وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام): مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
أقوال حول نهج البلاغة

ما هو نهج البلاغة
١ - « ان سطرا واحدا من » نهج البلاغة « يساوي الف سطر من كلام ابن نباته وهو الخطيب الفاضل الذي اتفق الناس على انه اوحد عصره في فنه » . ( ابن ابي الحديد )
٢ - « لا مفر من الاعتراف بأن » نهج البلاغة « له اصل والا فهو شاهد على ان الشيعة كانوا من اقدر الناس على صياغة الكلام البليغ » . ( الدكتور زكي مبارك )
( نهج البلاغة ) اسم وضعه الشريف الرضى على كتاب جمع فيه المختار من كلام امير المؤمنين عليه السّلام في جميع فنونه ، ومتشعبات غصونه ، وجعله يدور على اقطاب ثلاثة : الخطب والمواعظ ، والعهود والرسائل ، والحكم والآداب : وقد بين في مقدمة الكتاب اهميته والوجه في تسميته بقوله : « علما بأن ذلك يتضمن من عجائب البلاغة ، وغرائب الفصاحة ، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية ، ما لا يوجد مجتمعا في كلام ، ولا مجموع الاطراف في كتاب » وليس في وسع أحد أن يصف الكتاب بأكثر مما وصفه مؤلفه أو يدل بأزيد مما دل عليه اسمه [١].
وقد ضم الكتاب مختار ( ٢٣٧ ) كلاما وخطبه تقريبا [٢]، و( ٧٩ ) بين كتاب ووصية وعهد ، و( ٤٨٠ ) من الكلمات القصار .
ولو أن الشريف الرضى رحمه الله ذكر كل ما ورد عن علي عليه السّلام لجاء بأضعاف كتابه ، ولكنه كان يلتقط الفصول التي هي في الطبقة العلياء من الفصاحة من كلام امير المؤمنين عليه السّلام فيذكرها ويتخطى ما قبلها وما بعدها  [٣].
« ومنذ ان صدر هذا الكتاب عن جامعه ، سار في الناس ذكره ، وتألق نجمه ، أشأم وأعرق ، وأنجد وأتهم ، واعجب به حيث كان ، وتدارسوه في كل مكان ، لما اشتمل عليه من اللفظ المنتقى ، والمعنى المشرق ، وما احتواه من جوامع الكلم ، في أسلوب متساوق الأغراض محكم السبك ، يعد في الذروة العليا من النثر العربي الرائع » [٤].
« وغير خفي أن من يريد اختيار انفس الجواهر من الجواهر الكثيرة لا بد ان يكون جوهريا حاذقا ، فكان الرضى باختياره أبلغ منه في كتاباته كما قيل عن ابى تمام لما جمع ( ديوان الحماسة ) من منتخبات شعر العرب : إنه في انتخاباته اشعر منه في شعره .
وقد لاقى ( ديوان الحماسة ) من القبول عند الناس اقبالا كثيرا ، وشرحه اعاظم العلماء ، وكذلك ( نهج البلاغة ) من الشهرة والقبول ما هو أهله ، وشرح بشروح كثيرة تنبو عن الاحصاء وكان مفخرة من أعاظم مفاخر العرب والاسلام » [٥].
«وقد جمع الكتاب ما يمكن أن يعرض للكاتب والخطيب من أغراض الكلام ،فيه الترغيب والتنفير ،والسياسات ،والجدليات ،والحقوق ،واصول المدنية ،وقواعد العدالة ،والنصائح والمواعظ ، فلا يطلب الطالب طلبته إلا ويرى فيه أفضلها ،ولا تختلج فكرة إلا وجد فيه أكملها » [٦].
وهلم فاستمع إلى طائفة اخرى من اقوال جهابذة العلم ، واعلام الفكر ، فنرى انطباعاتهم عن هذا السفر العظيم وما له من أثر في نفوسهم ، وليس بمقدورنا الاحاطة بكل ما هو من هذا القبيل ولكنه غيض من فيض .
١ - « هذا الكتاب ( نهج البلاغة ) قد استودع من خطب الامام علي بن ابي طالب سلام الله عليه ما هو قبس من نور الكلام الالهي ، وشمس تضيء بفصاحة المنطق النبوى »  [٧].

