السؤال :
ماهو الشيء الذي يميّز نهج البلاغة عن بقية الكتب؟
الجواب :
من ميِّزات كتاب نهج البلاغة
جُمِعَتْ خطب، ومراسلات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام التي كتبها أوقالها أيَّام خلافته في كتاب واحد سمِّي (نهج البلاغة) فهي خطب ومواعظ ومراسلات قبل أن تكون كتاباً ،وهذه الخطب صادرة من رجل يأتي في المرتبة الثانية بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ،وقد سمَّاه الله تعالى (نفس الرسول)، وذلك في قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه عَلَى الْكَاذِبِينَ)[آل عمران/٦١] فهذه الآية نزلت تأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمباهلة وفد نجران من النصارى ، ((فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " )) [١].
((قال الشعبي : قال جابر أنفُسَنَا ) رسول الله وعلي بن أبي طالب ، و( أَبناءنا )الحسن ، والحسين ، و(نساءنا )فاطمة عليها السلام )) [٢] .
وقد وردت عدّت روايات بأسانيد مختلفة في كتب السنة وصحاحها تصرح بقول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ علي هو نفسه صلى الله عليه وآله وسلم ، أوكنفسه صلى الله عليه وآله وسلم [٣] .
قال الإمام النسائي : (( خرج [رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] بالناس في غزوة تبوك فقال : علي أخرج معك ؟
فقال : " لا " فبكى ، فقال : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي " ، ثم قال : أنت خليفتي يعني في كل مؤمن من بعدي )) [٤] .
فالإمام علي بن أبي طالب عليه السلام له منزلة لم يحصل عليها مسلم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،ولذا صار كلامه متمم لكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متمم لكلام الله تعالى، فإذا سُمِيَ كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نهج البلاغة كانت هذه التسمية في غير محلِّها، لأنَّها جعلت كلامه مجرَّداً عن الصفات العقائدية الشرعية التي نؤمن بها، وننبني عليها حياتنا في العبادات والمعاملات ، لذا إهتمَّ المسلمون بكلامه صلى الله عليه وآله وسلم دراسةً، وتحليلاً فأوجدوا علم الرواية، وعلم الدراية ، كذلك كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لايقل أهمية عن كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،ويستحق نفس هذا الإهتمام دراسة وتحليلاً، وكما انَّ القرآن الكريم كتاب جامع لكلّ ما يحتاجه الإنسان في حياته من العقيدة والفقه والأخلاق والنصائح ، فكذلك كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جامعاً لذلك ، وكذلك كتاب نهج البلاغة ، فهوبعد كلام النبي فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق إلاَّ أنه ليس مرجعا للأحكام الشرعية حتى نبحث عن أسانيده ونوصله إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، لأن كلامه عليه السلام فيما يُرجع اليه في الأحكام الشرعية له كتبه الخصاصة في الفقه، وإنما نهج البلاغة هومنتخب من كلامه عليه السلام في المواعظ والنصائح وأنواع ما يعتمده الخطباء من مقاصدهم .
فهوكتاب عقائد واجتماع وأخلاق وسياسة وغيرها مما يحتاجه الإنسان في حياته، وبهذا يتميز كتاب نهج البلاغة عن أي كتاب آخر، فهوليس كتاب لغة وبلاغة فقط، وإن لم يكن غرض جامعه إلا ميدان الفصاحة والبلاغة ولذلك سمَّاه (نهج البلاغة).
والدارس أوالباحث لهذا الكتاب قد يكتشف الكثير مما لم نذكره كما ذكر لي أحدهم بأنَّه وجد في بعض خطبه عليه السلام وصف الذرة التي أكتشفت قريبا وهي المتكونة من الإلكترونات والنواة والنيترون والبروتون ، فهذه تعدّ نبوءة قبل اكتشاف الذرة بأكثر من ألف عام. وتدفع شبهة من زعم أنَّ نهج البلاغة من وضع الشريف الرضي.
شبهة مردودة
مما يدفع هذه الشبهةأمور منها : أنَّ نهج البلاغة مجموع من كتب تفوت الحصر ومنتخب جل كلامه القصير من كلام طويل .
ومنها: أنَّه ليس في إمكان الشريف الرضي مع علوقدره ولا غيره أن يأتي بما يشابه نهج البلاغة، لأنَّ كلام الرضي كثير معروف مشهور لا يشبه شئ منه نهج البلاغة ولا يدانيه .
ومنها : عدم إعتراض الناس على الشريف الرضي، أواتهامه بشئ في أيَّام حياته ، فإنْ كان من وضعه لاتَّهموه بذلك ، وإنَّما كان الإعتراض بسبب بعض الخطب التي لاتروقهم ولاتوافق إعتقاداتهم كالخطبة الشقشقية التي يذكر فيها غصب الخلافة ونقلها من مكانها الحقيقي.
ومنها إهتمام علماء السنة والشيعة به ، فألفوا الشروح والكتب المطولة حوله، فلوكان كتاب نهج البلاغة للرضي لما اهتموا به كل هذا الإهتمام، لأنَّ مؤلفات الرضي لم تصل إلى هذا الإهتمام الّذي لقاه نهج البلاغة.
يقول الأديب المصري احمد حسن الزيات في كتابه تاريخ الأدب العربي( ص ٩٠):
ولا نعلم بعد رسول الله فيمن سلف وخلف أفصح من علي في المنطق ولا ابل منه ريقا في الخطابة كان حكيما تتفجر الحكمة من بيانه وخطيبا تتدفق البلاغة على لسانه وواعظا ملء السمع والقلب ومترسلا بعيد غور الحجة ومتكلما يضع لسانه حيث شاء وهوبالاجماع أخطب المسلمين وإمام المنشئين وخطبه في الحث على الجهاد ورسائله إلى معاوية ووصف الطاووس والخفاش والدنيا وعهده للأشتر النخعي تعد من معجزات اللسان العربي وبدائع العقل البشري وما نظن ذلك قد تهيا له إلا لشدة خلاطه الرسول ومر انه منذ الحداثة على الكتابة له والخطابة في سبيله ، ثم قال : كلام أمير المؤمنين يدور على أقطاب ثلاثة الخطب والأوامر والكتب والرسائل والحكم والمواعظ وقد جمعها على هذا النسق الشريف الرضي في كتاب سماه نهج البلاغة لأنه كما قال بحق يفتح للناظر فيه أبوابها ويقرب عليه طلابها فيه حاجة العالم والمتعلم وبغية البليغ والزاهد ويضئ في أثنائه من الكلام في التوحيد والعدل ما هو بلال كل غلة وجلاء كل شبهة .