أبومحمد عبد الله بن قتيبة المتوفى سنة ٢٧٦ هـ:
عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدنيوري، عالم مشارك في أنواع من العلوم، كاللغة والنحووغريب القرآن ومعانيه، وغريب الحديث، والشعر، والفقه، والأخبار، وأيام الناس، وغير ذلك. سكن بغداد وحدّث بها، وولي القضاء في دنيور. وتعتبر كتب ابن قتيبة من المصادر المهمة لنهج البلاغة. وتتجلى الأغراض السياسية في كتابين للمؤلف هما عيون الأخبار، الإمامة والسياسة.
١ـ.عيون ألاخبار[١]: حقاً يُعتبر هذا الكتاب من المصادر السياسية، لأنه اشتمل على موضوعات سياسية متنوعة خصص المؤلف الجزء الأول من الكتاب لموضوع السلطان الجزء الثاني للحرب، وذكر المؤلف في الجزئين حكايات وكلمات وحكم لا يمكن أن يستغني عن مراجعتها كل باحث في الفكر السياسي الإسلامي. فحول الإصابة بالظن والرأي يذكر كلام أمير المؤمنين(عليه السلام):إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق[٢] وهوفي الأصل لله در ابن عباس إنه.. الخ.
وفي فصل خيانات العمال، يذكر كلام أمير المؤمنين(عليه السلام) عندما كان يدخل بيت المال ويقول يا حمراء ويا بيضاء، أحمري وأبيضي وغري غيري[٣].
ويواصل كلامه حول خيانة الولاة، فينقل رسالة من الإمام إلى أحد ولاته بعد أن ظهرت منه الخيانة وهي إني أشركتك في أمانتي، ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدوقد حرب قلبت لابن عمك ظهر المجن، فرقته مع المفارقين.. الخ[٤].
ويرى ابن قتيبة إن الوالي المقصود هوابن عباس، بينما يرفض آخرون ذلك منهم ابن أبي الحديد، وسنتناول هذا الموضوع في مكان آخر.
وفي فصل آداب الحرب ومكائدها ينقل رواية طويلة عن ابن عباس يصف بها أمير المؤمنين يوم صفين قائلاً:
ما رأيت رئيساً يوزن به، لرايته يوم صفين وكأن عينيه سراج سليط وهويحمس أصحابه، إلى أن انتهى إلي وأنا في كثيف، فقال: معشر المسلمين استشعروا الخشية وعنوا الأصوات وتجلببوا السكينة وأكملوا اللوم وأخفوا الخون، وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل السلة والحظوا الشزر وأضعنوا النبر، ونافحوا بالضبا وصِلوا السيوف بالخُطا والرماح بالنبل، وامشوا إلى الموت مشياً سجحاً، وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب، فاضربوا شبجه، فإن الشيطان راكد في كسر نافج خصيبة مفترش ذراعيه قد قدم للوثبة يداً وآخّر للنكوص رجلاً[٥].
ومن تعاليمه في الحرب يذكر ابن قتيبة، قوله لابنه الحسن:يا بني لا تدعون أحداً إلى البراز، ولا يدعونك أحد إليه غلا أجبته فإنه بغي[٦]. وفي العدة والسلاك يذكر هذه الكلمة للإمام علي في السيف:السيف أنمى عدداً وأكثر ولداً[٧].
ثم يذكر إن درع علي (رضي الله عنه) صدراً لا ظهر لها فقيل له في ذلك فقال:إذا استمكن عدوي من ظهري فلا يُبق[٨].
وفي فصل آداب الفروسية يذكر هذه الكلمة للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام).عضواً على النواجذ من الاضراس، فإنه أنبى للسيوف عن الهام[٩].
وفي فصل أخبار الجبناء، فيذكر كلمة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) في عمروبن العاص:عجباً لابن النابغة، يزعم أني تلعابة، أعافس، وأمارس، أما وشر القول أكذبه.. إلى آخر الخطبة[١٠].
