وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                

Search form

إرسال الی صدیق
مقدمة في مصادر نهج البلاغة

الشيخ حسن حسن زادة الآملي

الحمد لله الذي هدانا للتمسك بولاية خير العتر ، عترة خاتم الانبياء ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الذين اولهم آدم الاولياء وسيد الاوصياء ، وآخرهم قائمهم خاتم الاولياء ، خزائن الوحي ومفاتح الغيب .
قد قيض الفياض على الاطلاق لنا الغوص والخوض في طائفة من كلام الناطق بالصواب : « انا لامراء الكلام وفينا تنشبت عروقه وعلينا تهدلت غصونه » ، وقد نضد ما اقتني من دررها ولالئها في سلك خمس مجلدات مرصفة مسماة بـ « تكملة منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة » وقد طبعت غير طبعة .
وكان مما يهمنا في ذلك الشرح تحصيل اسناد ما في النهج وذكر مصادره وماخذه من الجوامع الروائية والمجاميع التي الفت ودونت قبل جامع النهج ؛ الشريف الرضي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ مثل :
الجامع الكافي ، لثقة الاسلام الكليني ، المتوفى سنة ٣٢٨ هـ ، على أحد قولي شيخ الطائفة الطوسي ـ قدس سره القدوسي ـ أو سنة ٣٢٩ هـ ، على ما قاله النجاشي ـ رحمة الله عليه ـ .
والبيان والتبيين ، لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، المتوفى سنة ٢٥٥هـ.
والكامل ، لابي العباس محمد بن يزيد ، المعروف بالمبرد ، المتوفى سنة ٢٨٥هـ.
والكتاب المعروف بتاريخ اليعقوبي ، لاحمد بن أبي يعقوب الكاتب ، المتوفى سنة ٢٤٦هـ كما في الكنى والالقاب للمحدث القمي ، أو حدود سنة ٢٩٢هـ على قول آخر .
وتاريخ الامم والملوك ، المعروف بتاريخ الطبري ، لابي جعفر محمد بن جرير الطبري الاملي ، المتوفى سنة ٣١٠هـ.
وكتاب صفين ، للشيخ الاقدم أبي الفضل نصر بن مزاحم المنقري التميمي الكوفي ، من جملة الرواة المتقدمين ، بل هو في درجة التابعين ، كان من معاصري الامام محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، باقر العلوم ، وكأنه كان من رجاله عليه السلام ، وأدرك الامام علي بن موسى الرضا عليهما السلام كما في « الخرائج » للراوندي رحمه الله تعالى ، وكانت وفاة نصر سنة ٢هـ.
وكتب الشيخ الاجل المفيد ـ رضوان الله عليه ـ المتوفى سنة ٤١٣هـ ، لا سيما ما نقل في كتبه باسناده عن المؤرخ المشهور محمد بن عمر بن واقد الواقدي المدني ، المتوفى سنة ٢٠٧هـ.
وكتاب الامامة والسياسة ، المعروف بتاريخ الخلفاء ، من مؤلفات عبدالله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري ، المتوفى سنة ٢٧٦هـ.
ومروج الذهب ومعادن الجوهر في التاريخ ، لابي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي ، المتوفى سنة ٣٤٦هـ.
وكتب أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، المشتهر بالشيخ الصدوق ـ رضوان الله تعالى عليه ـ ، المتوفى سنة ٣٨١هـ.
وكتاب الغارات ، لابي اسحاق ابراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الكوفي الاصبهاني ، المتوفى سنة ٢٨٣هـ.
وغيرها من الكتب الاصيلة المعتمد عليها للعلماء الاقدمين الذين كانوا قبل الرضي جامع النهج ببضع سنين الى فوق مائتين ، وهو رضوان الله عليه توفي سنة ٤٠٦هـ من هجرة خاتم النبيين .
وما هذه المصادر الا انموذج لكثير مما يمكن أن يندرج معها .
وانما حدانا على ذلك طعن بعض المعاندين من السابقين واللاحقين بل المعاصرين على النهج بأنه ليس من كلام أمير المؤمنين عليه السلام بل هو مما وضعه الرضي أو أخوه المرتضى فنسبه اليه !
وقد نقل القاضي نور الله الشهيد ـ رحمه الله تعالى ـ في « مجالس المؤمنين » ـ عند ترجمة الشريف المرتضى علم الهدى أخي الرضي جامع النهج ـ من تاريخ اليافعي ما نصه : « وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام علي بن أبي طالب عليه السلام ، هل هو جمعه ، أو أخوه الرضي ؟ وقد قيل انه ليس من كلام علي بن أبي طالب ، وانما أحدهما هو الذي وضعه ونسبه اليه » .
