نهج البلاغة نهج العلم والعمل ***** فاسلكه يا صاح تبلغ غاية الأملِ
كم فيه من حِكَمٍ بالحقّ مُحكمة ***** تُحيي القلوب ومن حُكمٍ ومن مَثَلِ
ألفاظه دررٌ أغنت بحليتها ***** أهل الفضائل عن حلي وعن حُلل
ومن معانيه أنوار الهدى سطعت ***** فانجاب عنها ظلام الزيغ والزلل
وكيف لا وهو نهج طاب منهجه ***** أهدى إليه أمير المؤمنين علي
وكتب أبو يوسف يعقوب بن أحمد [١] في آخر نسخة من كتاب (نهج البلاغة):
نهج البلاغة نهج مهيع جددُ ***** لمن يريد علوّاً ما له أمدُ
يا عادلاً عنه تبغي بالهدى بدلاً ***** اعدل إليه ففيه الخير والرشد
والله والله إنّ التاركيه عموا ***** عن شافياتِ عظاتٍ كلّها سدد
كأنّها العقد منظوماً جواهرها ***** صلّى على ناظميها ربُّنا الصمد
ما حالهم دونها إن كنتَ تنصفني ***** إلاّ العناد وإلاّ البغي والحسـد [٢]
ويعقوب بن أحمد هذا من أقدم من أشاد بذكر نهج البلاغة ولهج به ، وكان السبب في رواجه وشهرته والإقبال عليه في المشرق الإسلامي ، وقد نظّم هذه الأبيات في تقريظ ( نهج البلاغة ) وكتبها على نسخته منه ، واقتدى به ابنه الحسن وتلميذه الفنحكردي الآتيان ، وتصدّر لإقراء ( نهج البلاغة ) ، فكان يقرأ عليه ويصحّح ويقابل على نسخته ، فانعكس على كثير من مخطوطاته القديمة المتبقّية حتى الآن كما تقدّم ، تجدها منقولة من نسخته أو مقابلة عليها ، وعلى أكثرها تقريظه وتقريظ ابنه ، ممّا يدل على بالغ اهتمامه بهذا الكتاب ، وعلى إثر ذلك كثرت شروحه في تلك الرقعة قبل غيرها ، فشرحه الإمام الوبري الخوارزمي ، وظهير الدين البيهقي فريد خراسان ، وعلي بن ناصر السرخسي ، وقطب الدين الكيدري ، والفخر الرازي ، وغيرهم ، وسوف نأتي على ذكرهم ببسط وتفصيل تحت عنوان : شروح نهج البلاغة .
واقتدى بذلك الأديب عبد الرحمن بن الحسين حين وقع له الفراغ، فقال:
نهج البلاغة نهج الذخر والسندُ ***** وفيه للمؤمنين الخير والرشدُ
عين الحياة لمن أضحى يؤمّلها ***** يا حبّذا معشر في مائها وردوا
ما إن رأت مثلها عينٌ ولا سمعت ***** أُذنٌ ولا كتبت في العالمين يد
شرّبت روحي حياةً عند كتبتها ***** وكان للروح من آثارها مدد
صلّى الإله على مَن كان منطقه ***** روحاً تزايد منه الروح والجسد [٣]
وقال آخر:
نهج البلاغة هذا سيّد الكتب ***** نهج الرسائل والأحكام والخطبِ
كم فيه من حكمة غرّاء بالغة ***** ومن علوم [٤] إلهي ومن أدبِ
ومن دواء لذي داءٍ وعافية ***** لذي بلاء ومن روح لذي تعب
فيه كلام وليِّ الله حيدر من ***** يمينه في عطاء المال كالسُّحب
وصيّ خير عباد الله كلّهمُ ***** مختار ربّ البرايا سيّد العرب
عليٌ مرتضى مَن في مودّته ***** يُرجى النجاة ليوم الحشر والرعبِ
فمن يعاديه في نار الجحيم هوى ***** وعاش ما عاش في ويلٍ وفي حرب
