العلاّمة الشيخ مهدي فقيه إيماني
الإمام عليّ (عليه السلام) في رأي الخليفة عمر بن الخطّاب *
١ ـ عمر يعترف: عليّ هو الولي وأخو النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)
أخرج الحافظ العلاّمة جمال الدين الموصلي الحنفي المشهور بابن حسنويه ـ ٦٨٠ هـ ـ بسنده عن أنس بن مالك، قال: لمّا كان يوم المؤاخاة وآخى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بين المهاجرين والأنصار، وعليّ(عليه السلام)واقف يراه ويعلم مكانه لم يؤاخ بينه وبين أحد، فانصرف عليّ(عليه السلام) باكي العين.
قال(صلى الله عليه وآله وسلم): يا بلال، اذهب فائتني به. فمضى بلال وأتى عليّاً(عليه السلام) وقد دخل منزله فرأته فاطمة(عليها السلام) فقالت: ما يبكيك لا أبكى الله عينيك؟
قال(عليه السلام): يا فاطمة، آخى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بين المهاجرين والأنصار وأنا واقف يراني ويعلم مكاني لم يؤاخ بيني وبين أحد.
قالت(عليها السلام): لا يحزنك، لعلّك إنّما أخّرك لنفسه.
فطرق بلال الباب وقال: يا عليّ، أجب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
فأتى عليّ(عليه السلام) إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): ما يبكيك، يا أميرالمؤمنين؟
فقال عليّ(عليه السلام): آخيت بين المهاجرين والأنصار وأنا واقف تعرف مكاني لم تؤاخ بيني وبين أحد.
فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): يا عليّ، إنّما آخّرتك لنفسي كما أمرني ربّي، قم، يا أبا الحسن، فأخذ بيده ورقى المنبر وقال: اللّهمّ إنّ هذا منّي وأنا منه، ألا إنّه بمنزلة هارون من موسى، أيّها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟
قالوا: بلى.
قال(صلى الله عليه وآله وسلم): من كنتُ مولاه فعليّ مولاه، ومن كنتُ وليّه فعليّ وليّه، اللّهمّ إنّي قد بلغت ما أمرتني به. ثمّ نزل.
وقد سرّ عليّ(عليه السلام) فجعل الناس يبايعونه وعمر بن الخطّاب يقول: بخّ بخّ لك يابن أبي طالب، أصبحت مولانا ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، امرأة من يعاديك طالق طلقة (١)[١]... .
أقول: هلاّ أخرج عمر رأسه من تحت الثرى ورأى أنواع العداء والبغضاء والتنكيل الّتي حيكت على الإمام عليّ(عليه السلام) منذ وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) حتى شهادته، وبعد شهادته إلى يومنا هذا، حيث مرّ على ذلك ألف وأربعمائة عام من الزمن وكلّما سبر عليه الدهر ازداد وضوحاً، ثمّ يجيب عن هذه التساؤلات:
من هو المسبّب الأول الّذي قام بهذه الأعمال الشنيعة بحقّ عليّ(عليه السلام)؟
من هو أوّل من أنكر مولويّة الإمام عليّ(عليه السلام) وأولويته، وتعدّى على حدود المولوية العلوية حتى أن صيّر عليّاً(عليه السلام) جليس الدار فترة تربو على خمس وعشرين سنة؟
٢ ـ عمر يعترف: خلق الله ملائكة من نور وجه عليّ(عليه السلام)
روى العلاّمة الخطيب الخوارزمي بسنده عن عثمان بن عفّان قال: سمعت عمر بن الخطّاب قال: سمعت أبا بكر بن أبي قحافة قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: إنّ الله تعالى خلق من نور وجه عليّ بن أبي طالب ملائكة يسبّحون الله، ويقدّسون الله، ويكتبون ثواب ذلك لمحبّيه ومحبّي ولده [٢] .
٣ ـ عمر يعترف: عليّ أخو النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)
روى محدّث أهل السنّة الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن عمر بن الخطّاب قال: إنّ النبيّ آخى بين الناس وترك عليّاً حتى بقي آخرهم لا يرى له أخاً، فقال(عليه السلام): آخيت بين الناس وتركتني؟
قال(صلى الله عليه وآله وسلم): ولم تراني تركتك؟ إنّي تركتك لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك فإن ذاكرك ـ ناقشك ـ أحد فقل: أنا عبدالله، وأخو رسوله، لا يدّعيها بعدي إلاّ كذّاب [٣].
٤ ـ عمر يعترف: عليّ وآله في ظلّ العرش الالهي
روى العلاّمة الخطيب الخوارزمي وغيره بإسنادهم عن عمر بن الخطّاب قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين في حظيرة القدس، في قبّة بيضاء، سقفها عرش الرحمن عز وجل [٤].
