وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                

Search form

إرسال الی صدیق
الحكم والحرب في فكر الإمام علي (عليه السلام) من خلال كتاب نهج البلاغة – الأول

د. ياسين سويد

الحكم والحرب في فكرالإمام علي (عليه السلام) من خلال كتاب نهج البلاغة(*)

اذا كانت الظروف السياسية الصعبة والمضطربة التي مرت بها خلافة الامام علي (عليه السلام) (٣٥ – ٤٠ هـ) قد حالت بينه وبين تحقيق منهج عملي لمفهومه في الحكم والولاية، كما إنها لم تمكّنه من اظهار مقدرته العسكرية كخليفة، في الفتوح الاسلامية، فإن ما نجده في كتابه نهج البلاغة  من تحديد واضح لمفهوم الحكم في نظره، ومن فكر عسكري غني بمبادىء القتال وقواعده وآدابه، ليغني عن كل تساؤل وبحث.

------------------------------------------
(*) وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام امير المؤمنين الامام علي عليه السلام، وقد انتهى من جمعه عام ٤٠٠ هـ.

فالامام علي (عليه السلام) هوأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأخو رسول الله (صلعم) بالمؤاخاة، وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين (رضي)، وأحد السابقين إلى الاسلام، وأحد العلماء الربانيين، والشجعان المشهورين، والزهاد المذكورين، والخطباء المعروفين، وأحد من جمع القرآن وعرضه على النبي (صلعم)...[١] صحابياً هذه صفاته ومزاياه لابد وأن يكون عالماً بأصول الدنيا كما هوعالم بأصول الدين، ولابد من أن تورثه شجاعته وخبرته في ميادين القتال، ما يليق بهاتين الصفتين (الشجاعة والخبرة) من فكرعسكري.

اولاً: مفهوم الحكم والولاية

حدَّد الإمام علي (عليه السلام) في كتابه (نهج البلاغة) مفهومه للحكم والولاية بكثيرمن الوضوح والإسهاب، وفي مواضع عديدة من خطبة ورسائله وكلماته، إذ تحدث عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها الحاكم (أوالوالي) وعن الطريقة التي يجب اتّباعها في الحكم، والسلوك الذي يترتب على أي حاكم أن يتبعه، وعن حقوق الحاكم وواجباته في زمني السلم والحرب، وعن محاسبة الحكام وأصول الحكم، واضعاً، لكل ذلك، وقواعد وأسسا لا مناص لأي حاكم عادل من التقيد بها والعمل بموجبها، وفيما يلي نماذج من ذلك:

١- صفات الحاكم

 - أن يكون قادراً قوياً، فيضرب  بالمقبل إلى الحق المدبرعنه، وبالسامع المطيع العاصي المريب[٢] ثم ينصف المظلوم من ظالمه، ويقود الظالم بخزامته حتى يورده منهل الحق وإن كان كارها[٣].

-  أن يكون عادلاًفإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجورعليه أضيق[٤] ولا يمكنه أن يحقق العدل في رعيته إلا بالأمور التالية:

أ - أن يحرص على انتزاع حق الضعيف من القوي، بحيث يظل الذليل عنده عزيزاً حتى يأخذ الحق له، ويظل القوي عنده ضعيفاً حتى يأخذ الحق منه[٥].

ب - أن يُلزم نفسه العدل، بحيث يكون أول عدله نفي الهوى عن نفسه وأن يصف الحق ويعمل به[٦] فيحكم على نفسه بمثل ما يحكم به على رعيته.

ج – أن يجعل من نفسه على نفسه رقيباً، فيستدرك الخطأ قبل أن يصبح عاجزاً عن استداركه، وأن يزن نفسه قبل أن يزنها الآخرون، ويحاسبها قبل أن تحاسبه الرعية[٧].

- الاّ يكون بخيلاً ولاجاهلاً ولا جافياً ولاجائراً أوجائاً بالمال ولا مرتشياً في الحكم ولامعطلاً للسُنّة فيهلك الأمة[٨] إذ يجب أن تنتفي عن الحاكم هذه الموانع الستة وهي: البخل والجهل والجفاء والجوروالرشوة وتعطيل السّنة، لكي يكون صالحاً للحكم والولاية.

