![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/besmellah.png)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/mola.png)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/fi_rahab.jpg)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/haram.jpg)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/nahj.jpg)
زوجات أمير المؤمنين (عليه السلام):
إن من تجليات التكرمة الإلهية لعلي "عليه السلام" تزويج الله ورسوله إياه فاطمة الزهراء "عليها السلام".
ويدل على عظم مقامها، ومقام علي "عليه وعليها الصلاة والسلام" ما روي عن النبي "صلى الله عليه وآله"، وعن الصادق "عليه السلام" عنه، أنه قال: "لولا أن الله تعالى خلق أمير المؤمنين "عليه السلام" لفاطمة ما كان لها كفؤ على ظهر الأرض، من آدم فمن دونه" [١].
وقد تحدثنا عن بعض ما يرتبط بهذا الزواج الميمون في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله".
وروي: أن علياً "عليه السلام" دخل بفاطمة "عليها السلام" بعد وفاة أختها رقية زوجة عثمان بستة عشر يوماً، وذلك بعد رجوعه من بدر، وذلك لأيام خلت من شوال [٢].
وروي: أن ذلك كان يوم الثلاثاء، لست خلون من ذي الحجة [٣].
وهناك أقوال عديدة أخرى، فراجعها في مصادرها [٤].
علي وفاطمة (عليهما السلام) أفضل من الأنبياء:
والحديث المتقدم عن كفاءة علي "عليه السلام" لفاطمة "عليها السلام" يدل على أن أمير المؤمنين، وكذلك فاطمة الزهراء "عليهما أفضل الصلاة والسلام" أفضل من جميع الأنبياء باستثناء رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فإنه خارج قطعاً، لدلالة الأدلة القاطعة على أنه أفضل الخلق من دون استثناء أحد، لا فاطمة ولا علي "عليهما السلام"..
بل إن المقصود بهذه الكلمة هو إظهار هذا التفضيل لهما "عليهما السلام". وليس المقصود الكفاءة التي يترتب عليها جواز المباشرة بمراسم التزويج. إذ قد تتحقق الكفاءة، ولكن يوجد مانع من المباشرة في التزويج، كالأبوة، أو الأخوة، أو العمومة، أو نحو ذلك..
ويشهد لهذا الأمر ذكر آدم "عليه السلام"، مع أنه أب للزهراء "عليها السلام"، وكذلك إبراهيم، وإسماعيل "عليهما السلام"..
وذلك يدل على: أن المقصود هو بيان مقامها الشامخ، وأنها فوق الأنبياء، وأن ما حباها الله به من الفضل والكرامة والمقام المحمود عند الله، لا يمكن أن يقع في وهم أحد.
ومما دل على أفضلية رسول الله "صلى الله عليه وآله" على جميع المخلوقات ما روي عنه "صلى الله عليه وآله" من أنه قال: "فأنا أتقى ولد آدم، وأكرمهم على الله جل ثناؤه" [٥].
وقوله "صلى الله عليه وآله": "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" [٦].
وقوله "صلى الله عليه وآله": "وفضلني على جميع خلقه، وجعلني في الدنيا سيد ولد آدم، وفي الآخرة زين القيامة" [٧].
وعن أبي عبد الله "عليه السلام": سئل رسول الله "صلى الله عليه وآله": بأي شيء سبقت ولد آدم؟!
قال: إنني أول من أقر بربي، إن الله أخذ ميثاق النبيين، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟!
قالوا: بلى. فكنت أول من أجاب [٨].
وعنه "صلى الله عليه وآله": يا علي، إن الله عز وجل أشرف على الدنيا، فاختارني منها على رجال العالمين، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي، ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين بعدك. ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة سيدة نساء العالمين.. [٩].
وهذا الحديث ناظر إلى التفضيل بين الرجال والرجال، وبين النساء والنساء. والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة..
لا يتزوج علي (عليه السلام) في حياة فاطمة (عليها السلام):
وقد سأل سائل: لماذا لم يتزوج علي "عليه السلام" غير فاطمة ما دامت على قيد الحياة، مع أن تعدد الزوجات مستحب؟! وإذا كانت الزهراء "عليها السلام" لا ترضى، فهل يمكن أن لا ترضى بما يرضاه الله؟!