٥ ـ عمر يعترف: لعليّ خصال انفرد بها
روى العلاّمة الحافظ المتّقي الهندي بسنده عن الخليفة العبّاسي المأمون عن الرشيد، حدّثني المهدي، حدّثني المنصور، حدّثني أبي، حدّثني عبدالله بن عبّاس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول: كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) فقد رأيت من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فيه خصالا لأن تكون لي واحدة منهنّ في آل الخطّاب أحبّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس.
كنت أنا وأبو بكر وأبوعبيدة في نفر من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فانتهيت الى باب أُمّ سلمة وعليّ قائم على الباب فقلنا: أردنا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
فقال(عليه السلام): يخرج اليكم، فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فسرنا إليه فاتّكأ على عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ثمّ ضرب بيده منكبه ثمّ قال: إنّك مخاصم تخاصم، أنت أوّل المؤمنين إيماناً، وأعلمهم بأيّام الله، وأوفاهم بعهده، وأقسمهم بالسوية، وأرأفهم بالرعية، وأعظمهم رزية، وأنت عاضدي وغاسلي ودافني، والمتقدّم إلى كل شديدة وكريهة، ولن ترجع بعدي كافراً، وأنت تتقدّمني بلواء الحمد، وتذود عن حوضي [٥] .
ورواه غير واحد من أعلام الحديث والتاريخ، كالإسكافي [٦] وابن عساكر [٧] وابن أبي الحديد [٨] والسيوطي [٩]، وزادوا: أبشر ـ يا عليّ بن أبي طالب ـ إنّك مخاصم، وإنّك تخصم الناس بسبع لا يجاريك أحد في واحدة منهنّ. وزاد خطيب خوارزم [١٠] ومحبّ الدين الطبري [١١] ما لفظه: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أ نّه لا نبي بعدي.
وزاد الأمرتسري [١٢] ما لفظه: يا عليّ، من أحبّك فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أحبّ الله تعالى أدخله الجنّة، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغضه الله تعالى وأدخله النار.
٦ ـ عمر يعترف بحديث المنزلة
أخرج الحفّاظ والمؤرّخون منهم العلاّمة الخطيب البغدادي بسندهم عن سويد بن غفلة عن عمر بن الخطّاب: انّه رأى رجلا يسبّ عليّاً(عليه السلام) فقال عمر: إنّي أظنّك منافقاً سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنّما عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أ نّه لا نبيّ بعدي [١٣] .
٧ ـ عمر يؤذي النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام)
روى العلاّمة الشيخ بهاء الدين أبو القاسم القفطي الشافعي بسنده عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال عمر بن الخطّاب: كنت أجفو عليّاً(عليه السلام)، فلقيني النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: آذيتني يا عمر!
فقلت: بايش؟
قال(صلى الله عليه وآله وسلم): تجفو عليّاً! من آذى عليّاً فقد آذاني.
فقلت: والله لا أجفو عليّاً أبداً [١٤] .
نعم، فإنّ احراق باب دار عليّ من قبل الخليفة عمر الّذي عاهد النبيّ وحلف قسماً بالله عز وجل وأعطى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عهداً بأن لا يجفو عليّاً أبداً ليس من الجفاء! وإن كان عمر قد أشعله! إلاّ انّه لم يحرق عليّاً نفسه وذلك وفاءاً لعهده ويمينه بأن لا يجفو عليّاً!! [١٥]
٨ ـ عمر يعترف: حبّ عليّ(عليه السلام) براءة من النار
أخرج العلاّمة المحدّث ابن شيرويه الديلمي الهمداني بسنده عن عمر بن الخطّاب، قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: حبّ عليّ(عليه السلام) براءة من النار [١٦].
٩ ـ عمر يعترف: كلّ الأنساب مقطوعة في القيامة إلاّ نسب عليّ(عليه السلام)
روى أهل الحديث والسير وأرباب الصحاح والسنن بإسنادهم عن عمر بن الخطّاب، قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: كلّ سبب ونسب يوم القيامة منقطع إلاّ سببي ونسبي [١٧] .
ومن الواضح أنّ دوام سبب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم انقطاع نسبه إلى هذا الزمان ـ بل إلى يوم القيامة ـ حيث يمرّ على ذلك أربع عشرة قرناً ونيّف إنّما يكون بفضل مصاهرة الإمام عليّ(عليه السلام) إيّاه وتزوّجه بفاطمة بنت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لا غير، بينما نرى انّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد تزوّج عدّة نساء ورزق من بعضهنّ بنين وبنات ـ في حين بعض زوجاته كن عقيمات ـ إلاّ انّه لم يبق له منهنّ ولد وانقطع نسب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريقهم إلاّ عن طريق ابنته فاطمة الزهراء(عليها السلام) وصهره عليّ(عليه السلام)حيث إنّ الله عز وجل رزقه عن طريقها أولاداً وبناتاً وأحفاداً يعدّون اليوم بالملايين ومنهم الأئمّة الأحد عشر من ولديهما(عليهم السلام).
