شرفت مؤسسة ال البيت لاحياء التراث تحت رعاية حجة الاسلام والمسلمين السيد جواد الشهرستاني (دام عزه) بطباعة اقدم مخطوطة لنهج البلاغة واخترنا لكم من المقدمة ما يلي :
ولقد نال كتاب «نهج البلاغة» خلال الألف عام عناية واهتمام مختلف المعاهد العلميّة والمراكز المعرفيّة والمعاقل الثقافيّة والأوساط الفكريّة والشخصيّات والطاقات المختصّة، وذلك عبر الشرح والاستدراك والتحقيق والتحليل والبحث ....
ومن الطبيعيّ أن تزداد مخطوطات «نهج البلاغة» وطبعاته بالشكل الذي يصعب معه عدّها وحصرها، ولقد بذل المحقّق الراحل العلاّمة الكبير السيّد عبدالعزيز الطباطبائيّ (قدس سره) جهداً كبيراً في إحصاء ما يمكن إحصاؤه من مخطوطات كتاب «نهج البلاغة»، فدوّن ما حصل عليه من معلومات في مقالات نشرت في مجلّة تراثنا( انظر مجلّة تراثنا، السنة الاُولى، العدد الخامس، ١٤٠٦هـ. ق. العدد الثاني والثالث، السنة الثانية، ١٤٠٧هـ. ق) .
التي تصدرها مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث. نحن والمخطوطة ومن المخطوطات التي أشار إليها السيّد الطباطبائي (قدس سره) مخطوطتنا الماثلة بين يدي القارئ اللبيب، التي عنونها (قدس سره) بـ: «مخطوطة القرن الخامس»، والتي كانت موجودة في مكتبة آية الله السيّد هبة الدين الشهرستاني (١٣٠١هـ – ١٣٨٦هـ) المعروفة بمخطوطاتها النفيسة وكتبها القيّمة. ثم بعد وفاته (قدس سره) بقيت بحوزة ابنه المحامي القدير السيّد جواد، صاحب المكانة الاجتماعيّة المرموقة.
جاء في مجلّة المرشد البغداديّة إنّها أقدم نسخة مخطوطة باليد يرجع تاريخها إلى قرابة ألف عام .
كما جاء فيها : وتدلّ كتابة هذه النسخة وأوراقها على قدمها، فإنّ تشكيلات بعض الحروف لا تزال تقارب الخطّ العربيّ الكوفيّ القديم .
وكثيراً ما يذكر الكاتب في هامش الكتاب بعض العبارات أو الزيادة التي ينقلها عن نسخة كُتبت على عهد المؤلّف الجامع لها.
وهذه النسخة زيادة على قدمها تمتاز أيضاً بمحافظتها على الزيادات التي عثر عليها الكاتب. وقد سقط من أوّل الكتاب ثلاث صحائف من خطبة الشريف الرضي (رحمه الله) .
وتبتدئ من هذه الجملة «الأبدال وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه اللطيفة» الخ.
أمّا اسم الكاتب فقد سقط من آخر الكتاب. ولكنّ تاريخ الكتابة لا يزال موجوداً على هذا النحو "وذلك في رجب من سنة أربعمائة ... غفر الله لكاتبه".
والنسخة تقع في حجم ١٨ سم طولاً و١٥ سم عرضاً و٢ سم سمكاً.
وقد كتب قوله « ومن خطبة له (عليه السلام) »، وبعض الحواشي بالحبر الأحمر.
ويوجد في آخر الكتاب صورة ختم لم نتمكّن من قراءته تماماً وإنّما قرأنا منه اسم «المعزّ لأمر الله» أو «المعتزّ بأمر الله التقي» أو «الرضيّ».
وكتابة الختم بخطّ الرقعة. هذا ما أمكننا قراءته من هذا الأثر النفيس، انتهى.
يقول الاُستاذ الفاضل السيّد الجواد نجل السيّد هبة الدين الشهرستاني (قدس سره): هذا ما عبّرت عنه المجلّة في حينها، وأمّا الآن فيصعب قراءة الختم وبعض آثاره لقدم الكتابة.
وهذه النسخة تحوي على أكثر من ثلاثمائة وخمسين صفحة، مليئة أغلب صحائفها بالهوامش من كلّ جانب لكبار العلماء المعلّقين عليها والمفسّرين لبعض معانيها، بخطّ واضح إلى حدّ كبير رغم قدم النسخة .
أمّا كتابة صفحاته وأسطرها فطول السطر ١٠.٥ سم وطول الأسطر في الصفحة ١٤ سم، وعدد أسطر صحائفه ١٩ سطراً لكلّ صفحة.
وقد اطّلع عليه كلّ من المستشرق الايطالي (كارلو انالينو) والمستشرق الفرنسي (لويس ماسينيون) في أوائل الثلاثينات عند زيارتهما للعراق واُعجبا بالكتاب وبالحواشي المهمّة التي عليه والزوائد التي فيه وثمّنا نفاسة قدمه.
وقال (ماسينيون) : إنّنا مستعدّون في دفع أكثر من ثلاثة آلاف دينار لشرائه في ذلك الحين; لندرة هذه النسخة الخطّيّة، انتهى.
نقول: حينما وقفنا على هذه النسخة الخطّيّة وأمعنّا النظر والدقّة فيها لم نستطع التثبّت من تاريخ كتابتها أو اسم كاتبها، ممّا أثار شبهةً في كونها من مخطوطات القرن الخامس الهجري.. إلاّ أنّ هذا الأمر لا يقلّل من نفاستها وأهمّيّتها، سيّما مع كون ذوى الخبرة والاختصاص – كالسيّد هبة الدين الشهرستاني (قدس سره) والسيّد عبد العزيز الطباطبائي (قدس سره) وأمثالهما – قد شهدوا بذلك.
ولعلّ هنالك من القرائن ما يؤيّد كونها من مخطوطات القرن السادس، والله العالم .