الدكتور علي رضا ميرزا محمد
إنّ الحديث عن الإمام علي(ع) حديث عن الإيمان والإخلاص، وحديث عن المحبّة والإيثار، وحديث عن الشجاعة والإقدام، وحديث عن القيم الأخلاقية، وحديث عن الحكمة المتعالية، وحديث عن الحقيقة المجسّدة، وحديث عن القرآن الناطق الذي مهما حاول الإنسان أن يحيط بجميع صفاته قعد به العجز واستولى عليه البهر، فكان كما قال النّبيّ(ص) :لو أنّ الرياض أقلام والبحر مداد والجنّ حسّاب والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب(ع)[١] .
صفاتُ عليًّ لا يحيطُ بها الحصرُ |
|
وفي عَدِّها تُفنى الدفاترُ والحِبرُ [٢] |
فإذا نظرنا إلى صفاته الجميلة ومحاسنه الحميدة ومناقبه الفاخرة وجدناه أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوماً، وأفضل الناس علماً وحلماً، وأصوب الناس رأياً وأحسنهم تدبيراً، وأسخى من السحاب الهاطل، ذلك العبقري الفذّ الذي كان أوّل المؤمنين إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم مزية يوم القيامة[٣]، وهو الصديق الأكبر، وسابق الأمة، وسيّد الزهّاد، وخير البشر، وأخو الرسول، وباب مدينة العلم، وصاحب الأذن الواعية ، ووارث الكتاب، وهادذ القوم، ومولى الموحدين، وباذل الأموال سرّاً وعلانية، وخشن في ذات الله .
وبناءً على ما جاء في الروايات ، نزل في عليّ(عليه السلام) ثلاثمائة آية[٤] ، منها آيات التطهير والمودّة والمباهلة والتبليغ والإكمال وسورة الإنسان، كما وردت في شأنه أحاديث القلين والسفينة والمؤاخاة والراية والولاية والمنزلة والأخبار التي تدل على أنّ علياً كان وليّ الله ووصيّ النبيّ وخليفته ووراثه ووزيره ونفسه وقاضي دينه ورفيقه في الجنّة وحامل لواء الحمد يوم القيامة وسيد المسلمين وأمير المؤمنين وإمام المتّقين وقائد الغُرّ المحجلين وفاروق الأمة ويعسوب الدين وصاحب الحوض وساقيه وقسيم الجنّة والنّار .
وجدير بالذكر أنّ الإمام الحقّ قد وصف في كثير من المرويّات بأنه مع الحقّ والقرآن وأنهما معه، وهو بمنزلة الكعبة، والنظر إليه عبادة؛ من أحبّه فقد أحبّ الله ومن أبغضه فقد أبغض الله؛ حبّه إيمان وبغضه نفاق؛ لحمه لحم النبيّ ومه دم النبيّ؛ صاحب النجوى وصالح المؤمنين؛ لم يسبقه الأوّلون بعلم ولا يدركه الآخرون، ويزهر في الجنة ككوكب الصبح.
استحق عليّ هذه المنزلة من الله والرسول لعمله لا لقرابته من خاتم النبيّين فقط ، فكما أنّ رسول الله عظيم ، لأنه على خلق عظيم لا بأقربائه، كذلك عليّ عظيم بإيمانه وإخلاصه وإيثاره وجهاده وحسن بلائه مع النبيّ.
وكما هو معروف لقد كان للإمام عليّ(ع) أثر طريف قيّم يتضمّن عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة ويشتمل على الترغيب والتنفير والإلهيات والولائيات والحقوق وأصول المدنية وقواعد العدالة والسياسات والجدليات والنصائح والأخلاق، قد جمع الشريف الرضي موادّه الأدبية البديعة الرائعة بالرجوع إلى الجوامع الروائية والمصادر التاريخية وسمّاه نهج البلاغة .