١٠ ـ عمر يعترف: عليّ(عليه السلام) قاتل مرحب وفاتح خيبر
أخرج العلاّمة الخطيب الخوارزمي وغيره من المحدّثين والمؤرّخين بسندهم عن عمر بن الخطّاب، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم خيبر: لأُعطينّ الراية غداً رجلا يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، كرّاراً غير فرّار، يفتح الله عليه، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره.
فبات المسلمون كلّهم يستشرفون لذلك، فلمّا أصبح قال(صلى الله عليه وآله وسلم): أين عليّ بن أبي طالب؟
قالوا: أرمد العين.
قال(صلى الله عليه وآله وسلم): آتوني به. فلمّاه أتاه. قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ادن منّي، فدنا منه، فتفل في عينيه ومسحهما بيده، فقام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) بين يديه وكأ نّه لم يرمد وأعطاه الراية، فقتل مرحب وأخذ مدينة خيبر [١٨] .
١١ ـ عمر يعترف: لو أحبّ الناس عليّاً(عليه السلام) لما خلق الله النار
أخرج العلاّمة السيد عليّ بن شهاب الدين الهمداني بسنده عن عمر بن الخطّاب، قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لو اجتمع الناس على حبّ عليّ بن أبي طالب لما خلق الله النار [١٩].
١٢ ـ عمر يعترف: إيمان عليّ(عليه السلام) أرجح من السماوات
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر الدمشقي عن طريقين وروى غيره بطرق مختلفة: أتى عمر بن الخطّاب ـ في عهده ـ رجلان سألاه عن طلاق الأمة ـ كم عدده للبينونة ـ ؟
فقام معهما فمشى حتى أتى حلقة في المسجد فيها رجل أصلع، فقال عمر: أيّها الأصلع ماترى في طلاق الأمة، فرفع رأسه إليه ثمّ أومأ إليه بالسبابة والوسطى. فقال له عمر: تطليقان.
فقال أحدهما: سبحان الله جئناك وأنت أميرالمؤمنين فمشيت معنا حتى وقفت على هذا الرجل فسألته، فرضيت منه أن أومأ إليك!!
فقال لهما عمر: ما تدريان من هذا؟
قالا: لا.
قال عمر: هذا عليّ بن أبي طالب، أشهد على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لسمعته وهو يقول: لو أنّ السموات السبع والأرضين السبع وضعن في كفّة ميزان ووضع إيمان عليّ في كفّة ميزان لرجح إيمان علي(عليه السلام) [٢٠] .
وقد أسقط بعض المحدّثين وحفّاظ أهل السنّة الحوار الّذي دار بين عمر وبين الأعرابيين وجواب أميرالمؤمنين(عليه السلام)، واكتفى برواية حديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عن عمر بن الخطّاب: لو أنّ السماوات... [٢١] .
١٣ ـ عمر يعترف: فضائل عليّ(عليه السلام) لا تعدّ
أخرج العلاّمة الحافظ السيد عليّ بن شهاب الدين الهمداني ـ ٧٨٦ هـ ـ بسنده عن عمر بن الخطّاب، قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعليّ: لو كان البحر مداداً، والرياض أقلاماً، والإنس كتّاباً، والجنّ حسّاباً، ما أحصوا فضائلك، يا أبا الحسن [٢٢] .
١٤ ـ عمر يعترف: عليّ(عليه السلام) صاحب الفضائل الهادية
روى العلاّمة محبّ الدين الطبري وغيره من أرباب الحديث والسنن عن العلاّمة الطبراني ـ صاحب المعاجم الثلاثة ـ بسنده عن عمر بن الخطّاب، قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما اكتسب مكتسب مثل فضل عليّ، يهدي صاحبه الى الهدى، ويردّه عن الردى [٢٣] .
١٥ ـ عمر يعترف: ثمرة حبّ عليّ(عليه السلام) الجنّة
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر الدمشقي بسنده عن ابن عباس، قال: مشيت وعمر بن الخطّاب في بعض أزقّة المدينة فقال لي: يا ابن عباس، أظنّ أنّ القوم استصغروا صاحبكم إذ لم يولّوه أُموركم!!
فقلت: والله! ما استصغره الله إذ اختاره لسورة براءة ـ مع عزل أبي بكرـ يبلغها أهل مكة.
فقال لي: الصواب تقول!! والله لسمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعليّ بن أبي طالب: من أحبّك أحبّني، ومن أحبّني أحبّ الله، ومن أحبّ الله أدخله الجنّة مدلا [٢٤] .
وأخرج بعض الحفّاظ ـ منهم ابن عساكر الدمشقي ـ هذا الحديث في موضع آخر مسقطاً منه قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ بن أبي طالب: من أحبّك... وقد سمّى العلاّمة المحقّق المحمودي في تعليقه على ترجمة الإمام عليّ(عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق بعض الحفّاظ الباترين للحديث، فراجع [٢٥] .
١٦ ـ عمر يعترف: من مات وهو يبغض عليّاً مات يهودياً
أخرج العلاّمة الحافظ السيد محمّد صالح الكشفي الترمذي بسنده عن عمر بن الخطّاب، قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام): من أحبّك يا عليّ كان مع النبيّين في درجتهم يوم القيامة، ومن مات يبغضك فلا يبالي مات يهودياً أو نصرانياً [٢٦] .
