![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/besmellah.png)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/mola.png)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/fi_rahab.jpg)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/haram.jpg)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/nahj.jpg)
علي (عليه السلام) أول من أسلم:
وقد بعث النبي "صلى الله عليه وآله" يوم الإثنين، وأسلم علي "عليه السلام" يوم الثلاثاء [١].
ولا ريب في أن علياً "عليه السلام" أول الناس إسلاماً، وقد ذكرنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" قائمة بأسماء أكثر من ستين رجلاً من أعلام الصحابة والتابعين قالوا: بأنه أول الناس إسلاماً [٢].
بل ادعى بعضهم الإجماع على ذلك [٣].
غير أن لنا تحفظاً على قولهم: أسلم علي "عليه السلام" يوم الثلاثاء، فإنه "عليه السلام" لم يكن كافراً ليقال: إنه قد أسلم، بل هو قد عبد الله سبع سنين وأشهراً [٤] مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبل البعثة.. وذلك لأنه "صلى الله عليه وآله" كان نبياً منذ صغره، ثم بعث إلى الناس وهو في سن الأربعين، كما دلت عليه الآثار المعتبرة والأخبار المستفيضة. وقد أيد المجلسي "رحمه الله" ذلك بوجوه كثيرة [٥].
فالمراد: أنه "عليه السلام" قد أعلن اسلامه في هذا الوقت. وعلى كل حال، فإن الروايات الصحيحة والمعتبرة الواردة عن النبي "صلى الله عليه وآله" في هذا الشأن كثيرة.. ونذكر على سبيل المثال ما يلي:
١ ـ عن النبي "صلى الله عليه وآله": أولكم وروداً علي الحوض، أولكم إسلاماً علي بن أبي طالب [٦].
وعنه "صلى الله عليه وآله": إنه لأول أصحابي إسلاماً، أو أقدم أمتي سلماً [٧].
وعنه أيضاً: أنه أخذ بيد علي "عليه السلام"، فقال: هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر [٨].
وعنه "صلى الله عليه وآله": هذا أول من آمن بي، وصدقني، وصلى معي [٩].
وعنه "صلى الله عليه وآله": إن أول من صلى معي علي [١٠].
دليل آخر:
وإن احتجاجه "عليه السلام" بأنه أول من أسلم، واحتجاج أصحابه من الصحابة والتابعين بهذه الكثرة العجيبة على خصومهم في صفين وغيرها، واهتمامهم الواضح بهذا الأمر يكفي للدلالة على ذلك دلالة واضحة.
ولم نجد أحداً من أعدائه "عليه السلام" حاول إنكار ذلك، أو التشكيك فيه، أو طرح اسم رجل آخر على أنه هو صاحب هذه الفضيلة دونه، رغم توفر الدواعي لذلك، ورغم أن في الطرف المقابل من لا يتورع حتى عن الاختلاق والكذب على الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"، بل على الله سبحانه وتعالى.
فلو أنهم عرفوا: أن كذبتهم هذه تجوز على أحد لكانوا لها من المبادرين، ولكن التسالم والإجماع على هذا الأمر كان بحيث لا يمكنهم معه التوسل بأية حيلة.
وكشاهد على هذا التسالم نذكر هنا حادثة واحدة فقط، جرت لسعد بن أبي وقاص، الذي كان منحرفاً عن علي "عليه السلام" ونترك ما عداها وهو كثير جداً، وهذه الحادثة هي أنه:
سمع رجلاً يشتم علياً، فوقف عليه وقرره بقوله: يا هذا، على ما تشتم علي بن أبي طالب؟! ألم يكن أول من أسلم؟! ألم يكن أول من صلى مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟! ألم يكن أعلم الناس؟! الخ.. [١١].
كما أن المقداد كان يتعجب من قريش لدفعها هذا الأمر عن أول المؤمنين إسلاماً، يعني علياً "عليه السلام" [١٢].
وإذا كان الحديث عن أنه "عليه السلام" أول من أسلم متواتراً إلى حد أن بعضهم ادعى الإجماع عليه، فلا يصغى لقول بعض المنحرفين عن علي "عليه السلام"؛ ومنهم ابن كثير: "..قد ورد في أول من أسلم أحاديث كثيرة لا يصح منها شيء" [١٣].