ونجيب:
أولاً: قد روي عن أبي عبد الله الصادق "عليه السلام" أنه قال: "حرم الله النساء على علي "عليه السلام" ما دامت فاطمة "عليها السلام" حية.
قال: قلت: وكيف؟!
قال: لأنها طاهر لا تحيض" [١٠].
ولعل هذا التعليل يريد أن يشير إلى عظمتها ومقامها عند الله تعالى، وأنه تبارك وتعالى قد طهرها، حتى من جهة خلقتها، فنزهها عن الحيض، حتى لا يمنعها ذلك من مواصلة عباداتها التي تحبها.
وبهذا الحال، هل يصح من علي "عليه السلام" أن يفضل عليها أحداً، أو أن يميل إلى أحد سواها وهي على قيد الحياة؟!.
ثانياً: لم يثبت استحباب الزواج بأكثر من امرأة واحدة، بل ورد إباحة ذلك في القرآن، مع النصيحة بالتزام الزواج من واحدة في صورة الخوف من عدم التمكن من العدل بين النساء..
نعم، قد ورد في السنة الأمر بالتزوج بأكثر من واحدة لمعالجة حالة الفقر [١١]، أو نحو ذلك..
مع ملاحظة: أن معالجة ظاهرة الفقر [١٢] قد كانت بالطلاق أيضاً، مع أنه أبغض الحلال إلى الله تعالى [١٣].
فالإستحباب المدعى يصبح موضع شك، وبذلك لا يبقى موضوع للسؤال المذكور..
إلا إذا استدل على ذلك بالروايات التي تحث على الزواج وتأمر به، مثل حديث: "تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة".. باعتبار أن المطلوب هو زيادة النسل، وهو يتحقق بتعدد الزوجات بصورة أتم وأوفى.
ويناقش في دلالة ذلك على استحباب التعدد، بأننا لو سلمنا بذلك، فإن استحباب زيادة النسل شيء، وتعدد الزوجات شيء آخر. فإذا فرض التلازم بينهما، فمن المعلوم: أنه لا يجب اتفاق المتلازمين في الحكم، بل يجب أن يختلفا فيه..
يضاف إلى ذلك: أن روايات الترغيب في الزواج لأجل النسل يقصد بها التأكيد على استحباب أصل التناكح والتناسل. ولكن لا مطلقاً، بل وفق سياسة وضابطة محددة، ولذلك لم يجز الزيادة على الأربع. وحددت شرائط معينة لمن يصح التزويج بها، وغير ذلك..
ثالثاً: قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(١)[١٤].
فقد دلت هذه الآية المباركة على: أن الهدف من الزواج هو تحقيق السكون، والرضا، وذلك من خلال التوحد، والإلتقاء، ووجدان النفس لحقيقتها الكاملة، ليكونا معاً بمثابة نفس واحدة..
ومن الواضح: أن السيدة الزهراء "عليها السلام" حين تكون مع الإمام علي "عليه السلام"، فإنه "عليه السلام" سوف لا يجد في نفسه أية حاجة إلى شيء آخر، لأن السيدة الزهراء "عليها السلام" هي الكمال كله..
فلا يبقى أي مبرر لتطلّب شيء آخر. ما دام أن السكون والرضا قد بلغ منتهاه، فما هو الداعي لأن يبحث الإمام "عليه السلام" عن زوجة أخرى، ما دام أن تلك الزوجة لن يكون لها أي دور في حياته، ولا يوجد أي مجال للزيادة في حالة السكون، والرضا، والسعادة لديه؟!
وربما لأجل هذه الخصوصية بالذات لم يتزوج النبي "صلى الله عليه وآله" في حياة السيدة خديجة "عليها السلام" أية امرأة أخرى، لكنه تزوج بعدها بالعديد من النساء لأكثر من داع وسبب.. رغم علمه "صلى الله عليه وآله" بانه لن يجد مثل خديجة "عليها السلام".
وتزوج علي "عليه السلام" بعد الزهراء "عليها السلام" بالعديد من النساء رغم علمه بأنه لن يجد مثل الزهراء "صلوات الله وسلامه عليها".