( الشيخ محمود شكري الآلوسي )
٢ - « نهج البلاغة » ، ذلك الكتاب الذي أقامه الله حجة واضحة على أن عليا كان أحسن مثال حي لنور القرآن وحكمته ، وعلمه وهدايته ، وإعجازه وفصاحته .
اجتمع لعلي في هذا الكتاب ما لم يجتمع لكبار الحكماء ، وأفذاذ الفلاسفة ، ونوابغ الربانيين ، من آيات الحكمة السابغة ، وقواعد السياسة المستقيمة ، ومن كل موعظة باهرة ، وحجة بالغة تشهد له بالفضل ، وحسن الأثر .
خاص علي في هذا الكتاب لجة العلم ، والسياسة والدين ، فكان في كل هذه المسائل نابغة مبرزا ، ولئن سألت عن مكان كتابه من الادب بعد أن عرفت مكانه من العلم ، فليس في وسع الكاتب المترسل ، والخطيب المصقع ، والشاعر المفلق أن يبلغ الغاية من وصفه ، أو النهاية من تقريظه .
وحسبنا أن نقول : أنه الملتقى الفذ الذي التقى فيه جمال الحضارة ، وجزالة البداوة ، والمنزل المفرد الذي اختارته الحقيقة لنفسها منزلا تطمئن فيه ، وتأوي اليه بعد أن زلت بها المنازل في كل لغة » [٨].

( الاستاذ محمد حسن نائل المرصفي )
٣ - إذا شئت أن تفوق أقرانك في العلم والأدب ، وصناعة الانشاء فعليك بحفظ القرآن و( نهج البلاغة )  [٩].
( الشيخ ناصيف اليازجي )

٤ - « نهج البلاغة » الكتاب المشهور الذي جمع فيه السيد المرتضى « كذا » الموسوي خطب الامير كرم الله وجهه وكتبه ومواعظه وحكمه وسمى ( نهج البلاغة ) لما أنّه قد اشتمل على كلام يخيل أنه فوق كلام المخلوقين ، دون كلام الخالق عز وجل قد اعتنق مرتبة الاعجاز ، وابتدع أبكار الحقيقة والمجاز ولله در الناظم حيث يقول فيه :

الا إن هذا السفر ( نهج البلاغة )***** لمنتهج العرفان مسلكه جلى
على قمم من آل حرب ترفعت ***** كجلمود صخر حطه السيل من « على » [١٠]

 

( الشيخ أبو الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي )

٥ - « واني لأعتقد أن النظر في كتاب ( نهج البلاغة ) يورث الرجولة والشهامة وعظمة النفس ، لأنه من روح قهار واجه المصاعب بعزائم الاسود »  [١١].

( الدكتور زكي مبارك )
٦ - اذا شاء أحد أن يشفى صبابة نفسه من كلام الإمام فليقبل عليه في «النهج »من الدفة وليتعلم المشي على ضوء « نهج البلاغة » [١٢] .

