![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/besmellah.png)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/mola.png)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/fi_rahab.jpg)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/haram.jpg)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/nahj.jpg)
الأسماء والألقاب والكنى..
تسمية علي (عليه السلام):
قيل: سمي مولود أبي طالب وفاطمة بنت أسد علياً؛ لأنه علا بقدميه كتفي رسول الله "صلى الله عليه وآله" لكسر الأصنام.
وقيل: لعلوه على كل من بارزه.
وقيل: لأن داره في الجنان تعلو حتى تحاذي منازل الأنبياء.
وقيل غير ذلك [١].
وقيل: سمته أمه يوم ولد علياً.
وقد روي عن فاطمة بنت أسد أنها قالت: إني دخلت بيت الله الحرام، وأكلت من ثمار الجنة وأرزاقها، فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة! سميه علياً، فهو علي، والله العلي الأعلى يقول: إني شققت اسمه من اسمي، وأدبته بأدبي، ووقَّفته على غامض علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي، ويقدسني ويمجدني، فطوبى لمن أحبه وأطاعه، وويل لمن عصاه وأبغضه [٢].
وعند الزمخشري: أن النبي "صلى الله عليه وآله" تولى تسميته [٣].
وثمة روايات أخرى تشير إلى تسميته بعلي [٤].
وقال سبط ابن الجوزي: إن حيدرة وصف لعلي "عليه السلام"، وعلي هو الإسم الأصلي له [٥].
ونقول:
إن علياً "عليه السلام" قال حين واجه مرحباً اليهودي في غزوة خيبر:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة... [٦].
والحيدرة هو الأسد، لغلظ عنقه وذراعيه..
وهذا يدل على: أن أمه كانت سمته بهذا الاسم فور ولادته، وربما قبل خروجها من داخل الكعبة.. أو أنها سمته به حين كبر، ورأت ملامح الشجاعة فيه..
ويبدو لنا أيضاً: أن الأم كانت هي التي تسمي ولدها حين ولادته.. إما عن اتفاق مع أبيه أو بدونه، ثم يختار الأب، إما الإبقاء على ذلك الاسم أو تغييره.
وهذا ما جرى بالنسبة للإمام علي "عليه السلام" أيضاً، كما يفهم من كلام المعتزلي وغيره [٧].
ومن شواهد تسمية الأمهات لأبنائهن نذكر ما يلي:
١ ـ قول مرحب اليهودي:
أنا الـذي سمتني أمـي مـرحـب شاكـي السـلاح بـطـل مجرب [٨].
٢ ـ حين استشهد الحر بن يزيد الرياحي، خاطبه الإمام الحسين "عليه السـلام"، بقوله: "أنت حر كما سمتك أمك، حر في الدنيـا، وسعيد في الآخرة" [٩].
وفي نص آخر: "ما أخطأت أمك إذ سمتك حراً" [١٠].
٣ ـ ولما أتي الحجاج بسعيد بن جبير قال له الحجاج: "أنت الشقي بن كسير.
قال: لا، إنما أنا سعيد بن جبير.
قال: لأقتلنك.
قال: أنا إذاً كما سمتني أمي سعيد" [١١].
٤ ـ عن أبي حصين، قال: "أتيت سعيد بن جبير بمكة، فقلت: إن هذا الرجل قادم، يعني خالد بن عبد الله، ولا آمنه عليك، فأطعني واخرج.. فقال: والله، لقد فررت حتى استحييت من الله..
قلت: إني لأراك كما سمتك أمك سعيداً.
فقدم خالد مكة، فأرسل إليه فأخذه [١٢].
٥ ـ وقال أبو الغراف: قال الأخطل: "والله ما سمتني أمي دوبلاً إلا يوماً واحداً" [١٣]..
٦ ـ وقال الخطيب البغدادي: وكان حفص أسود شديد السواد. يعرف بالأسود، قال لي أبو اليقظان: "سمتني أمي خمسة عشر يوماً عبد الله" [١٤].
٧ ـ قال الخطيب البغدادي: فلما قدم علي، قال له: "أنت القائل ما بلغني عنك يا فروج؟! إنك شيخ قد ذهب عقلك.
قال: لقد سمتني أمي باسم هو أحسن من هذا، الخ.." [١٥].
٨ ـ أبان بن تغلب: قال: "كنت جالساً عند أبي عبد الله "عليه السلام"، إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن، فسلم عليه.