١٧ ـ عمر يعترف بحديث الغدير
أشرنا فيما سبق في الفصل الأول من مرويّات أبي بكر حول حديث الغدير وروايته لقول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): «من كنتُ مولاه فعليّ مولاه» ممّا أخرجه حفّاظ أهل السنّة في مجاميعهم الّتي ذكرناها في الهامش هناك، ولمّا كان عمر بن الخطّاب ممّن حضر المؤتمر العالمي ذلك اليوم فلا جرم انّه قد سمع خطبة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)بكاملها.
ونشير هنا أيضاً إلى بعض المصادر الّتي أخرجت حديث الغدير برواية عمر [٢٧].
١٨ ـ عمر يعترف: لا يحلّ عقد ولاية عليّ إلاّ منافق
أخرج العلاّمة السيد عليّ بن شهاب الدين الهمداني، والعلاّمة الحافظ محد صالح الكشفي الترمذي حديث الغدير بعدّة طرق وإضافات عن عمر بن الخطّاب قال: نصب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً(عليه السلام) علماً فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره، اللّهمّ أنت شهيدي عليهم.
قال عمر بن الخطّاب: يا رسول الله، وكان في جنبي شابّ حسن الوجه طيّب الريح. قال لي: يا عمر، لقد عقد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عقداً لا يحلّه إلاّ منافق.
فأخذ رسول الله بيدي فقال: يا عمر، إنّه ليس من ولد آدم لكنّه جبرائيل يؤكّد عليكم ما قلته في عليّ [٢٨] .
أقول: لما انتهى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من مراسم الغدير ـ الخطبة الغرّاء، ونصب عليّ(عليه السلام) علماً للخلافة والإمامة من بعده، وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): من كنت مولاه فعليّ مولاه، وسائر فقرات الخطبة ودعائه لعليّ(عليه السلام) ـ أمر الحاضرين رجالا ونساءاً أن يبايعوا عليّ بن أبي طالب بالإمرة والخلافة من بعده، فكان الحاضرون يتهافتون على الإمام عليّ(عليه السلام) ويبايعونه على ذلك حسب ما أمرهم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) حتى النساء بايعنه حيث وُضِعَ لهنّ طست فيه ماء ـ كما أمر بذلك النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فكنّ يدخلن أيديهنّ فيه وكان عليّ(عليه السلام) واضعاً يده أيضاً في الطست وهو جالس في الخيمة ـ احترازاً من ملامسة الأجنبيات والتسليم عليهنّ مصافحة.
وهكذا تمّت البيعة لعليّ(عليه السلام) وأذعن الجميع بأ نّه(عليه السلام) مولاهم، وأقرّوا له بالاتّباع والطاعة والتزام أوامره ونواهيه.
والجدير بالذكر ـ أيّها القارىء الخبير ـ انّ هذا الحديث المتواتر رواه أكثر من أربعين حافظاً ومؤرّخاً بسندهم عن أبي بكر وعمر، وأ نّهما قالا لعليّ(عليه السلام) بعد خطبة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأمره بالبيعة لعليّ(عليه السلام): بخّ بخّ... أو هنيئاً لك... وأمثال هذه العبارات الدالة على التهنئة والتبريك وتعظيم منصب الولاية العظمى والخلافة الكبرى لعليّ(عليه السلام).
تهنئة أبي بكر وعمر لعليّ(عليه السلام)
وإليك ـ أيّها القارىء الممجّد ـ بعض النماذج من تلكم العبارات التهنوية الّتي رويت عن أبي بكر وعمر معاً أو انفرد به أحدهما ممّا روي في مصادر أهل السنّة المعتمد عليها عندهم:
١ ـ ما اشترك فيه أبو بكر وعمر:
١ ـ أمسيت يابن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
أخرجه:
١ ـ الحافظ أحمد بن عقدة الكوفي ـ ٣٣٣ هـ ـ في كتابه الولاية وذكر إقرارهما عن مائة وخمس طرق كلّهم من الصحابة [٢٩] .
٢ ـ الحافظ عليّ بن عمر الدارقطني البغدادي ـ ٣٨٥ هـ [٣٠] .
٣ ـ الحافظ أبو عبدالله الگنجي الشافعي ـ ٦٥٨ هـ ـ في كتابه كفاية الطالب: ٦٢ الباب الأول.
٤ ـ الحافظ ابن حجر الهيثمي ـ ٩٣٢ هـ ـ في كتابه الصواعق المحرقة: ٤٤ أخرجه عن الدارقطني.
٥ ـ العلاّمة الحافظ شمس الدين المناوي الشافعي ـ ١٠٣١ هـ ـ في كتابه فيض القدير: ٦/٢١٨ شرح ح ٩٠٠٠ أخرجه عن الدارقطني.