أقول : الظاهر أن اليافعي أخذ هذا الطعن من القاضي ابن خلكان في « وفيات الاعيان » ونقله بألفاظه في تاريخه والقائل واحد ، وقد قاله القاضي عند ترجمة علم الهدى ، واليافعي توفي سنة ٧٦٧هـ ، وابن خلكان توفي سنة ٦٨١هـ ، الا أن ابن خلكان قال ـ بعد قوله في اختلاف الناس أنه ليس من كلامه ـ : وانما الذي جمعه ونسبه اليه هوالذي وضعه .
أقول : والفرق بينهما أن الواضع على عبارة اليافعي هو علم الهدى أو أخوه الرضي ، وأما على ما في الوفيات فيمكن أن يكون غيرهما .
ثم ان تلك الشبهة الواهية ليست بتلك المثابة التي قال فيها اليافعي : « وقد اختلف الناس » ، بل تفوه بها معاند هتاك لم يتفحص في الجوامع الروائية والصحف العتيقة ، ولم يكن عارفا بأنحاء الكلام . . . والا فكيف يجترئ العالم الخبير المتتبع الباحث عن فنون الكلام أن ينحل الكلام الذي هو دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق الى من نسبة منشاته وأشعاره وسائر كلماته الى ما أفاضه أميرالمؤمنين عليه السلام كنسبة السها الى البيضاء ! ؟
وقد كلت الالسن أن تتمجمج باتيان خطبة من خطب النهج لفظا أو معنى ، والخطباء الذين يشار اليهم بالبنان ، وتثنى عليهم الخناصر في المحاضر ، كلهم عياله عليه السلام ، ومن الاخذين عنه .
وقد تحيرت دون كتبه ورسائله وخطبه وحكمه العقول ، وخضعت لها أفكار الفحول ، لاشتمالها على اللطائف الحكمية ، والحقائق العقلية ، والمسائل الالهية في توحيد الله التي لايصل الى شاهق معرفتها الا كلام الوصي ، « سبحان الله عما يصفون الا عباد الله المخلصين »  [١] .
وهذا عبدالحميد الذي قال فيه ابن خلكان في وفيات الاعيان : « أبو غالب عبدالحميد بن يحيى بن سعيد ـ الكاتب البليغ المشهور ـ كان كاتب مروان بن الحكم الاموي آخر ملوك بني امية ، وبه يضرب المثل في البلاغة حتى قيل : فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد . وكان في الكتابة وفي كل فن من العلم والادب اماما ، وعنه أخذ المترسلون ولطريقته لزموا ولاثاره اقتفوا . وهو الذي سهل سبيل البلاغة في الترسل . ومجموع رسائله مقدار ألف ورقة . وهو أول من أطال الرسائل ، واستعمل التحميدات في فصول الكتاب ، فاستعمل الناس ذلك بعده ، قال : (حفظت سبعين خطبة من خطب الاصلع ففاضت ثم فاضت) ويعني بالاصلع أمير المؤمنين عليا عليه السلام » .
وهذا ابن نباتة منشئ الخطبة المنامية ، الذي قال فيه ابن خلكان أيضا في الوفيات : « أبو يحيى عبدالرحيم بن محمد بن اسماعيل بن نباتة صاحب الخطب المشهورة كان اماما في علوم الادب ، ورزق السعادة في خطبه التي وقع الاجماع على أنه ما عمل مثلها .
وفيها دلالة على غزارة علمه وجودة قريحته ، قال : (حفظت من الخطابة كنزا لايزيده الانفاق الا سعة وكثرة ، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب) وتوفي ابن نباتة سنة ٣٩٤هـ . وهو من أساتذة الشريف الرضي » .
وهذا أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليثي البصري ، المعروف بالجاحظ ، العالم المشهور ، صاحب التصانيف في كل فن ، كما وصفه بذلك ابن خلكان في الوفيات أيضا وقد تقدم ذكره .
ومن تصانيفه كتاب « البيان والتبيين » وهذا الكتاب هو أحد الكتب الاربعة التي هي أئمة الكتب الادبية ، والثلاثة الاخرى هي الامالي للقالي ، وأدب الكاتب لابن قتيبة الدينوري ، والكامل للمبرد . ومن كلامه في البيان والتبيين ما هذا لفظه : « قال علي رحمه الله : (قيمة كل امرئ ما يحسن) فلولم نقف من هذا الكتاب الا على هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية ، ومجزئة مغنية ، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية ، وغير مقصرة عن الغاية . وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره ، ومعناه في ظاهر لفظه . وكان الله عزوجل قد ألبسه من الجلالة وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله » [٢] .