فرد "عليه السلام"، فقال: مرحباً بك يا سعد. فقال له الرجل: بهذا الاسم سمتني أمي، وما أقل من يعرفني به، الخ.." [١٦].
٩ ـ قال أبو حاتم: صدوق، سمعته يقول: "سمتني أمي باسم إسماعيل السدي، فسألته عن قرابته من السدي، فأنكر أن يكون ابن بنته، الخ.." [١٧].
١٠ ـ قال أبو إبراهيم: "سمتني أمي جموك. وسماني بديل بن الأشل عبد الله" [١٨].
١١ ـ وأخيراً.. فإن أبا خالد الكابلي، بقي مع محمد بن الحنفية دهراً لا يشك في أنه الإمام، ثم سأله عن الإمام فأخبره أنه الإمام السجاد "عليه السلام"، فأقبل أبو خالد إلى الإمام السجاد "عليه السلام"، فاستأذن عليه، فلما دخل عليه قال له الإمام "عليه السلام": مرحبا بك يا كنكر، أما كنت منا فما بدا لك..
فخر أبو خالد ساجداً، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي..
فقال له الامام زين العابدين "عليه السلام": وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد؟!
قال: إنك دعوتني باسمي الذي سمتني أمي التي ولدتني.. وكنت في عمياء من أمري..
إلى أن قال: فدنوت منك، فسميتني باسمي الذي سمتني أمي، فعلمت أنك الإمام الذي فرض الله طاعته علي وعلى كل مسلم [١٩].
فظهر مما تقدم:
ألف: أن التسمية لم تكن منحصرة في الآباء، بل كانت الأمهات تسمين الأبناء أيضاً، وقد يكون ذلك هو الغالب، أو هو العرف السائد.
ب: أن التسمية قد تبقى أياماً، وقد تستمر.
ج: قد يستظهر من بعض النصوص: أن الأب أيضاً قد يتصدى لتسمية المولود بالإضافة إلى تسمية الأم له.
من كنى علياً (عليه السلام) بأبي الحسن؟!:
لعلي "عليه السلام" العديد من الكنى، أشهرها أبو الحسن.. وأبو تراب.. ولكن يستوقفنا هنا أمران:
الأول: موقف الحسنين "عليهما السلام" من الكنية بأبي الحسن، حيث يروى أن علياً "عليه السلام" قال: كان الحسن في حياة رسول الله "صلى الله عليه وآله" يدعوني أبا الحسين. وكان الحسين يدعوني أبا الحسن. ويدعوان رسول الله "صلى الله عليه وآله" أباهما، فلما توفي رسول الله "صلى الله عليه وآله" دعواني بأبيهما [٢٠].
ومعنى ذلك: أنهما "عليهما السلام" قد عظما ثلاثة أشخاص في آن، فإن دعوتهما رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأبيهما يتضمن تعظيماً له وتكريماً.. ويتضمن أيضاً اعتزازاً بانتسابهما إليه..
ودعوة الحسن علياً "عليه السلام": بأبي الحسين، فيه تعظيم لعلي "عليه السلام"، حيث خوطب بكنيته، وفيه أيضاً تعظيم للحسين "عليه السلام"، حيث قدَّمه الإمام الحسن "عليه السلام" على نفسه، ورأى أنه أهل لأن يكتني به من هو مثل علي "عليه السلام"..
كما أن دعوة الحسين لأبيه بأبي الحسن يفيد التكريم لعلي، وللحسن "عليهما السلام" معاً.
أبو تراب.. أحب الكنى إلى علي (عليه السلام):
ومن الكنى التي أطلقها النبي "صلى الله عليه وآله" على علي "عليه السلام": "أبو تراب" وكانت أحب الأسماء إلى علي صلوات الله وسلامه وسلامه عليه [٢١].
وقد كناه النبي "صلى الله عليه وآله" بهذه الكنية حين وجده راقداً وقد علا جبينه التراب، فقال له ملاطفاً: قم يا أبا تراب [٢٢].
وفي كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" نصوص أخرى حول سبب تكنيته "عليه السلام" بذلك.. فلا بأس بمراجعتها.
وسيأتي بعض الكلام حول ذلك أيضاً فانتظر.
وربما يكون من أسباب محبته "عليه السلام" لهذه الكنية:
١ ـ إن فيها تذكيراً له بأنه مخلوق من التراب، وأن ذلك يشير إلى أن المتوقع منه أن يتواضع لله تبارك وتعالى، وأن يذل بين يديه.