( الاستاذ امين نخلة )
٧ - « . . . حفظ على القرآن كلَّه ، فوقف على أسراره ، واختلط به لحمه ودمه ، والقارئ يرى ذلك في ( نهج البلاغة ) ويلمس فيه مقدار استفادة على من بيانه وحكمته ، وناهيك بالقرآن مؤدبا ومهذبا ، يستنطق البكيء [١٣] الأبكم فيفتق لسانه بالبيان الساحر ، والفصاحة العالية ، فكيف إذا كان مثل على في خصوبته ، وعبقريته ، واستعداده ممن صفت نفوسهم ، وأعرضوا عن الدنيا وأخلصوا للدين فجرت ينابيع الحكمة من قلوبهم ، متدفقة على ألسنتهم ، كالمحيطات تجري بالسلس العذب من الكلمات وهل كان الحسن البصري [١٤] في زواجر وعظه ، وبالغ منطقه إلا اثرا من على ، وقطرة من محيط أدبه ، ففتن الناس بعبادته ، وخلب البابهم بجمله ، فكيف يكون الاستاذ العليم والإمام الحكيم على بن أبي طالب لقد كان على في خطبه المتدفقة يمثل بحرا خضما من العلماء الربانيين واسلوبا جديدا لم يكن إلا لسيد المرسلين ، وطرق بحوثا من التوحيد لم تكن تخضع في الخطابة إلا لمثله ، فهي فلسفة سامية لم يعرفها الناس قبله ، فدانت لبيانه ، وسلست في منطقه وأدبه .
وخاض في أسرار الكون ، وطبائع الناس ، وتشريح النفوس ، وبيان خصائصها وأصنافها ، وعرض لمداخل الشيطان ومخارجه ، وفتن الدنيا وآفاتها ، في الموت وأحواله ، وفي بدء الخلق ، ووصف الأرض ، وفي شأن السماء وما يعرج فيها من أملاك ، وما يحف بها من أفلاك ، كما عرض لملك الموت وأطال في وصفه .
وخطب على في السياسة وفي شئون البيعة والعهد والوفاء ، واختيار الأحق وما أحاط بذلك من ظروف وصروف ، كتحكيم صفين وما تبعه من آثار سيئة وتفرق الكلمة .
ولم يفته أن ينوه في خطبه بأنصار الحق ، وأعوان الخير ، والدعوة إلى الجهاد ، وفيها محاجة للخوارج ونصحه لهم ولأمثالهم باتباع الحق وغير ذلك مما يكفي فيه ضرب المثل ، ولفت النظر .
وغير أن ناحية عجيبة امتاز بها الإمام ، هي ما اختص بها الصفوة من الأنبياء ومن على شاكلتهم كانت تظهر في بعض تجلياته ، وأشار إليها في بعض مقاماته ، ولم يسلك فيها سواه إلا أن يكون رسول الله صلوات الله عليه .
فقد ذكر كثيرا من مستقبل الامة ، وأورد ما يكون لبعض أحزابها كالخوارج وغيرهم ، ومن ذلك وصفه لصاحب الزنج وذكر الكثير من أحواله وذلك من غير شك لون من الكرامات .
هذا إلى أنه طرق نواحي من القول كانت من خواص الشعر إذ ذاك ، ولكنه ضمنها خطبه فوصف الطب ،وعرض للخفاش وما فيه من عجائب ،والطاوس وما يحويه من أسرار ،وما في الإنسان من عجائب الخلق ، وآيات المبدع الحق واحيلك في ذلك كله على « نهج البلاغة » .
وهكذا تجد في كلام علي الدين والسياسة ، والأدب ، والحكمة ، والوصف العجيب ، والبيان الزاخر .
هذا كتاب علي الى شريح القاضي يعظه ، وقد اشترى دارا ، ويحذره من مال المسلمين ، في معان عجيبة ، واسلوب خلاب .
