام : يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج أحدهم ذوالثدية ، فلما طحن القوم ورام استخراج ذي الثدية فأتعبه أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة [٣١] ، فلم أزل كذلك وأنا بين يديه وهو راكب خلفي والناس يتبعونه حتى بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه وإذا وجهه أربد [٣٢] وإذا رجله في يدي ، فجذبتها وقلت : هذه رجل إنسان فنزل عن البغلة مسرعا فجذب الرجل الاخرى وجررناه حتى صار على التراب فإذا هوالمخدج ، فكبر علي عليه السلام بأعلى صوته ثم سجد فكبر الناس كلهم [٣٣].
وروى عثمان بن سعيد ، عن يحيى التيمي ، عن الاعمش ، عن إسماعيل بن رجاء قال : قام أعشى باهلة ـ وهو يومئذ غلام حدث ـ إلى حديث علي عليه السلام وهو يخطب ويذكر الملاحم ، فقال : يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة! فقال علي عليه السلام : إن كنت آثما فيما قلت يا غلام فرماك الله بغلام ثقيف ، ثم سكت ، فقام رجال فقال : ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟ قال غلام يملك بلدتكم هذه ، لا يترك لله حرمة إلا انتهكها ، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه ، فقالوا : كم يملك يا أمير المؤمنين؟ قال : عشرين إن بلغها ، قالوا : فيقتل قتلا أم يموت موتا؟ قال : بل يموت حتف أنفه بداء البطن ، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه! قال إسماعيل ابن رجاء : فوالله لقد رأيت بعيني أعشى باهلة وقد احضر في جملة الاسرى الذين اسروا من جيش عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث بين يدي الحجاج ، فقرعه ووبخه واستنشده شعره الذي يحرض فيه عبدالرحمن على الحرب ، ثم ضرب عنقه في هذا المجلس .
وروى محمد بن علي الصواف ، عن الحسين بن سفيان ، عن أبيه ، عن شمير بن سدير الازدي قال : قال علي عليه السلام لعمروالحمق الخزاعي أين نزلت يا عمرو؟ قال : في قومي ، قال : لا تنزلن فيهم ، قال : أفأنزل في بني كنانة جيراننا؟ قال : لا ، قال : أفأنزل في ثقيف؟ قال : فما تصنع بالمعرة والمجرة؟ قال : وماهما قال : عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة ، يأتي أحدهما على تميم وبكر بن وائل ، فقلما يفلت منه أحد ويأتي العنق الاخرى فتأخذ على الجانب الاخرى من الكوفة فقل من يصيب منهم ، إنما هويدخل الدار فتحرق البيت والبيتين : قال : فأين أنزل؟ قال : انزل في بني عمروبن عامر من الازد ، قال : فقام قوم حضروا هذا الكلام وقالوا : ما نراه إلا كاهنا يتحدث بحديث الكهنة؟ فقال : يا عمرووإنك لمقتول بعدي ، وإن رأسك لمنقول ، وهوأول رأس ينقل في الاسلام ، والويل لقاتلك ، أما إنك لا تنزل بقوم إلا أسلموك برمتك إلا هذا الحي من بني عمروبن عامر من الازد فإنهم لن يسلموك ولن يخذلوك ، قال : فوالله ما مضت [ من ] الايام حتى تنقل عمروبن الحمق في خلافة معاوية في أحياء العرب خائفا مذعورا ، حتى نزل في قومه من بني خزاعة ، فأسلموه فقتل وحمل رأسه من العراق إلى معاوية بالشام ، وهوأول رأس حمل في الاسلام من بلد إلى بلد.
وروى إبراهيم بن ميمون الازدي عن حبة العرني قال : كان جويرية بن مسهر العبدي صالحا ، وكان لعلي عليه السلام صديقا ، وكان علي عليه السلان يحبه ، ونظر يوما إليه وهويسير فناداه : يا جويرية الحق بي ، فإني إذا رأيتك هويتك.