- الاّ يصيخ السمع للنميمة والوشاية، في ليس بين الحق والباطل إلا أربعة أصابع  لأن الباطل أن تقول سمعت، والحق أن تقول رأيت(*)

------------------------------------------

(*) لما سئل عليه السلام عن معنى قوله:  ليس بين الحق والباطل إلا أربعة أصابع  جمع أصابع إحدى يديه وضعها بين عينه واذنه مشيراً بذلك إلى أن السمع يقود إلى الباطل والنظر يقود إلى الحق.

-  أن يكون أحقّ الناس بهذا الأمر واقوالهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه أي أن يكون أحسنهم سياسة.. وأكثرهم علماً واجراء للتدبير بمقتضى العلم[٩].

-  أن تختاره الجماعة، أي أن يختاره عامة الناس، وما إلى ذلك سبيل  وليس كل الناس، بالضرورة، وذلك لتعذر اجتماع الرعية كافة، ومن مختلف انحاء البلاد، للممارسة الاختيار، ثم أنه ليس للشاهد أن يرجع في شهادته، وليس للغائب أن يختار في غيابه[١٠].

-  أن يبتعد عن الغرور والصلف والتكبّر، فإنّ أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يُظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبْر[١١].

-  أن يبلغ من التواضع حداً يلزم رعيته بأن تمتنع عن مخاطبته بألقاب العظمة والتفخيم وتمتنع عن مديحه وإطرائه ومصانعته، وممالاته، فإن من استثقل الحق ان يُقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه[١٢].

وإنّ أنقص الملوك عقلاً، وأسخفهم رأياً، من رضي بقولهم: صدق الأمير كما ورد على لسان الخليفة المأمون[١٣].

-  أن يرضى من الناس آراؤهم ومشورتهم، فلا يجعلهم يكفّون عن قول مقالة بحق أو إسداء مشورة بعدل لأنه ليس في نفسه بفوق أن يخطىء –  حقوق الحاكم وحقوق الرعية.

حدد الإمام علي (عليه السلام) حقوق الحاكم (أوالوالي) وحقوق الرعية كما يلي:

-  للحاكم حق طاعة الرعية له، وعليه وجوب العدل فيها، فكما أن الله سبحانه جعل للموالي حقاً على الرعية بولاية أمرها (والحق هنا واجب الطاعة) فإنه جعل للرعية على الوالي حقاً مثل الذي له عليها (والحق هنا واجب العدل).

-  يتكافأ الحقان: حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، بحيث يتساويان في وجوههما كافة، وحيث يوجب بعضها بعضاً، ولا يُستوجب بعضها إلا ببعض.

-  حق الحاكم على الرعية كحق الرعية على الحاكم تماماً، وهما فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل بحيث ليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية.

-  اذا روعيت هذه المبادىء بين الحاكم والرعية، أي أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها فإن الحق بينهم يعتزّ،وتقوم مناهج الدين وتعتدل معالم العدل ويصلح الزمان، ويُطمع في بقاء الدولة وتيأس مطامع الأعداء[١٤].

-  أما إذا لم تراع هذه المبادىء بين الحاكم والرعية، أي إنه إذا غلبت الرعية واليها أوأجحف الوالي برعيته فإن معالم الجورتظهر، ويكثرالإدغال في الدين(*) وتعطل الأحكام، وتكثرعلل النفوس ثم تَذِلّ الأبرار وتَعِزّ الأشرار.

---------------------------------------

(*) الادغال في الدين: الفساد.

- لذا يجب أن يتم  التناصح  وحسن التعاون بين الحاكم والرعية، كي تستقيم الأمور[١٥].

ويذكرالامام علي (عليه السلام) في مكان آخر، هذه الحقوق المتبادلة بين الحاكم والرعية، كما يلي:

ويذكرالامام علي (عليه السلام) في مكان آخر، هذه الحقوق المتبادلة بين الحاكم والرعية، كما يلي:

-  حق الوالي على الرعية: الوفاء بالبيعة والنصيحة في المَشْهَد والمَغِيب، والإجابة حين يدعوهم، والطاعة حين يأمرهم.

-  وحق الرعية على الوالي: النصيحة وتوفير الفيء (أي الخراج وما يحويه بيت المال)، وتعليمهم كي لا يجهلوا، وتأديبهم كيما يعلموا[١٦].

ويرى (عليه السلام) في مكان آخرأيضاً، أن على الوالي الاّ يدع الجند والمصر وبيت المال وجباية الأرض والقضاء بين المسلمين والنظرفي حقوق المطالبين وأنه يعتبر، بالنسبة إلى رعيته، قطب الرحى، تدورالرعية حوله وهو بمكانه، إذا فارقه استحار مدارها وأضطرب ثفالها[١٧].

