السؤال :
سؤالي حول خطبة أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه المسماة « الخطبة الشقشقيّة » التي ورد فيها : « أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلي منها محل القطب من الرحى ... » هل لها مستند من مصادر السنّة ، وما هي هذه المصادر بالتفصيل ؟
الشيخ علي الكوراني
الجواب :
كما تعرفون ، فإنّ مصادر السنيين الأساسيّة مثل الصحاح الستّة ، تتجنّب رواية أيّ شيء يتعلّق بإثبات حقّ أمير المؤمنين عليه السلام ، حتّى عن لسانه !! ولذا لا نتوقّع أن يرووا مثل خطبته الشقشقيّة الصريحة بإدانة أبي بكر وعمر ، وإن كان فلتت منهم بعض الروايات التي سجلت حقيقة موقف أمير المؤمنين عليه السلام من أبي بكر وعمر ، كالذي رواه مسلم من شهادة عمر بأنّ عليّاً عليه السلام والعبّاس قالا له ولأبي بكر : « إنكما غادران خائنان آثمان !! ».
أمّا المصادر الأخرى للسنّة فتجد فيها ما يثبت صدور هذه الخطبة عن أمير المؤمنين عليه السلام ، كالذي ذكره ابن سلام في غريب الحديث ، وابن الاثير في النهاية قال : ومنه حديث علي في خطبة له : « تلك شقشقة هدرت ، ثم قرّت ».
وقد تتبّع ذلك الشيخ الأميني رحمه الله في الغدير : ٧ / ٨٢ ، وج ٤ / ١٩٧ ، و الشيخ المحمودي في نهج السعادة : ٢ / ٥١٢ ... جزاهما الله خيراً ...
ـ قال الشيخ الأميني رحمه الله في الغدير ٧ / ٨٢ حول هذه الخطبة : « هذه الخطبة تسمّى بالشقشقيّة ، وقد كثر الكلام حولها ، فأثبتها مهرة الفن من الفريقين ، ورأوها من خطب مولانا أمير المؤمنين الثابتة التي لا مغمز فيها ، فلا يُسمع إذن قول الجاهل بأنّها من كلام الشريف الرضي ، وقد رواها غير واحد في القرون الأولى قبل أن تنعقد للرضي نطفته ، كما جاءت بإسناد معاصريه والمتأخّرين عنه من غير طريقه ، وإليك اُمّة من اُؤلئك :
١ ـ الحافظ يحيي بن عبد الحميد الحماني ، المتوفّى ٢٢٨ ، كما في طريق الجلودي في العلل والمعاني.
٢ ـ أبو جعفر دعبل الخزاعي ، المتوفّى ٢٤٦ ، رواها بإسناده عن ابن عبّاس ، كما في أمالي شيخ الطائفة / ٢٣٧ ، ورواها عنه أخوه أبو الحسن علي.
٣ ـ أبو جعفر أحمد بن محمّد البرقي ، المتوفّى ٢٧٤ / ٨٠ ، كما في علل الشرائع.
٤ ـ أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة ، المتوفّى ٣٠٣ ، كما في الفرقة الناجية للشيخ إبراهيم القطيفي ، والبحار للعلّامة المجلسي ٨ : ١٦١.
٥ ـ وجدت بخطّ قديم عليه كتابة الوزير أبي الحسن علي بن الفرات ، المتوفّى ٣١٢ ، كما في شرح ابن ميثم.
٦ ـ أبو القاسم البلخي أحد مشايخ المعتزلة ، المتوفّى ٣١٧ ، كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٦٩.
٧ ـ أبو أحمد عبد العزيز الجلودي البصري ، المتوفّى ٣٣٢ ، كما في معاني الأخبار.
٨ ـ أبو جعفر ابن قبة تلميذ أبي القاسم البلخي المذكور ، رواها في كتابه [ الإنصاف ] كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ٦٩ وشرح ابن ميثم.