قال إسماعيل بن أبان : فحدثني الصباح عن مسلم حبة العرني قال : سرنا مع علي عليه السلام يوما ، فالتفت فإذا جويرية خلفه بعيدا ، فناداه : يا جويرية الحق بي لا أبا لك ، ألا تعلم أني أهواك واحبك؟ قال : فركض نحوه ، فقال له : إني محدثك بامور فاحفظها ، ثم اشتركا في الحديث سرا ، فقال له جويرية : يا أمير المؤمنين إني رجل نس ، فقال : أنا اعيد عليك الحديث لتحفظه ، ثم قال له في آخر ما حدثه إياه : يا جويرية أحبب حبيبنا ما أحبنا فإذا أبغضنا فأبغضه ، وابغض بغيضنا ما أبغضنا فإذا أحبنا فأحبه ، قال : فكان ناس ممن يشك في أمر علي عليه السلام يقولون : أنراه جعل جويرية وصيه كما يدعي هومن صية رسول الله صلى الله عليه وآله؟
قال : يقولون ذلك لشدة اختصاصه له حتى دخل على علي عليه السلام يوما وهومضطجع وعنده قوم من أصحابه ، فناداه جويرية : أيها النائم استيقظ فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك ، قال : فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال : واحدثك يا جويرية بأمرك أما والذي نفسي بيده لتعتلن إلى العتل الزنيم ، فليقطعن يدك ورجلك ، وليصلبنك تحت جذع كافر ، قال : فوالله ما مضت الايام على ذلك حتى أخذ زياد جويرية ، فقطع يده ورجله وصلبه إلى جانبه ابن معكبر وكان جذعا طويلا ، فصلبه على جذع قصير إلى جانبه.
وروى إبراهيم في كتاب الغارات عن أحمد بن الحسن الميثمي قال : كان ميثم التمار مولى علي عليه السلام عبدا لامرأة من بني أسد ، فاشتراه علي عليه السلام وأعتقه وقال له : ما اسمك؟ قال : سالم ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني أن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم ، قال : صدق الله ورسوله وصدقت ، هواسمي، قال : فارجع إلى اسمك ودع سالما ، ونحن نكنيك به ، فكناه أبا سالم.
قال : وقد كان أطلعه علي عليه السلام على علم كثير وأسرار خفية من أسرار الوصية فكان ميثم يحديث ببعض ذلك ، فيشك فيه قوم من أهل الكوفة ، وينسبون عليا عليه السلام في ذلك إلى المخرفة والايهام والتدليس ، حتى قال له يوما بمحضر من خلق كثير من أصحابه وفيهم الشاك والمخلص : يا ميثم إنك تؤخذ بعدي وتصلب ، فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دما حتى تخضب لحيتك ، فإذا كان اليوم الثالث طعنت بحربة فيقضى عليك ، فانتظر ذلك ، والموضع الذي تصلب فيه على دار عمروبن حريث ، إنك لعاشر عشرة ، أنت أقصرهم خشبة ، وأقربهم من المطهرة ـ يعني الارض ـ ولارينك النخلة التي تصلب على جذعها ، ثم أراه إياها بعد ذلك بيومين ، فكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول : بوركت من نخلة ، لك خلقت ولي بنت ، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي على السلام حتى قطعت ، فكان يرصد جذعها ويتعاهده ويتردد إليه ويبصره ، وكان يلقى عمروبن حريث فيقول له : إني مجاورك فأحسن جواري ، فلا يعلم عمروما يريد ، فيقول له : أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أم دار ابن حكيم؟
قال : وحج في السنة التي قتل فيها ، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها ، فقالت له : من أنت؟ قال : عراقي ، فاستنسبته فذكر لها أنه مولى علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت : أنت هيثم؟ قال : بل أنا ميثم ، فقالت : سبحان الله والله لربما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يوصي بك عليا في جوف الليل ، فسألها عن الحسين بن علي عليهما السلام فقالت : هو في حائط له ، قال : أخبريه أني أحببت السلام عليه ونحن ملتقون عند رب العالمين إن شاء الله ، ولا أقدر اليوم على لقائه ، واريد الرجوع ، فدعت بطيب فطيبت لحيته ، فقال لها : أما إنها ستخضب بدم ، قالت : من أنبأك هذا؟ قال : أنبأني سيدي ، فبكت ام سلمة وقالت : إنه ليس بسيدك وحدك هوسيدي وسيد المسلمين أجمعين ، ثم ودعته ، فقدم الكوفة فاخذ وادخل على عبيدالله بن زياد ، وقيل له : هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب ، قال : ويحكم هذا الاعجمي؟ قالوا : نعم ، فقال له عبيدالله : أين ربك؟ قال : بالمرصاد قال : قد بلغني اختصاص أبي تراب لك ، قال : قد كان بعض ذلك ، فما تريد؟ قال : وإنه ليقال : إنه قد أخبرك بما سيلقاك ، قال : نعم إنه أخبرني أنك تصلبني عاشر ـ عشرة وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة ، قال : لاخالفنه ، قال : ويحك كيف تخالفه إنما أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل وأخبر جبرئيل عن الله؟ فكيف تخالف هؤلاء؟ أما والله لقد عرفت الموضع الذي اصلب فيه أين هومن الكوفة ، وإني لاول خلق الله الجم في الاسلام بلجام كما يلجم الخيل ، فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد : إنك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين عليه السلام ، فتقتل هذا الجبار الذي نحن في سجنه ، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخديه ، فلما دعا عبيدالله بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيدالله يأمره بتخلية سبيله ، وذلك أن اخته كانت تحت عبدالله بن عمر بن الخطاب ، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد ، فشفع فأمضى شفاعته ، فكتب بتخلية سبيل المختار على البريد فوافى البريد وقد اخرج ليضرب عنقه فاطلق ، وأما ميثم فاخرج بعده ليصلب ، وقال عبيدالله : لامضين حكم أبي تراب فيه ، فلقيه رجل فقال له : ما كان أغناك عن هذا يا ميثم؟! فتبسم وقال : لها خلقت ولي غذيت ، فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمروبن حريث ، فقال عمرو: لقد كان يقول : إني مجاورك وكان يأمر جاريته كل عشية أن تكنس تحت خشبته وترشه وتجمر بمجمرة تحته فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم ومخازي بني امية وهومصلوب على الخشبة فقيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد ، فقال : ألجموه ، فالجم ، فكان أول خلق الله الجم في الاسلام ، فلما كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دما ، فلما كان في اليوم الثالث طعن بحربة فمات ، وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين عليه السلام العراق بعشرة أيام.
قال إبراهيم : وحدثني إبراهيم بن العباس النهدي قال : حدثني مبارك البجلي (العجلي) عن أبي بكر بن عياش قال : حدثني المجالد عن الشعبي عن زياد بن النصر الحارثي قال : كنت عند زياد وقد اتي برشيد الهجري ـ وكان من خواص أصحاب علي عليه السلام ـ فقال له زياد : ماقال لك خليلك إنا فاعلون بك؟ قال تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني ، فقال زياد : أما والله لاكذبن حديثه ، خلوا سبيله ، فلما أراد أن يخرج قال : ردوه لا نجد لك شيئا أصلح مما قال صاحبك ، إنك لا تزال تبغي لنا سوء إن بقيت ، اقطعوا يديه ورجليه ، فقطعوا يديه ورجليه وهويتكلم فقال : اصلبوه خنقا [٣٤] في عنقه ، فقال رشيد : وقد بقي لي عندكم شئ ما أراكم فعلتموه ، فقال زياد : اقطعوا لسانه ، فلما أخرجوا لسانه قال : نفسوا عني أتكلم كلمة واحدة ، فنفسوا عنه فقال : والله هذا تصديق خبر أمير المؤمنين ، أخبرني بقطع لساني ، فقطعوا لسانه وصلبوه.
