بقلم : د . حسن نصر الله
أستاذ العربي في الجامعة اللبنانية في بعلبك
بسم الله الرحمن الرحيم
بينَك وبين الخلافة مغازلةُ في التاريخ كادت أن تكون همّاً موروثا والمغازلةُ حنون، عينُ عليك، وعينُ على الشعر، رفقاً بخلافة القوافي، وقد نلتها شورى ، بايعك بها شيوخُ الكلمة، وجدَّدتها جماهير الأدب , يتيمةُ الدهرِ شهادتها تاجُ مصوغُ من المجد [١] .
نشأتَ أشعر الهاشميين ، وقد نُصَّت الخلافةُ فيهم , وصرتَ أشعر القرشيين، وما بَرحتِ الخلافةُ ربوعَهم [٢] , وطوِّبتَ شريفاً، وفقيهاً، وشاعراً عبقرياً لك في السياسةِ حولةُ وطموح ولك في الشعر جولات ، ثمارُها دانيةُ القطوف, نسجت ملاحم المدح خلَلا موشاة ، خلفتها على السلاطين خلالا حميدة.
وضفرت قصائد الفخر، أكاليل غار على مفرق الزمن ونمنمت مقطوعات الغزل، مسكان حب، وعربون وفاء ، تناشدها الغزلون والعاشقون، وشوشة همسها العفاف، وعطرها الطهر, وعزفت أناشيد الرثاء على مزمار الكآبة الحانا معظمةً بسواد الحزن ، مغسولة بعبرات العيون, ونمقت ألوان الشعر بلاغة ، لأنك كنت تلمذ النهج .
نماك الى الامام علي نسبان، فنلت لقب ذي الحسبين , ورثت فصاحته مرتين : يوم أولدك ، ويوم جمعت النهج.
تشكل الصورة في الفخر
الخلافة في شعر الرضي: كانت قضية الخلافة أقوى صرة ارتسمت في ذاكرة الشريف، وترسخت في ذهنه منذ الطفولة ، وقبعت في زوايا مخيلته ، تبرز الى السطح متشكلة عبر خياله في كل مناسبة.
ان ما قاله (ستيفن أولمان) عن الصورة المتكررة عند الأديب من انها ترتد إلى بعض التجارب الشخصية المؤلمة التي لا يستطيع الكاتب التخلص منها ، يكاد يشخص حال الشريف ، الذي ترعرع على ذكريات الخلافة ، واشكالاتها , إذ اقترنت حركتها بالظلم والاغتصاب ، وأثمرت التباغض والتناحر.
روى أبوالفتح ابن جني: أن الشريف أحضر إلى ابن السيرافي النحوي وهو طفل لم يبلغ عشر سنين فلقنه النحو، وذاكره يوما, فسأله : إذا قلنا «رأيت عمرو» فما علامة النصب في عمرو, فقال له الرضي : «بغض علي» [٣].
إن مسيرة الخلافة المؤلمة ، وتطلعاته اليها ، ولدت في نفسه انفعالات متجذرة، تبرعمت منذ الصغر ، ثم تفجرت بوحا من الشعر في الكبر , واكسبت طريقته التي مازته عن أقرانه، وخطت تجربته وأنماط حياته، حتى صنع لنفسه سلاسل فنية وعاش يرقص ضمنها.
إن لوحة الفخر عنده متوحدة , ألوانها ثابتة أصيلة تتفرع صبغين أساسيين : الفرح ((بالمرارة) والكآبة كانت ظلالها البعدية، الارستقراطية التي كانت تكبل الإنسان بأغلال التقليد.
ويتبدى الفخر معنى بذم الزمان بوحا بعاطفة كئيبة فجعها تصادم الداخل الوجداني بالواقع الاجتماعي الخارجي.
في قرارة نفسه، يكمن حسّ رفيع، وتفوق الذات لم يكن إماما معصوماً، أو وصي نبي، بيد أنه من سلالة المعصومين ، وابن الانبياء [٤].
في الواقع الخارجي : أبعد عن الخلافة رغم تفرده بمقوماتها وعايش الطائع والقادر، خليفتين عباسيين، لم يتحليا بتفوق الذات ، ونالا الخلافة وراثة عن أجداد غصوبها آل علي ولا بد لاستردادها من استخدام الفروسية التي تقذف بالعالم إلى مستوى الكل أولا شيء، الانتصار أو الموت.