وفي فصل الحيل في الحروب وغيرها، يذكر ابن قتيبة:أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عبد الله بن عباس لما قدم البصرة فقال:إئت الزبير ولا تأتِ طلحة، فإن الزبير ألين وأنت تجد طلحة كالثور، عاقصاً قرنه، يركب الصعوبة ويقول هي أسهل، فاقرأه السلام وقل له يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز، وأنكرتني بالعراق، فما عدا مما بدا[١١].
وفي فصل ذكر الأمصار، ذكر خطبة الإمام علي(عليه السلام) حين دخل البصرة:يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة، رّغا فأجبتم، وعُقر فانهزمتم، دينكم نفاق وأخلاقكم رقاق وماؤكم زُعاق.. الخ[١٢]. وللإمام كلام آخر في أهل البصرة سنورده في مكانه إن شاء الله تعالى.
٢ـ. الإمامة والسياسة[١٣]: ويتضمن الكتاب الوقائع التأريخية من بداية الخلافة الراشدة حتى نهاية حكم الرشيد عام ١٩٥هـ . ولذا يسمى أيضاً بـ (تاريخ الخلفاء). ويتسم الكتاب بالسمة السياسية لأنه يُركز على الأحداث السياسية الهامة وما دار في تلك الحقبة من التاريخ الإسلامي من حوادث وصراعات سياسية، فقد ذكر المؤلف في نهاية الجزء الثاني؛ قد تم بعون الله تعالى ما به ابتدأنا، وكمل وصف ما قصصنا من أيام خلفائنا وخير أئمتنا، وفتن زمانهم، وحروب أيامهم، وانتهينا إلى أيام الرشيد[١٤].
وقد اشتمل الجزء الأول من الكتاب على العشرات من كلمات الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) (خطبه – رسائله – كلماته الغريبة – حكمه القصار) واتخذه صاحب كتاب مصادر نهج البلاغة مصدراً لكتابه[١٥].
ولكثرة ما ورد في الكتاب من خطب الإمام علي(عليه السلام)، اكتفيت بالإشارة إلى تلك الخطب مع أرقام الصفحات، فهي تكفي للدلالة على أثر خطب الإمام علي(عليه السلام) في هذا الكتاب.
كلام الإمام علي حول الخليفة عمر ص٢.
محاورة الإمام علي بن أبي طالب مع العباس بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ص٤.
قول الإمام علي حول الزبير ص١٠.
كلامه أثناء بيعته لأبي بكر ص١١.
احتجاج الإمام علي على المهاجرين ص١٢.
السبب الذي دفع بالإمام علي لعدم المشاركة في السقيفة ص١٢.
محاورة الإمام علي مع الخليفة عمر وإجباره على المبايعة ص١٣.
كلامه أثناء بيعته للخليفة أبي بكر ص١٤.
محاورة الإمام علي مع عبد الرحمن بن عوف حول الخلافة بعد وفاة الخليفة عمر ص٢٦.
رد الإمام علي على معاوية بن أبي سفيان في مجلس عثمان ص٣٠.
إقامة الإمام علي الحد على الوليد بن عقبة، وكلامه في ذلك ص٣٤.
طلب الإمام علي من الخليفة عثمان إقالة ابن أبي سرح من عمله ص٣٦.
محاورة بين الإمام علي والخليفة عثمان حول كتاب كتبه إلى عبد الله بن أبي سرح ص٤٠.
خطبة للإمام علي(عليه السلام) قبل البيعة ص٤٦.
كتاب الإمام علي(عليه السلام) إلى معاوية ص٤٦ – ٤٩.
محاورة بين الإمام علي(عليه السلام) والمغيرة بن شعبة ص٥٠.
خطبة الإمام علي بعد البيعة ص ٥٠ – ٥١.
محاورة بين الإمام علي وطلحة والزبير حول البيعة ص٥١.
جواب الإمام علي لابن عباس عندما اقترح عليه تولية طلحة والزبير ص٥٢.
جواب الإمام علي(عليه السلام) لعمار بن ياسر بعد محاولاته لتغيير مواقف بعض الصحابة من البيعة ص٥٣ – ٥٤.
كتاب الإمام علي إلى أخيه عقيل ص٥٥ – ٥٦.
كتاب الإمام علي إلى طلحة والزبير ص٧٠.
كتاب علي(عليه السلام) إلى الأحنف بن قيس ص٧١.