٦ ـ العلاّمة أبو عبدالله الزرقاني المالكي ـ ١١٢٢ هـ ـ في كتابه شرح المواهب: ٧/١٣ أخرجه عن الدارقطني.
٧ ـ العلاّمة السيد أحمد زيني دحلان المالكي الشافعي ـ ١٣٠٤ هـ ـ في كتابه الفتوحات الإسلامية: ٢/٣٠٦.
٢ ـ العبارات الّتي قالها عمر لعليّ(عليه السلام) منفرداً:
١ - أصبحت مولى كلّ مؤمن.
٢ ـ بخّ بخّ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
٣ ـ بخّ بخّ لك ياعليّ، أصبحت وأمسيت.
٤ ـ بخّ بخّ لك يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
٥ ـ بخّ بخّ لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم ومسلمة.
٦ ـ بخّ بخّ لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
٧ ـ طوبى لك يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
٨ ـ طوبى لك يا عليّ، أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
٩ ـ هنيئاً لك أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
١٠ ـ هنيئاً لك أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
١١ ـ هنيئاً لك يا أبا الحسن، أصبحت مولى كلّ مسلم.
١٢ ـ هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى جميع المؤمنين والمؤمنات.
١٤ ـ هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
١٥ ـ هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحت اليوم وليّ كلّ مؤمن.
١٦ ـ هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحت اليوم وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة.
١٧ ـ يابن أبي طالب، أصبحت اليوم وليّ كلّ مؤمن.
٣ ـ وأمّا المصادر والمراجع الّتي أُخرجت فيها هذه الاعترافات على لسان عمر بن الخطّاب فهي كما يلي:
١ ـ المصنّف للحافظ أبي بكر عبدالله بن محمّد بن أبي شيبة ـ ٢٣٥ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١٢ [٣١] .
٢ ـ المعيار والموازنة لأبي جعفرالإسكافي ـ ٢٤٠ هـ ـ أخرج التعبير رقم٦ [٣٢] .
٣ ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل ـ ٢٤١ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١٢ [٣٣] .
٤ ـ المسند الكبير للحافظ أبي يعلى أحمد بن عليّ الموصلي ـ ٣٠٧ هـ ـ أخرج الحديث من طريق السيد محمود الشيخاني القادري المدني في كتابه الصراط السوي في مناقب آل النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم). أخرج التعبير رقم ١٠.
٥ ـ تفسير محمّد بن جرير الطبري ـ ٣١٠ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١٤ [٣٤] .
٦ ـ شرف المصطفى للحافظ أبي سعيد الخرگوشي البغدادي ـ ٤٠٧ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٧ [٣٥] .
٧ ـ تفسير الكشف والبيان لأبي إسحاق الثعلبي ـ ٤٢٧ هـ ـ أخرج التعبير رقم١٢ [٣٦].
٨ ـ تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي ـ ٤٦٣ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٥ [٣٧] .
٩ ـ مناقب عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) لأبي الحسن عليّ بن محمّد الجلاّبي المعروف بابن المغازلي الشافعي ـ ٤٨٣ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٥ [٣٨] .
١٠ ـ شواهد التنزيل للحافظ عبيدالله بن عبدالله بن أحمد الحسكاني الحنفي ـ ٤٩٠ هـ ـ أخرج التعبير رقم٢ [٣٩] .
١١ ـ زين الفتى في شرح سورة هل أتى للحافظ أبي محمّد العاصمي ـ ٣٧٨ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٥ [٤٠] .
١٢ ـ سرّ العالمين لحجّة الإسلام أبي حامد الغزالي ـ ٥٠٥ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٤ [٤١] .
١٣ ـ الملل والنحل للعلاّمة أبي الفتح الأشعري الشهرستاني ـ ٥٤٨ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٨ [٤٢] .
١٤ ـ المناقب لأخطب الخطباء الموفّق بن أحمد بن محمّد المكّي الخوارزمي ـ ٥٦٨ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٥ و١٢ [٤٣].
١٥ ـ تاريخ مدينة دمشق للحافظ أبي القاسم عليّ بن الحسين بن هبة الله الدمشقي الشهير بابن عساكر ـ ٥٧١ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٥ [٤٤] .
١٦ ـ مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير للإمام أبي عبدالله فخر الدين الرازي الشافعي ـ ٦٠٦ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١٤ [٤٥] .
١٧ ـ النهاية لأبي السعادات مجد الدين بن الأثير الشيباني ـ ٦٠٦ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١ [٤٦] .
١٨ ـ أُسد الغابة لأبي الحسن عزّالدين بن الأثير الشيباني ـ ٦٣٠ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١٧ [٤٧] .
١٩ ـ تذكرة الخواصّ للحافظ أبي المظفّر شمس الدين سبط بن الجوزي الحنفي ـ ٦٥٤ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٦ و١٣ [٤٨] .
٢٠ ـ الرياض النضرة للحافظ أبي جعفر محبّ الدين الطبري الشافعي ـ ٦٩٤ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١٠ [٤٩].
٢١ ـ ذخائر العقبى له أيضاً أخرج التعبير ١٢ [٥٠] .