إنّ هذا الكتاب مجموعة من الخطب والأوامر، والكتب والرسائل ، والحكم والمواعظ التي قالها إمام الفصحاء وسيد البلغاء مولانا أمير المؤمنين(ع) تبعاً للظروف والمناسبات، فمنها ما كان أجوبة عن أسئلة، ومنها مباحث في خلق الموجودات، ومنها في صفة الدنيا والآخرة، ومنها في عظمة الإسلام والقرآن والسنّة النبويّة والعترة ، ومنها في ذكر العبادات والمعاملات، ومنها خطاب لأهل العراق والشام، ومنها وصايا لأرحامه وأصحابه وعشيرته وعمّاله ، ومنها كلمات في الحياة الحرّة الكريمة ، ومنها في بيان أصول العقائد والأخلاق، ومنها في أهمية القضايا التاريخية والسياسية، ومنها في وصف الجنة والنار، ونفثة نعم ، إنّ كلّ كلمة من كلمات نهج البلاغة تعكس بوضوح روح الإمام وفكره وعلمه وأخلاقه وفضائله وعظمته في دينه وجميع صفات الجلال والكمل ومحمود الشمائل والخلال، ومن الطريف أنّ في هذا الكتاب تعابير علمية خاصة كمصطلحات كلامية ومفاهيم فلسفية ، مع أنّ الفلسفة لم تكن معروفة عند المسلمين في صدر الإسلام وعهد الإمام .
وبما أنّ النهج يحتوي على جواهر الكلم الدينية والدنيوية التي كانت مستفاضة من الصقع الربوبي ومستفادة من الحضرة المحمديّة، فهو فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، ولذلك سمّى بأخي القرآن وثاني الفرقان.
ومن الواضح أنّ هذا الكتاب في فنّه بما فيه من المعاني الطريقة والمقاصد الشريفة والتلويحات اللطيفة والفوائد الجليلة والمواعظ الزهدية والحكم النفسية والآداب الخلقية والأخبار الغيبية وغيرها ممّا يكون خارجاً عن وسع الطبيعة البشرية، يمهّد السبيل للبحث حول تأثير ثواقب الكلم العلوية في الأدب العربي وخاصة الشعر، كما أنّ كثيراً من الأدباء والشعراء على اختلاف مذاهبهم وتباين آرائهم لا يختلفون في أنّ الإمام عليّاً(ع) باب مدينة علم الرّسول وخازن معارفه وأعلم الأمة من بعده ومدخل دار حكمته، وليس فيهم من يستنكف أن يأخذ عنه ويرجع إليه. ولذلك نراهم يخوضون في هذا القاموس العظيم ويدّعون شرف الإنتماء إليه والإنتساب له ويفخرون بأخذهم عنه وحفظهم لكلامه علماً بأنّ هذا الإنتماء والأخذ لم ينقص من أقدارهم ولم يجردهم من فضائلهم، بل زادهم فضلاً وقدراً ، وازدادوا به فخراً وشرفاً :
نهجُ البلاغة مشرعُ الفُصحاء |
|
ومعششُ البلغاء والعلماء |
روضٌ مِنَ الحكمِ الأنيقةِ جادَةُ |
|
جودٌ مِن الأنوارِ لا الأنواءِ |
أنوارُ علمِ خليفةِ الله الذي |
|
هو عصمةُ الأموات والأحياءِ |
مشكاةُ نور الله خازنُ علمهِ |