كلام الإمام علي لطلحة والزبير قبل القتال ص٧١ – ٧٢.
تذكير الإمام علي الزبير بمواقفه السابقة ص٧٢.
مخاطبة الإمام علي لطلحة بين الصفين ص ٧٤ – ٧٥.
حديثه لعبد الرحمن بن أبي بكر قبل القتال ص٧٥.
محاوراته(عليه السلام) أثناء القتال يوم الجمل، ص٧٦ – ٧٧ – ٧٨ – ٧٩.
محاورته(عليه السلام) مع عقيل عندما أظهر الحاجة ص٨٠.
كتاب الإمام علي إلى معاوية بعد معركة الجمل ص٨٢.
وصية الإمام علي إلى ابن عباس ص٨٥.
كتاب علي(عليه السلام) إلى جرير بن عبد الله عامله على همدان ص ٨٩ – ٩٠.
كتاب علي(عليه السلام) إلى الأشعث بن قيس عامله على أذربيجان ص٩١.
كلام الإمام علي إلى جرير عندما أراد أن يرسله إلى معاوية ص٩٢ – ٩٣.
كتاب الإمام علي إلى معاوية ص٩٣.
كتاب الإمام علي إلى جرير وهوفي الشام ص٩٥ – ٩٦.
جواب الإمام علي(عليه السلام) على كتاب معاوية ص١٠٢.
تعبئة الإمام علي(عليه السلام) لأهل العراق للقتال ص١٠٤.
كلام الإمام علي للأشعث عندما بعثه إلى معاوية ص١٠٥.
دعاء الإمام علي(عليه السلام) معاوية إلى البراز ص١٠٦.
محاوراته(عليه السلام) في معركة صفين ص١٠٧.
خطبة الإمام علي(عليه السلام) لأبي محجن الثقفي ص١١٤.
خطبة الإمام علي(عليه السلام) بعد مفارقة بعض أصحابه ص١١٤.
جواب الإمام علي على كتاب معاوية ص١١٨.
قرار الإمام علي(عليه السلام) في مجلس المشورة ص١٢٥.
كلام علي(عليه السلام) بعد مقتل عمار بن ياسر ص١٢٦.
كلام علي(عليه السلام) بعد مقتل عمار بن ياسر ص١٢٦.
كلام الإمام علي قبل التحكيم ص١٣٢.
كتاب الإمام علي إلى أبي موسى الأشعري بعد التحكيم ص١٤٠.
خطبة للإمام علي(عليه السلام) بعد التحكيم ص١٤٣.
كتاب الإمام علي(عليه السلام) للخوارج ص١٤٣.
كتاب الإمام علي(عليه السلام) إلى ابن عباس ص١٤٤.
خطبة الإمام علي(عليه السلام) لأهل الكوفة ص١٤٥.
ما قاله الإمام علي(عليه السلام) في الخثعمي ص١٤٦.
مطالبته(عليه السلام) بقتلة عبد الله بن خباب ص١٤٧.
خطبة الإمام علي عند انصرافه من النهروان ص١٤٩.
خطبة له(عليه السلام) يعبئ أصحابه لقتال الخوارج ص١٥٠.
كلامه(عليه السلام) للاشعث بن قيس الكندي ص١٥١.
جوابه(عليه السلام) لمن اقترح عليه تفريق الأموال على الإشراف ص ١٥٣.
كتاب له(عليه السلام) لأهل العراق (وهوكتاب مطوّل) من صفحة ١٥٤ حتى صفحة ١٥٩.
كلامه(عليه السلام) لرسول الله(صلى الله عليه وآله) في المنام ص١٦٠.
وصيته(عليه السلام) بالرحمة لقاتله ص١٦٠.
وصيته(عليه السلام) لأولاده ص١٦٢.