وهذا كتابه الى معاوية يجادله في الأحق بالخلافة ، وقتل عثمان في معان لا يحسنها سواه .
وتلك كتبه إلى العاملين على الصدقات يعلمهم فيها واجباتهم في جميع ملابساتهم .
وذلك عهده إلى محمد بن ابي بكير حين قلده مصر .
وتلك وصيته الى الحسن عند منصرفه من ( صفين ) لم يدع فيها معنى تتطلبه الحياة لمثله إلا وجهه فيها أسمى توجيه ، في فلسفة خصيبة ، وحكم رائعة مفيدة ، وكل تلك النواحي والاغراض في معان سامية مبسطة ، يعلو بها العلم الرباني الغزير ، والروح السامية الرفيعة ، وتدنو بها تلك القوة الجبارة على امتلاك أزمّة القول ، كأنما نثل كنانته بين يديه فوضع لكل معنى لفظة في أدق استعمال .
ولقد يضيق في القول فأقف حائرا عاجزا عن شرح ما يجول بنفسي من تقدير تلك المعاني السامية فيسعدنى تصوير الامام [١٥] له وهو يقدم « نهج البلاغة » :( فكان يخيل إلي في كل مقام أن حروبا شبت ، وغارات شنت ، وان للبلاغة دولة ، وللفصاحة صولة . . . إلخ ) .
اما الأسلوب فيتجلى لك بما يأتي :
( ١ ) الثروة من الألفاظ العربية في مفردها وجمعها ، ومذكرها ومؤنثها ، وحقيقتها ومجازها .
( ٢ ) المجازات والكنايات في معرض انيق ، وقالب بديع .
( ٣ ) الإيجاز الدقيق مع الاطناب في مقامه ، ويظهر ذلك في فقره ، وسجعاته الفريدة ، التي يجمل بكل أديب أن يحفظ الكثير منها ، ليكون بيانه التكوين العربي السليم .
( ٤ ) المحسنات البديعة في نمط ممتاز ، من جناس إلى طباق وترصيع وإلى قلب وعكس ، تزدان بجمالها البلاغة ويكمل بها حسن الموقع .
( ٥ ) الجرس والموسيقى ، وجمال الايقاع مما يدركه أهل الذوق الفني [١٦].
ويحسن قبل الختام أن أشير إلى ما نوه به صاحب ( الطراز ) الامام يحيي اليمني ، فقد تكرر ذلك في عدة مناسبات وأولها تمثيله للبلاغة في أول كتابه ، قال - وهو في ذلك الصدد - .
« فمن معنى كلامه ارتوى كل مصقع خطيب ، وعلى منواله نسج كل واعظ بليغ ، إذ كان عليه السّلام مشرع البلاغة ، وموردها ، ومحط البلاغة ومولدها ، وهيدب ( ٢ ) مزنها الساكب ، ومتفجر ودقها [١٧] الهاطل .
وعن هذا قال أمير المؤمنين في بعض كلامه : « نحن أمراء الكلام ، وفينا تشبثت عروقه ، وعلينا تهدلت أغصانه ، ثم أورد مثالا من أول خطبة في ( نهج البلاغة ) وقال : العجب من علماء البيان والجماهير من حذاق المعاني كيف أعرضوا عن كلامه وهو الغاية التي لا مرتبة فوقها ، ومنتهى كل مطلب وغاية كل مقصد في جميع ما يطلبونه ، من المجازات والتمثيل والكنايات وقد اثر عن فارس البلاغة ، وأمير البيان الجاحظ انه قال : ما قرع سمعي كلام بعد كلام الله ، وكلام رسوله إلا عارضته إلا كلمات لأمير المؤمنين على ابن أبي طالب كرم الله وجهه فما قدرت على معارضتها وهى مثل قوله : « ما هلك امرؤ عرف قدره » و« استغن عمن شئت تكن نظيره ، واحسن إلى من شئت تكن أميره ، واحتج الى من شئت تكن أسيره »  [١٨].