٢ ـ إنها تذكره بمحبة النبي "صلى الله عليه وآله"، وتودده له، حين أتحفه بهذه الكنية على سبيل الملاطفة، وما تضمنته من رفع الكلفة، وزيادة الألفة.
٣ ـ إنه "عليه السلام" يستشف من هذه الكنية الممنوحة له، معاني عالية وأسراراً، وحقائق سامية، وتفتح له آفاقاً من التفكر والتبصر، من شأنها أن تزيد من ابتهاجه بهذه الكنية، وتؤكد قيمتها ومغزاها لديه..
٤ ـ إنه "عليه السلام" "كان يعد ذلك له كرامة، ببركة النفس المحمدي. كان التراب يحدثه بما يجري عليه إلى يوم القيامة، وبما جرى. فافهم سراً جليلاً" [٢٣].
من ألقاب أمير المؤمنين (عليه السلام):
لأمير المؤمنين "عليه السلام" ألقاب كثيرة، منها: أمير المـؤمنـين، الـوصي، الـولي، المـرتضى، سيد العـرب، سيد المسلـمين، أعلم الأمة، يعسوب الديـن، يعسوب المؤمنـين، قائـد الغـر المحجلين، إمام المتقـين، وغير ذلك.
مصدر ألقابه (عليه السلام):
وبما أن هذه الألقاب قدجاءت من الله ورسوله "صلى الله عليه وآله"، فإن لها دلالاتها الهامة، ودورها في إظهار موقع أمير المؤمنين "عليه السلام" من هذا الدين، والتأكيد على أهليته لما أهّله الله تعالى له، ومنزلته التي استحقها بجهده وجهاده، وباصطفاء الله تعالى له.
الوصي:
ولقب الوصي قد ورد في مئات النصوص.. وذكر أيضاً في عشرات، بل مئات المقطوعات الشعرية والأراجيز في ذلك العصر. ويتعذر جمع ذلك أو حصره.. غير أننا ذكرنا طرفاً من ذلك في كتابنا "علي والخوارج" الجزء الأول ص١٢٦ ـ ١٣٤.
لقب "أمير المؤمنين" من الله ورسوله:
والروايات الشريفة الكثيرة، التي تعد بالمئات تؤكد على أن لقب "أمير المؤمنين" منحة من الله تعالى ورسوله "صلى الله عليه وآله" لعلي صلوات الله وسلامه عليه [٢٤]. دون سواه.
إختصاص "أمير المؤمنين" بعلي (عليه السلام):
ولقب أمير المؤمنين "عليه السلام" خاص بعلي، لا يحق لأحد حتى للأئمة من ولده أن يتسمى به.
ويدل على ذلك ما يلي:
١ ـ سئل الإمام الصادق "عليه السلام" عن القائم: يسلَّم عليه بإمرة المؤمنين؟!
قال: لا، ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين "عليه السلام"، لم يسم به أحد قبله. ولا يتسمى به بعده إلا كافر.
قلت: جعلت فداك كيف يسلم عليه؟!
قال: يقولون: السلام عليك يا بقية الله، ثم قرأ: {بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [٢٥]" [٢٦] .
ويبدو لنا: أن المقصود بالكافر هنا هو بعض مراتب الكفر، التي لا يلزم منها خروج الإنسان من الدين، تماماً على حد قوله تعالى: {وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [٢٧]، فالمراد بالكفر الترك للفروع نظير الكفر بترك الصلاة والزكاة، فهو من قبيل وضع المسبب والأثر موضع السبب أو المنشأ..
٢ ـ عن علي "عليه السلام": أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمر أن أدعى بإمرة المؤمنين في حياته وبعد موته، ولم يطلق ذاك لأحد غيري [٢٨].
٣ ـ روي: أنه دخل رجل على أبي عبد الله "عليه السلام"، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين!
فقام على قدميه، فقال: مه، هذا اسم لا يصلح إلا لأمير المؤمنين "عليه السلام"، سماه الله به. ولم يسمَّ به أحد غيره، فرضي به، إلا كان منكوحاً، وإن لم يكن ابتلي به. وهو قول الله في كتابه: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَ شَيْطَاناً مَرِيداً} [٢٩].
قال: قلت: فماذا يدعى به قائمكم؟!
قال: السلام عليك يا بقية الله، السلام عليك يا بن رسول الله [٣٠].