|
مختارُهُ مِن سرّةَ البطحاءِ |
وهو ابنُ بجدتهِ عليهِ تهدّلّت |
|
أعصانُهُ من جملتةِ الأمراءِ |
ووصيُّ خيرِ الأنبياء اختارهُ |
|
رغماً لِتيمَ أرذلِ الأعداءِ |
صلى الإلهُ عليهما ما ينطوي |
|
بردُ الظلام بنشر كفّ ضياءِ [٥] |
استمراراً في البحث نتطرق الآن إلى الحديث عن هذا التأثير بشكل نموذجي واضح كما يلي:
١ ـ أتباعُ كلّ ناعقٍ يميلون مع كلّ ريحٍ . (نهج البلاغة ٤٩٦/ح ١٤٧)
وقد قيل في هذا المعنى:
إن مالتِ الرّيحُ هكذا وكذا |
|
مالَ معَ الرّيحِ حيثُما مالّت |
(التمثيل والمحاضرة ٢٤٢)
٢ ـ أحبب حبيبك هوناً ما، عَسَى أن يكونَ بغيضَكَ يوماً ما، وأبغض بغيضَكَ هوناً ما، عسى أن يكونَ حبيبَكَ يوماً ما. (نهج البلاغة ٥٢٢/ح ٢٦٨)
قد اقتبس إبراهيم بن السيد علي الأحدب الطرابلسيّ من هذه الحكمة فقال:
أحبب حبيباً لكَ هوناً ما ولا |
|
تجاوزنَ حدّاً وهكذا القلى |
أبغض بغيظّكَ الشقيّ هوناً ما |
|
إن لم يكن شقاؤهُ قَد عمّا |
(فرائد اللآل ١/١٧٥، ٨٨)
ومن جيد ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم :
وأحبب إذا أحببتَ حُبّاً مقارباً |
|
فإنّكَ لا تدري متى أنت نازعُ |
وأبغض إذا أبغضتَ غيرَ مباينٍ |
|
فإنّك لا تدري متى أنت راجعُ |
(شرح نهج البلاغة ١٩/١٥٦)
كما قال النمر بن تولب :
وأحبب حبيبكَ حُبّاً رُويداً |
|
فليسَ يَعُولك أن تصرما |
وأبغض بِغَيظِكَ بغضاً رُوَيداً |
|
إذا أنتَ حاوَلتَ أن تَحكُما |
(موسوعة أمثال العرب ٢/١٢٠)
وخلاصة هذه الكلمة: النهي عن الإسراف في المودة والبغض، فربّما انقلب من تودّ فصار عدوّاً ، وربّما انقلب من تعاديه فصار صديقاً[٦] .وبعبارة أخرى: لا تكن مكثراً ثمّ تكون مقلاً ، فيعرف سرفك في الإكثار وجفاؤك في الإقلال[٧] .
٣ ـ احذروا نفار النعم فما كلّ شارد بمردود. (نهج البلاغة ٥١١/ح٢٤٦)
هذا أمر بالشكر على النعمة وترك المعاصي، فإنّ المعاصي تزيل النعم كما قيل:
إذا كُنتَ في نعمةٍ فارعِها |
|
فإنَّ المعاصي تُزيلُ النّعم |
(شرح نهج البلاغة ١٩/٨٠)
٤ ـ إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه. (نهج البلاغة، ٤٧٠/ج١١)
أخذ ابن أبي الحديد هذا المعنى فقال في قطعة له:
إنّ الأماني أكسابُ الجهول فلا |
|
تقنع بها واركبِ الأهوالَ والخَطَرا |
واجعل مِنَ العقل جهلاً واطّرح نظرا |
|
في الموبقات ولا تستشعرُ الحذرا |
وإن قدرت على الأعداء منتصراً |
|
فاشكر بعفوك عن أعدائك الظّفرا |
(شرح نهج البلاغة ١٨/١٠٩)