فهو يعترف بكثرة الأحاديث، فإذا بلغت هذه الكثرة إلى حد التواتر لم يعد هناك حاجة للنظر في الأسانيد خصوصاً مع اشتراك المناوؤين لعلي "عليه السلام" في روايتها، ومع توفر الدواعي على إخفائها، مع أن من تلك الأحاديث ما هو صحيح، ومعتبر، فراجع طائفة منها في الجزء الثالث من كتاب الغدير، وكتاب إحقاق الحق، قسم الملحقات، وغير ذلك..
وقد حاول بعضهم أن يدعي: أن أبا بكر أول من أسلم، وقد اثبتنا عدم صحة ذلك، فراجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"..
غير أننا نشير إلى ما يلي:
١ ـ روى الطبري عن محمد بن سعد قال: قلت لأبي: أكان أبو بكر أولكم إسلاماً.
فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين.. [١٤].
٢ ـ روي عن علي "عليه السلام" أنه قال: "أنا الصدِّيق الأكبر، والفاروق الأول، أسلمت قبل إسلام أبي بكر، وصليت قبل صلاته" [١٥].
وبقية ما قيل ويقال في هذا المجال يراجع في الجزء الثالث من كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، الطبعة الخامسة.
أبو بكر أسلم قبل البعثة:
وقد ثبت في الأحاديث: أن علياً "عليه السلام" صلى مع النبي "صلى الله عليه وآله" قبل الناس بسبع سنين وأشهراً [١٦].
فجاء آخرون، فأثبتوا مثل هذه الفضيلة وازيد منها لأبي بكر، فقال النووي: "كان أبو بكر أسبق الناس إسلاماً، أسلم وهو ابن عشرين سنة.
وقيل: خمس عشرة سنة" [١٧].
وقال الصفوري الشافعي: "وكان إسلامه قبل أن يولد علي بن أبي طالب" [١٨].
ومستندهم في ذلك، الرواية التي ذكرها الدياربكري عن ابن عباس وهي تحكي لنا قصة بحيرا، جاء في آخرها قوله: فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق قبل ما نبي "صلى الله عليه وآله" [١٩].
وما رووه عن أبي موسى الأشعري، من أنه لما سافر النبي "صلى الله عليه وآله" مع عمه أبي طالب إلى الشام، ونزلوا على بحيرا، عرفهم بحيرا الراهب، وألح على عمه أبي طالب بأن يرجعه إلى مكة، فرده، وبعث معه أبو بكر بلالاً [٢٠]. وتيقن أبو بكر بنبوته منذئذٍ.
ونقول:
إن ذلك لا يمكن أن يصح، وذلك لما يلي:
أولاً: إنهم يقولون: إن عمر النبي "صلى الله عليه وآله" آنئذٍ كان أحد عشر سنة، بل قيل: كان عمره تسع سنين [٢١].
ويقولون أيضاً: إن النبي "صلى الله عليه وآله" كان أسن من أبي بكر بأكثر من سنتين، وأبو بكر كان أسن من بلال بعدة سنين تتراوح ما بين خمس إلى عشر سنوات [٢٢].
فلعل بلالاً لم يكن ولد حين سفر النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الشام، فكيف يقال: إن أبا بكر الذي كان آنئذٍ طفلاً كان في ذلك السفر، وأنه أرسل بلالاً مع النبي "صلى الله عليه وآله" كي يوصله إلى مكة؟!
ثانياً: إن بلالاً لم يكن له أي ارتباط بأبي بكر، وإنما كان يملكه أمية بن خلف، فإن كان أبو بكر قد اشتراه ـ كما يزعمون ـ فإنما حصل ذلك بعد ثلاثين عاماً من ذلك التاريخ [٢٣]..
وإن كنا قد قلنا: إن في الروايات ما يدل على أن النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي اشترى بلالاً، وأن أبا بكر لم يملكه أصلاً [٢٤].
ثالثاً: صرح بعض المؤرخين: بأن أبا بكر لم يكن في ذلك السفر أصلاً، ولعله لأجل ذلك قال الذهبي عن هذا الحديث: أظنه موضوعاً، بعضه باطل [٢٥]..