ومن يواليه من صدق الجَنان ففي ***** الجِنان له طنب يفوق السبع والشهبِ
قد امتزجت [٥] بقلبي حبّه فجرى ***** في النفس مجرى دمي في اللحم والعصب
صلّى عليه إلهُ الخلق خالقنا ***** ربّ الورى وعلى أبنائه النُّجب
وزاده في جنان الخلد منـزلة ***** ورتبةً وعلاً يعلو على الرتب [٦]
وقال علي بن أبي أسعد الطبيب: [٧]
نهج البلاغة مشرع الفصحاء ***** ومعشعش البلغاءِ والعلماءِ
في طيّه كلّ العلوم كـأنّه ***** في درجه من غير إستثناء
من كان يسلك نهجه متشمّراً ***** الجفر المشار إليه في الأنباء
غررٌ من العلم الإلهيّ انجلت ***** أمن العثار وفاز بالعلياء
ويفوح منها عبقةٌ نبويّة ***** منظومة فيها ضياء ذكاء
روض من الحِكَم الأنيقة جاده ***** لا غرو قُدّا من أديم سناء
أنوار علمِ خليفَةِ اللهِ الذي ***** جود من الأنوار لا الأنواء
مشكاةُ نورِ الله خازنُ علمه ***** هو عصمة الأموات والأحياءِ [٨]
وفي كتاب (مصادر نهج البلاغة) تأليف الخطيب السيد عبد الزهراء الحسيني:
قال أبو الحسن علي بن أحمد الفنجكردي: [٩]
نهج البلاغة من كلام المرتضى ***** جمع الرضي الموسوي السيدِ
بهرَ العقولَ بحسنه وبهائه ***** كالدرِّ فصّل نظمه بزبرجدِ
ألفاظه علويّة لكنّها ***** علويّة حلّت محلّ الفرقد
فيه لأرباب البلاغة مقنع ***** من يعن باستظهاره يستسعد
وترى العيون إليه صوراً إن تلا ***** منه كتاباً رائعاً في مشهد
أعجِبْ به كلماته قد ناسبت ***** كلمات خيرِ الناس طُرّاً أحمدِ
نِعم المعين على الخطابة للفتى ***** وبه إلى طُرق الكتابة يهتدي [١٠]
وفي المجلّد الثاني من كتابنا (نزهة الخاطر):
وللسيد الإمام عزّ الدين سيد الأئمة المرتضى بن الإمام العلاّمة ضياء الدين علم الهدى قدّس الله روحيهما:
نهج البلاغة نهجه لذوي البلاغة واضحُ ***** وكلامه لكلام أرباب الفصاحة فاضح
العلم فيه زاخر والفضل فيه راجح ***** وغوامض التوحيد فيه جميعها لك لائح
ووعيده مع وعده للناس طرّاً ناصح ***** تحظى به هذي البريّة صالح أو طالح
لا كالعريب ومالها فالمال غادٍ رائح ***** هيهات لا يعلو على مرقى ذراه مادح
إن الرضي الموسوي لمائه هو مائح *****لاقت به وبجمعه عدد القطار مدائحُ [١١]
وقال آخر:
نهج البلاغة يهدي السالكين إلى ***** مواطن الحق من قول ومن عملِ
فاسلكه تُهدى إلى دار السلام غداً ***** وتحضَ فيها بما ترجوه من أمل [١٢]
وجاء في شرح القصيدة العينيّة لعبد الباقي العمري، قال بعضهم:
ألا إنّ هذا النهج نهج بلاغة ***** لمنتهج العرفان مسلكه جلي
على قممٍ من آل صخر ترفّعت ***** كجلمود صخرٍ حطّه السيلُ من عَلِ [١٣]
وقال آخر:
كتاب كأنّ الله رصّـع لفظه ***** بجوهر آيات الكتاب المنـزل
حوى حِـكماً كالدّرٍ تنطق صادقاً ***** فلا فرق إلاّ أنّـه غير مُنـزَلِ [١٤]
وقال عبد الباقي العمري في عينيته:
نهج البلاغة نهج عنك بلّغنا ***** رشداً به اجتثّ عِرق الغيّ فانقمعا
به دفعت لأهل البغي أدمغة ***** لنخوة الجهل قد كانت أَشَرّ وعا
كم مصقع من خطاب قد صقعت به ***** فوق المنابر صقع الغدر فانصقعا
ما فرّق اللهُ شيئاً في خليقته ***** من الفضائل إلاّ عندك اجتمعا
وقال آخر:
انظر إلى نهج البلاغة هل ترى***** لأولي الفصاحة منه أبلغ منطقا
وقال آخر:
هذا الكتاب كتاب الله أنزله ***** على لسان عليٍّ أفصح العربِ
أخو الكتاب الذي جاء النبيّ به ***** كلاهما من نبيٍّ أو وصيِّ نبي
وقال آخر:
نهج البلاغة منهج البُلغاء ***** وملاذ ذي حصر وذي إعياءِ
فيه معانٍ في قوالبَ أُحكمت ***** لهدايةٍ كالنجم في الظلماء
وتضمّن الكلمات في إيجازها ***** بذواتها بجوامع العلياء
صلّى الإله على النبيّ محمّد ***** وعلى عليٍّ ذي علاً وإخاء [١٥]
وقال قطب الدين تاج الاسلام محمد بن الحسين بن الحسن الكيدري:
نهج البلاغة نهج كلّ مسدّد ***** نهج المرام لكلّ قوم أمجدِ
يا من يبيت وهمّه درك العُلى ***** فاسلكه تحظَ بما تروم وتقصدِ
ينبوع مجموع العلوم رمى به ***** نحو الأنام ليقتفيه المهتدي
فيه لطلاّب النهاية مقنع ***** فليلزمنه الناظر المسترشدِ
صلّى الإله على منظّمه الذي ***** فاق الورى بكماله والمحتدِ [١٦]
وقال الحسن بن يعقوب بن أحمد:
نهج البلاغة درجٌ ضمنه دررُ ***** نهج البلاغة روض جاده دررُ
نهج البلاغة وشيٌ حاكه صبغ ***** من دون موشية الديباج والحبر
أو جونة مُلئت عطراً إذا فتحت ***** خيشومنا فغمت ريح لها ذفر
صدّقتكم سادتي والصدق من خُلقي ***** وإنّه خصلة ما عابها بشر
صلّى الإله على بحر غواربـه ***** رمت به نحونا ما القمر [١٧]
وقال العلاّمة الشيخ عبد المنعم الفرطوسي:
وبنور نهجك وهو منبع حكمةٍ ***** متدفّق أوضحت أيّ مشاكلِ
أوردتنا فيه نميراً صافياً ***** ينمى لخير موارد ومناهل
أحكمته بقواعد حكميّة ***** كفلت بيان أصول كلّ مسائل
تقف العقول أمامه مسحورةً ***** ببيانه وبنسقه المتواصل
أنت المحيط معـارفاً لكنّـما ***** لم تحوِ غيرَ جواهـر وفضائـل
وللشيخ محمد علي صنعان النجفي:
فاح النسيم فباح بالأسرار***** سَحَراً فأيقظ راقد الأزهار
وأتى يخبّر عن كتاب ناظم ***** سلكاً فيعقد للنثار دراري
نهج البلاغة روضة ممطورة ***** بالنور من سُبحات وجه الباري
أو حكمة قدسيّة جليت بها ***** مرآة ذات الله للنظّار
خطب روت ألفاظها عن لؤلؤ ***** عن مائه بحر المعارف جاري
وتنسّمت كلماتها عن جنّة ***** حُفّت من التوحيد بالنوّار
فكأنّما عين اليقين تفجّرت ***** من فوق عرش الله بالأنهار
حِكم كأمثال النجوم تلألأت ***** من ضوء ما ضمنت من الأسرار
كشف الغطاء بيانها فكأنها ***** للسامعين بصائر الأبصار
وترى من الكلم القصار جوامعاً ***** تُغنيك عن سفرٍ من الأسفار [١٨]