إبراهيم بن محمد البيهقي كان حيا عام ٣٢٠ للهجرة:
نبغ في خلافة المقتدر، له كتاب المحاسن والمساويء[١٦] جاء في مقدمة الكتاب؛ كتاب وضعه إبراهيم بن محمد البيهقي أحد علماء المسلمين وأدبائهم الذين لم تحفظ تراجم حياتهم بصورة يُستطاع معها معرفتهم معرفة كاملة، وكل ما ذُكر عنه في فهرست دار الكتب المصرية أنه من علماء القرن الخامس الهجري، في حين تذكر مقدمة الطبعة الأوربية أنه عاش ونبغ في عهد خلافة المقتدر العباسي (٢٩٥ – ٣٢٠ هـ) (٩٠٨ – ٩٣٢ م) وإنه صاحب كتاب المحاسن والمساويء. وقد كتبه على غرار المحاسن والأضداد، واشتمل على موضوعات سياسية، فذكر المؤلف محاسن المشورة، ومساويء من يستشير، محاسن الولايات ومساوئها، ومحاسن النظر في الظالم، محاسن العفو، مساويء تعدي السلطان. ففي محاسن المشورة ينقل عدداً من كلمات الإمام أمير المؤمنين القصيرة فمما ينقله على الصفحة ٣٧١: قال ابن عباس فلما قتل عثمان (رضي الله عنه) خرج علي وهوعلى بغلة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأنا على يمينه وابن القاريء على يساره وكان من أمر طلحة والزبير ما كان، وقتل طلحة عشية ذلك اليوم وأنا أرى الكراهية في وجه علي رضي الله عنه، فقال: أما والله لقد كنتُ أكره أن أرى قريشاً صرعى تحت بطون الكواكب، ولكن نظرتُ إلى ما بين الدفتين فلم ارَ يسعني إلا قتالهم أوالكفر، ولئن كان قال هؤلاء ماسمعت في طلحة وهويشير إلى حادثة وقعت بينه وبين عمه العباس يعاتبه فيها على رد مشورته[١٧].
ويورد في الصفحة ٣٥٨ خطبة الإمام علي(عليه السلام): الدنيا دار صدق.. إلى آخرها. والتي أوردها الجاحظ أيضاً في محاسن صفة الدنيا.
ثم يذكر خطبة الإمام عندما وقف على المقابر:اعتبروا يا أهل الديار التي طُبق بالخراب مناظرها ويُشتد في التراب بناؤها[١٨].
ثم يذكر القصة التي ذكرها الجاحظ عندما مر الإمام علي(عليه السلام) على المدائن وما قاله الشاعر ثم رد الإمام على الشاعر بما هوأبلغ.
وحول محاسن الشدة يقول: وخطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: تقول قريش جزع ابن أبي طالب من الموت، والله لعلي آنس بالموت من الطفل بثدي أمه[١٩].
ثم يذكر وحُكي عنه إنه قال: ما أبالي وقعتُ في الموت أووقع الموت عليّ. والبيهقي يُكثر من إيراد خطب الإمام في الفصول الأخرى من الكتاب والتي تدور حول موضوعات مختلفة، وقد خصص فصلاً للحديث حول محاسن أمير المؤمنين(عليه السلام)، ومساويء من عادى علياً أورد فيه الكثير من كلمات الإمام والموافقة.
أبوالحسن الأشعري المتوفى سنة ٣٢٤ أو٣٣٠ للهجرة:
هوأبوالحسن علي بن إسماعيل الأشعري، ينتهي نسبه إلى أبي موسى الأشعري، إليه تنسب الطائفة الأشعرية.
من أبرز كتبه ((الرد على المجسمة)) و((مقالات الإسلاميين)) و((الإبانة عن أصول الديانة)) و((الرد على ابن الراوندي)) و((اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع)) وأشهر كتبه على الإطلاق هو((مقالات الإسلاميين)).
مقالات الإسلاميين:
حرص الأشعري في هذا الكتاب أن يأتي بآراء جميع أهل الفرق الإسلامية وغيرها في مختلف الأصول والفروع، فهوينقل الرأي دون أن يذكر مورد الاستناد، وفي بعض الأحيان يذكر حديثاً أوقولاً لدعم بعض الآراء التي يرجحها على الآراء الأخرى ولا يشذ الأشعري عن بقية العلماء والمصنفين الذين أخذوا من كلمات الإمام علي(عليه السلام) وعلى سبيل المثال يذكر في قضية التحكيم قول أمير المؤمنين(عليه السلام):
قد أبيت عليكم في أول الأمر فأبيتم إلا إجابتهم إلى ما سالوا، فأجبناهم وأعطيناهم العهود والمواثيق.. وليس يسوغ لنا الغدر[٢٠].