وشكك فيه ابن كثير، وحكم عليه الترمذي بالغرابة. فراجع.
علي (عليه السلام) أول الصبيان إسلاماً:
وقد ذكرنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" بعض ما يرتبط بمقولة: أن علياً "عليه السلام" كان أول من أسلم من الصبيان، ليكون أبو بكر أول الرجال إسلاماً، وخديجة الأولى من النساء، والأول من الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال [٢٦].
ونزيد هنا ما يلي:
أولاً: لماذا لم يستطرد من ابتدع هذه الفكرة، فيذكر لنا أول من أسلم من الأغنياء، ومن الفقراء، ومن الطوال، ومن القصار، ومن البيض، ومن السود، ومن أهل هذا البلد وذاك، ومن التجار، ومن المزارعين.. وهكذا إلى ما لا نهاية..
ثانياً: إن أولية إسلام علي "عليه السلام" بالنسبة لخصوص الصبيان لا تتلاءم مع اعتبار ذلك من فضائل وامتيازات أمير المؤمنين "عليه السلام" ومن مفاخره على رجال ونساء الأمة بأسرها.
وكان النبي "صلى الله عليه وآله" أول من جعل ذلك من مفاخره. فراجع ما يرتبط بزواج فاطمة "عليها السلام"، حيث ذكر أنه زوجها أقدم الأمة إسلاماً، أو "أولهم سلماً" [٢٧].
كما أنه هو نفسه "عليه السلام" كان يفتخر بذلك.. فراجع الكتب التي جمعت الأحاديث حول إسلامه عليه الصلاة والسلام..
ثالثاً: إن هذه الطريقة في الجمع بين الأخبار لا توصلهم إلى تقدم إسلام أبي بكر على إسلام علي "عليه السلام"، وإن أوهمت ذلك.. فإن تقدم إسلام أبي بكر وزيد، وبلال، وخديجة على أمثالهم لا يمنع من أن يكون إسلام علي "عليه السلام" قد تقدم على إسلام هؤلاء جميعاً، وعلى الأمة بأسرها بأشهر أو بسنوات.
وقد صرح علي "عليه السلام": بأنه أسلم قبل أن يسلم أبو بكر، بل صرح: بأنه صلى قبل الناس كلهم بسبع سنين كما تقدم. فمن صلى مع النبي "صلى الله عليه وآله" قبل بعثته بسبع سنين، لا يمكن أن يسبقه أحد، أو أن يساويه أحد في موضوع التقدم في الإسلام..
رابعاً: حبذا لو ذكر لنا هؤلاء قائمة بالصبيان الذين أسلموا في تلك الفترة، ليكون علي "عليه السلام" قد تقدمهم في ذلك.
الإجماع على تقدم إسلام علي (عليه السلام):
قال ابن حجر الهيثمي حول تقدم إسلام علي "عليه السلام":
"قال ابن عباس، وأنس، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وجماعة [من الصحابة]: إنه أول من أسلم، [حتى] ونقل بعضهم الإجماع عليه" [٢٨].
كما أن الحاكم بعد أن روى عن زيد بن أرقم: أن أول من أسلم مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" علي بن أبي طالب، قال: "هذا حديث صحيح الأسناد، وإنما الخلاف في هذا الحرف أن أبا بكر الصديق كان أول الرجال البالغين إسلاماً، وعلي بن أبي طالب تقدم إسلامه قبل البلوغ" [٢٩].
فالحاكم يصرح: بأنه لا خلاف في تقدم إسلام علي "عليه السلام" على الناس أجمعين. وإنما الخلاف في تقدم إسلام أبي بكر على البالغين، لا على علي "عليه السلام"..
ونحن قد أثبتنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله": أن أبا بكر قد أسلم في السنة الخامسة أو السادسة.
وذكر في الطبري: أنه أسلم بعد أكثر من خمسين فراجع [٣٠].