ونلاحظ هنا أيضاً:
أن الروايات التي تتحدث عن الآثار التي تترتب على بعض الأعمال، إنما يراد بها: أن ذلك الأثر كثيراً ما يترتب على ذلك العمل، وإن كان قد يتخلف في العديد من الموارد، وإن كانت يسيرة. فليس ذلك العمل مقدمة توليدية لذلك الأثر، كما هو الحال بالنسبة للإحراق المسبب عن النار.. وهذا نظير تعليل تشريع العدة ثلاث حيضات، أو ثلاثة أشهر بأنه ـ كما قال أبو الحسن الثاني "عليه السلام" ـ: لاستبراء الرحم من الولد [٣١].
فإن العدة ثابتة حتى لو كان قد دخل بزوجته في دبرها، أو حتى لو استعمل العازل في حال الوطء، وكذا لو كان رحمها قد استؤصل..
٤ ـ وعنه "صلى الله عليه وآله" في حديث المعراج: ".. فأوحى إلي ربي ما أوحى، ثم قال: يا محمد، اقرأ علي بن أبي طالب أمير المؤمنين السلام، فما سميت بهذا أحداً قبله، ولا أسمي بهذا أحداً بعده" [٣٢].
٥ ـ وفي حديث المعراج أيضاً: "فقال لي: يا محمد!
قلت: لبيك ربي وسعديك..
إلى أن قال: قال تعالى: قد اخترت لك علياً، فاتخذه لنفسك خليفة ووصياً. ونحلته علمي وحكمي. وهو أمير المؤمنين، لم يكن هذا الاسم لأحد قبله، وليس لأحد بعده" [٣٣].
٦ ـ قال رجل للصادق "عليه السلام": يا أمير المؤمنين.
فقال "عليه السلام": مه، إنه لا يرضى بهذه التسمية أحد، إلا ابتلاه الله ببلاء أبي جهل [٣٤].
٧ ـ وفي حديث عن الإمام الصادق "عليه السلام" ذكر فيه أن النبي "صلى الله عليه وآله" أمر قوماً، منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، بأن يسلموا على علي "عليه السلام" بإمرة المؤمنين. ففعلوا.
ثم قال لهم رسول الله "صلى الله عليه وآله": "إن هذا اسم نحله الله علياً "عليه السلام" ليس هو إلا له" [٣٥]، ثم ذكر تمام الحديث.
٨ ـ وفي حديث عن أبي جعفر "عليه السلام"، قال فيه: "..يا فضيل، لم يسم بها والله بعد علي أمير المؤمنين إلا مفتر كذاب إلى يوم الناس هذا" [٣٦].
٩ ـ عن أبي حمزة الثمالي قال: "سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر "عليه السلام": يا بن رسول الله، لم سمي علي "عليه السلام" أمير المؤمنين، وهو اسم ما سمي به أحد قبله، ولا يحل لأحد بعده؟!
قال: لأنه ميرة العلم، يمتار منه، ولا يمتار من أحد غيره الخ.." [٣٧]
ملاحظات على الإستدلال بالروايات:
١ ـ قد يقال: إن الرواية الثامنة لا تدل على حرمة تسمية الأئمة بهذا الاسم، بل هي أشارت إلى قضية خارجية حصلت، وهي: أن الذين تسموا بهذا الاسم لم يكن يحق لهم ذلك.
٢ ـ تدل الرواية التاسعة بحسب ما يقتضيه التعليل على أن حرمة التسمي بهذا الاسم إنما هي على من ليس ميرة العلم.. أما من كان ميرة العلم ـ كالأئمة الطاهرين "عليهم السلام" ـ فإنهم يمتار منهم العلم، ولا يمتارون من غيرهم..
٣ ـ وفي الرواية التاسعة إشكال آخر، وهو أن الأمير بوزن فعيل (من الأمر) وهو مهموز الفاء، والمير أجوف يائي، ولا تناسب بينهما في الإشتقاق.
وأجاب عنه العلامة المجلسي "رحمه الله"، بما لا يحسم الأمر، ولا يكفي لحل الإشكال. فراجع [٣٨].
٤ ـ قد يقال: إن الرواية المتقدمة برقم (٢) تفيد: أن عدم التصريح بالتسمي بهذا الاسم إنما هو في حياة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولعله لمصلحة اقتضت ذلك، ولعل منها: احترام مقام النبوة.. ولا يشمل ذلك ما بعد وفاته "صلى الله عليه وآله"..