أحمد بن مسكويه توفي ٤٢١ هـ :
مؤرخ بحَّاث، أصله من الرِّي وسكن أصفهان وتوفي بها. اشتغل بالفلسفة والكيمياء، والمنطق مدة، ثم أولع بالتأريخ والأدب والإنشاد، وكان قيّماً على خزانة كتب ابن العميد، ثم كُتب عضد الدولة ابن بويه، فلقب بالخازن، ثم اختص ببهاء الدولة البويهي وعظم شأنه عنده[٢١].
من أهم كتبه ((تجارب الأمم وتعاقب الهمم)) وهوكتاب تاريخي انتهى به إلى السنة التي مات فيها عضد الدولة (٣٧٢ هـ).
وله كتاب آخر هو:تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق[٢٢]:
هوكتاب يخرج بين الأخلاق والسياسة والإجتماع، فيعتبر مصدر من مصادر الفكر السياسي، يتخذ ابن مسكويه من الإمام علي(عليه السلام) مثله الأعلى في الحاكم الملتزم والإنسان المتشرّب بالأخلاق الفاضلة، وقد انعكس ذلك جلياً في موضوعات الكتاب المتنوعة التي تناولها، وكثيراً ما استشهد بكلمات الإمام أومواقفه. يقول في صفحة ٦٢.ومن سمع كلام الإمام صلوات الله عليه الذي صدوره عن حقيقة الشجاعة، إذ قال لأصحابه: أيها الناس إن لم تقتلوا تموتوا، والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف على الرأس أهون من ميتة على الفراش[٢٣].
فهومثله الأعلى في الشجاعة كذلك مثله الأعلى في الفضائل الأخرى، منها كثرة المزام التي قد يتصور البعض أنها تتناقض والشجاعة، وكان من كثرة مزاحه أن عابه بعض الناس، فقال: لولا دعابة فيه[٢٤].
أبوالحسن الماوردي المتوفى سنة ٤٥٠ للهجرة:
هوأبوالحسن علي بن محمد بن حبيب البصري، الفقيه الشافعي، كان من وجوه الفقهاء الشافعية ومن كبارهم، وكان حافظاً للمذاهب وله فيه كتاب ((الحاوي)) الذي لم يطالعه أحد إلا وشهد له بالتبحر والمعرفة التامة بالمذهب. وفوّض إليه القضاء ببلدان كثيرة، واستوطن بغداد في درب الزعفراني وروى عنه الخطيب أبوبكر صاحب ((تأريخ بغداد)) وقال: كان ثقة[٢٥] وكان يميل إلى مذهب الاعتزال[٢٦].
اصولي، مفسر، أديب، سياسي، درس بالبصرة، بغداد، وولي القضاء ببلدان كثيرة، وبلغ منزلة عند ملوك بني بويه، وتوفي ببغداد[٢٧].
أهم كتبه، قوانين الوزارة، الأحكام السلطانية، آداب الدين والدنيا، تفسير القرآن الكريم.
١ـ. قوانين الوزارة وسياسة الملوك[٢٨].
ويسمى أيضاً بأدب الوزير، أوقوانين الوزارة وسياسة الملك، ويتناول الكتاب ما يتعلق بالوزير من أحكام وآداب مشتملاً على أحاديث نبوية، وكلمات مأثورة للإمام علي(عليه السلام) ولبقية الصلحاء والسلاطين العادلين وهوبحق مصدر من مصادر الفكر السياسي الإسلامي، لا يستغني عنه أي دارس في الفكر السياسي الإسلامي.
وتأثر الماوردي بالإمام أمير المؤمنين هوأمر طبيعي، فهوقد عاش بين البصرة وبغداد حيث كانت خطب الإمام علي(عليه السلام) تنتشر في ذلك الوقت، فقد مضى نصف قرن على انتشار نهج البلاغة للشريف الرضي، كما وأن قرب الماوردي إلى ملوك بني بويه وهم من الشيعة جملة قريباً إلى مذهبهم في حب علي بن أبي طالب(عليه السلام)، مما جعل بين أيديه مصادر وكتب كثيرة تحيط بخطب الإمام ومواقفه.