ومن تصانيف الجاحظ رسالة حافلة اشتملت على مائة كلمة من كلمات امير المؤمنين عليه السلام ، وقد شرحها بالفارسية الرشيد الوطواط وسماها « مطلوب كل طالب من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب » . وقال الجاحظ في وصفها ـ ونعم ما قال ـ : « كل كلمة منها تفي بألف من محاسن كلام العرب » .
وهذا أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي ، المتوفى سنة ٣٤٦هـ ، وتاريخ وفاته سابق لولادة الشريف الرضي بزهاء ثلاث عشرة سنة ، لان ولادة الرضي كانت سنة ٣٥٩هـ ، قد نص في « مروج الذهب » بما هذا لفظه فيه : « والذي حفظ الناس عنه عليه السلام ـ يعني به أميرالمؤمنين عليا ـ من خطبه في سائر مقاماته أربعمائة خطبة ونيف وثمانون خطبة يوردها على البديهة وتداول الناس ذلك عنه قولا وعملا »  [٣] .
والعجب أن الشريف الرضي مع قرب عهده من المسعودي أتى في النهج ـ من خطبه عليه السلام ـ بما يبلغ نصف العدد الذي نص عليه صاحب المروج أو أقل منه .
ونحو الطعن المومى اليه ما افتراه بعض المخالفين على الرضي من أن الخطبة الشقشقية ـ وهي الخطبة الثالثة من النهج ، وقد رواها الفريقان بطرق عديدة ـ من مجعولات الرضي وموضوعاته ، نسبها الى علي وأدرجها في أثناء خطب النهج .
وأنا أقول : ما جرى بين مصدق بن شبيب وشيخه ابن الخشاب ـ فيها ـ معروف مشهور ، قد نقله الشارحان ؛ ابن أبي الحديد ، والبحراني ، فالاول في آخر شرحه عليها ، والاخر في أوله . وقدأتى بها ابن أبي جمهور الاحسائي في « المجلى » أيضا [٤] . وهي ـ كما قلنا ـ قد رويت بطرق كثيرة روتها الخاصة والعامة  [٥] .
وأما ما في الوفيات وتاريخ اليافعي من أن الناس قد اختلفوا في النهج هل المرتضى جمعه أو الرضي ؟ فيدفعه ما قاله جامع النهج في مقدمته له : « فاني كنت في عنفوان السن وغضاضة الغصن ابتدأت بتأليف كتاب في خصائص الائمة عليهم السلام يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر كلامهم ...».
وكذا قال في آخر الخطبة ٢١ من النهج ما هذا لفظه : « وقد نبهنا في كتاب الخصائص على عظم قدرها وشرف جوهرها » ، ولا كلام في أن خصائص الائمة من كتب الرضي رحمه الله  [٦].
أقول : نسخة من خصائص الائمة للرضي موجودة في المكتبة الرضائية في رامپور تاريخ كتابتها القرن السادس من الهجرة .
على ان ثقات المحدثين وكبار المؤرخين ـ من الفريقين ـ قد أطبقوا قاطبة على أن النهج مما جمعه الشريف الرضي من كلمات أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام ، وارتياب من لاخبرة له فيه أمر لا يعبأ به .
ثم ان سلسلة أسانيد مشايخ الاجازة والاستجازة في نهج البلاغة ، وانتهاؤها الى الرضي ، بلغت من الكثرة الى حد التواتر الذي لا يشوبه في ذلك ريب ، ولايعتريه عيب ، ونحن نكتفي في المقام بما في نسخة كريمة عتيقة من النهج عورضت بنسخة الرضي وقد تضمنت فوائد تامة هي حجة قاطعة لاهل اللجاج والعناد ، والنسخة لها شأن من الشأن وهي من جملة كتب مكتبة الحبر الكريم السيد مهدي الحسيني اللاجوردي ـ مد ظله العالي ـ في دارالعلم مدينة قم .
وقد أنعم لنا وتفضل علينا من سجيته السخية بالاطلاع عليها وأتم احسانه باعطائها ايانا على سبيل الامانة برهة من الزمان .
ولما رأينا نفاستها وقداستها عزمنا بعون الله تعالى على مقابلة نسخة عتيقة من نسخ النهج التي في تملكنا بها حرفا بحرف وأضفنا اليها ما حازت النسخة الاولى من تلك الفوائد الرائقة .