موقف أبي طالب من إسلام علي (عليه السلام):
هناك عدة نصوص تتحدث عن موقف أبي طالب من إسلام ولده علي "عليه السلام"، فلاحظ ما يلي:
١ ـ رووا عن علي "عليه السلام": أنه حين رآه أبو طالب "عليه السلام" هو والنبي "صلى الله عليه وآله" ساجدين، قال: أفعلتماها؟!
قال علي: ثم أخذ بيدي، فقال: أنظر كيف تنصره. وجعل يرغبني في ذلك، ويحضني عليه [٣١].
وفي نص آخر: أنه لما صادف أبو طالب "عليه السلام" النبي "صلى الله عليه وآله" وعلياً "عليه السلام" يصليان في بعض جبال مكة بإزاء عين الشمس، قال أبو طالب لجعفر: صل جناح ابن عمك [٣٢].
ومرة أخرى: رأى أبو طالب "عليه السلام" النبي وعلياً "صلى الله عليهما وآلهما" يصليان في المسجد، فقال لجعفر: صل جناح ابن عمك.
وهذا يدل على أن أمر أبي طالب لجعفر بصلة جناح ابن عمه قد تكرر في وقائع مختلفة [٣٣].
٢ ـ وفي نص آخر: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي بن أبي طالب "عليه السلام"، مستخفياً من أبيه أبي طالب، ومن جميع اعمامه، وسائر قومه. فيصليان الصلوات فيها، فاذا أمسيا رجعا.
فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا.
ثم إن أبا طالب "عليه السلام" عثر عليهما يوماً وهما يصليان، فقال لرسول الله "صلى الله عليه وآله": يا ابن أخي، ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟
قال: أي عم، هذا دين الله، ودين ملائكته، ودين رسله، ودين أبينا ابراهيم.
٣ ـ وذكروا أنه قال لعلي "عليه السلام": أي بني، ما هذا الدين الذي أنت عليه؟
فقال: يا أبت آمنت بالله، وبرسول الله، وصدقته بما جاء به، وصليت معه لله، واتبعته.
فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير، فالزمه.
٤ ـ وفي لفظ عن علي "عليه السلام": إنه لما أسلم قال له أبو طالب: الزم ابن عمك فإنك تسلم به من كل بأس، عاجل وآجل.
ثم قال لي:
إن الوثيـقـة في لزوم محمدٍ ***** فاشدد بصحبتـه علي يديكا [٣٤].
٥ ـ وروا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لما أنزل عليه الوحي أتى المسجد الحرام وقام يصلي فيه، فاجتاز به علي "عليه السلام" وكان ابن تسع سنين فناداه: يا علي! إلي، أقبل.
فأقبل إليه ملبياً، فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": إني رسول الله إليك خاصة وإلى الخلق عامة، فقف عن يميني وصل معي.
فقال: يا رسول الله، حتى أمضي وأستأذن أبا طالب والدي.
فقال له: إذهب، فإنه سيأذن لك.
فانطلق إليه يستأذنه في اتباعه، فقال: يا ولدي، تعلم أن محمداً أمين الله منذ كان. إمض إليه واتبعه ترشد وتفلح.
فأتى علي "عليه السلام" ورسول الله "صلى الله عليه وآله" قائم يصلي في المسجد، فقام عن يمينه يصلي معه، فاجتاز أبو طالب بهما وهما يصليان. فقال: يا محمد ما تصنع؟!
قال: أعبد إله السماوات والأرض، ومعي أخي علي يعبد ما أعبد، وأنا أدعوك إلى عبادة الواحد القهار.
فضحك أبو طالب حتى بدت نواجذه، وأنشأ يقول:
والله لن يصلوا اليـك بجمعهم *****حتى أغيَّب في الـتراب دفينــا
إلى آخر الأبيات [٣٥].
ونقول:
إننا نسجل هنا الملاحظات التالية:
١ ـ إن النصوص الأربعة الأول منسجمة كل الإنسجام، والإختلاف في طبيعة ما قاله أبو طالب لولده لا يضر، فلعله "رحمه الله" قد ذكر أكثر من مطلب، فاقتصر بعض الرواة على هذه الخصوصية، وبعضهم على تلك.. أو أن بعضهم نقل النص بالمعنى.