٢٢ ـ فرائد السمطين لشيخ الإسلام أبي إسحاق إبراهيم بن سعد الدين محمّد بن المؤيّد الحموئي الجويني ـ ٧٢٢ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٥ [٥١] .
٢٣ ـ تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للإمام نظام الدين القمّي النيسابوري ـ ٧٢٨ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١٤ [٥٢].
٢٤ ـ مشكاة المصابيح للحافظ ولي الله الخطيب ـ ٧٣٧ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٦ و١٣ [٥٣] .
٢٥ ـ نظم درر السمطين للحافظ جمال الدين الزرندي المدني ـ ٧٥٠ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٣ [٥٤] .
٢٦ ـ البداية والنهاية للمؤرّخ أبي الفداء إسماعيل بن كثير الشامي الشافعي ـ ٧٤٤ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٤ [٥٥] .
٢٧ ـ مودّة القربى للحافظ السيد عليّ بن شهاب بن محمّد الهمداني ـ ٧٨٦ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٥ [٥٦] .
٢٨ ـ بديع المعاني للقاضي نجم الدين الأذرعي المعروف بابن عجلون الشافعي ـ ٨٧٦ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٩ [٥٧].
٢٩ ـ جامع الأحاديث للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي ـ ٩١١ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١٢ [٥٨] .
٣٠ ـ وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى للحافظ نور الدين السمهودي المدني الشافعي ـ ٩١١ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١ [٥٩].
٣١ ـ المواهب اللدنية للحافظ أبي العبّاس شهاب الدين ابن حجر القسطلاني ـ ٩٢٣ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١ [٦٠] .
٣٢ ـ ما نزل من القرآن في عليّ(عليه السلام) أو تفسير الحافظ السيد عبدالوهاب البخاري ـ ٩٣٢ هـ ـ ذيل تفسير قوله تعالى: (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) [٦١] أخرج التعبير رقم ١٢ [٦٢] .
٣٣ ـ كنز العمّال للحافظ علاء الدين عليّ المتّقي الهندي ـ ٩٧٥ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١٢ [٦٣].
٣٤ ـ روضة الصفاء للعلاّمة ابن خاوند شاه ـ ٩٠٣ هـ ـ [٦٤] .
٣٥ ـ حبيب السير للعلاّمة غياث الدين خاندمير ـ ٩٤٢ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٦ [٦٥] .
٣٦ ـ الصراط السوي في مناقب آل النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) للعلاّمة السيد محمود الشيخاني القادري المدني ـ القرن ١١ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١٠ [٦٦] .
٣٧ ـ مرافض الروافض للعلاّمة حسام الدين بن محمّد بايزيد السهارنپوري ـ القرن ١٢ هـ ـ أخرج التعبير رقم ١٢ [٦٧] .
٣٨ ـ مرآة المؤمنين في مناقب سيّد المرسلين للمولوي وليّ الله اللكهنوي ـ القرن ١٣ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٣ [٦٨] .
٣٩ ـ مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل لمحمّد طاهر الفتني الهندي ـ ٩٨٦ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٤ [٦٩].
٤٠ ـ ذخائر المواريث لعبدالغني النابلسي ـ ١١٤٣ هـ ـ أخرج التعبير رقم ٢ و٥ [٧٠] .
لفتة نظر:
فلو تمعنت ـ أيّها الباحث عن الحقّ ـ فيما بيّنّاه بالاختصار في موضوع الخلافة وتأسيسها في «غدير خم» وما ورد من تفصيل ذلك في مئات الكتب الحديثية والتفسيرية والتاريخية والعقائدية والأدبية ممّا أ لّفه علماء أهل السنّة والّتي جمعها المحقق العلاّمة السيد مير حامد حسين اللكهنوي في كتابه «عبقات الأنوار» قسم الغدير الّذي بلغ عشر مجلّدات وكذا في الأحد عشر مجلّد من «كتاب الغدير» تأليف العلاّمة المحقّق الشيخ الأميني وسائر الكتب المختصة بموضوع الغدير البالغة ١٨٤ كتاباً بمختلف اللغات والأحجام والّتي ذكر أسماءها العلاّمة السيد عبدالعزيز الطباطبائي في كتابه «الغدير في التراث الإسلامي» لابدّ أ نّه يتبادر إلى ذهنك هذا السؤال الهامّ: فلو لم تكن كلمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في غديم خم «من كنت مولاه فعليّ مولاه» مع كلّ ما احتوته من الميزات الظرفية والوقائع مثل الظروف المحلية والتاريخية واجتماع الحجاج وابلاغهم أمر الخلافة وأخذ البيعة منهم رجالا ونساءاً ـ دالّة على أهمية مسألة الإمامة والخلافة المتصلة بالنبوة المحمّدية وأهميتها في مصير الأُمّة الإسلامية، وقلنا إنّها موضوع عادي مثل أكثر المسائل الّتي تفقد الأهمية الدينية، فكيف تفسّر تهنئة الشيخين أبي بكر وعمر عليّاً(عليه السلام) بتلك العبارات مثل قولهما له: بخّ بخّ لك يا عليّ، أو: طوبى لك يا أبا الحسن، أو: هنيئاً لك يا بن أبي طالب؟
هذا هو السؤال المطروح الّذي يحتاج إلى جواب صريح من دون اللفّ والنشر والتزوير والتهرّب والتخرّص بأنّ المسألة ليست ذات أهمية.