فقد برزت أيضا بحمدالله سبحانه وحسن توفيقه نسخة موثوقا بها ومعتمدا عليها .
وقد فرغنا من مقابلتها بها ليلة الاثنين لاربع خلون من ذي الحجة من سنة خمس وثمانين وثلاثمائة بعد الالف من هجرة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم في دار العلم قم .
واليك أهم تلك الفوائد وغررها :
آ ـ في نسخة الرضي بعد كلام أميرالمؤمنين عليه السلام : « اذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه » ، وهذا الكلام هو آخر ما في النهج ، وقد جاءت عبارة الرضي هكذا :
« وهذا حين انتهاء الغاية بنا الى قطع المختار (المنتزع ـ خ ل) من كلام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه حامدين الله (لله ـ معا) سبحانه على ما من به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه ، وتقريب ما بعد من أقطاره ، ومقررين العزم كما شرطنا أولا على تفضيل أوراق من البياض في آخر كل باب من الابواب لتكون لاقتناص الشارد واستلحاق الوارد ما عساه أن يظهر لنا بعد الغموض ، ويقع الينا بعد الشذوذ وما توفيقنا الا بالله عليه توكلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل ، ( نعم المولى ونعم النصير ـ نسخة) وذلك في رجب من سنة أربعمائة والحمدلله وصلواته على سيدنا محمد وآله اجمعين » .
أقول : بعض نسخ النهج عارية من هذه العبارة الشارقة المفيدة جدا ، والحق الحاقها به وجعلها من تتمة كلام الرضي في بيان ما عمل من نضد المنتزع من كلام مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام كما في هذه النسخة وفي نسخ اخرى .
ب ـ آخر النسخة كان مزدانا بهذه العبارة : « في آخر المنتسخ منه المنقول عنه :
« فرغت من قراءته على مولاي وسيدي الامام الكبير العالم النحرير زين الدين جمال الاسلام فريد العصر محمد بن أبي نصر ـ أدام الله ضله ، وكثر في أهل الاسلام والفضل مثله ـ في شهر ربيع الاول من شهور سنة سبع وثمانين وخمسمائة هجرية . وبعد القراءة عرضت هذه النسخة على نسخته المقروءة على السيد الكبر العلامة ضياء الدين علم الهدى ـ قدس الله روحه ونور ضريحه ـ ، ونقلت اليها ما وجدته فيها من النكت الغريبة والنتف العجيبة وصححتها غاية التصحيح فصحت الا ما زل عن النظر أو تهارب عن ادراك البصر ، ولله الحمد والمنة ، وهو حسبي ونعم الحسيب » .
ج ـ وفيها :
« بلغت المقابلة بنسخة السيد الامام رضي الله عنه والحمدلله على ذلك ، وصلواته على سيدنا محمد وآله الطاهرين ».
أقول : يعني بالسيد الامام السيد ضياء الدين علم الهدى المنوه بذكره آنفا وآتيا .
د ـ وفيها :
« كل ما هو بالحمرة على حواشي هذا الكتاب وفي متنه فهو نسخة السيد الرضي رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه .
وبحمدالله وحسن توفيقه وجزيل نعمائه وشمول عواطفه نقلت ما في المنتسخ منه من الحواشي في نسختي هذه على الهيئة التي كانت فيه سواد أو حمرة بعد ما كتبت أصلها منه مراعيا لما كتب فيه بالحمرة كذلك متنا الا خمسة كراريس أشرت اليها في آخر كل كراس لما عرضتها عليها كما راعيته حاشية . وبذلت جهدي في مطابقة نسختي لتلك النسخة متنا وحاشية في أثناء كتابتي وأنا أقل الاقلين ابن باباجان الشيرازي غفر الله له ولوالديه بعلي وحسنيه عليهم السلام . ثم عرضت نسختي هذه متنا عليها وقد كتب في آخركل كراس عورض وصحح وقرئ بالحمرة والسواد كما كتبته هنا اشارة الى أنها عرضت . . . السيد بعد تصحيحها بنسخة غيره وقـ . . . نسختي عليها في مجالس . . . والحمدا . . . ظ . . . » انتهى .
أقول : مواضع البياض قد خرمت وميت كتابتها .
هــ ثم قال الناسخ المذكور ـ ابن بابا جان الشيرازي ـ ما هذا لفظه :
صورة ما في المنتسخ كتبت أمامه قبل الشروع الى أصله ، أحببت ايرادها ونقلها ليعرف الناظر البصير قدر نسختي التي نقلتها منه وهو حسبي ونعم الوكيل وهي هذه :
