وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
رأي السيد محسن الأمين عن بعض الإعتراضات الموجّهة لكتاب نهج البلاغة

أجاب السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة ضمن كلام طويل عن بعض الاعتراضات الموجهة لكتاب نهج البلاغة التي تشكك في مدى صحة نسبته إلى الامام علي عليه السلام ، وكان مما ذكره في الجواب :
 
نهج البلاغة بعد كلام النبي صلى الله عليه وآله فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق لا يرتاب فيه إلا من غطى الهوى على بصيرته .

ليس نهج البلاغة مرجعا للاحكام الشرعية حتى نبحث عن أسانيده ونوصله إلى علي عليه السلام ، إنما هو منتخب من كلامه في المواعظ والنصائح وأنواع ما يعتمده الخطباء من مقاصدهم .

ولم يكن غرض جامعه إلا جمع قسم من الكلام السابق في ميدان الفصاحة والبلاغة على حد ما يجمع غيره من كلام الفصحاء والبلغاء الجاهليين والاسلاميين من الصحابة وغيرهم بسند وبغير سند ولم نركم تعترضون على أحد في نقله لخطبة أو كلام بدون سند وهو في الكتب يفوق الحد إلا على نهج البلاغة ، ليس هذا إلا لشيء في النفس مع ان جل ما فيه مروي بالأسانيد في الكتب المشهورة المتداولة . . .

إن نهج البلاغة مع صحة أسانيده في الكتب وجلالة قدر جامعه وعدالته ووثاقته لا يحتاج إلى شاهد على صحة نسبته إلى إمام الفصاحة والبلاغة بل له منه عليه شواهد . . . ، قلنا إن نهج البلاغة لا يحتاج إلى شاهد بل هو شاهد بنفسه لنفسه كما لا تحتاج الشمس إلى شاهد إنها الشمس [١]    .
ولدفع نفس هذه الشبهات قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة : ( وقد شغف الناس في المواعظ بكلام كاتب محدث يعرف بابن أبي الشحناء العسقلاني ، وأنا أورد هاهنا خطبة من مواعظه هي أحسن ما وجدته له ليعلم الفرق بين الكلام الأصيل والمولد :

( أيها الناس ، فكلوا أنفسكم من حلقات الآمال المتعبة وخففوا ظهوركم من الآصار المستحقبة ، ولا تسيموا أطماعكم في رياض الأماني المتشعبة ، ولا تميلوا صغواكم إلى زبارج الدنيا المحببة ، فتظل أجسامكم في هشائمها عاملة نصبة ! أما علمتم أن طباعها على الغدر مركبة ، وأنها لأعمار أهلها منتهبة ، ولما ساءهم منتظرة مرتقبة ، في هبتها راجعة متعقبة ! فانضوا رحمكم الله ركائب الاعتبار مشرقة ومغربة ، وأجروا خيول التفكر مصعدة ومصوبة ، هل تجدون إلا قصورا على عروشها خربة ، وديارا معطشة من أهلها مجدبة ! أين الأمم السالفة المتشعبة ، والجبابرة الماضية المتغلبة ، والملوك المعظمة المرجبة ، أولو الحفدة والحجبة والزخارف المعجبة ، والجيوش الحرارة اللجبة والخيام الفضفاضة المطنبة ، والجياد الأعوجية المجنبة ، والمصاعب الشدقمية المصحبة ، واللدان المثقفة المدربة ، والماذية الحصينة المنتخبة ، طرقت والله خيامهم غير منتهبة ، وأزارتهم من دون الأسقام سيوفا معطبة ، وسيرت إليهم الأيام من نوبها كتائب مكتبة ، فأصبحت أظفار المنية من مهجهم قانية مختضبة ، وغدت أصوات النادبات عليهم مجلبة ، وأكلت لحومهم هوام الأرض السغبة . ثم انهم مجموعون ليوم لا يقبل فيه عذر ولا معتبة ، وتجازى كل نفس بما كانت مكتسبة ، فسعيدة مقربة تجري من تحتها الأنهار مثوبة ، وشقية معذبة في النار مكبكبة ) .

هذه أحسن خطبة خطبها هذا الكاتب ، وهي كما تراها ظاهرة التكلف بينة التوليد تخطب على نفسها ، وإنما ذكرت هذا لان كثيرا من أرباب الهوى يقولون : إن كثيرا من نهج البلاغة كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة ، وربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن وغيره ، وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم فضلوا عن النهج الواضح وركبوا بنيات الطريق ، ضلالا وقلة معرفة بأساليب الكلام ، وأنا أوضح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط فأقول :
لا يخلو إما أن يكون كل نهج البلاغة مصنوعا ملحونا أو بعضه ، والأول باطل بالضرورة لأنا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد نقل المحدثون كلهم أو جلهم والمؤرخون كثيرا منه ، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك .
والثاني يدل على ما قلناه ، لان من قد أنس بالكلام والخطابة وشدا طرفا من علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب لابد أن يفرق بين الكلام الركيك والفصيح وبين الفصيح والأفصح وبين الأصيل والمولد ، وإذا وقف على كراس واحد يتضمن كلاما لجماعة من الخطباء أو لاثنين منهم فقط ، فلابد أن يفرق بين الكلامين ويميز بين الطريقتين .
ألا ترى انا مع معرفتنا بالشعر ونقده لو تصفحنا ديوان أبي تمام ، فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيرها ، لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام ونفسه وطريقته ومذهبه في القريض ، ألا ترى ان العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهب في الشعر ، وكذلك حذفوا من شعر أبي نواس شيئا كثيرا لما ظهر لهم أنه ليس من ألفاظه ولا من شعره ، وكذلك غيرهما من الشعراء ، ولم يعتمدوا في ذلك إلا على الذوق خاصة .
وأنت إذا تأملت نهج البلاغة وجدته كله ماءا واحدا ، ونفسا واحدا ، وأسلوبا واحدا ، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفا لباقي الأبعاض في الماهية ، وكالقرآن العزيز أوله كأوسطه ، وأوسطه كآخره ، وكل سورة منه ، وكل آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآيات والسور ، ولو كان بعض نهج البلاغة منحولا وبعضه صحيحا لم يكن ذلك كذلك ، فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أن هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليه السلام    [٢].

---------------------------------------------------

[١] . أعيان الشيعة : ج ١ ، ص ٧٩ .

[٢] . شرح نهج البلاغة : ج ١٠ ، ص ١٢٦ - ١٢٩ .

****************************