( الاستاذ محمد أمين النواوي )
٨ - « في كتاب ( نهج البلاغة ) فيض من آيات التوحيد والحكمة الالهية تتسع به دراسة كل مشتغل بالعقائد ، وأصول التأليه وحكم التوحيد » [١٩].

( الاستاذ عباس محمود العقاد )
٩ - « نهج البلاغة » هو ما اختاره الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهو الكتاب الذي ضم بين دفتيه عيون البلاغة وفنونها ، وتهيأت به للناظر فيه أسباب الفصاحة ودنا منه قطافها ، إذ كان من كلام أفصح الخلق - بعد الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - منطقا ، وأشدهم اقتدارا ، وأبرعهم حجة ، وأملكهم للغة يديرها كيف شاء الحكيم الذي تصدر الحكمة عن بيانه ، والخطيب الذي يملأ القلب سحر بيانه ، والعالم الذي تهيأ له من خلاط الرسول ، وكتابة الوحي ، والكفاح عن الدين بسيفه ولسانه منذ حداثته ما لم يتهيأ لأحد سواه » [٢٠].
( الاستاذ محمد محي الدين عبد الحميد )
١٠ - : وبعد [٢١]: فقد أوفى لي حكم القدر بالاطلاع على كتاب « نهج البلاغة » مصادفة بلا تعمل ، فتصفحت بعض صفحاته ، وتأملت جملا من عباراته ، فكان يخيل لي في كل مقام أن حروبا شبت ، وغارات شنت ، وان للبلاغة دولة ، وللفصاحة صولة ، وان للأوهام عرامة [٢٢]، وللريب دعارة وان جحافل الخطابة ، وكتائب الذرابة في عقود النظام وصفوف الانتظام تنافح بالصفيح الأبلج [٢٣] والقويم الأملج ، وتمتلج المهج بر وأضع الحجج فتفل من دعارة الوساوس [٢٤] وتصيب مقاتل الخوانس . فما أنا إلا والحق منتصر ، والباطل منكسر ، ومرج الشك في خمود  [٢٥]، وهرج الريب في ركود وأن مدبر تلك الدولة وباسل تلك الصولة هو حامل لوائها الغالب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب [٢٦].
بل كنت كلما انتقلت من موضع إلى موضع احس بتغير المشاهد ، وتحول المعاهد : فتارة كنت أجدني في عالم يعمره من المعاني أرواح عالية ، في حلل من العبارات الزاهية ، تطوف على النفوس الزاكية ، وتدنو من القلوب الصافية : توحي اليها رشادها ، وتقوم منها مرادها ، وتنفر بها عن مداحض المزالق ، إلى جواد الفضل والكمال .
وطورا كانت تتكشف لي الجمل عن وجوه باسرة ، وأنياب كاشرة ، وأرواح في أشباح النمور ، ومخالب النسور ، قد تحفزت للوثاب ، ثم انقضت للاختلاب ، فخلبت القلوب عن هواها وأخذت الخواطر دون مرماها ، واختالت فاسد الاهواء ، وباطل الآراء .
وأحيانا كنت أشهد أن عقلا نورانيا ، لا يشبه خلقا جسدانيا ، فصل عن الموكب الالهي ، واتصل بالروح الانساني ، فخلع عن غاشيات الطبيعة وسما به إلى الملكوت الأعلى ، ونما به الى مشهد النور الأجلى ، وسكن به الى عمار جانب التقديس ، بعد استخلاصه من شوائب التلبيس .
وآنات كأني أسمع خطيب الحكمة ينادي بأعلياء الكلمة ، وأولياء أمر الامة ، يعرفهم مواقع الصواب ، ويبصرهم مواضع الارتياب ، ويحذرهم مزالق الاضطراب ، ويرشدهم إلى دقائق السياسة ، ويهديهم طرق الكياسة ، ويرتفع بهم الى منصات الرئاسة ، ويصعدهم شرف التدبير ، ويشرف بهم على حسن المصير .
ذلك الكتاب الجليل هو جملة ما اختاره السيد الشريف الرضي - رحمه الله - من كلام سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، جمع متفرقة وسماه « نهج البلاغة » ولا أعلم اسما أليق بالدلالة على معناه منه ، وليس في وسعي أن أصف هذا الكتاب بأزيد مما دل عليه اسمه ، ولا أن آتي بشيء في بيان مزيته فوق ما أتى به صاحب الإختيار [٢٧].
( الاستاذ الإمام الشيخ محمد عبده )
١١ - « . . . عرفت ( نهج البلاغة ) في صدر الصبا . . . وبقيت نغمات في الأذن ، ثم أخذت أسمع بعد ذلك - كلَّما لمع خطيب على منابر السياسة - قول الناس تعليقا على بلاغة الخطيب : لقد قرأ ( نهج البلاغة ) وامتلأ بفصاحته وها أنا أعيد القراءة هذه الأيام فإذا البلاغة قد ازدادت في الأذنين حلاوة ، وإذا العبارات كأنما أضافت طلاوة إلى طلاوة . . . لست أعني زخرف الكلام . . . بل أعني طريقه في اختيار اللفظ الصلب العنيد ، الذي لا يقوى على تشكيله إلَّا ازميل تحركه يد صنّاع ، وكان يمكن للمعنى نفسه أن يساق في لفظ أيسر منالا ، فصنعة الفنان هنا شبيهة بصنعة المثال في الحضارة المصرية القيمة يتخيّر لتماثيله صم الجلاميد ، فكأنما الكاتب هنا كالنّحاة أراد عملا أقوى من الدهر دواما وخلودا .
فقلَّب معي الصفحات الرائعة الأدبيّة من ( نهج البلاغة ) وقل لي : أين ينتهي الأديب ليبدأ الفيلسوف ، وأين ينتهي الفيلسوف ليبدأ الفارس ، ثم أين ينتهي هذا ليبدأ السياسي إنّه لا فواصل ولا فوارق ، ففي هذه المختارات خطب ورسائل وأحكام ، وحجاج وشواهد امتزج فيها الأدب بالحكمة ، والحكمة بالأريحيّة وهاتان بما نسميه اليوم سياسة يسوس بها الحاكم شعبه ، أو يداور بها المفاوض خصمه .
وإنّ النصوص ليطول بنا نقلها إلى القارئ ما طال ( نهج البلاغة ) فخير للقارئ ان يرجع اليه ليطالع نفسا قد اجتمع فيها ما يصور عصرها من حيث الركون في إدراك حقائق الأمور إلى سلامة السليقة ، وحضور البديهة ، وصدق البصيرة بغير حاجة إلى تحليلات العقل وتعليلاته ، ولا إلى طريقة المناطقة في جمع الشواهد وترتيب الشواهد على المقدمات » .
ولو أردنا أن نأتي بكل ما قيل في ( نهج البلاغة ) لطال بنا المقام ويحسبك ما ذكرنا .