قرأ وسمع علي كتاب نهج البلاغة الاجل الامام العالم الوالد الاخص الافضل جمال الدين زين الاسلام شرف الائمة علي بن محمد بن الحسين المتطبب ـ أدام الله جماله وبلغه في الدارين آماله ـ قراءة وسماعا يقتضيهما فضله . وأجزت له أن يرويه عني عن المولى السعيد والدي سقاه الله صوب الرضوان عن أبي معبد الحسني عن الامام أبي جعفر الطوسي عن السيد الرضي رضي الله عنه .
ورويته له عن الشيخ الامام عبدالرحيم بن الاخوه البغدادي عن الشيخ أبي الفضل محمدبن يحيى الناتلي عن أبي نصر عبدالكريم بن محمد سبط بشر الديباجي عن السيد الرضي رضي الله عنه .
وروى لي السيد الامام ضياء الدين علم الهدى سقى الله ثراه عن الشيخ مكي بن أحمد المخلطي عن أبي الفضل الناتي (كذا ـ الناتلي ظ ـ كما تقدم في السند المقدم) عن أبي نصر عن الرضي رحمهم الله .
ورواه لي أبي ـ قدس الله روحه ـ عن الشيخ الامام أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن المقري النيسابوري عن الحسن بن يعقوب الاديب عمن سمعه من الرضي رضي الله عنه . كتبه علي بن فضل الله الحسني حامدا مصليا في رجب سنة تسع وثمانين وخمسمائة .
وفيها : قرأ علي الولد الاعز الانجب جمال الدين أبو نصر علي بن محمد بن الحسين المتطبب ـ أبقاه الله طويلا وآتاه من فضله جزيلا ـ كتاب نهج البلاغة نسخته هذه من أولها الى آخرها وأجزت له روايته عني عن السيد الامام العالم العارف ضياء الدين تاج الاسلام علم الهدى أبي الرضا فضل الله بن علي بن عبدالله الحسني الراوندي ـ بوأه الله في جواره جنانه ، وثقل بالحسنات ميزانه ـ قراءة عليه عن ابن معبد عن أبي جعفر محمد ابن الحسن بن علي الطوسي عن الرضي الموسوي رضي الله عنه ، وعني عن الاستاذ السعيد أمين الدين أبي القاسم المرزبان بن الحسين المدعو ابن كميج ، وعن خال أبوي الاديب أبي الحسن محمد بن الاديب أبي محمد الحسن بن ابراهيم عن الشيخ جعفر الدوريستي عن الرضي رضي الله عنه وعنهم وعنا جميعا .
وكتب محمد بن أبي نصر بن محمد بن علي سلخ شهرالله المرجب رجب سنة سبع وثمانين وخمسمائة هجرية نبوية حامدا ومصليا ومسلما على نبيه محمد وعترته أجمعين .
وفيها : يقول العبد الضعيف أبو نصر علي بن أبي سعد بن الحسن بن أبي سعد الطبيب أسعده الله في الدارين بحق النبي سيد الثقلين عليه وعلى أهل بيته أفضل الصلوات وأمثل التحيات ، أجاز لي السيد الامام الكبير ضياء الدين علم الهدى ـ رحمه الله ـ كتاب نهج البلاغة للسيد الامام الرضي ذي الحسبين أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن موسى بن جعفر بن محمدبن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن السيد المرتضى بن الداعي الحسيني عن الشيخ أبي عبدالله جعفر بن محمد الدوريستي عنه رضي الله عنه . و « الغريبين » عن الشيخ زاهر بن طاهر النيسابوري المستملي عن أبي عثمان الصابوني عن أبي عبيد الهروي المؤدب مصنفه ـ رحمه الله ـ .
و « غرر الفوائد ودرر القلائد » عن السيد حمزة بن أبي الاغر نقيب مشهد الحسين صلوات الله عليه عن ابن قدامة عن علم الهدى رضي الله عنه .
و « غريب الحديث » لابي عبيدالقاسم بن سلام البغدادي عن أبي علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد عن أبي نعيم الحافظ عن سليمان الطبراني الشامي عن علي بن عبدالعزيز البغوي عن أبي عبيد رحمهم الله . وكذلك أجاز لي رواية جميع ما له روايته من منقول أو معقول (أو مقول ـ أصل) . وكتب في رجب سنة سبع وثمانين وخمسمائة هجرية محمدية حامدا لله تعالى مصليا على سيدنا محمد وآله الطاهرين وهو حسبي ونعم الحسيب .
وفيها : لكاتبها العبد الضعيف الراجي عفو ربه الخائف من عظيم ذنبه أبي نصر علي ابن أبي سعد الطبيب أسعده الله في الدارين :