٢ ـ إن النصوص الأربعة الأولى، لا تنافي النص الأخير، لأن هذا النص يتحدث عن أن النبي "صلى الله عليه وآله" إنما طلب من علي "عليه السلام" أن يصلي معه في المسجد الحرام ظاهراً لكل أحد..
فأراد "عليه السلام" أن يجمع بين امتثال أمر الرسول "صلى الله عليه وآله" وبين التأدب مع أبيه بإعلامه وإلا.. فإن قبول الدين الحق لا يحتاج إلى إذن أحد..
ولأنه أراد أن يعلم أباه لكي يعرف كيف يتصرف لو تطورت الأمور، بسبب رعونة قريش.
ويشهد لذلك ما ذكرته الرواية من أن أبا طالب قال في هذه المناسبة:
والله لن يصلوا اليـك بجمعهم *****حتى أغيَّب في التراب دفيـنــا
فليس في استمهال علي "عليه السلام" رسول الله "صلى الله عليه وآله" لاستئذان أبيه أية دلالة على تردده في طاعة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أو تردده في قبول ما يعرضه النبي "صلى الله عليه وآله".
ويشهد لما نقول: قول علي "عليه السلام" إنه قد صلى لله تعالى مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبل أن يصلي أحد من الأمة سبع سنين وأشهراً..
٣ ـ اللافت هنا قول أبي طالب لولده علي "عليه السلام": "أنظر كيف تنصره". ولم يقل له: انصره.. فإن نصرة علي "عليه السلام" لرسول الله "صلى الله عليه وآله" محرزة في نظر أبي طالب "عليه السلام"، ولكنه يريدها نصرة قائمة على التدبر والوعي، وتقدير الأمور، وليست نصرة عشوائية ربما يكون ضررها أكثر من نفعها..
وهذا يدل على بعد نظر أبي طالب "عليه السلام"، ومدى دقته وحكمته، ونظره للعواقب..
٤ ـ لا ندري مدى صحة ما ورد في الرواية رقم (٣٦) ان أن علياً كان يستخفي بصلاته عن أبيه، وسائر أعمامه.. إذ لا مبرر لاستخفائه بصلاته من أبيه، إلا إن كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أمره بذلك لمصلحة رآها، وهي أن لا يحرج أباه أمام قريش، إذا ظهر لها أن أبا طالب يدبر ويشارك في هذا الأمر، وأنه يخدعهم بذلك. فيكون هذا التدبير ظاهرياً وليس حقيقياً. وإلا، فإن أبا طالب هو الذي جعل ولده مع النبي "صلى الله عليه وآله"، وكان يرى منهما الكرامات والمعجزات التي تبين له أن لهما شأناً..
بل في النصوص ما يدل على أن أبا طالب "عليه السلام" كان يعلم بذلك منذ ولادة علي "عليه السلام"، ومنذ تزويج النبي "صلى الله عليه وآله" بخديجة صلوات الله عليها، وقد صرح أبو طالب بذلك في خطبة الزواج، فراجع..
٥ ـ إنه "صلى الله عليه وآله" قال لعلي "عليه السلام": "إني رسول الله إليك خاصة، وإلى الخلق عامة". وهذا يدل على أمرين:
أولهما: أن علياً لم يكن حكمه حكم الأطفال، رغم صغر سنه، بل هو مكلف ومطالب بما يطالب به الكبار البالغون.
الثاني: إن إسلامه "عليه السلام" يوازي اسلام الأمة بأسرها، لأن الله بعث رسوله إليه خاصة، وإلى الأمة عامة، وان لله عناية خاصة به، دون سائر الخلق. فلولا علم الله تعالى بما سيكون له من أثر في هذا الدين، أو بموقعه فيه لم يكن الأمر كذلك.
٦ ـ قوله في الرواية المتقدمة رقم (٢): فمكثا ما شاء الله ان يمكثا..
يدل على أن الفاصل بين اسلام جعفر "عليه السلام"، وبين بعثة النبي "صلى الله عليه وآله" كان طويلاً.. ويتعاضد هذا مع ما سيأتي في حديث إسلام أبي ذر، وحديث انذار العشيرة من أن علياً وخديجة قد اسلما قبل أن يسلم أحد غيرهما بعدة سنوات.
يتبع ......