وهكذا يحدد (عليه السلام) بوضوح تام، لعلاقة التي يجب أن تقوم بين الحاكم (أوالوالي) والرعية، وهي علاقة مبنية على الحق المتبادل في الطاعة والرعاية، وبدون هذه العلاقة لا تستقيم أمورالحكم ولا تصلح شؤونه.

٣- طريقة الحكم وسلوك الحاكم

يرى الأمام علي (عليه السلام) أنه لابد للرعية من اميربرأو فاجر يعمل الناس بإمرته، وتكون مهمته: جمع الفيء ومقاتلة العدو وتأمين السبل وأخذ حق الضعيف من القوي[١٨]، ولا يمكن أن تستقيم أمور الرعية بلا حكم حاكم أو ولاية والٍ فاذا كان الوالي بَراً تمتع بولايته الأبرار والمتقون من رعيته، وإن كان فاجراً تمتع بولايته الأشقياء ولكن إلى حين إلى تنقطع مدته وتدركه منيته[١٩].

ويتعين على الأميرالأبّر أوالحاكم الصالح أن يسلك في الحكم سلوكاً حدده (عليه السلام) بالأمورالتالية، والإ فهو ليس صالحاً له وليس مستحقاً لطاعة رعيته:

 - إظهارالقوة واستخدامها عندما تدعوالحاجة إلى ذلك، خاصة إذا كان في الأمرعصيان وخروج على الطاعة فإن عادوا إلى ظل الطاعة فذاك الذي نحب، وإن توافت الأموربالقوم إلى الشقاق والعصيان، فانهد بمن أطاعك إلى من عصاك وأستغن بمن انقاد معك عمن تقاعس عنك، وقد خص (عليه السلام) أمره هذا ببعض أمراء جيشه الخارج للقتال[٢٠].

-  التحلي بالأمانة، فان عمل الحاكم ليس له بطُعمة (أي مأكله)، ولكنه أمانة في عنقه، وقد ورد ذلك في كتاب منه (عليه السلام) إلى الأشعث بن قيس عامله على أذربيجان حيث قال فيه: وأنت مسترعي لمن فوقك، ليس لك أن تفتات) (أي تستبد) في رعية، ولا تخاطر إلا بوثيقة، وفي يديك مال من مال الله عزّوجلّ وأنت من خزانه حتى تسلمه إليّ[٢١].

ولا يقف (عليه السلام) في تشديده على الأمانة، عند حد النصيحة والارشاد وتوجيه الأمرفقط بل إنه يعمد إلى تهديد خائن الأمانة من عمّاله وولاته وانذاره بالعقاب الشديد.

فهو يقول لزياد بن أبيه، خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة إني اقسم بالله قسماً صادقاً لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أوكبيراً لأشدّن عليك شدة تدعك قليل الوفر ثقيل الظهر ضئيل الأمر[٢٢].

-  الكياسة وحسن المعاملة، حتى يحل عقدة الخوف عن قلوب الخائفين من رعيته، وسياسة كرام القوم من رعيته بالكرم، وعدم قطع الرحم، وقدر الشجعان والمجاهدين حق قدرهم تشجيعاً لسواهم، ورد ذلك في كتابه (عليه السلام) إلى عبدالله بن عباس،عامله على البصرة، حيث قال له: واعلم إن البصرة مهبط إبليس، ومغرس الفتن، فحادث أهلها بالاحسان إليهم، واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم ثم يستطرد: وقد بلغني تنمّرك لبني تميم وغلظتك عليهم وإن بني تميم لم يغب لهم نجم إلا طلع لهم آخر وإنهم لم يُسبقوا بوغم في جاهلية ولا اسلام، وإن لهم بنا رحماً ماسة وقرابة خاصة، نحن مأجورون على صلتها، ومأزورون على قطيعتها، فاربع أبا العباس رحمك الله فيما جرى على يدك ولسانك من خير وشر، فإنا شريكان في ذلك، وكن عند صالح ظني بك، ولا يفيلنَّ رأيي فيك[٢٣].

ويقول في عهده (عليه السلام) إلى محمد بن أبي بكرحين قلّده مصر: فاخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وآسي (اي ساوِ، من المساواة) بينهم في اللحظة والنظرة حتى لا يطمع العظماء في حيفك (أي ظلمك) لهم (أي الرعية)، ولا ييأس الضغفاء من عدلك بهم[٢٤].