 

ومعشش البلغاء والعلماء في ***** نهج البلاغة مشرع الفصحاء
درجه من غير ما استثناء جفر ***** درج العقود رقاب ارباب التقى
المشار اليه في الانباء امن ***** في طيه كل العلوم كانه المن
العثار وفاز بالعلياء ***** كان يسلك نهجه متشمرا

وفيها : للسيد الامام عز الدين سيد الائمة المرتضى بن السيد الامام العلامة ضياء الدّين علم الهدى قدس الله روحهما :

 

نهج البلاغـة لـذوي البلاغة واضــح ***** وكلامه لكلام أرباب الفصاحة فاضــح
العلم فيه زاخر والفضل فيـه راجــح ***** وغوامض التوحـيد فيه جميعها لك لائح
ووعيده مع وعـده للنـاس طـرا ناصح ***** تحظـى به هذي البرية صالـح أو طالح
لا كالعريب ومـالها فالمـال غـاد رائح ***** هيهات لايعلو على مرقـى ذراه مـادح
ان الرضي المـوسوي لما به هو مائح ***** لاقت به وبجمعه عـدد القـطار مدائح

وفيها : اللهم ارحم عبدك العاصي يوم يؤخذ بالنواصي حسبي الله جل جلاله .
يقول العبد الضعيف المسيء الى نفسه في يومه وأمسه ، أبو نصر علي بن أبي سعد محمد بن الحسن بن أبي سعد الطبيب ، أسعده الله في الدارين بمحمد سيد الثقلين وآله مصابيح الملوين عليه وعليهم أفضل الصلوات وأمثل التحيات : عرضت هذه النسخة بعد القراءة على الامام الكبير العلامة النحرير زين الدين سيد الائمة فريد العصر محمد بن أبي نصر ـ سقاه الله شآبيب رضوانه ، وكساه جلابيب غفرانه ـ على نسخة السيد الامام الكبير السعيد ضياء الدين علم الهدى ـ تغمده الله برحمته وتوج مفرقه بتيجان مغفرته ـ وصححتها غاية التصحيح ووشحتها نهاية التوشيح بحسب وقوفي على حقائقها واحاطتي بدقائقها ، وشنفت آذان حواشيها بالدرر التي وجدتها فيها . ثم بعد ذلك قرأته على ابنه السيد الامام الكبير عزالدين المرتضى ـ رضي الله عنه وأرضاه ، وجعل الجنة مأواه ـ وسمعته عليه قراءة استبحت عن معانيه ، وسماعا استكشفت عن مبانيه . ثم ما اقتصرت على تشنيف آذانها بل سمطتها بالجواهر ، وقلدتها بالدرر الزواهر التي استجردتها بالغياصة في بحار مصنفات العلماء ، واستنبطتها من معادن مؤلفات الفضلاء ، وانتزعت أكثرها من منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة من كلام الامام السعيد قطب الدين الراوندي ـ بيض الله غرته ونور حضرته ـ وكاءدت في تصحيح كل ورق احدى بنات طبق ، ولقيت من توشيح كل سطر نبات برح وام فرو ، فصحت الا ما زل عن النظر أو تهارب عن ادراك البصر ولا يعرف ذلك الا من تسنم قلال شواهق هذه الصناعة بحق ، وجرى في ميدانها أشواطا على عرق ، وذلك في شهر ربيع الاول سنة احدى وستمائة هجرية ، ولله الحمد والمنة وعلى النبي الصلاة بقدر المنة وهو حسبي ونعم الحسيب .