فخاض الشريف حروباً شعرية لونت قصائده بفرحة الظفر وتكاد لا تخلو قصيدة فخرية من وصف معركة عناصرها الخيل والحديد ، والقنا ، والوانها النقع والنجيع ، وبطلها شاعرنا يحطم الرماح ، ويفل السيوف طلبا لاسترداد حق هضم.
وهذا مشهد بطولة من فخره [٥] :
أنا الأسد الماضي على كل فعلةٍ ***** تُمشِيّ شفار البيض فوق الجماجم
وفي مثلها أرضيت عن عزمي المنى ***** وصافحت أطراف القنا والصوارم
سأصبر حتى يعلم الصبر أنني ***** ملكت به دفع الخطوب الهواجم
وآخذ ثاري من زمان تعرضت ***** مغارمه بيني وبين المغانم
لقيت ظلام الليل في لون مفرقي ***** وفارقته والصبح في لون صارمي
صورة معركة خيالية خاضها الشاعر بين الكلمات عناصرها : اللون والحركة الثقافة والشكل ، مما يحضنه الشعر دون سواه من الفنون .
ومعطيات التشكل : دفقات الثقافة الموروثة ، وتوثبات العبقرية المتوهجة , يكمن عنصر الشكل في أشياء المعركة التقليدية : الفارس الليث، والسيف والقنا... أما الصراع فحركة ذاتية عبقرية ، ومضت سريعة ومتلاحقة , وهذا تتطلبه المعركة لحسم الموقف. أسد يمضي مسرعا، يحز الرقاب بشفار السيف، فتهوي الجماجم وليزخر المشهد بالعمل الفعل لا بد من وطعن ويتقوى التصادم بولوج الصبر، وهو حركة ترتد إلى السكون.
صبر يدع الخطوب الهواجم فتهدأ ويتلاشى الصِراع بالثأر من بطل معنوي، لا نلمح شخصه الميتافيزيقي ، بل نراه رمرا مجردا، هو الزمن الذي تعرض بين الشاعر والمغانم أي (الخلافة).
واختار الشاعر للوحته الألوان المناسبة : الأبيض والاحمر والاسود, بياض السيوف والصباح، وحمرة الدماء تسيل من الجماجم , أما ظلالها فسواد الليل والعشر.
هذه العتمة نأت بالشاعر الفارس حتى بدأ شبحاً أسود يلفه الليل.
ثم يبرز أمامنا في واجهة اللوحة مع ضياء الصباح, هذا الظهور المتبدل تعجز ريشة الفنان عن ملاحقته، ولا يتأتى إلا للكلمة حققه التشبيه والمقابلة الموحية بالمفارقات والعنصر الهارب من اللوحة ، هو الصوت، نسمعه خفيفا ينبعث من مصافحة القنا والصوارم.
إذا تأملنا شعر الرضي مليا تكشف لنا عن تمثال نحته الشاعر لنفسه : رخامه نسب ناصع نبوي، واطره تفوق الذات ؛ ونقوشه عبقرية شاعرية تنتقي الصور والمفردات.
تمثال زانته غرائب آداب حياة يحفظها الزمان هذه الغرائب جازت فضائل معاصريه من الخلفاء والملوك حتى لا يرتضيهم أعوانا له.
قال مفتخراً : [٦]
أما أنا موزون بكل خليفة ***** أرى أنفا من أن يكون خليفتي
لقد فرز نفسه، وعرضها عالماً فسيحاً من الأنفة والثقة والفضائل ، والتعالي في وجه الآخرين وضدهم. وكاد الحلم أن يكون حقيقة، فنصب نفسه خليفة في بغداد، يأمر وينهى ، ويطغى على سكانها ، حكاماً وشعباً [٧] .
أطغى على قاطنيها غير مكترث ***** وأفعل الفعل فيها غير مأمور
الحياة عنده مشروع دائم ، يتجه اليها صعدا في آفاق العظمة هذا التفوق تفرسه فيه صديقه أبو اسحق الصابي محرضه على الخلافة ، ونبأها له، وبشره بها لكن حدسه أخطأ [٨] .
ومات الرضي، ولم يحظ بالخلافة بيد أن ثورته بقيت مستمرة متعالية، وقصائده تتلى في المنتديات، وذكراه ظلت عطرة ، واسمه متألقاً نعرف عنه الكثير بينما يجهل معظم الناس أسماء (الطائع والقادر) الخلفاء الذين عاصروه.