٩ ـ الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني ، المتوفّى ٣٦٠ ، كما في طريق القطب الراوندي في شرح نهج البلاغة.
١٠ ـ أبو جعفر ابن بابويه القمي ، المتوفّى ٣٨١ ، في كتابيه : علل الشرائع ومعاني الأخبار.
١١ ـ أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري ، المتوفّى ٣٨٢ ، حكى عنه شيخنا الصدوق شرح الخطبة في معاني الأخبار والعلل.
« لفت نظر » : عدّه السيّد العلّامة الشهرستاني في : ـ ما هو نهج البلاغة ـ / ٢٢ ، ممّن روى الشقشقيّة ، فأرخ وفاته بسنة ٣٩٥ ، وذكره في/ ٢٣ فقال : « من أبناء القرن الثالث. لا يتمّ هذا ولا يصحّ ذاك ، وقد خفي عليه أنّ الحسن بن عبد الله العسكري راوي الشقشقية هو : أبو أحمد صاحب كتاب الزواجر ، وقد توفّي سنة ٣٨٢ وولد ٢٩٣ ، وحسبه أبا هلال الحسن بن عبد الله العسكري صاحب كتاب « الأوائل » تلميذ أبي أحمد العسكري ، والتاريخ الذي ذكره تاريخ فراغه من كتابه « الأوائل » لا تاريخ وفاته ». توجد ترجمة كلا الحسنين العسكريين في : معجم الاُدباء ٨ : ٢٣٣ ـ ٢٦٨ ، وبغية الوعاة / ٢٢١.
١٢ ـ أبو عبد الله المفيد ، المتوفّى ٤١٢ ، اُستاذ الشريف الرضي ، رواها في كتابه « الإرشاد » / ١٣٥.
١٣ ـ القاضي عبد الجبار المعتزلي ، المتوفّى ٤١٥ : ذكر في كتابه « المغنى » تأويل بعض جمل الخطبة ومنع دلالتها على الطعن في خلافة من تقدم على أمير المؤمنين من دون أيّ إيعاز إلى الغمز في إسنادها.
١٤ ـ الحافظ أبو بكر ابن مردويه ، المتوفّى ٤١٦ ، كما في طريق الراوندي في شرح النهج.
١٥ ـ الوزير أبو سعيد الآبي ، المتوفّى ٤٢٢ ، في كتابه : « نثر الدرر ونزهة الأديب ».
١٦ ـ الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي الأكبر ، توفّي سنة ٤٣٦ ، ذكر جملة منها في الشافي / ٢٠٣ فقال : مشهور. وذكر صدرها في / ٢٠٤ فقال : معروف.
١٧ ـ شيخ الطائفة الطوسي ، المتوفّى ٤٦٠ ، رواها في أماليه / ٣٢٧ عن السيّد أبي الفتح هلال بن محمّد بن جعفر الحفار ، المترجم في مستدرك العلّامة النوري ٣ : ٥٠٩ من طريق الخزاعيين. وفي تلخيص الشافي.
١٨ ـ أبو الفضل الميداني ، المتوفّى ٥١٨ ، في مجمع الأمثال / ٣٨٣ ، قال : « ولأمير المؤمنين علي رضي الله عنه خطبة تعرف بالشقشقيّة ؛ لأنّ ابن عباس رضي الله عنهما قال : « له حين قطع كلامه : يا أمير المؤمنين ! لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت. فقال : هيهات يا بن عبّاس ! تلك شقشقة هدرت ثمّ قرّت » ».
١٩ ـ أبو محمّد عبد الله بن أحمد البغدادي ، الشهير بابن الخشّاب ، المتوفّى ٥٦٧ ، قرأها عليه أبو الخير مصدق الواسطي النحوي ، وسيوافيك بعيد هذا كلامه فيها.