لم يدع الماوردي فرصة فيها ذكر الإمام إلا ومجد ذلك الإنسان الذي جمع كل الفضائل، نقل عن الجاحظ هذه الجمل؛ وليت خزانة كتب الرشيد وتصفحتُ كتبه، فلك أجد كلمة إلا وجدت لها نقيضه، إلا كلمات جاءت عن فيلسوف العرب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قيمة كل امرئ ما يحسن، ومن جهل شيئاً عاداه، ولن يهلك امرؤ عرف قدره[٢٩].
ويذكر الماوردي كلاماً لأمير المؤمنين في مقدمة الكتاب،العقل حسام قاطع، والحلم غطاء سابغ[٣٠].
وفي فصل الدفاع مهمة الوزير يستشهد بحكمة للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وهي، خذ على عدوك بالفضل فإنه أحد الظفرين[٣١].
وحول حذر الوزير يذكر هذا الكلام لأمير المؤمنين(عليه السلام). من حاول أمراً بمعصية الله كان أبعد لما رجا، وأقرب لمجيء ما أتقى[٣٢].
وفي فصل العزل يذكر هذا القول لأمير المؤمنين(عليه السلام):لا خير في معين مهين ولا في صديق ضئين[٣٣].
وحول الرأي والمشورة، وهي من ضرورات الوزارة والوزير أورد هذا الكلام لأمير المؤمنين(عليه السلام): ربما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده[٣٤].
وفي فصل (تابع العهود) أورد هذا الحكمة لأمير المؤمنين(عليه السلام):انتهزوا هذه الفرص فإنها تمر مر السحاب[٣٥].
وعن الدنيا وعواقب انصراف الوزير نحوها ينقل هذه الكلمة لأمير المؤمنين(عليه السلام):احذروا الدنيا فإنها غدّارة مكارة ختارة خسارة، تستنكح في كل يوم بعلاً، وتستقبل في كل ليلة أهلاً، وتفرٌّق كل يوم شملاً[٣٦].
٢ـ الأحكام السلطانية والولايات الدينية[٣٧]: وهي مجموعة من الأحكام الشرعية المتعلقة بالحكم والحكومة وإدارة الدولة، يقول المؤلف في مقدمة الكتاب.
وتأثر الكتاب بالنهج وصاحب النهج الإمام علي(عليه السلام) أمرٌ ملحوظ في هذا الكتاب لأن مؤلفه يحاول أن يستنبط من مواقف الإمام وكلماته أحكاماً شرعية من شأنها أن تنظم الحياة السياسية في الدولة الإسلامية.
٣ـ أدب القاضي:وهوكتاب قيم طبع في جزئين، يتناول جانب هام من جوانب الدولة الإسلامية، وهوالسلطة القضائية، وعلاقة هذه السلطة بالسلطات الأخرى.
احتوى الكتاب على الكثير من المواقف القضائية للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وهوالمعروف بتلك المواقف حيث كان ملاذ الخلفاء الراشدين الذين سبقوه والذين لم يجدوا بين جميع أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) من هوأفضل من علي(عليه السلام) في القضاء، وهم الذين سمعوا من رسول الله(صلى الله عليه وآله)، يقول في حق علي(عليه السلام): ((أقضى هذه الأمة علي))[٣٨]. فكان من الطبيعي أن يتضمن الكتاب قصص وحكايات قضائية كثيرة وعلى كلمات للإمام علي(عليه السلام) في القضاء.
ومن البدء يتوجّ الماوردي كتابه بكلمات الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، فيورد في المقدمة هذه الكلمة للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): إن القلوب تحل كما تحل الأبدان، فاهدوا إليها طرائف الحكمة[٣٩].
ثم يذكر الماوردي وصية رسول الله(صلى الله عليه وآله) للإمام علي(عليه السلام) عندما ولاه القضاء، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إذا حضر الخصمان إليك، فلا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر، قال علي: فما أشكلت عليّ قضية بعدها[٤٠].