تسرِّي علي (عليه السلام) في حياة الزهراء (عليها السلام):
بناءً على ما تقدم، يبقى سؤالان يحتاجان إلى إجابة:
الأول: ماذا نصنع بالروايات التي تقول: إن علياً "عليه السلام" قد تزوج بأم محمد بن الحنفية في حياة رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
الثاني: ماذا نصنع بحديث بريدة عن اصطفاء علي "عليه السلام" لجارية من السبي، وقد اختلى بها، وخرج ورأسه يقطر ماءً؟!
ونقول في الجواب:
أولاً: لو صح هذا وذاك، فيكون دليلاً على أن حديث تحريم النساء على علي "عليه السلام" ما دامت فاطمة "عليها السلام" على قيد الحياة مشروط بما إذا لم تجزه الزهراء "عليها السلام" ورسول الله "صلى الله عليه وآله"، وتكون مبادرته لفعل ذلك دليلاً على صدور هذه الإجازة منها ومنه..
بل قد يُدَّعى: أن المحرم عليه "صلوات الله وسلامه عليه" هو التزويج بالنساء، ولا يحرم عليه التسري..
ثانياً: بالنسبة لأم محمد بن الحنفية نقول:
إن البعض وإن كان قد ادَّعى: أنها كانت أمة وهي نصيب علي "عليه السلام" من سبي أتي به إلى أبي بكر. لكننا قد أثبتنا عدم صحة ذلك، وقلنا: إن هناك نصوصاً أخرى تقول: إنها كانت أمة، فاشتراها علي "عليه السلام"، واتخذها أم ولد.
والظاهر: أن شراءه لها كان في زمن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فولدت له محمداً المعروف بابن الحنفية، وذلك بعد استشهاد السيدة فاطمة "عليها السلام" [١٥]. فلا دليل على تسرّيه بها في حياة الزهراء "عليها السلام".
وأما إن كانت ولادة محمد بن الحنفية في زمن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولم نقل: إن ما روي عن الإمام الصادق "عليه السلام" مختص بالزواج الدائم، فلا بد أن يحمل ذلك على أن زواجه بالحنفية، قد كان بإذن من رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وفاطمة "عليها السلام"، لسرٍّ ولخصوصيةٍ في محمد بن الحنفية "رحمه الله"..
ثالثاً: بالنسبة لحديث بريدة نقول:
إن الأصل في هذا الحديث هو بريدة الأسلمي.. (وفي بعض النصوص ذكر البراء، بدل بريدة) الذي أرسله خالد بن الوليد للوقيعة بالإمام علي "عليه السلام"، عند رسول الله "صلى الله عليه وآله"، بحجة: أن الإمام "عليه السلام" اصطفى جارية من السبي، وقعت في الخمس.
وقد ذكرت الرواية: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، غضب للإمام علي "عليه السلام"، وصوّب موقفه [١٦]..
ونلاحظ هنا ما يلي:
١ ـ إن أغلب المصادر لم تشر إلا لمجرد اصطفاء الإمام علي "عليه السلام"، جارية من خمس السبي لنفسه.
وظاهر طائفة: أن الإعتراض إنما كان منصباً على تصرفه "عليه السلام"، في مال الخمس.
وكمثال على ذلك نشير إلى نص الشيخ المفيد "رحمه الله"، الذي ذكر: أن بريدة جعل يقرأ كتاب خالد لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، والمتضمن للوقيعة في علي "عليه السلام"، ووجه النبي "صلى الله عليه وآله"، يتغير، فقال بريدة: "إنك إن رخصت للناس في مثل هذا ذهب فيؤهم.
فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": ويحك يا بريدة! أحدثت نفاقاً؟! إن علي بن أبي طالب كان له من الفيء ما يحل لي، إن علي بن أبي طالب خير الناس لك ولقومك الخ.." [١٧].
فليس في الرواية إشارة إلى أنه "عليه السلام" قد وطأ تلك الجارية، كما تزعم بعض الروايات.