وممّا يؤيّد ويرجّح الغاية السامية في تشكيل ذلك الاجتماع الكبير في غدير خم هي بيان خلافة الإمام عليّ(عليه السلام) وإبلاغها إلى الناس فقط لا شيء سواه، ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني عن ابن الجوزي فقال: انه حضر مجلسه بالكوفة فقال: لما قال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): من كنت مولاه فعليّ مولاه تغيّر وجه أبي بكر وعمر فنزلت (فَـلَمَّا رَأوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَـفَرُوا ) [٧١] , [٧٢] .
وذكر العلاّمة المناوي في فيض القدير في شرح الحديث «من كنت مولاه فعليّ مولاه» كلاماً لابن حجر في تغيير وجهي أبي بكر وعمر ثمّ تطرّق إلى سرد مصادر وإسناد حديث الغدير فقال: ذكره الحافظ في اللسان بنصّه ولم أذكره إلاّ للتعجب من هذا الضلال واستغفر الله. ثمّ قال: خرّجه الدارقطني عن سعد بن أبي وقّاص عنهما قالا: «أمسيت يابن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة» [٧٣].
وعندئذ يختلج السؤال في الذهن: انّه لو كانت الغاية من قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من كنت مولاه... هي مجرّد ابلاغ الناس وأمرهم بالمودّة والمحبة لعليّ(عليه السلام) فقط ولم تكن تتعلّق بما هو أهمّ من ذلك مثل مسألة الخلافة والإمامة فلماذا تغيّر وجه أبي بكر وعمر بمجرّد سماعهما ذلك من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)؟!!
١٩ ـ عمر يعترف: تزويج عليّ بفاطمة(عليهما السلام) كان أمراً إلهيّاً
روى العلاّمة محبّ الدين الطبري بإسناده عن عمر بن الخطّاب وقد ذُكِرَ عنده عليّ(عليه السلام) قال: ذلك صهر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) نزل جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ الله يأمرك أن تزوّج فاطمة ابنتك من عليّ. أخرجه ابن السمّان في الموافقة [٧٤] .
أقول: لا يخفى أنّ قول عمر بن الخطّاب: «نزل جبرئيل» هو قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكنّك ترى إرسال عمر في الكلام من دون أن ينسبه إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم).
٢٠ ـ عمر يعترف: النظر إلى وجه عليّ(عليه السلام) عبادة
أخرج العلاّمة المؤرّخ أبو الفداء ابن كثير بسنده عن عدّة من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) منهم عمر بن الخطّاب انّه قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: النظر إلى وجه عليّ عبادة [٧٥] .
٢١ ـ عمر يعترف:عليّ(عليه السلام) سيف النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) على الكفّار
أخرج الإمام أحمد بن حنبل بإسناده قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لوفد ثقيف حين جاءوا: والله لتسلمنّ أو لأبعثنّ إليكم رجلا منّي ـ أو قال مثل نفسي ـ فليضربنّ أعناقكم، وليسبينّ ذراريكم، وليأخذنّ أموالكم.
قال عمر: فوالله ما اشتهيت ـ تمنّيت ـ الامارة إلاّ يومئذ جعلت أُنصب صدري له رجاء أن يقول: هذا. فالتفت(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عليّ(عليه السلام) فأخذ بيده ثمّ قال: هو هذا، هو هذا ـ مرّتين ـ يعني أنّ الّذي يقاتلكم ويسبي ذراريكم هو عليّ [٧٦] .
وقد روى ابن أبي الحديد هذه القصّة ونسبها إلى قبيلة بني وليعة اليمانية بدلا عن بني ثقيف [٧٧] .
ولعلّ القصّة وقعت مرّتين وفيها انّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «والله لتسلمنّ» لكلا الوفدين.
٢٢ ـ عمر يعترف: عليّ(عليه السلام) هو وصيّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)
أخرج العلاّمة الحافظ محمّد صالح الكشفي الترمذي الحنفي بسنده عن عمر بن الخطّاب، عن سلمان قال: دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في غمرات الموت فقلت: يا رسول الله، هل أوصيت؟
قال: يا سلمان، أتدري من الأوصياء؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال(عليه السلام): آدم(عليه السلام) وكان وصيّه شيث، وكان أفضل من تركه بعده وكان من ولده. وكان وصيّ نوح(عليه السلام) سام وكان أفضل من تركه بعده. وكان وصيّ موسى(عليه السلام) يوشع، وكان أفضل من تركه بعده. وكان وصيّ سليمان(عليه السلام) آصف بن برخيا، وكان أفضل من تركه بعده. وكان وصيّ عيسى(عليه السلام) شمعون بن نرخيا، وكان أفضل من تركه بعده. وإنّي أوصيت إلى عليّ(عليه السلام)، وهو أفضل من أتركه بعدي [٧٨] .