٢٠ ـ أبو الحسن قطب الدين الراوندي ، المتوفّى ٥٧٣ ، رواها في شرح نهج البلاغة من طريق الحافظين : ابن مردويه ، والطبراني.
« وقال : أقول : وجدتها في موضعين تاريخهما قبل مولد الرضي بمدة : أحدهما : أنّها مضمنة كتاب « الانصاف » لأبي جعفر ابن قبة ، تلميذ أبي القاسم الكعبي أحد شيوخ المعتزلة ، وكانت وفاته قبل مولد الرضي. الثاني : وجدتها بنسخة عليها خطّ الوزير أبي الحسن علي بن محمّد بن الفرات ، وكان وزير المقتدر بالله ، وذلك قبل مولد الرضي بنيف وستين سنة ، والذي يغلب على ظنّي أنّ تلك النسخة كانت كتبت قبل وجود ابن الفرات بمدّة ».
٢١ ـ أبو منصور الطبرسي ، أحد مشايخ ابن شهر اشوب ـ المتوفّى ٥٨٨ ـ في كتابه « الاحتجاج » / ٩٥ ، فقال : « روى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عبّاس ».
٢٢ ـ أبو الخير مصدق بن شبيب الصلحي النحوي ، المتوفّى ٦٠٥ ، قرأها على أبي محمّد ابن الخشّاب وقال : « لما قرأت هذه الخطبة على شيخي أبي محمّد ابن الخشاب ... ».
٢٣ ـ مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير الجزري ، المتوفّى ٦٠٦ ، أوعز إليها في كلمة « شقشق » في النهاية : ٢ : ٢٩٤ ، فقال : « ومنه حديث علي في خطبة له : « تلك شقشقة هدرت ثمّ قرت » ».
٢٤ ـ أبو المظفر سبط ابن الجوزي ، المتوفّى ٦٥٤ ، في تذكرته / ٧٣ ، من طريق شيخه أبي القاسم النفيس الأنباري باسناده عن ابن عبّاس ، فقال : « تعرف بالشقشقيّة ، ذكر بعضها صاحب نهج البلاغة وأخل بالبعض ، وقد أتيت بها مستوفاة. ثمّ ذكرها مع اختلاف ألفاظها ».
٢٥ ـ عزّ الدين ابن أبي الحديد المعتزلي ، المتوفّى ٦٥٥ ، قال في شرح النهج ١ : ٦٩ : « قلت : وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي ، إمام البغداديين من المعتزلة ، وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدّة طويلة. ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر ابن قبة ، أحد متكلمي الإمامية ، وهو الكتاب المشهور بكتاب « الانصاف » ، وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى ، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه الله تعالى موجوداً ».
٢٦ ـ كمال الدين ابن ميثم البحراني ، المتوفّى ٦٧٩ : « حكاها عن نسخة قديمة عليها خط الوزير علي بن الفرات ، المتوفّى ٣١٢ ، وعن كتاب « الانصاف » لابن قبة ، وذكر كلمة ابن الخشاب المذكورة ، وقراءة أبي الخير إياها عليه ».
٢٧ ـ أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الأفريقي المصري ، المتوفّى ٧١١ ، قال في مادة « شقشق » من كتابه « لسان العرب » : ١٢ : ٥٣ ، « وفي حديث علي رضوان الله عليه في خطبة له : « تلك شقشقة هدرت ثمّ قرت » ».
٢٨ ـ مجد الدين الفيروزآبادي ، المتوفّى ٨١٦ / ١٧ ، أوعز إليها في القاموس : ٣ : ٢٥٣ ، قال : « والخطبة الشقشقية العلوية ؛ لقوله لابن عباس ـ لما قال له :« لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت ـ : يا بن عباس ! هيهات تلك شقشقة هدرت ثمّ قرت » » .