- مزج اللين بالشدة والرأفة بالقسوة والتقريب والادناء بالإبعاد والإقصاء، في معاملة الرعية، وقد ورد ذلك في كتاب له (عليه السلام) إلى بعض عماله ينصحهم فيه[٢٥].

- حسن تدبيرالأمور، في الأمورالمالية خاصة، فلا يسرف في الانفاق حتى التبذير، ولا يبالغ في الاقتصاد حتى التقتير،وليذكرفي اليوم غداً وليمسك من المال بقدر ضرورته، وليوفرما يزيد عن حاجته منه اليوم آخر يحتاج فيه إليه[٢٦].

  - طريقة الجباية: في وصية منه لعماله على الصدقات وجباية أموال الخزينة (أو بيت مال المسلمين)، حدد (عليه السلام) السلوك الواجب اتباعه لذلك على الشكل التالي:

-  القاعدة هي عدم أخذ أية زيادة عن المال المستحق.

-  إذا أنزل أحدكم بحي طلباً للجباية عليه أن يلتزم السلوك التالي:

-  أن ينزل بماء الحي دون مخالطة البيوت، خشية أن يرى من أصحابها ما لا تليق رؤيته.

-  أن يتحلى بالسكينة والوقار ويسلم على القوم ولا يبخل عليهم بالتحية.

-  أن يسألهم إن كان في أموالهم حق لله يؤدونه، فإن قال القائل: لا فلا يراجعه، وإن قال قائل: نعم، يأخذ منه ما يعطيه دون تعسف أو إرهاب أو إرهاق.

-  إن كان في الحي ماشية أو إبل فلا يدخل عليها إلاّ بإذن صاحبها، ثم إنه لا ينفّرها ولا يفزعها ولا يدخل عليها دخول متسلط عليه أو عنيف به ويقبل من صاحب الماشية أو الإبل ما يختاره له، كصدقة، ودون اعتراض لما اختاره.

-  لاتؤخذ، في الصدقة أياً من المعيبات الخمس: العَوْد (اي المسنّ من الإبل)، والهرمة (المسنة)، والمكسورة (ظهرها أوأحدى قوائمها)، والمهلوسة (المريضة، والهلاس: السل)، وذات العوار (اي ذات العيب).

-  لا يحال بين ناقة وفصيلها (أي ولدها الرضيع)، ولا يمصّر لبنها (أي يبالغ في حلبها حتى يشح لبنها)، ولا تُجهد بالركوب، بل تورد الماء ويرفق بها في المسير، وتوفرلها الراحة، وكذلك المأكل والمشرب، كي تصل إلى مقصدها (بيت مال المسلمين) منقيات (أي سمينات) غيرمتعبات ولامجهوداتلتقسّم  على كتاب الله وسنة نبيّه[٢٧].

-  وقد وضع (عليه السلام) قواعد أساسية لعماله على الخراج يتمشون عليها عند جبايتهم له، ولا يحيدون عنها وهي:  أنصفوا الناس من أنفسكم، واصبروا لحوائجهم، فإنكم خزان الرعية ووكلاء الأمة وسفراء الأئمة ولا تحسموا أحداً عن حاجته، ولا تقطعوا أحداً عن طلبته، ولا تبيعَنَّ للناس في الخراج كسوة شتاء ولا صيف، ولا دابة يعتملون عليها، ولا عبداً ولا تضربَنَّ أحداً سوطاً لمكان درهم، ولا تمسّن مال أحد من الناس، مصلّ ولا معاهد، إلا أن تجدوا فرساً أو سلاحاً يُعدى به على أهل الاسلام، فإنه لا ينبغى للمسلم أن يدع ذلك بين أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكة عليه[٢٨].

-  ومما أمر به (عليه السلام) ولاته وعماله من سلوك تجاه الرعية:

-  أن يواجهوا الناس بلا حاجب ولا وسيط، وأن يقضوا حاجات ذوي العيال من مال الله وفقاً لحاجاتهم، فقد اوصى (عليه اسلام) قُثّم بن العباس عامله على مكة بقوله: ولا يكن لك إلى الناس سفيرإلا لسانك، ولا حاجب إلا وجهك، ولا تحجبَنَّ ذا حاجة عن لقائك بها... وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قِبلَك من ذوي العيال والمجاعة مصيباً به مواضع الفاقة والخلاّت، وما فضلَ عن ذلك فاحمله الينا لتقسّمه فيمن قِبَلنا[٢٩].