ويستفاد من هذه الرواية: انّ المراد بالوصيّ من يكون خليفة لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو الّذي طاعته واجبة، وشخصيته مرموقة، والّذي به تقام الشريعة، ويدوم الدين ـ الّذي جاء به النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من عند الله عز وجل ـ به.
ويستفاد منها أيضاً انّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الّذي يعيّن الوصي والخليفة من بعده بأمر من الله جلّ شأنه، وليس تعيينه منوطاً باختيار غيره.
٢٣ ـ عمر يعترف: الخلافة والوصية كانت لعليّ(عليه السلام)
أخرج العلاّمة السيد عليّ بن شهاب الدين الهمداني وغيره من الحفّاظ والمحدّثين بإسنادهم عن عمر بن الخطّاب، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا عقد المؤاخاة بين أصحابه: هذا عليّ أخي في الدنيا والآخرة، وخليفتي في أهلي، ووصيّي في أُمّتي، ووارث علمي، وقاضي ديني، له منّي ما لي منه، نفعه نفعي، وضرّه ضرّي، من أحبّه فقد أحبّني، ومن أبغضه فقد أبغضني [٧٩] .
٢٤ ـ عمر يعترف: عليّ(عليه السلام) أوّل من آمن
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر الدمشقي وآخرون من أعلام الحديث والتاريخ بإسنادهم عن إبراهيم بن سعيد الجوهري وصيّ المأمون قال: حدّثني أميرالمؤمنين المأمون ـ الخليفة العبّاسي السابع ٢١٨ هـ ـ قال: حدّثني أميرالمؤمنين الرشيد ـ خامس الخلفاء العبّاسيين ١٩٥ هـ ـ قال: حدّثني أميرالمؤمنين المهدي ـ ثالث الخلفاء العبّاسيين ١٧٣ هـ ـ قال: حدّثني أميرالمؤمنين المنصور ـ ثاني الخلفاء العبّاسيين ١٦٦ هـ ـ، عن أبيه، عن جدّه، عن عبدالله بن العبّاس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب وعنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام فقال عمر: أمّا عليّ فسمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيه ثلاث خصال، لوددت [٨٠] أنّ لي واحدة منهنّ فكان أحبّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس: كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من الصحابة، إذ ضرب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بيده على منكب عليّ فقال له: يا عليّ، أنت أوّل المؤمنين إيماناً، وأوّل المسلمين إسلاماً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى [٨١] .
وزاد ابن الصّباغ المالكي بعد أن نقل الحديث عن الخصائص العلوية على سائر البرية لأبي الفتح محمّد النطنزي أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعليّ(عليه السلام): كذب من زعم أ نّه يحبّني وهو مبغضك، يا عليّ من أحبّك فقد أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله تعالى وأدخله النار [٨٢] .
الخلاصة: انّ حبّ عليّ هو حبّ الله ورسوله، وعداء عليّ وبغضه هو عداء الله ورسوله وبغضهما، وانّ المحبّين لعليّ مأواهم الجنّة، ومصير مبغضيه النار.
٢٥ ـ عمر يعترف: عليّ(عليه السلام) كالكعبة يُزار ولا يزور
أخرج العلاّمة السيد محمّد بن محمّد الدرگزيني في كتابه نزل السائرين في أحاديث سيد المرسلين [٨٣] بإسناده عن عمر بن الخطّاب قال: كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه إذ ضرب بيده على منكب عليّ(عليه السلام) فقال: يا عليّ أنت أوّل المؤمنين إيماناً، وأوّل المسلمين إسلاماً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى.
يا عليّ، إنّما أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي، فإذا أتاك هؤلاء القوم فسلّموا إليك هذا الأمر فاقبله منهم، فإن لم يأتوك فلا تأتهم [٨٤] .
٢٦ ـ عمر يعترف: عليّ خاتم الأولياء
أخرج العلاّمة العيني بسنده عن عمر بن الخطّاب، قال: قال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)لعليّ(عليه السلام): أنا خاتم الأنبياء، وأنت خاتم الأولياء.
أخرجه عن ابن عساكر [٨٥] .
٢٧ ـ عمر يعترف: النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام) يداً بيد يدخلان الجنّة
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر الدمشقي وغيره من الحفّاظ والمحدّثين بإسنادهم عن ابن عمر قال: لمّا طعن عمر وأمر بالشورى فقال: ما عسى أن يقولوا في عليّ(عليه السلام)؟ سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يا عليّ، يدك في يدي تدخل معي الجنّة يوم القيامة حيث أدخل [٨٦] .
وقال الگنجي في ذيل الحديث: هذا حديث حسن عال، وفيه فضيلة سامية ورتبة عالية لعليّ(عليه السلام) [٨٧] .