٥ ـ إذا هبت أمراً فقع فيه، فإنّ شدّة توقّيه أعظم ممّا تخاف منه. (نهج البلاغة ٥٠١/ح ١٧٥)
ما أحسن ما قاله المتنبي في هذا المعنى:
وإذا لم يَكُن مِنَ الموتِ بُدّ |
|
فمِنَ العَجزِ أن تكونَ جَبانا |
كلُّ مالَم يَكُن مِنَ الصّعب في الأنـ |
|
ـفُسِ سَهل فِيها إذا هو كَانا |
(ديوان المتنبي ٤/٣٧٢)
يقول: إنّما يصعب الأمر على النفس قبل وقوعه، فإذا وقع سهل وهان، كما قال البحتري:
لعمركَ ما المكروهُ إلاّ ارتِقابه |
|
وابَرح ممّا حلّ ما يَتَوقّعُ[٨] |
(نفس المصدر)
٦ ـ أزجر المسيء بثواب المحسنِ. (نهج البلاغة ٥٠١/ح١٧٧)
من أجودِ ما قيلَ في هذا المعنى قول أبي العتاهية:
إذا جازيتَ بالإحسان قوماً |
|
زَجَرتَ المذنبينَ عَنِ الذّنوبِ |
(شرح نهج البلاغة ١٨/٤١٠)
٧ ـ ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحّة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب. (نفس المصدر ١٩/٣٣٧)
قال أحمد بن يوسف الكاتب في هذا المعنى :
المالُ للمرء في معيشته |
|
خيرٌ من الوالدين والولدِ |
وإن تدم نعمةٌ عليك تجِد |
|
خيراً من المال صحّة الجسد |
وما بمن نال فضل عافيةٍ |
|
وقُوت يوم فقرٌ إلى أحَدِ |
(نفس المصدر)
٨ ـ أما إنّه ليس بين الحقّ والباطل إلاّ أربع أصابع [فسئل عليه السلام عن معنى قوله هذا، فجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه ثمّ قال:] الباطل أن تقول سمعت، والحقّ أن تقول رأيت. (نهج البلاغة ١٩٨/ح١٤١)
من هذا الباب قول أبي الطيب المتنبيّ:
خُذ ما تراهُ ودع شيئاً سمعت بهِ |
|
في طلعة الشّمس ما يُغنيك عن زُحل |
٩ ـ إنّ أهل الدنيا كركب بيناهم حلّوا إذا صاح بهم سائقهم فارتحلوا. (نهج البلاغة ٥٤٨/ح٤١٥)
مما يناسب كلام الإمام علي(ع) قول أبي العتاهية:
إنّ داراً نحنُ فيها لدارٌ |
|
ليش فيها لمُقيم قرارُ |
كم وكم قد حلّها من أُناسٍ |
|
ذهب الليلُ بهم والنّهارُ |
فهم الرّكبُ أصابُوا مناخاً |
|
فاستراحوا ساعةً ثُمُ ساروا |
وكذا الدّنيا على ما رأينا |
|
يذهبُ الناسُ وتخلوا الدّيارُ |
(شرح نهج البلاغة ٢٠/٥٣)
١٠ ـ إن صبرتَ صبر الأكارم، وإلاّ سلوت سلوّ البهائم. (نهج البلاغة ٥٤٨/ح٤١٤)
أخذ هذا المعنى أبو تمام، بل حكاه فقال:
وقال عليٌّ في التعازي لأشعثٍ |
|
وخاف عليه بعض تلك المآثم |
أتصبر للبلوى عزاءً وحسبةً |
|
فتؤجر أم تسلُو سُلُوّ البهائم |
(شرح نهج البلاغة ٢٠/٥٠)
كما قال محمود الوراق:
إذا أنت لم تسل اصطباراً وحسبةً |
|
سلوت على الأيام مثل البهائم |