٢ ـ إن بعض النصوص التي رويت لهذه الحادثة تقول:"فتكلم بريدة في علي عند الرسول، فوقع فيه، فلما فرغ رفع رأسه، فرأى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، غضب غضباً لم يره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير، وقال: "يا بريدة، أحب علياً، فإنه يفعل ما آمره". وكذا روي عن غير بريدة [١٨].
وهذا يعني: أن اصطفاء الجارية من قبل علي "عليه السلام"، ووطؤه لها إن كان قد حصل، فإنما كان بأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لمصلحة رآها.
٣ ـ ومع غض النظر عن ذلك، وافتراض صحة الروايتين معاً، نقول:
وبذلك يتحقق التوفيق والجمع بين رواية تحريم النساء على أمير المؤمنين "عليه السلام" مدة حياة السيدة فاطمة "عليها السلام"، وبين رواية بريدة بأن المقصود برواية تحريم النساء عليه: تحريم الزواج الدائم بالحرائر منهن. فلا تشمل التسري بالإماء.. إذا أذنت الزهراء "عليها السلام"، أو أمر أبوها "صلى الله عليه وآله" لمصلحة يراها..
٤ ـ إن ما ذكروه: من أنه "عليه السلام" قد أصاب من الجارية، وأنه خرج إليهم ورأسه يقطر، وأخبرهم بما جرى، لم نجده مروياً عن الأئمة "عليهم السلام"، ولعله قد أضيف إلى الرواية من قِبل أولئك الذين أرادوا أن يثيروا المشكلة على أساس إثارة حفيظة السيدة الزهراء "عليها السلام"، لاعتقادهم أن ذكر ذلك لها عنه "عليه السلام"، سوف يثير غيرتها، ويحركها ضده.
ولكن فألهم قد خاب؛ لأنهم لم يعرفوا الإمام علياً ولا السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليهما.
وربما تكون هذه التحريكات المغرضة قد حصلت في وقت لاحق، أي بعد أن فشلت محاولاتهم للوقيعة به عند رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
سائر نساء علي (عليه السلام):
وبعد استشهاد السيدة الزهراء "عليها السلام" تزوج "عليه السلام" بعدة نساءٍ هنَّ:
١ ـ أمامة بنت أبي العاص.
٢ ـ أسماء بنت عميس.
٣ ـ ليلى بنت مسعود.
٤ ـ أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي.
٥ ـ خولة بنت جعفر بن قيس.
٦ ـ الصهباء بنت ربيعة.
٧ ـ محياة بنت امرئ القيس.
٨ ـ أم البنين فاطمة بنت حزام الكلابية.
وعن الإمام الباقر "عليه السلام": كان له أيضاً سبع عشرة سُرِّيَّة. بعضهن أمهات ولد [١٩].
وسيأتي الحديث عن زواجه "عليه السلام" بأمامة بنت أبي العاص، بعد استشهاد الزهراء "عليها السلام".
ولكننا نشير هنا إلى اثنتين من هؤلاء النساء، وهما:
١ ـ أسماء بنت عميس:
فإن جعفر بن أبي طالب كان قدتزوج بأسماء بنت عميس، وهاجرت معه إلى الحبشة، وولدت له عبد الله، وعوناً ومحمداً.
ثم تزوجها أبو بكر، فولدت له محمداً.. وبعد وفاة أبي بكر تزوجها علي "عليه السلام" فأولدها يحيى [٢٠].
٢ ـ أم البنين بنت حزام:
قالوا: إن علياً "عليه السلام" قال لعقيل: "أنظر إلى امرأة قد ولدتها الفحول، لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً.
فقال له: تزوج أم البنين الكلابية، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها" [٢١].
ونلاحظ هنا: أن علياً "عليه السلام" لم يكن بحاجة إلى علم عقيل "رحمه الله"، ولا إلى علم غيره بأنساب وأحوال العرب، إلا أن يكون المقصود هو تعريف الناس بمقام تلك الصفوة التي سيكون لها النصيب الأوفر في نصرة الإمام الحسين "عليه السلام" في كربلاء.
وأن ذلك بمثابة إخبار غيبي عن ولادة هؤلاء الصفوة، وعن المهمات الجسام التي سوف يضطلعون بها، في نصرة هذا الدين.