وروى أبوداود الطيالسي ، عن سليمان بن زريق ، عن عبد العزيز بن صهيب قال : حدثني أبوالعالية قال : حدثني مزرع صاحب علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : ليقبلن جيش حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ، قال أبوالعالية : فقلت : لانك لتحدثني بالغيب! فقال : احفظ ما أقوله لك ، فإنما حدثني به الثقة علي بن أبي طالب عليه السلام وحدثني أيضا شيئا آخر : ليؤخذن فليقتلن وليصلبن بين شرفتين من شرف المسجد ، فقلت له : إنك لتحدثني بالغيب! فقال : احفظ ما أقول لك ، قال أبوالعالية : فوالله ما أتت علينا جمعة حتى اخذ مزرع فقتل ، وصلب بين شرفتين من شرف المسجد.
قلت : حديث الخسف بالجيش قد خرجه البخاري ومسلم في الصحيحين عن ام سلمة رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يعوذ قوم بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ، فقلت : يا رسول الله لعل فيهم المكره أوالكاره ، فقال :
يخسف بهم ، ولكن قال : يحشرون أوقال : يبعثون ـ على نياتهم يوم القيامة ، قال : فسئل أبوجعفر محمد بن علي أهي بيداء من الارض؟ فقال : كلا والله إنها بيداء المدينة أخرج البخاري بعضه وأخرج مسلم الباقي.
وروى محمد بن موسى العنزي قال : كان مالك بن ضمرة الرواسي من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وممن استبطن من جهته علما كثيرا. وكان أيضا قد صحب أباذر فأخذ من عمله ، وكان يقول في أيام بني امية : اللهم لا تجعلني من الثلاثة ، فيقال له : وما الثلاثة؟ فيقول : رجل يرمى به من فوق طمار ، ورجل تقطع يداه ورجلاه ولسانه ويصلب ، ورجل يموت على فراشه ، فكان من الناس من يهزأ به ويقول : هذا من أكاذيب أبي تراب ، قال : فكان الذي رمي به في طمار : هانئ بن عروة ، والذي قطع وصلب رشيد الهجري ، ومات مالك على فراشه [٣٥].
قال : وقال نصر بن مزاحم : حدثنا عبدالعزيز بن سباه ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد التيمي المعروف بعقيصا قال : كنا مع علي عليه السلام في مسيره إلى الشام ، حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد عطش الناس واحتاجوا إلى الماء ، فانطلق بنا علي عليه السلام حتى أتى إلى صخرة مضرس في الارض كأنها ربضة عنز ، فأمرنا فاقتلعناها ، فخرج لنا من تحتها ماء ، فشرب الناس منه حتى ارتووا ، ثم أمرنا فأكفاناها عليه ، وسار الناس حتى إذا مضى قليلا ، قال عليه السلام : أمنكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتتم منه؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : فانطلقوا إليه فانطلق منا رجال ركبانا ومشاة فاقتصصنا الطريق إليه حتى انتهينا إلى المكان الذي يرى أنه فيه ، فطلبناه فلم نقدر على شئ ، حتى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم أين هذا الماء الذي عندكم؟ قالوا : ليس قربنا ماء ، فقلنا : بلى إنا شربنا منه ، قالوا : أنتم شربتم منه؟ قلنا : نعم ، فقال صاحب الدير : والله ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء ، ما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي [٣٦].
--------------------------------------------------------------------------------------------
[١] . اعلام الورى : ١٧٦ و ١٧٧ .
[٢] . شرح النهج ١ : ٢٥٣ .
[٣] . استفزه : استدعاه وأزعجه وأخرجه من داره.
[٤] . الفضائل : ١٠٦ . الروضة : ٥ .
[٥] . الفصائل : ١٠٨ و ١٠٩ . الروضة ٥ .
[٦] . الروضة : ٨. ولم نجده في الفضائل المطبوع.
[٧] . عضه الزمان : اشتد عليه ، عض الشئ : لزمه واستمسك به. والغضا شجر من الاثل خشبه من أصلب الخشب وجمره يبقى زمنا طويلا لا ينطفئ.
[٨] . اسم كوكب.
[٩] . كفاية النصوص : ٢٨ و ٢٩ .