(ديوان المتنبي ١/١٨١)
ومثل هذا قول المتنبي:
وللواجِدِ المكروب من زَفَراتِهِ |
|
سكون عزاء أو سكون لغوب |
(نفس المصدر)
١١ ـ إنّ الصبرَ لجميلٌ إلاّ عنك، وإنّ الجزع لقبيحٌ إلاّ عليك، وإنّ المصاب بك لجليلٌ ، وإنّه قبلك وبعدك لجلل[٩] (نهج البلاغة ٥٢٧/ح ٢٩٢)
قد أخذ المتنبي هذا المعنى فقال:
أجدُ الجفاء على سواك مروءةً |
|
والصّبر إلا في نواك جميلا |
(ديوان المتنبي ٣/٣٥٠)
ومن هذه الكلمة أيضاً قول بعض الشعراء:
أمسَت بجفني للدّموع كُلُومُ |
|
حُزناً عليك وفي الخدود رسوم |
والصّبرُ يحمدُ في المواطن كلّها |
|
إلاّ عليك فإنّه مذمومُ |
(شرح نهج البلاغة ١٩/١٩٥)
١٢ ـ أولى النّاس بالعفو أقدرهم على العقوبة . (نهج البلاغة ٤٧٨/ح٥٢) مثل هذا قول الشاعر:
أعفُ عنّي فقد قدرت وخيرُ الـ |
|
ـعفوِ عفوٌ يكون بعد إقتدار |
(مجمع الأمثال ١/٢٤٣)
كما اقتبس الطرابلسي منه قائلاً:
أعفُ إذا قدرت يا ذا الصولةِ |
|
فإنّ خير العفو ما عن قُدرة |
(فرائد اللآل ١/١٩٩)
١٣ ـ إيّاك وما يعتذر منه. (نهج البلاغة ٤٠٧/ك٣٣)
قال الطرابلسي في هذا المعنى :
واحذر أمُوراً توجبُ اعتذارا |
|
يُنزِلُ ذُو القدر بها مقداراً |
(فرائد اللآل ١/٣٨)
هذا مثل جاء في كتاب له(عليه السلام) إلى قثم بن العباس وهو عاملة على مكّة، ويضرب في النهى عن اقتراف الخطايا.
١٤ ـ إيّاك ومصادقة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك. (نهج البلاغة ٤٧٥/ح٣٨) أخذ ابن أبي الحديد هذا المعنى فقال في أبيات له:
حياتُك لا تصحبنّ الجهول |
|
فلا خير في صحبة الأخرق |
يظُنّ أخو الجهل أنّ الضّلا |
|
ل عينُ الرّشاد فلا يتّقي |
ويكسبُ صاحبُهُ حُمقهُ |
|
فيسرقُ منهُ ولا يسرق |
وأقسمُ أنّ العدُوّ اللبيـ |
|
ـب خيرٌ من المشفق الأحمق |
(شرح نهج البلاغة ١٨/١٥٧)
١٥ ـ الجار قبل الدار. (نهج البلاغة ٤٠٥/ك٣١)
اقتبس الطرابلسي من هذا المثل فقال:
الجارُ ثمّ الدارُ يا خليلي |
|
فاختر تكُن ذا سؤددٍ أثيل |
(فرائد اللآل ١/١٤٥)
وقد قيل في معناه: إذا أردت شراء دار فسل عن جوارها قبل شرائها[١٠] قال أبو تمام في هذا المعنى أيضاً :
من مبلغٌ أفناء يعرب كُلّها |
|
أنّي ابتنيتُ الجار قبل المنزل |
(موسوعة أمثال العرب ٣/٤٨٢)
كما قال شاعر آخر:
يلُومُونني أن بعتُ بالرخص منزلي |
|
ولم يعلمُوا جاراً هناك يُنغّصُ |
فقلتُ لهم: بعضُ الملام فإنّما |
|
بجيرانها تغلُو الدّيارُ وترخصُ |
(نفس المصدر)
١٦ ـ الحكمة ضالّة المؤمن. (نهج البلاغة ٤٨١/ح٨٠)