أقول : هذا آخر ما أردنا من نقل تلك الفوائد المهمة المعهودة . ونسختنا المذكورة قد قابلناها بذلك الاصل المنتسخ الذي عورض بنسخة الرضي على غاية الجد والدقة والعرض وراعينا فيها الكتابة بالحمرة والسواد والسمنجوني على وفق الكتاب ، والحمد لله ولي النعم وملهم الصواب .
اعلم ان كثيرا من المؤلفين حتى سنام الصحابة وكبار التابعين اعتنوا بجمع خطبه عليه السلام وكتبه وسائر كلماته وقضاياه ، وقد عد عدة ، منهم استاذي طود العلم وعلم التحقيق ومنار التفكير العلامة ذو الفنون آية الحق المولى أبو الحسن الشعراني ـ أفاض الله تعالى علينا بركات أنفاسه النفيسة القدسية ـ في مقالته العربية القيمة تقريظا وتقدمة على شرحنا على النهج . وكذا في مقالته الفارسية تقدمة على شرح المولى صالح القزويني على النهج .
وعد عدة كثيرة منهم ـ أيضا ـ الحبر الخبير علي بن عبدالعظيم التبريزي الخياباني في كتابه الموسوم بـ « وقائع الايام في أحوال شهر الصيام » [٧].
ثم قد عرفنا طائفة منهم مع ذكر مآخذ النقل في مفتتح رسالتنا الفارسية الموسومة بـ « انسان كامل از ديدگاه نهج البلاغة » .
وقد التمس مني وأوصاني غير واحد من أصدقائي الفضلاء العلماء حينما أخذت في شرح النهج ، الاهتمام كل الاهتمام بذكر مدارك ما في النهج من صحف الاقدمين التي جمع الرضي وانتزع ما في النهج منها فأجبتهم بقدر الوسع بل الطاقة ولم آل جهدا في ذلك .
وقد رأينا بعض المحجوبين عن ادراك الحقائق الالهية ، والغافلين عن عظموت الانسان الكامل ، ينكر بفطانته البتراء اسناد ما في النهج الى ولي الله الاعظم مجادلا بأن عصر علي لم يكن فكر البشر فيه راقيا الى القاء تلك المعارف المتعالية على ذلك الحد من الكمال . ولست أدري ان ذلك المغفل ماذا يقول في القرآن العظيم المنزل في ذلك العصر ؟ نعم « من لم يجعل الله له نورا فما له من نور » والانسان الكامل وراء البشر الظاهري .
ثم اعلم ان ما في النهج بالنسبة الى سائر كلمات الوصي عليه السلام قليل من كثير لكن الشريف الرضي ـ لكمال براعته ووفور بلاغته وعلو مكانته في معرفة فنون الكلام ، وتضلعه وتبحره في تمييز أنواع الاقلام ـ قد اختار وانتخب منها على حسب جودة سليقته وحسن طويته بدائع غررها وروائع دررها ، وسمى ما اختاره « نهج البلاغة » .
نعم ، ان كلام مولى الموحدين لمنهج البلاغة ومسلك الفصاحة ، كلت ألسن الخطباء عن أن يأتوا بمثل أوامره وخطبه ، وزلت أقدام أقلام الامراء دون مبارزة رسائله وكتبه ، وحارت عقول العقلاء في بيداء مواعظه وحكمه . كيف لا ، والقائل مقتبس من الانوار الالهية ، ومستضئ بالمشكاة الختمية المحمدية ، وكلامه مستفاض من الصقع الربوبي ، ومستفاد من الحضرة المحمدية ، فهو تالي القرآن وثاني الفرقان .