ـ وقال الشيخ المحمودي في نهج السعادة : ٢ / ٥١٢ : « ليُعلم أنّ الخطبة الشريفة قد رواها جماعة كثيرة من علماء السنّة والإماميّة ، ومن عجائب الدهر أنّه مع كثرة الدواعي على إخفاء أمثال هذا الكلام ، واستقرار ديدنهم على تغطيته وستره ، وتمزيق أصله وإحراق مصادره ، ومع ذلك كلّه قد تجلّى في اُفق كتب كثير من أهل الإنصاف من علماء أهل السنّة ، وتلألأ بدره التام بحيث ينفذ شعاعه في حاسة العميان فضلاً عن أهل البصائر والضمائر ... ».
فرواها الحافظان : ابن مردويه ، والطبراني ـ كما يأتي ـ.
ورواها ابن الخشاب عبد الله بن أحمد ، واعترف بأنّها من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وأنّه وجدها في كتب العلماء وأهل الأدب بخطوطهم قبل أن يُخلق الرضي بمائتي سنة ، كما ذكره عنه ابن أبي الحديد في شرح الخطبة.
وكذلك ذكر ابن أبي الحديد في الشرح : ١ / ٦٩ ، أنّه وجد كثيراً من ألفاظ الخطبة في تصانيف إمام البغداديين من المعتزلة الشيخ أبي القاسم البلخي.
وأيضاً رواها سبط ابن الجوزي يوسف بن قزغلي الحنفي في أوّل الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص / ١٣٣ ، عن شيخه أبي القاسم النفيس الأنباري ، ثمّ ذكر الخطبة بما يستفاد منه تعدّد الطرق لها.
ورواها أيضاً الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري ، المتوفّي عام ٣٨٢ ، كما رواها عنه الشيخ الصدوق في علل الشرائع ومعاني الأخبار ، وكذلك العلّامة الحلي في المطلب الخامس من كتاب كشف الحق : ٢ / ٤٠ ، وكذلك نقلها عنه في المقدّمة الثالثة من كتاب الدرجات الرفيعة / ٣٧.
ورواها أيضاً أبو علي الجبائي وأبو هلال العسكري الحسن بن عبد الله بن سهل ، المتوفّي بعد سنة ٣٩٥ ، في كتاب الأوائل ، كما نقل عنه في إحقاق الحقّ ، نقلاً عن هدية الأحباب.
وكثيراً منها ذكره الأدباء واللغويّون ؛ فذكر قطعا منها في مادة : « جذ » و « حذ » و « حضن » و « نفج » و « نفخ » و « شقشق » من القاموس ، ولسان العرب ، وتاج العروس ، ومجمع الأمثال : / ١٦٩.
وقطعاً كثيرة منها ذكرها ابن الأثير في النهاية ؛ فانظر منه المواد التالية : « جذ » و « حذ » و « حضن » و « نفج » و « نفخ » و « نثل » و « خضم » و « شقشق » و « عفط » و « حلأ » و « سفف » و « شنق ».
وقال الفيروزآبادي في مادة : « شقق » من كتاب القاموس : والخطبة الشقشقية العلوية ؛ لقوله لابن عباس ـ لما قال له : « لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت ـ : يا بن عباس هيهات تلك شقشقة هدرت ثمّ قرت !!! ».
وقال في باب الاستعانة من الجزء الثالث من كتاب تحرير التحبير / ٣٨٣ : « وأمّا الناثر فإن أتى في أثناء نثره ببيت لنفسه سمّى ذلك : تشهيراً ، وإن كان البيت لغيره سُمّي : استعانة ، كقول علي عليه السلام في خطبته المعروفة بالشقشقيّة : ـ فيا عجبا ـ بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ـ ثمّ قال ـ :
شتان ما يومي على كورها ***** ويوم حيان أخي جابـــــــر
فهذا البيت للأعشى ، استعان به علي عليه السلام كما ترى ».
أقول : وللعلّامة الأميني رحمه الله في الغدير : : ٧ / ٨٠ كلام وفيه فوائد.