أخذ الطرابلسي هذا القول فقال:
الحكمةُ التي أضلّ المؤمنُ |
|
يأخُذُ حيثُ يراها تمكنُ |
(فرائد اللآل ١/١٧٩)
١٧ ـ حنّ قدح ليس منها . (نهج البلاغة ٣٨٦/ك٢٨)
هذا مثل يضرب لمن يدخل نفسه بين قوم وليس منهم، أو يتمدّح بما لا يوجد فيه، ولقد اقتبس الطرابلسي منه ثائلاً :
يا من بنظم الشّعر جاء يفتخر |
|
قد حنّ قدحٌ ليس منها فازدجر |
|
|
(فرائد اللآل ١/١٥٩)
١٨ ـ خالطوا النّاس مخالطةً إن متمّ معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنّوا إليكم . (نهج البلاغة ٤٧٠/ح١٠)
من جيّد ما قيل في هذا المعنى قول الشاعر:
ياذا الّذي ولدتك أُمُك باكياً |
|
والنّاسُ حولك يضحكُون سروراً |
إحرص على عملٍ تكون به متى |
|
يبكون حولك ضاحكاً مسروراً |
(مجاني الأدب ٢/٤٣)
١٩ ـ الدّنيا خلقت لغيرها، ولم تخلق لنفسها. (نهج البلاغة ٥٥٧/ح٤٦٣)
قال أبو العلاء المعتري في هذا المعنى ما يطابق إرادة أمير المؤمنين(ع) بلفظه هذا:
خُلق النّاس للبقاء فضلّت |
|
أُمّةٌ يحسبُونهُم للنقّاد |
إنّما يُنقلون من دار أعما |
|
لٍ إلى دار شقوة أو رشاد |
(شرح نهج البلاغة ٢٠/١٨١)
٢٠ ـ رأيُ الشّيخ أحبُّ إليّ من جلد الغُلام. (نهج البلاغة ٤٨٢/ح٨٦)
أخذ الطرابلسي هذا المعنى فقال:
من مشهد الغلام رأيُ الشيخ، يا |
|
فتاة خيرٌ لك فابتغي الحيا |
|
|
|
(فرائد اللآل ١/٢٥١)
كما قال شاعر أخر:
إنّ الأمور إذا الأحداث دبّرها |
|
دون الشّيوخ ترى في بعضها خللا |
|
|
|
(أمثال وحكم ١/٥٠)
وقريب من هذا قول المتنبي:
الرّأي قبل شُجاعة الشُّجعان |
|
هُو أوّلٌ وهي المحلّ الثاني |
(ديوان المتنبي ٤/٣٠٧)
لا ريب أنّ الرأي مقدّم على الشّجاعة لأصالة منفعته، وإنّما خصّ الرأي بالشيخ والجلد بالغلام، لأنّ الشيخ كثير التجربة، فيبلّغ من العدوّ برأيه ما لا يبلغ بشجاعته الغلام الحدث غير المجرّب[١١].
٢١ ـ ربّ ساعٍ فيما يضرّه. (نهج البلاغة ٤٠٢/ك٣١)
من أحسن ما قيل في هذا المعنى قول ابن هرمة :
وكَم مِن طالبٍ يسعى لشيءٍ |
|
وفيه هلاكُهُ لوكان يدري[١٢] |
|
|
|
(البيان والتبيين ٣/١٥٤)
٢٢ ـ ربّ قولٍ أنفدُ من صولٍ . (نهج البلاغة ٥٤٥/ح٣٩٤)
اقتبس الطرابلسي من هذه الكلمة فقال:
قُل ما تراهُ ربّ قولٍ أُثّرا |
|
أشدّ من صولٍ يُريك أثرا |
(فرائد اللآل ١/٢٤٢)
كما قال الأخطل:
حتّى أصرّوا وهُم منّي على مضضٍ |
|
والقولُ ينفذُ ما لا تنفذُ الابر[١٣] |
|
|
|
(موسوعة أمثال العرب ٦/١٠٢)
٢٣ ـ ربّما كان الدواء داء، والداء دواء. (نهج البلاغة ٤٠٢/ك٣١)