-  أن يكظموا الغيظ ويعفوا عند المقدرة[٣٠] ويحلموا عند الغضب و يصفحوا عندما تكون لهم السلطة[٣١].

-  وقال (عليه السلام) في وصية أخرى لعبدالله بن عباس، بالمعنى ذاته،وذلك عند استخلافه إياه على البصرة:

-  سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وايّأك والغصب فإنه طيرة من الشيطان[٣٢].

كما قال (عليه السلام) في وصية  لزياد بن أبيه، وقد عيّنه على فارس خلفاً لعبدالله بن عباس: أستعمل العدل واحذر العسف والحيف، فإن العسف يعود بالجلاء (أي التفرق والتشتت) والحيف يدعو إلى السيف[٣٣].

٤- أصول الحكم

أما عهده (عليه السلام) الذي كتبه لمالك بن الحارث، المعروف بالاشترالنخعي، لما ولاّه على مصر، بعد أن اضطربت أحوالها في عهد واليها محمد بن أبي بكر، فيعتبر دستورعمل لاي حاكم في أي زمن، إذ يبين فيه أصول الحكم وقواعده الأساسية وفقاً لمفهوم حضاري متطور. وقد حدد (عليه السلام)، وفي هذا العهد، المهام الأساسية للوالي بأربع:

١- جباية الخراج. ٢- جهاد العدو. ٣ - استصلاح الرعية. ٤ - إعمار البلاد[٣٤].

ثم بداه بجملة من النصائح تحدد آداب الحكم وقواعده، ويمكن تلخيصها بما يلي:

- الرحمة في معاملة الرعية.

- التواضع.

- العدل في الحكم بين الناس بغية الوصول إلى رضى الجماعة، أو العامة.

- التسترعلى عيوب الرعية مع الإصرار على إصلاحها.

- عدم قبول الوشاية أو النميمة.

- قبول المشورة مع تحديد من تقبل مشورتهم ومن لا تقبل من الرعية والبطانة والمقربين.

- التمييز بين المحسن والمسيء والتعامل مع كل منهم بقدر إحسانه أو إساءته.

- التقيد بسنن السلف الصالح والابتعاد عن العادات والتقاليد السيئة.

- التقرب من العلماء والحكماء[٣٥].

- التمييز بين طبقات الرعية،والتعامل مع كل طبقة وفقاً لأسس وقواعد حددها (عليه السلام) في العهد نفسه.

- وقد قسّم (عليه السلام) هذه الطبقات إلى سبع:

- الاولى: طبقة الجند، الثانية: طبقة الكتّاب، الثالثة: طبقة القضاء، الرابعة: طبقة العمال، الخامسة: طبقة أهل الجزية والخراج، السادسة: طبقة التجار، وأهل الصناعات. السابعة: طبقة ذوي الحاجة والمساكين[٣٦].

يتبع  ...