ويستدل الماوردي من هذه القضية بإنابة الإمام لأمور القضاء لمن تتوفر فيه شروط.وحول الإجماع في أمور القضاء وأن المناط ليس رأي الأشخاص بل المناط هوالحق يورد كلام أمير المؤمنين(عليه السلام):اعرف الحق تعرف أهله[٤١].
والإجماع هوأحد وسائل معرفة الحقيقة.وحول اجتهاد القاضي يذكر الماوردي قول الإمام علي للخليفة عمر؛ إن كانا ما اجتهدا فقد غشا، وإن كانا قد اجتهدا فقد أخطأ فعليك الدية[٤٢].
وفي فصل، هل تثبت الأسماء والحدود والمقادير بالقياس، وحول تسمية النبيذ خمراً يذكر حكم أمير المؤمنين في شارب النبيذ وهوثمانين جلدة وذلك؛ لأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد المفتري ثمانون[٤٣].
وفي فصل جواز التقليد في الأمور السياسية، ومنها القضاء، يذكر لنا الماوردي المحاورة التي دارت بين عبد الرحمن بن عوف والإمام علي(عليه السلام) أثناء انتخاب الخليفة بعد عمر ابن الخطاب.
قال عبد الرحمن: أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر، فقال علي: بل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأجتهد رأيي[٤٤]. فيستدل من جواب الإمام بإتباعه سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله) على جواز التقليد ولكن هذا لا يسمى تقليداً إذ التقليد هوعمل العامي برأي المجتهد. والمجتهد لا يُقلد والإمام علي(عليه السلام) هومجتهد بناءً على استدلال الماوردي فهنا ينتفي التقليد، أما إتباعه للرسول(صلى الله عليه وآله) فلاعتبار آخر هوإن السنة النبوية هي أحد مصادر الاجتهاد مثلها مثل القرآن الكريم استناداً للآية الكريمة ) وما ينطق عن الهوى إن هوإلا وحي يوحى[٤٥] وحول مراقبة الإمام لولاته وعماله يذكر رسالته إلى عبد الله بن عباس والتي جاء فيها، فإن الإنسان ليسره إدراك ما لم يكن ليفوته، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه[٤٦].
وحول استضافة أحد الخصمين بدون حضور الخصم الآخر يستدل الماوردي بعدم جواز ذلك من موقف الإمام علي(عليه السلام) عندما نزل عليه رجل فقال له الإمام. ألك خصم؟ قال: نعم، قال: تحول عنا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تضيفوا أحد الخصمين إلا ومعه خصمه[٤٧].
وفي فصل القضاء على الغائب، يذكر الماوردي حكماً شرعياً مستنداً إلى رأي مالك والذي بدوره يستند إلى رأي أمير المؤمنين(عليه السلام)، فيذكر قائلاً: وقال مالك: لا يجوز أن يحضره إذا كان من أهل الصيانة، إلا أن يعلم أن بينهما معاملة، أوخلطة فيحضره احتجاجاً بما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:لا يعدي الحاكم على خصم إلا أن يعلم بينهما معاملة[٤٨].
وحول جواز الاستخلاف على القضاء يذكر الماوردي هذه القضية من حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله):روى أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: إن لي حماراً ولهذا بقرة، وإن بقرته قتلت حماري، فقال لأبي بكر ((اقض بينهما)) فقال: لا ضمان على البهائم، فقال لعمر: اقض بينهما، فقال مثل ذلك، فقال لعلي: اقض بينهما، فقال علي: ((أكانا مرسلين)) فقالا: لا، قال: أكانا مشدودين؟، قالا: لا، قال: أفكانت البقرة مشدودة والحمار مُرسلاً؟ قالا: لا، قال: أفكان الحمار مشدوداً والبقرة مرسلة، قالا: نعم، قال: على صاحب البقرة الضمان[٤٩].
ويورد الماوردي وبالإضافة إلى ما تقدم العشرات من الحوادث القضائية المعقدة التي واجهت الدولة الإسلامية سواء أفي زمن الخلفاء الثلاثة أوفي عهده وكيف استطاع الإمام بحنكته القضائية أن يفصل في تلك القضايا المقعدة.