مثل هذا قول أبي الطيّب المتنبي:
قد استشقيتُ من داءٍ بداء |
|
وأقتلُ ما أعلّك ما شفاكا |
(ديوان المتنبي ٣/١٢٩)
ومن ذلك أيضاً معنى قوله أو قريب منه:
لعلّ عتبك محمودٌ عواقبه |
|
فربّما صحّت الأجسامُ بالعلل |
(نفس المصدر٣/٢١٠)
كما قال أبو نؤاس:
دع عنك لومي فإنّ اللّوم إغراءُ |
|
وداوني بالّتي كانت هي الدّاء |
(ديوان أبي نؤاس٦)
٢٤ ـ ربّ ملومٍ لا ذنب له. (نهج البلاغة ٣٨٨ رك ٢٨)
مثلُ هذا الكلام قول الشاعر:
فلا تلُم المرء في شأنه |
|
فربّ ملومٍ ولم يذنُب |
(المستقصى ٢/٩٩)
كما اقتبس الطرابلسي منه فقال:
رُبّ ملومٍ ما له ذنبٌ يرى |
|
فلا تلُم شخصاً على ما قد جرى |
|
|
|
(فرائد اللآل ١/٢٤٧)
٢٥ ـ ردّوا الحجر من حيث جاء[١٤] فإنّ الشرّ لايدفعه إلاّ الشرّ. (نهج البلاغة ٥٣٠/ح٣١٤)
أخذ الطرابلسي هذا الكلام فقال:
من حيثُ ما جاءك ردّ الحجرا |
|
لا تقبل الضّيم تكُن سامي الذّرى |
(فرائد اللآل ١/٢٥٩)
٢٦ ـ الرفيق قبل الطريق. (نهج البلاغة ٤٠٥/ك ٣١)
من مستحسن ما قيل في هذا المعنى قول الطرابلسي:
قبل الطّريق حصّل الرّفيقا |
|
فربّما تلقى بها مضيقا |
(فرائد اللآل ١/٢٥٧)
٢٧ ـ زهدك في راغب فيك نقصان حظّ ، ورغبتك في زاهد فيك ذلّ نفس. (نهج البلاغة ٥٥٥/ح٤٥١)
مما يناسب هذا الكلام قول العباس بن الأحنف في نسيبه:
ما زلتُ أزهذ في مودّة راغبٍ |
|
حتّى ابتُليتُ برغبةٍ في زاهد |
هذا هو الداءُ الذي ضاقت به |
|
حيلُ الطّيب وطال باسُ العائد |
(شرح نهج البلاغة ٢٠/١٠١)
٢٨ ـ السعيد من وعظ بغيره. (نهج البلاغة ١١٧/ط ٨٦)
من الشعر القديم الجيد في هذا المعنى قول الحارث بن الكلدة:
إنّ السعيد لهُ في غيره عطةٌ |
|
وفي الحوادث تحكيمٌ ومعتبرُ |
(جمهورة الأمثال ١/٥٣١)
كما أخذ الطرابلسي هذا الكلام فقال:
فهل يُوعظ من يكون فظ |
|
إنّ السعيد من بغيره إتّعظ |
(فرائد اللآل ١/٢٨٩)
٢٩ ـ شقشقة هدرت ثمّ قرّت . (نهج البلاغة ٥٠/طـ ٣)
قد اقتبس الطرابلسي من هذا المثل قائلاً:
شقشقةٌ قد هدرت وقرّت |
|
منّي لمّا حاجتي استقرّت |
(فرائد اللآل ١/٣١٥)
٣٠ ـ الصبر مفتاح الفرج. (شرح نهج البلاغة ٢٠/٣٠٧)
من الشعر الحكمي في هذا الباب قول الشاعر:
بنى الله للأخيار بيتاً سماؤهُ |
|
همومٌ وأحزانٌ وحيطانُهُ الضُرُّ |
وأدخلهُم فيه وأغلق بابهُ |
|
وقال لهم مفتاحٌ بابكُمُ الصّبرٌ |
(جواهر الأدب ٢/٣٥٢)
كما تأثر الطرابلسي بهذه الكلمة فقال:
والصّبرُ في ما قيل مفتاحُ الفرج |
|
يا فوز من إليه في السّعي درج |
(فرائد اللآل ١/٣٥٢)