وفيه إشارة إلى أن التهيؤ لهذه المواقف والتضحيات قد بدأ قبل ولادة يزيد وابن زياد و.. و..
يضاف إلى ذلك: أنه أراد التنويه بعلم عقيل بالأنساب، ورد ما سوف يكيده به الأمويون وأعوانهم. وتبرئته من الإتهامات الباطلة التي سيوجهونها إليه حين يكشف للناس مخازي أعداء علي "عليه السلام"..
مع يقيننا بأن علياً "عليه السلام" كان أعرف من عقيل في كل شيء.. ولم يكن بحاجة إليه في اختيار من يشاء من النساء.. ولكنه أراد أن يعطي كل ذي حق حقه.. وأن يعلم الناس: أن لا غضاضة في الرجوع إلى أهل الخبرة، لإظهار فضلهم، والإعلان بالتكريم لهم.
٣ ـ علي (عليه السلام) يتزوج أمامة:
في سنة اثنتي عشرة للهجرة مات أبو العاصي بن الربيع، وأوصى إلى الزبير، وتزوج علي "عليه السلام" ابنته [٢٢].
زوجها منه الزبير، لأن أباها قد أوصاه بها [٢٣].
وقيل: إن علياً "عليه السلام" تزوج أمامة بنت أبي العاص، بوصية الزهراء "عليها السلام"، فقد أوصته بذلك، وقالت: إنها تكون لولدي مثلي [٢٤].
أو قالت: بنت أختي، وتتحنن على ولديّ [٢٥].
ويروي ابن عباس عن علي "عليه السلام" قوله: أشياء لم أجد إلى تركهن سبيلاً.
إلى أن قال: وتزويج أمامة بنت زينب، أوصتني بها فاطمة "عليها السلام" [٢٦].
وفي بعض الروايات: أنها ولدت لعلي "عليه السلام" محمد الأوسط [٢٧].
قالوا: ولما جرح علي "عليه السلام" خاف أن يتزوجها معاوية، فأمر المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أن يتزوجها بعده.
فلما استشهد علي "عليه السلام"، وانقضت عدتها أرسل إليها معاوية يخطبها، فأرسلت إلى المغيرة تعلمه بذلك، فتزوجها المغيرة، فولدت له يحيى، وهلكت عنده [٢٨].
ونقول:
إن لنا مع هذه النصوص وقفات عديدة، نذكر منها.
أمامة بنت أخت فاطمة (عليها السلام):
تصف بعض الروايات أمامة بنت أبي العاص بأنها بنت أخت فاطمة "عليها السلام"، ويعلل النص المنسوب للزهراء "عليها السلام" طلبها من علي الزواج من أمامة بأنها بنت أختها، وتحن على ولديها.
والحال أننا قد أثبتنا في كتبنا: "القول الصائب"، وكتاب "بنات النبي أم ربائبه" وكتاب "ربائب النبي: قل هاتوا برهانكم"، وفي كتب أخرى: أن زينب زوجة أبي العاص بن الربيع لم تكن بنتاً للنبي "صلى الله عليه وآله" على الحقيقة، وإنما نسبت إليه، لأنها تربت في بيته "صلى الله عليه وآله".
فلعلها "عليها السلام" أطلقت عليها وصف الأخت بهذا الإعتبار..
علي (عليه السلام) لم يجد للتخلص سبيلاً:
وقد لفت نظرنا: ما نسب إلى علي "عليه السلام"، من أنه لم يجد للتخلص من التـزويـج بأمامـة سبيلاً.. بسبب وصيـة الزهراء "عليها السلام"..
ونقول:
لا ندري لماذا يريد علي "عليه السلام" التخلص من هذا الأمر، ويلتمس السبل إلى ذلك، فلا يجدها؟! هل كان يرى أن الزهراء "عليها السلام" قد أخطأت في اختيارها لهذه الفتاة؟! أم أنه لم يكن بحاجة للزواج
لكن وصية فاطمة "عليها السلام" قد أجبرته عليه؟! وهل يمكن أن تخطئ الزهراء المعصومة؟!
أو أنها هل تتدخل فيما لا يعنيها، وتلزم الناس بما لم يكن المطلوب إلزامهم به؟!