تشكل الصورة الموحية
خلق صوراً ، مادتها خيال خلاق، يؤلف من ركام الصور المخزونة في الذاكرة عالماً جديداً يحفل بالموضوعات والشخصيات.
وركب صورا استعارها من الشعر العربي، ومادتها الخيال التأليفي، شاهدها الشاعر من قبل في عالم السلف فاستعادها محررة من التمركز في الاطارين المكاني والزماني شخصياتها الممدوحون : خلفاء وملوك ووزراء وأصدقاء ودعاة وأقارب [٩] .
أما موضوعاتها التأليفية فتوكأ فيها على النابغة الذبياني والأخطل في صورة الكرم، ونقل عن أبي تمام والمتنبي في حقل الشجاعة، واستعان بدغيلان بن عقبة العدوي)؛ مضموناً وصورة أسلوباً، في الاستطراد وإطالة القصيدة إحتفاء بالممدوح ، ووصف الصحراء وأشيائها.
هذه المعطيات تكون الاصباغ الاصيلة في مدحه اما الاصباغ الثانوية فنمنمة الأسلوب وزركشة الطريقة في اصدار المديح عن انفعالات ، وعن هاجس الفن، لا طمعاً في جائزة ولا تزلفاً لحاكم.
ومع ان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا رأيتم المداحين ، فاحثوا في وجوههم التراب».
فالشريف الرضي مدح ، لكنه لم يقف على الابواب مستجديا وتجنب المبالغات الكاذبة التي تخرج بالممدوح من بشريته إلى تأليه بغيض.
فالمديح عنده دين في عنقه لأصدقائه من حكام وأدباء، مدحهم تكريما لصداقة وثيقة تشده اليهم فجاء مديحه مشحوناً بروح الإخاء والمشاركة الانسانية ، مع التعالي أحيانا على الممدوحين بنسبه الشريف ، مما يضفي روحا عاطفية محببة على أجواء الصورة ، تساعد على تجذيرها وتبث في المشاهد حياة تختلف تحديثاً وتقليداً.
التحديث يطالعنا في لون المدح الأبوي، لأن الشريف أفاض في مدح والده، حتى أن أطول قصائده ، نظمها في والده [١٠]. وخصه بنصف الكمية المدحية تقريبا، ومدح الأب أمرُ نادرٌ في الشعر العربي، وقد انسابت منظوماته رخية بعيدة عن التكلف ، تترف الصورة وتتجدد، نقرأ فيها السهولة والطبعية، وقد لانت كلماتها ، وطوعت الأوزان، فتناغمت الموسيقى يلفها تقسيم يمنحها شاعرية غنية.
غمامك فياضُ، وريحك غضة ***** وحوضك ملآن ، وروضك معشب
فعول مفاعيلن فعول مفاعلين ***** فعول مفاعلين فعول مفاعلن
بيت قمين بالتأمل ، إيجاء ترفده إيحاءات، تزاوجت الكلمات وتوازنت التفعيلات ، وتزاحمت الصور ، فكانت أربعاً قبلا جمعت كل العناصر المتألفة : الحركة والصوت واللون والشكل والطعم ، تناسقت وتكاملت ضمن إطار المشهد العام الذي رسمه الشاعر مع رمزية سباقة أشرفت على القرن العشرين.
سحابُ ممطر تسوقه ريح رطبة ، فيملأ الغدران ، ويسقى الرياض لون السحاب وحركته وشكله ، تجمله حركة الريح تسوقه وتدفعه ، ويتممه امتداد الحوض ، وصفاء الماء وحبكه وطعمه البارد وترفده اعشاب الرياض بألوانها الزاهية. كل هذه العناصر تنقلنا بالكناية إلى الكرم ، والذكر الطيب، والغنى الوافر وإقبال السعد....
وفي مدح والده طاوعته المطالع :
طلوع هداه إلينا المغيب ***** ويوم تمزق عنه الخطوب
صورة قوامها الحركة والصوت ، حركة شق الثوب ، وصوب التمزق وقد استغل الكلمة ذات الجرس العبر، (الاداء الفني للكلمة) omoatopece لأننا نفهم معنى الفعل (تمزق) من تتابع حروفه التاء بدء الصوت، تكتمه الميم، لينطلق مع الزاي المشددة ويبلغ منتهاه مع القاف ونتوسم في تمزيق الخطوب رؤ ية حدسية مبنية على الاستعارة تعلن استمرارية السعادة المستقبلية بسحق الخطوب وتقطيعها أشلاء ومزقا.