--------------------------------------------
[١] . السيوطي، جلال الدين، تاريخ الخلفاء (بيروت دار التراث، ١٩٦٩) ص ١٥٥.
[٢] . نهج البلاغة، شرح الاستاذ الامام الشيخ محمدعبده،(بيروت،منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، د ت) ج، ١ ص ٤١.
[٣] . المصدرنفسه ج ٢، ص ١٩. الخزامة: حلقة من شعر توضع في أنف البعير ويوضع الزمام فيها ليسهل قياده.
[٤] . المصدر نفسه، ج ١، ص ٤٦.
[٥] . المصدر نفسه ج ١، ص ٨٩.
[٦] . المصدر نفسه ج ١، ص ١٥٣.
[٧] . المصدر نفسه ج ١، ص ١٥٩، وأنظر أبن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، (بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة: ١٩٦٢)، مجلد ٢، ص ٥٣٥ – ٥٢٦.
[٨] . المصدرنفسه ج ٢، ص ١٤. جافيا: من الجفاء، أي ينقطع عن رعيته بجفائه وحائفاً أو جائراً بالمال: من الحيف والجور، أي الظلم وعدم العدل في العطاء.
[٩] . ابن أبي الحديد، مصدرسابق، مجلد ٣، ص ص ٣٦٥، ٣٦٦.
[١٠] . المصدر نفسه، مجلد ٣، ص ٣٦٦.
[١١] . المصدرنفسه، مجلد ٣، ص ٦٢٤.
[١٢] . المصدرنفسه، مجلد ٣، ص ٦٣٤ – ٦٣٥.
[١٣] . المصدر نفسه، مجلد ٣، ص ٦٣٦.
[١٤] . المصدر نفسه، مجلد ٣، ص ٦٣٥.
[١٥] . المصدر نفسه، مجلد ٣، ص ٦٢٥ – ٦٢٨.
[١٦] . نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، مصدرسابق، ج ٢١، ص ٨٤.
[١٧] . المصدر نفسه، ج ١، ٢٣٢. استحصار: تردد وأضطرب، والثقال:الحجر الأسفل من الرحى.
[١٨] . المصدر نفسه، ج ١، ص ٩١.
[١٩] . المصدر نفسه، ج ١، ص ٩١.
[٢٠] . إبي ابي الحديد، مصدر سابق مجلد ٤، ص ٣٠٨. وانهد: انهض.
[٢١] . المصدر نفسه، مجلد ٤، ص ٣٠٩.
أي إن المال أمانة في عنقك للمسلمين فلا تجعله ماكلة، وفوقك سلطان أنت له رعية فليس لك أن تستبد في الرعية التي تحت يدك، ولا تقدم على أمرخطير، فيما  يختص بالمال الذي عهد به اليك، إلا أن تكون واثقاً من عملك ولست سوى حارس على هذا المال، مال الله، حتى استرده منك لاصحابه، أي بيت مال المسلمين.
[٢٢] . المصدر نفسه، مجلد ٤، ص ٥٦٨.
أي أنه، اذا بدر منه ذلك فسوف يحملن عليه حملة تفقره وتدعه عاجزاً عن مؤونة عياله وحقيراً في قومه ورعيته.
[٢٣] . المصدر نفسه، مجلد ٤، ص ٥٥٨. تنمر القوم: أغلظ عليهم وقسا في معاملتهم. والوغم: الحرب، وأربع: أي ارفق.
ويقصد بذلك أن بني تميم قوم شجعان لم يغب لهم نجم (اي لم يضعفوا) حتى طلع لهم آخر(اي اشتدوا واستقروا من جديد) وأنهم لم يسبقوا بحرب في جاهلية أواسلام، فيجب الرفق بهم. ولا يفيلن: أي لا يضعفن وأنظر:نهج البلاغة: شرح الشيخ محمد عبده، مصدر سابق ج ٣، ص ١٨.
[٢٤] . ابن أبي الحديد، مصدر سابق، مجلد ٤، ص ٥٨٧ و ٥٨٨، وأنظر: الشيخ محمد عبده، مصدر سابق، ج ٣، ص ٢٧.
[٢٥] . ابن ابي الحديد، مصدر سابق، مجلد ٤، ص ٥٦٧.
[٢٦] . المصدرنفسه، مجلد ٤، ص ٥٦٩. وأنظر: الشيخ محمد عبده، مصدر سابق، ج ٣، ص ١٩.
[٢٧] . المصدر نفسه، مجلد ٤، ص ٥٧٨ – ٥٨٢، وانظر: الشيخ محمد عبده، مصدر سابق. ج ٣، ص ٢٣ – ٢٥.
[٢٨] . الشيخ محمد عبده مصدرسابق ج ٣، ص ٨٠ -٨١ م وشرح ذلك: اصبروا على حاجات الناس فانكم خزنة بيت مال المسلمين. ولا تقطعوا احداً عن حاجته ولا تحسبوه عن مطلبه، ولا تجبروا الناس على بيع شيء من كسوتهم ولا من دوابهم أو عبيدهم لتتقاضوا اموال الخراج منهم، ولا تضربوهم لقاء هذه الاموال، ولا تمسوا مال احد من المسلمين أوالمعاهدين بالمصادرة، الا ما كان يعدّ لايذاء المسلمين او قتالهم.
[٢٩] . المصدر نفسه، ج ٣، ص ١٢٧ – ١٢٨.
[٣٠] . المصدر نفسه، ص ١٢٩.
[٣١] . المصدر نفسه.
[٣٢] . المصدر نفسه، ص ١٣٦.
[٣٣] . المصدر نفسه، ج ١٤، ص ١٠٩ – ١١٠.
[٣٤] . المصدر نفسه، ج ٣، ص ٨٣.
[٣٥] . المصدر نفسه، ص ٨٤ - ٨٩.
[٣٦] . المصدر نفسه، ص ٨٩ - ٩٠.
****************************