وكثير من العلماء قد خاضوا قديما وحديثا في هذا القاموس العظيم لاقتناء درره ، واجتهدوا حق الاجتهاد بما تيسر لهم في بيانه وتفسيره ، وسلك كل واحد مسلكا في شرحه وتقريره ، والكل ميسر لما خلق له « قل كل يعمل على شاكلته » .
وقد بلغ ما أفاضه الوصي عليه السلام من خطبه ورسائله وحكمه وأدعيته وكلماته القصار ـ التي كان النهج بالنسبة اليها كما قلنا قليل من كثير ـ الاصقاع والاسماع ، مع ان بني امية قد بالغوا في امحاء مطلق آثاره عليه السلام واطفاء نوره . وليس ذلك الا ما وعدنا الله سبحانه من قضائه المحتوم المبرم بقوله عز من قائل : « يريدون أن يطفئوا نورالله بأفواههم ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون »  [٨].
وفي روضات الخونساري في ترجمة الخليل بن أحمد البصري صاحب العروض واستاذ سيبويه : انه ـ أي الخليل ـ سئل عن فضيلة علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : « ما أقول في حق من أخفى الاحباء فضائله من خوف الاعداء ، وسعى أعداؤه في اخفائها من الحسد والبغضاء ، وظهر من فضائله مع ذلك كله ماملأ المشرق والمغرب »  [٩] .
وقال الفخر الرازي في « مفاتيح الغيب » المشتهر بالتفسير الكبير في مسألة الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم من مسائل تفسير الفاتحة : « يدل اطباق الكل على ان عليا كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وان عليا عليه السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلما وصلت الدولة الى بني امية بالغوا في المنع من الجهر سعيا في ابطال آثار علي عليه السلام ـ الى قوله ـ : ان الدلائل العقلية موافقة لنا ، وعمل علي بن أبي طالب عليه السلام معنا ، ومن اتخذ عليا اماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه »  [١٠] .
ثم لا يخفى على ذوي العقول الناصعة الرصينة ان توهم كون النهج من منشات الرضي أسنده الى الامام علي عليه السلام ، رأي فائل موهون أوهن من بيت العنكبوت .
أرأيت ان من بلغ في كماله الى ذلك الحد من شاهق المعرفة والبلاغة ينحدر عنه السيل ولا يرقى اليه الطير يسنده الى غيره ؟! نعم ، لايسنده الى غيره الا من سفه نفسه ، وحاشاه عن ذلك .
---------------------------------------------------

[١] . الصافات : ١٦٠ .

[٢] . البيان والتبيين ١ : ٨٣ ، طبعة مصر .

[٣] . مروج الذهب ٢ : ٤٣١ ، طبعة مصر .

[٤] . المجلى : ٣٩٣ ، الطبعة الاولى .

[٥] . انظر بحار الانوار ٨ : ١٦٠ ، الطبعة الاولى .

[٦] . انظر بحار الانوار ٩ : ٥٦٦ ، الطبعة الاولى .

[٧] . انظر وقائع الايام في شهر رمضان : ٣٤٩ ، الطبعة الاولى .

[٨] . التوبة : ٣٢ .

[٩] . روضات الجنات : ٢٧٤ ، الطبعة الثانية ، القطع الرحلي .

[١٠] . تفسير الرازي ١ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، طبعة اسطنبول .

****************************