وأعرض مشهدا آخر مادته الحرب افرغ الوانها من مجامع ثقافته ، مجارياً أبا تمام والمتنبي .
قال في مدح بهاء الدولة [١١] :
قائد الخيل تساقى بالدرى ***** تحت أسادلها النقع لُبَدْ
تحسب الشوس على أكتادها ***** فلق الجندل في ماء الزرد
وعلى أربق قد أرسلها ***** كالقطا الجون يبادرن الثمد
وبيم ودجوها بالقنا، ***** ربما داويت من غير عمد
يوم أمسى من قناها ماطرأ ***** سال واديه من الطعن ومدّ
الاطار العام للمشهود: أجواء معركة ارتقت إلى مصاف الملاحم، تجزأت فصولها إلى عناصر، قوامها : ملك تخطى حدود الانسان شجاعة ، وخيل تساقى الموت وفوارس تجاوزوا الانسان وتحولوا إلى آساد لبدها النقع ، وخضابها النجيع.
وإذا كانت الليوث تحيا وتموت كالانسان ، فلا بد للصورة أن تتصعد مترقية من التبليغ إلى الاغراق ثم الغلو، لتدل على الجنون في تناهي الجرأة ، فالنفوس تحولوا إلى فلق الجندل ، الانسان قطعة صخر لا قلب يجف ، ولا نفس تجشأ وتطل ظلال بعيدة تنشر غموضاً خفيفاً على الصورة الابطال يحتجبون تحت الدروع ، مثلما تحتجب الصخور تحت طرائق الماء الحركة الجمالية غنية يمثلها جري الخيل ، وتصاعد الغبار وسيلان الدماء، وتموج الماء.
واللون تبوح به الخيل ، والنجيع ، والقطا الجون وتكمل مسيرة اللوحة بالصوت يتعالى من قرقعة القنا وكؤوس الردى، وصهيل الجياد.
مشهدً متكامل تعجز عن رسمه ريشة الفنان ، وإزميل النحات؛ إذ لكل منهما لمحة في الزمن وللشاعر لمحات في الزمان والمكان ويتبدل تشكل الصورة من ممدوح إلى آخر لتناسب مقامه ، وتعكس ظلال حياته .
فالصاحب بن عباد رأس مدرسة ادبية، وترأس وزارة سياسية مدحه الشريف خاطباً وده ، لا طالبا ماله وعطاءه .
ومما جاء في مدحة قوله [١٢] :
لك القلمُ الماضي الذي لو قَرَنَتْهُ ***** بجرْي العوالي كان أجرى وأجودا
إذا انْسلَ مِن عَقدِ البنانِ حسبته ***** يحركُ على القُرطاس بُرداً مُعَمَّدا
يغازل منه الخط عيناً كحيلة ***** إذا عاد يوماً ناظر الرمح أرْمدا
وإن مجَّ نصل من دم الصِّرب أحمراً ***** أراق دماً من مقتل الخطب أسودا
إذا استَرْعَفَتْهُ همّة منك غادَرَتْ ***** قوادِمَهُ تجري وعيداً وموعِدا
اشتقت الصورة من واقع مغاير لما تعارف عليه الملوك لكن الشاعر ظل يدور في فلك الألوان المألوفة ، المخزونة في مجامع الثقافة استغلها أفضل استغلال فاستنبط ألوانا جديدة مركبة ، فيها نكهة الأصل، وطرافة الجديد.
الشكل في القلم والرمح، وقد تعاونا على مادة الصورة وكانت الحركة في جري العوالي، وحياكة القلم وانسلال وحجة المداد، ومغازلته العين الكحيلة.
وعنصراللون أسودُ في العين ، وأحمر في الدم والمداد وانطلق الصوت من الجري ، وصفق الجناح.
هذه الصورة التي تتصارع فيها رماح الفرسان وأقلام الكتاب ، ترسم حياة الملوك – الادباء وليس كل الملوك كذلك.
والرضي في مدحه لم يترك معنى يفوته، وإن كان تقليديا بدويا صحراويا إن صورة الكرم في شعره أتت منقولة عن الماضي نبعها ومجراها جاهليان ، لم يعمل فيها الشاعر خياله.