الزبير يزوج أمامة:
وقد ذكر النص المتقدم: أن الزبير هو الذي زوّج علياً "عليه السلام" أمامة، لأن أباها كان قد أوصاه بها:
ونقول:
أولاً: إذا كان أبو العاص بن الربيع قد مات في السنة الثانية عشرة، والزهراء "عليها السلام" قد استشهدت قبل ذلك بسنة أو أكثر، فلماذا لا يخطب علي أمامة من أبيها مباشرة؟!.. ولماذا صبر إلى ما بعد وفاته حتى خطبها من الزبير، والحال أن الزهراء "عليها السلام" قد أوصته بالزواج منها، لحفظ أبنائها؟!
ومن الذي كان يهتم بأبناء الزهراء "عليها السلام" طيلة هذه المدة؟!
ثانياً: لنفترض: أنها كانت صغيرة في ذلك الوقت، فانتظرها إلى أن كبرت.. فبعد أن كبرت هل صارت عاقلة راشدة، أم لم تكن كذلك، فإن كانت عاقلة راشدة فلا حاجة لها إلى الزبير ليزوجها؛ لأنها تصبح مالكة لأمرها، ولا تحتاج في زواجها إلى إذن أحد، ولا ولاية لأحد عليها، بعد موت أبيها.
وإن لم تكن راشدة، فما حاجة أبناء الزهراء "عليها السلام" إليها، وإلى حنانها، بل يكونون هم قد كبروا، واستغنوا عنها وعن غيرها في نفس الوقت الذي تطويه هي للحصول على الرشد..
بل لقد كان لزينب العقيلة "عليها السلام"، فضلاً عن الحسنين "عليهما السلام" من العقل والرشد، ما يستغنون به عن جميع أهل الأرض، إن لم نقل: إن الناس يحتاجون إليهم في ذلك وسواه.
ولعل مقصود الراوي: أن الزبير كان وكيلاً عنها في إجراء صيغة النكاح الشرعي مع الإمام "عليه السلام". ثم طور ذلك وحوره لكي يبدو أن علياً "عليه السلام" بحاجة إلى الزبير، وأن للزبير شيئاً من الفضل على أمير المؤمنين "عليه السلام".
هل ولدت أمامة لعلي (عليه السلام):
تقدم: أن بعض الروايات تقول: إن أمامة ولدت لعلي "عليه السلام" محمداً الأوسط..
غير أن ذلك غير مسلّم، فقد قيل: "إنها لم تلد لعلي، ولا للمغيرة" [٢٩].
أمامة تزوجت بعد علي (عليه السلام):
وكون زواج أمامة بالمغيرة بن نوفل بن عبد المطلب بأمر علي "عليه السلام" هو الآخر موضع شك وريب.
فأولاً: قد روى ابن سعد، عن ابن أبي فديك؛ عن ابن أبي ذئب: أن أمامة بنت أبي العاص قالت للمغيرة بن نوفل:
إن معاوية خطبني.
فقال لها: أتتزوجين ابن آكلة الأكباد؟! فلو جعلت ذلك إليَّ!
قالت: نعم.
قال ابن أبي ذئب: فجاز نكاحه [٣٠].
ثانياً: إننا لا نرى أن علياً "عليه السلام" يتحدث مع أمامه في موضوع كهذا، ولا نظنه يحدد لها زوجاً بعده. لا سيما إذا كان ذلك يستبطن بعض الإحراج لذلك الرجل، الذي عينه لها، والذي قد لا يكون راغباً في زواج كهذا..
ثالثاً: صرح ابن شهرآشوب: بأن النسوة اللواتي توفي علي "عليه السلام" عنهن لم يتزوجن بعده، وهن: أُمامة، وأسماء بنت عميس، وأم البنين الكلابية، وليلى التميمية [٣١].
رابعاً: والأمر الأوضح والأصرح: قول ابن شهرآشوب عن أمامة نفسها: "وخطب المغيرة بن نوفل أمامة، ثم أبو الهياج بن سفيان بن الحارث، فروت عن علي "عليه السلام": أنه لا يجوز لأزواج النبي والوصي أن يتزوجن بغيره بعده، فلم يتزوج امرأة ولا أم ولد بهذه الرواية" [٣٢].