[١٠] . في المصدر « يظرف » وقال المصحح في ذيله عن المرآت : « يظرف » في بعض النسخ بالمهملة وكذا في بعض نسخ النهج ، والطريف ضد التالد وهو الامر المستطرف الذي يعده الناس حسنا لانهم يرغبون إلى الامور المحدثة. الظريف من الظرافة بمعنى الفطنة والكياسة والمجون أن لا يبالى الانسان ما صنع ، وقد مجن يمجن فهو ماجن.
[١١] . الروضة من الكافى : ٦٩. وفيه كذلك ( فقيل له : متى ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال : إذا اتخذت الامانة مغنما والزكاة مغرما والعبادة استطالة والصلة منا. قال : فقيل متى ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال : إذا تسلطن اه . (
[١٢] . نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) ١ : ٢١٢ و ٢١٣ .
[١٣] . نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) ١ : ٢١٨ .٢١٨.
[١٤] . نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) ١ : ٢٤٨ .
[١٥] . وقد قال في أقرب الموارد : والوذحة : الخنفساء وبعضهم يقوله بالخاء ب.
[١٦] . قرص لحمه : اخذه ولوى عليه باصبعه فآلمه.
[١٧] . قاله ابن بسام لبعض الرؤساء يهجوه ، وأوله ( لئيم درن الثوب نظيف القعب والقدر ) والدفر : النتن ، والجعر : نجو السبع.
[١٨] . شرح النهج ٢ : ٣٨٤ ـ ٣٨٦. وقد لخصه المصنف وبعض العبارات منقول بالمعنى.
[١٩] . نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) ١ : ٢٦٢ و ٢٦٣ .
[٢٠] . جمع الروشن : الكوة.
[٢١] . المئازيب جمع المئزاب : مجرى الماء. والقار : مادة سوداء تطلى بها السفن.
[٢٢] . أقول : ماذكره عليهالسلام في هذه الخطبة من المغيبات يلائم زماننا هذا ـ وهو القرن الرابع عشر من الهجرة ـ فالجيش الموصوف في كلامه عليهالسلام بأن ليس له غبار ولا لجب ولا قعقعة ولا حمحمة لعله رمز إلى السلاحات الموجودة في هذا العصر كالطيارات القاذفة للقنابل الذرية والقذائف والصواريخ التى تدمر المدن العامرة في لحظات يسيرة وتجعلها قاعا صفصفا ، بحيث لا يبقى احد حتى يندب القتلى أو يفتقدهم. وكذلك المراد من الدور المزخرفة التى لها اجنحة وخراطيم : الابنية والقصور المشيدة في عصرنا هذا. اعاذ الله البشرية ولا سيما المسلمين من نائرة الحروب والتخاصم.
[٢٣] . سورة لقمان : ٣٤ .
[٢٤] . نهج البلاغة ١ : ٢٦٣ و ٢٦٤ .
[٢٥] . مشارق الانوار : ١٠٢ و ١٠٣ .
[٢٦] . الجفنة : القصعة الكبيرة. والاصح كما في المصدر « جفنة » وهي ملء الكفين.
[٢٧] . شرج النهج ١ : ٣٥٠ و ٣٥١ .
[٢٨] . شرح النهج ١ : ٢٤٥ .
[٢٩] . شرح النهج ١ : ٢٤٧ . والعبارات منقولة بالمعنى.
[٣٠] . أي ناقص اليد.
[٣١] . في المصدر بعد ذلك وركب بغلة رسول الله وقال : اطرح على كل قتيل منهم قصبة اه.
[٣٢] . تريد الرجل : تعبس وتغير لونه. فهو أربد. وفي المصدر بعد ذلك : وإذا هو يقول : والله ما كذبت ولا كذبت : فاذا خرير ماء عند موضع دالية ، فقال عليهالسلام : فتش هذا ، ففتشته فاذا قتيل قد صار في الماء اه.
[٣٣] . شرح النهج ١ : ٢٤٩ .
[٣٤] . خنقه خنقا : شد على حلقه حتى يموت.
[٣٥] . شرح النهج ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٧ .
[٣٦] . شرح النهج ١ : ٣٦٦ .
يتبع .....