قال في مدح الطائع [١٣] :
ومثلك من يُعشى إلى ضوء ناره ***** ويُلغى قراه عند كل خباء
إشعال النار للقرى ، الخباء ، عادات قديمة عاشت في الصحراء، وهزت البدوي فتغنى بها احتفاء بالجو ونقلها الرضي بمادتها القديمة ، واستقصى روافدها من البحر إلى الانهار والسحاب مقلدا النابغة الذبياني والأخطل، وقد تسعفه القريحة ، فيقع على تعبيرات بكر فيها جمال وتفرد.
وفي مدحه أوصاف تعكس نفسية الخلفاء في عصره، وقد تركوا السيف، وطرحوا الرمح ، مالوا إلى حياة الدعة ، والبذخ، والجواري وهي حياة تستدعي المال والجمال... فالطائع والقادر ارتضيا المدح المادي الجسدي ، ولم يعترضا على مثل هذه الابيات في الطائع :
ووجهُ لو أَنَّ البدر يحمل شبهه ***** أضاء الليالي من سني وسنا
وفي القادر:
وحيينا عظيماً من قريش ***** كأن جبينه فلق الصباح
في حين اعترض عبد الملك بن مروان على الشاعر عبد الله بن قيس الرقيَات مدحه بقوله :
يعتدل التاج فوق مفرقه ***** على جبين كأنه الذهب
انزعج عبد الملك وقال اتمدحني كما تمدح العروس، وتقول في مصعب بن الزبير وانما مصعب شهاب من الله».
اعتمد الشريف كثيراً على هاجس الفن، لأنه كان ينظم في فراغه قصيدة عامة ، لا يسمي الممدوح فيها ، ثم تأتي المناسبة فيرفدها ببضع أبيات ، وتصبح جاهزة للانشاد هذا يعني أن الفعل الموحي، والعمل المؤثر، قد غابا عن ولادة كثير من منظوماته.
خلاصة : لم تعد القصيدة عند الرضي، نمواً أفقياً بخط واحد، بل نزعت تنموعميقاً، لم تعد تتوالد انفعاليا وحسب، بل غدت تتوالد في التأمل ، والوعي، والصبر...
وعلى يديه ، عرفت الصورة الوصفية، بشكل خاص خلقاً جديداً للعالم ، فتجاوز الشكل الخارجي للأشياء وذهب إلى جوهرها، وتفاعل معها فالاشياء كلمات تقرأ، وفعل يجري كان الشريف في اتساعه وشموليته روحاً متوثبة، تياهة ، تتلاقى فيها أطرف الكون.
ألف عام مرت على وفاتك ، وها أنت حيُّ بيننا تنشد الشعر علوياً ، وتنطق بالحكمة عطرة شذية نحتفل بذكراك، وأنت غائب بجسدك، حاضر بروحك، وهناك أثرياء وسلاطين ماتوا بالأمس ونسيناهم.
------------------------------------------------------------------------
[١] . يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر – لمؤلفها عبد الملك بن محمد الثعالبي النيسابوري المتوفى سنة ٤٢٩ هـ.
[٢] . يتيمة الدهر: ٣/١٣١.
[٣] . الثعالبي : يتيمة الدهر: ٣/١٣١، اليافِعي مرآة الجنان : ٣/١٩.
[٤] . قال الرضي : ديوانه ١/١١٢. إني لمن معشر إن جمعوا لَعُلىَ ***** تفرقوا عنِ نبي أو وصي نبي
[٥] . ديوان الرضي دار بيروت : ٢/٣٨٢.
[٦] . نفسه :١/٢٠٩.
[٧] . نفسه : ١/٤٧٨.
[٨] . للصابي أبيات في هذا المعنى فيها :
أبا حسن لي في الرجال فراسة ***** تعودت منها أن تقول فتصدقا
وقد خبرتني عنك أنك ماجدُ ***** سترقى من العلياء أبعد مرتقى
وأضمرت منه لفظة لم أبح بها ***** إلى أن أرى اطلاقها لي مطلقا
فإن عشت و إن مت فاذكر بشارتي ***** وأوجب بها حقاً عليك محققا
[٩] . هناك دعاة أرسلهم الشريف الرضي إلى قبائل البدو يطلبون مساندته لأخذ الخلافة . الديوان : ١/٢٣٥.
[١٠] . أطول قصائده نظمها في والده، وهي رائية بلغت مائة و تسعة عشر بيتاً. الديوان: ١/٤٥٠.
[١١] . الديوان : ١/٧٥.
[١٢] . نفسه : ١/٢٧٤.
[١٣] . نفسه : ١/١٣.
منقول من مجلة العرفان السنة ١٩٩٧م العدد / ٧٣٦ و٧٣٧