----------------------------------------------------------
[١] . انظر مقدمة الشيخ محمد عبده لشرحه على « نهج البلاغة » .
[٢] . انما قلت تقريبا لاختلاف الشراح في ذلك ، فمنهم من جعل الخطبة الواحدة خطبتين ، ومنهم من ضم خطبتين تحت عنوان واحد .
[٣] . شرح ابن ابي الحديد م ٢ : ٢٢٥ .
[٤] . مقدمة الاستاذ محمد ابو الفضل ابراهيم لشرح ابن ابي الحديد ص ٦ .
[٥] . قال ذلك السيد الامين في « اعيان الشيعة » ج ٤٤ .
[٦] . قال ذلك الامام الشيخ محمد عبده في مقدمة شرحه على « نهج البلاغة » .
[٧] . بلوغ الارب ٢ : ١٨٠ لم ترق هذه الكلمة لبعض الادباء المعروفين فعلق عليها بما هو آت : « كان ابن سيرين يرى عامة ما يروون عن علي رضى الله عنه كذبا لا اصل له ولا سند ، ثم قال بعد ذلك : « قال الشيخ العلامة المقبلي في « العلم الشامخ » وصدق ابن سيرين رحمه الله فان كل ذي قلب سليم ، وعقل غير زائغ عن الطريق القيوم ، ولب تدرب في مقاصد سالكي الصراط المستقيم يشهد بكذب كثير مما في « نهج البلاغة » . . إلخ وانظر الى هذا التهافت في الراي والتناقض في القول فاذا كان ابن سيرين يرى ان عامة ما روى عن علي كذبا وصدقه المقبلي بذلك فكيف يقول المقبلى : ان كثيرا مما في « النهج » كذب او ليس كلمة « عامة » تشمل جميع ما في « النهج » ثم نقول للاستاذ المعلق واين ذهبت آثار علي في الخطابة والإنشاء وهل يعقل ان تضيع آثار ابن ابي طالب ضياعا مطلقا وكان في زمانه وبشهادة خصومه من افصح الخطباء » واين خطبه المجلدة كما يقول الجاحظ ، والتي حفظ منها أربعمائة وثمانون كما يقول المسعودي .
[٨] . جولات اسلامية للاستاذ محمد أمين النواوي ص ٩٨ عن مقدمة المرصفي لشرحه على « نهج البلاغة » .
[٩] . نظرات في القرآن لمحمد الغزالي ص ١٥٤ من وصية اليازجي لولده ابراهيم .
[١٠] . الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية لأبي الثناء الآلوسي ص ١٣٣ والناظم هو المرحوم عبد الباقي العمري .
[١١] . عبقرية الشريف الرضي ١ ، ٢٩٦ .
[١٢] . مائة كلمة من كلام الامام على للاستاذ أمين نخله وقد افردناها تحت عنوان خاص في هذا الجزء .
[١٣] . البكيء ، قليل الكلام .
[١٤] . هو أبو سعيد الحسن بن يسار مولى زيد بن ثابت الأنصاري ، وامه خيرة مولاة ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله ، وكان يتهم بالإنحراف عن امير المؤمنين عليه السلام ، قال ابن ابي الحديد : « وممن قيل انه يبغض عليا عليه السلام ويذمه الحسن البصري ابو سعيد ، روى عنه حماد بن سلمه انه قال : لو كان على يأكل الحشف بالمدينة لكان خيرا له مما دخل فيه ، ورووا عنه : انه كان من المخذلين عن نصرته ، وروي عنه ان عليا عليه السلام رآه يتوضأ للصلاة - وكان ذا وسوسة - فصب