فما يدعى من تزويج الإمام السجاد "عليه السلام" إحدى زوجات أبيه لبعض الناس، لا مجال لقبوله..
لماذا هذا العدد من النساء؟!:
وقد يتساءل البعض عن سبب كثرة النساء اللاتي تزوجهن علي أمير المؤمنين "عليه السلام".
ونجيب بما يلي:
ألف: إن علياً "عليه السلام" قد عاش عدة سنوات مع الزهراء "عليها السلام"، ولم يتزوج غيرها إلا بعد أن استشهدت، تماماً كما عاش رسول الله "صلى الله عليه وآله" سنوات كثيرة مع خديجة "عليها السلام"، ولم يتزوج غيرها إلا بعد وفاتها. وهذا الزواج فرضته ظروف، ولم يكن استجابة لداعي الشهوة، ولذلك لم يتخير "صلى الله عليه وآله" من النساء الفتيات الأبكار أو الجميلات، بل كن ثيبات أو عجائز لكل واحدة منهن قصة وظرف خاص بها.
ب: إن الزواج بعدد من النساء لا ينحصر بعلي "عليه السلام"، ولا بالنبي "صلى الله عليه وآله"، فإن عمر قد تزوج بالعديد من النساء، ومنهن كما قيل:
١ ـ زينب بنت مظعون.
٢ ـ أم كلثوم بنت علي (عقد عليها ولم يدخل بها، وكان ذلك آخر عمره في ظروف ذكرناها في كتاب لنا باسم "ظلامة أم كلثوم".. فراجع).
٣ ـ أم كلثوم بنت جرول.
٤ ـ جميلة بنت ثابت.
٥ ـ لهية (أم ولد) امرأة من اليمن [٣٣].
٦ ـ أم ولد هي أم عبد الرحمن بن الأصغر بن عمر.
٧ ـ أم حكيم بنت الحارث.
٨ ـ فكيهة (أم ولد).
٩ ـ عاتكة بنت زيد.
١٠ ـ عاصية (أو جميلة) أم عاصم بن عمر [٣٤].
١١ ـ مليكة بنت جرول. وربما تكون هي أم كلثوم بنت جرول..
١٢ ـ قرينة بنت أبي أمية.
والنساء اللاتي تزوجهن عثمان:
١ ـ رقية (ربيبة رسول الله "صلى الله عليه وآله").
٢ ـ أم كلثوم (ربيبة رسول الله "صلى الله عليه وآله").
٣ ـ فاختة بنت غزوان.
٤ ـ أم عمرو بنت جندب.
٥ ـ فاطمة بنت الوليد.
٦ ـ أم البنين بنت عيينة.
٧ ـ رملة بنت شيبة.
٨ ـ نائلة بنت الفرافصة.
٩ ـ أم ولد ولدت لعثمان بنتاً اسمها أم البنين [٣٥].
والنساء اللائي ولدن لأبي بكر هن كما عند ابن الأثير:
١ ـ قتيلة بنت عبد العزى.
٢ ـ أم رومان.
٣ ـ أسماء بنت عميس.
٤ ـ حبيبة بنت خارجة [٣٦].
ج: إن للإقدام على الزواج من هذه المرأة أو تلك أسباباً مختلفة، قد يكون من بينها السعي للبر بتلك المرأة، وحفظها من أن يعضها الدهر بأنياب الحاجة، و صونها من أن تقع في قبضة رجل فاجر، لا يراعي فيها أحكام الله وشرائعه.
وقد يكون السبب هو حفظ أنفس، ورعاية حقوق لا بد له من حفظها ورعايتها، وقد يكون هو موافاة الأجل لزوج هذه أو تلك، ولا بد من الجليس والأنيس.. وقد يكون السبب هو انجاب ذرية صالحة.. وقد يكون السبب غير ذلك..
د: لكن المهم هو مراعاة أحكام الله فيهن، وحفظ حدوده، والإلتزام بشرائعه، ومعاملتهن بما يقتضيه الخلق الرضي، والواجب الإنساني. ولا يتوهم في حق أمير المؤمنين "عليه السلام" سوى هذا..
يتبع ......