٥ ـ بالنسبة للرواية الرابعة والخامسة أيضاً، قد يقال: إنها تدل على أن الله تعالى لم يسم بهذا الاسم أحداً سوى علي "عليه السلام".. ولا تدل على حرمة التسمي، أو تسمية الناس بعضهم بعضاً به.
٦ ـ بالنسبة للرواية المتقدمة برقم (٣) نقول: إن الآية غير ظاهرة الإنطباق على المورد، لأنها:
أولاً: إنما تتحدث عن الشرك بالله سبحانه وتعالى.
ثانياً: إن الآية قد رددت بين أمرين:
أحدهما: أن تكون آلهتهم إناثاً.
الثاني: أن تكون من مردة الشياطين.. ولا تحصر الآية ما يدَّعونه، بالشق الأول، وهو الإناث.
٧ ـ بالنسبة للرواية السادسة نقول:
أولاً: إنها لم تصرح بحقيقة داء أبي جهل..
ثانياً: إنها إنما تتحدث عن الغاصبين لهذا المقام، والمتوثبين عليه بغير حق.
٨ ـ بالنسبة للرواية السابعة نقول:
قد يدَّعي البعض: أن هذه الرواية تريد أن تقول: إن هذا اللقب خاص بعلي "عليه السلام" دون سواه ممن يدَّعيه في زمانه، ويريد أن يغتصب ذلك المقام منه، ولا يشمل الأزمنة اللاحقة إذا كان من يتولى الأمر أهلاً له وفق المعايير الشرعية.
فلم يبق إلا رواية واحدة، وربما يمكن تأييدها ببعض الروايات الأخرى. إذا أردنا أن نعتبرها مفسرة للمراد منها.
رواية تخالف ما سبق:
عن أبي الصباح مولى آل سام، قال: كنا عند أبي عبد الله "عليه السلام"، إذ دخل علينا رجل من أهل السواد، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته
قال له أبو عبد الله "عليه السلام": وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم اجتذبه وأجلسه إلى جنبه.
فقلت لأبي المغرا، أو قال لي أبو المغرا: إن هذا الاسم ما كنت أرى أن أحداً يسلِّم به إلا (على) أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه).
فقال لي أبو عبد الله: يا أبا صباح، إنه لا يجد عبد حقيقة الإيمان، حتى يعلم أن لآخرنا ما لأولنا [٣٩].
وقد سجل العلامة المجلسي على هذا الحديث ملاحظات ثلاث:
أولاها: أن هذا الخبر نادر، لا يصلح لمعارضة الأخبار الكثيرة الدالة على المنع من إطلاق لقب أمير المؤمنين على غيره "عليه السلام".
الثانية: لعل الإمام الصادق "عليه السلام" رأى أن السائل قد توهم أن مضمون هذا الاسم (وهو إمرتهم الواقعية للمؤمنين) غير حاصل في الأئمة "عليهم السلام".
فأفهمه "عليه السلام": أن المعنى حاصل فيهم، لكن الممنوع عنه هو إطلاق الاسم عليهم (حشمة واحتراماً منهم لأمير المؤمنين "عليه السلام").
الثالثة: قد يكون إطلاق الإسم عليهم أيضاً جائز في حد نفسه، ولكن قد منع منه لأجل مصلحة عارضة، وهي أن لا يجترئ غيرهم على التسمي بهذا الاسم [٤٠].
ونحن نوافق المجلسي "رحمه الله" على ما قال، باستثناء ما ذكره أولاً من كثرة الأخبار الناهية، فقد تقدم: أن ثمة ملاحظات على أكثرها.
أسماء وألقاب الأوصياء توقيفية:
وألقابهم "عليهم السلام" توقيفية، أي أن الله تعالى هو الذي منحهم إياها، وأتحفهم بها، كرامة منه لهم، ودلالة على حقيقة ميزاتهم، كما أن البشر قد اهتدوا في كثير من الأحيان إلى توفر معاني تلك الألقاب فيهم "عليهم السلام"، فأطلقوها عليهم، وفي جميع الأحوال، لا بأس بملاحظة ما يلي:
أولاً: قال بعض أهل العلم:
".. فاعلم أن أكثر أسماء رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وألقابه التي خصه الله بها، ليست للتعريف والعَلَميَّة فقط، وإنما هي لتعظيمه وتبجيله "صلى الله عليه وآله". وكذلك الكلام في كثرة أسماء حجج الله، أئمة المؤمنين الاثني عشر من أهل بيته، وألقابهم التي أوحى الله تعالى بها إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فإنها كلها تنبئ عن مثابتهم (لعل الصحيح: مثوبتهم أو مكانتهم) عند الله، واستحقاقهم التحميد والتشريف لديه تعالى الخ.." [٤١].