على اعضائه ماء كثيرا ، فقال له : ارقت ماء كثيرا يا حسن ، فقال : ما أراق أمير المؤمنين من دماء المسلمين اكثر قال : أو ساءك ذلك قال : نعم قال « فلا زلت مسوأ » ، قالوا : فما زال الحسن عابسا قاطبا مهموما إلى أن مات » . وعن تقريب ابن حجر انه قال في حقه « ثقة فقيه ، فاضل مشهور ، وكان يرسل كثيرا ويدلس ، وكان يروي عن جماعة لم يسمع منهم ويقول : حدثنا « مات في رجب سنة ١١٠ .
[١٥] . يعني به الإمام الشيخ محمد عبده وستأتي كلمته قريبا ان شاء الله .
[١٦] . وهذا ما هو محسوس فعلا ، فاستمع الى خطباء المنابر الحسينية حين يرتلون شيئا من كلامه عليه السلام بطرائقهم المعهودة .
[١٧] . الهيدب من السحاب المتدلى الذي يدنو من الأرض ، وتراه كأنه خيوط عند انصباب المطر .
[١٨] . الودق ، المطر قال تعالى : « * ( فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِه ) * . الروم : ٤٨ . »
[١٩] . جولات اسلامية ص ٩٩ - ١٠٤ .
[٢٠] . عبقرية الإمام ص ١٧٨ .
[٢١] . من مقدمته لشرح الشيخ محمد عبده على « نهج البلاغة » .
[٢٢] . كان من حق هذه الكلمة أن تكون في الصدارة ولكنى أخرتها عمدا كي لا يذهب تذوقها بحلاوة ما قبلها من الكلمات وفي نظري القاصر أن ( نهج البلاغة ) وان لم يوصف حتى الآن بما هو أهله - على كثرة الواصفين له - ولكن هذه الكلمة من خير ما وصف به .
[٢٣] . العرامة : الشراسة ، والدعارة : سوء الخلق ، والجحافل : الجيوش ، والكتائب : الفرق منها ، والذرابة : حدة اللسان في فصاحة ، والكلام تخييل حرب بين البلاغة وهائجات الشكوك والأوهام .
[٢٤] . تنافح تضارب أشد المضاربة ، والصفيح : السيف والأبلج : اللامع البياض ، والقويم : الرمح ، والأملج : الأسمر . وهي مجازات عن الدلائل الواضحة القويمة المبددة للوهم وان خفي مدركها ، وتمتلج : أى تمتص ، والمهج : دماء القلوب والمراد لا تبقى للاوهام شيئا من مادة البقاء .
[٢٥] . فل الشيء : ثلمه ، والقوم هزمهم والحوانس : خواطر السوء تسلك من النفس مسالك الخلفاء .
[٢٦] . المرج : الاضطراب : والهرج هيجان الفتنة .
[٢٧] . قد فسر الاستاذ محمد محي الدين عبد الحميد معنى الألفاظ التي مرت من الكلمة لغة - كما مرّ - ولم يوضح مراد الشيخ الامام منها ، وأكبر الظن أن معنى ذلك أنه كان يسمع بالشبه والشكوك التي تحرم حول ( نهج البلاغة ) قبل اطلاعه عليه ، ولكنه بعد أن وقف عليه ، وأحاط خبرا بما فيه ، تبددت تلك الأوهام وتلاشت تلك الشكوك ، وخنست تلك الوساوس ، وأصبح من المتيقن لديه ، والمتعين عنده ، أن مدبر تلك الدولة ، هو المرتضى على بن ابي طالب اخو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ، لا المرتضى على بن الحسين ولا اخوه الرضي محمد .
****************************