ثانياً: روى الصدوق وغيره العديد من الأحاديث عن أئمة الهدى "عليهم السلام" حول أسباب إطلاق تلك الألقاب على عدد من الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم، فيظهر من بعضها: أن الناس أيضاً قد رأوا في الأئمة أسباباً تدعوهم إلى إطلاق تلك الألقاب نفسها عليهم..
كما أن بعضها يشير إلى أن تلك الألقاب توقيفية، أخبر بها الرسول "صلى الله عليه وآله" عن بعض الكتب السماوية، أو طلب "صلى الله عليه وآله" منهم إطلاقها على بعض الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم..
وفي بعضها: أن الله سبحانه هو الذي سماهم بتلك الأسماء.
وفي بعضها الآخر: أن جبرئيل "عليه السلام" قد جاءهم بها [٤٢].
إلى غير ذلك مما يجده المتتبع للروايات المأثورة في ذلك..
كما أنه يمكن مراجعة ما ورد في أسباب إطلاق ألقاب بعينها على السيدة الزهراء "عليها السلام"، فإن فيها ما يشير أيضاً إلى التوقيف والنص من جهة، وفيها ما يدل على أن بعض الألقاب قد لحقتها من خلال رؤية الناس لتلك الأمور أو المزايا فيها صلوات الله وسلامه عليها [٤٣].
وملاحظة كل تلكم الأحاديث تعطينا:
١ ـ أن الناس كانوا يهتدون إلى تلك الألقاب، ويطلقونها عليهم بالإستناد إلى الواقع الذي يشاهدونه، وإلى الوقائع التي رأوها ووعوها. أو بملاحظة كلام صدر في حقهم "عليهم السلام" من الله ورسوله..
٢ ـ أن اللقب قد جاء عن الله ورسوله بصورة مباشرة، فتوافقت الوقائع والأحداث مع النص والتوقيف، وبذلك ظهر المزيد من التشريف، والتكريم، لصفوة الخلق، صلوات الله وسلامه عليهم..
ثالثاً: روي أن أبا جعفر "عليه السلام"، قال لعمر بن خيثم: ما تكنى؟!
قال: ما اكتنيت بعد. وما لي من ولد ولا امرأة، ولا جارية..
قال: فما يمنعك من ذلك؟!
قال: قلت: حديث بلغنا عن علي "عليه السلام"، قال: من اكتنى وليس له أهل، فهو أبو جعر [٤٤].
فقال أبو جعفر "عليه السلام": شوه، ليس هذا من حديث علي "عليه السلام"، إنَّا لنكني أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم [٤٥].
ومن الواضح: أن النبز كما يكون بالكنية، كذلك هو قد يكون باللقب، فيحتاج لكي يجتنب ذلك إلى أن يلقب المولود ويكنى. فيكون قوله "عليه السلام"، مشيراً إلى أن ألقابهم تأتيهم من قبل آبائهم منذ ولادتهم "عليهم السلام"..
رابعاً: روي أيضاً: أنه لما ولد الإمام الحسن بن علي "عليهما السلام"، هبط جبرئيل على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالتهنئة في اليوم السابع، وأمره أن يسميه، ويكنيه، ويحلق رأسه، ويعق عنه، ويثقب أذنه. وكذلك حين ولد الإمام الحسين "عليه السلام"، أتاه في اليوم السابع، فأمره بمثل ذلك، الخ.. [٤٦].
وكل هذا الذي ذكرناه يدل على: أن ألقاب الأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ في الأساس ـ توقيفية، قد لحقتهم ابتداءً من قبل آبائهم، أو من قبل الله تعالى ورسوله..
ثم اهتدى الناس إليها من خلال الممارسة، أو من خلال سماع الرواية.. وربما يكون من المناسب الإشارة هنا إلى أنهم يقولون: إن سبب تلقيب الإمام الحسن العسكري "عليه السلام" بالزكي ما يلي:
"هو أبو محمد الحسن الأخير. سماه الله في اللوح بالزكي، أصح ناصح آل محمد غريزة، أوثق أهل بيت الوحي حجة الخ.." [٤٧].
يتبع ......