عبدالحميد صبحي ناصف *
أبو الحسن محمد بن أبي طاهر الحسين بن موسى : سليل الحسين بن علي عن طريق موسى الكاظم ، ومن ثمّ لقب هووأخوه علي المرتضى بلقب الموسوي؛ وقد ولد أبو الشريف الرضي سنة ٣٠٧ هـ (٩١٩-٩٢٠م)، وكان في عهد بني بويه في بغداد نقيب الطالبيين أي رئيس جماعة الأشراف من آل البيت أحفاد علي من زوجه فاطمة.
وقد ولد الشريف الرضي في بغداد سنة ٣٥٩هـ (٩٧٠م) والظاهر أنه كان قد نضج في سن مبكرة جداً؛ ويقول معاصره الثعالبي إنه نظم أشعاره الأولى ولما يتجاوز العاشرة ، وقد قال أقدم ما أرخ من قصائد في ديوانه سنة ٣٧٤هـ حين كان في الخامسة عشرة من عمره؛ ويؤكد الثعالبي والكُتَّاب الذين نقلوا عنه أن الشريف الرضي كان بلا نزاع أعظم شعراء الطالبيين ، بل أعظم شاعر أنجبته قريش.
وإذا عرفنا أن القصائد التي نظمت في ذلك العهد الحافل بالشعراء كانت دون أشعاره بكثير حكمنا بأن الثعالبي كان على حق في قوله.
ولا يسعنا إلا أن نسلم بأن بعض المراثي التي قالها الشريف الرضي في أصدقائه تتسم بالشعور الصادق؛ ثم إن مقدار ما قال من الشعر في حياته القصيرة الأجل عجيب ، ذلك أن ديوانه كان يشغل في الأصل أربعة مجلدات.
ولاشك أن الشريف الرضي كان ضعيف البنية ، وهو نفسه يروي في إحدى قصائده أن الشيب بدأ يخط رأسه حين بلغ الحادية والعشرين ، وهي سن باكرة؛ ولعل من أسباب اعتلال صحته انشغاله على أبيه الذي ظل سجيناً في شيراز زمناً طويلا بسبب ذنب اقترفه ولم أتوصل للكشف عنه، وبسبب الاضطراب الذي قام في بغداد ، نتيجة محاباة أمراء البويهيين للشيعة محاباة ظاهرة وما نجم عن ذلك من موجدة أهل السنة.
وكان أبوه قد اعتزل منصب النقيب، وكرّم الشريف الرضي بتوليته هذا المنصب الجليل.
ويقول الثعالبي وغيره من كتاب السير الذين ينقلون عنه إنه تولى المنصب سنة ٣٨٨ هـ ولكن المقدمة التي صدر بها القصيدة التي بعث بها إلى بهاء الدولة يشكره على ما أسداه إليه من فضل تذكر أن البراءة أرسلت إليه من البصرة مصحوبة بأمر تقليده قيادة قافلة الحجيج، وبلغت بغداد في غرة جمادى الأولى سنة ٣٩٧هـ، وفي السنة التالية زاد بهاء الدولة في تشريفه فأنعم عليه بلقب الرضي ، وهو اللقب الذي غلب عليه.
وبعد ذلك بثلاث سنوات، أي في شهر ذي القعدة سنة ٤٠١هـ، تلقى من الأمير نفسه لقباً ثالثاً هو لقب الشريف ، وظل بهاء الدولة ينعم عليه بآيات التشريف الأخرى .
وفي يوم الجمعة السادس عشر من المحرم سنة ٤٠٣ هـ عين نقيباً لآل البيت في جميع أملاك الأمير، على أن المرض اشتد عليه اشتداداً خطيراً في جمادى الأولى من السنة نفسها حتى يئس الناس من حياته، بيد أنه ما إن انقضى شهران حتى أبل من مرضه إلى حد أنه استطاع أن يرسل في شهر رجب قصيدة أخرى إلى سلطان الدولة في أرجان، حيث كان بهاء الدولة قد أدركته منيته في جمادى الآخرة؛ وكانت قصيدته الأخيرة التي نظمها بحيث تصلح لمدح أي أمير هي التي وجهها إلى سلطان الدولة في شهر صفر سنة ٤٠٤هـ، وكانت آخر قصيدة مؤرخة في ديوانه مرثية قالها في الشاعر أحمد بن علي البتّي الذي توفي في شهر شعبان سنة ٤٠٥هـ؛ وتوفي الشريف الرضي في صباح الأحد السادس من المحرم سنة ٤٠٦ هـ (٢٦ من يونية سنة ١٠١٦م)؛ وقد غلب الحزن أخاه علي المرتضى حتى لم يستطع البقاء في بغداد ليشيّع جنازته ، وصلى الوزير فخر الملك صلاة الجنازة على قبره ، ودفن بمنزله في حي الأنبارية في ضاحية الكرخ من ضواحي بغداد.
وكان المنزل والقبر قد تهدما في عهد ابن خلكان، وإنا لندرك من الإشارات القليلة المبعثرة عن الرضي أنه كان ودوداً واسع العقل كما تدل على ذلك صداقته للصابئ الذي كرّمه بمرثيتين بالرغم من أنه لم يكن مسلماً، بل إن لوم أخيه بسبب مرثيته الأولى لم تحل بينه وبين نظم قصيدته الثانية التي أبرز فيها حزنه أكثر وأكثر.
وقصائده كما مر بنا كثيرة جداً، وقد جمعها بعض أصدقائه؛ ومخطوطاتها ليست نادرة ، بل إن لدينا بالفعل نسختين مطبوعتين (بومباي ١٨٧٩ في مجلد واحد؛ بيروت ١٨٩٠-١٨٩٢ في مجلدتين) وكلا الطبعتين مرتبتان على حروف الهجاء؛ وكذلك الحال في المخطوطين اللذين في المتحف البريطاني ( add.،رقم ١٩٤١٠؛ add. ٢٥٧٥٠ )وذلك إذا استثنينا أن المراثي في أحد المخطوطين قد فصلت عن القصائد الأخرى.
ومما هو جدير بالذكر أن كثيراً من القصائد، سواء في المخطوطات أو في النسختين المطبوعتين، قد أرّخت تأريخاً دقيقاً وأمدتنا ببعض التفصيلات عن سيرته؛ وقد كان عدد كبير من هذه القصائد مراثي قيلت في أشخاص بارزين توفوا في بغداد ، ومن ثم أصبح لهذه التواريخ قيمة تاريخية أيضاً.
وثمة قصائد للشريف عن كل سنة من سنة ٣٧٤ إلى سنة ٤٠٥ هـ، ولو أننا شرعنا في تحليلها تحليلاً كاملاً لاستغرق ذلك منا حيزاً كبيراً. والرضي ، علاوة على قصائده ، صاحب الفضل في مصنفين في شرح القرآن أحدهما عنوانه «معاني القرآن» والثاني عنوانه «مجازات القرآن» على أن هذين المصنفين لم يصلا إلينا.
ويصف درينبورغ في الفهرس الذي أصدره بالمخطوطات الموجودة في مكتبة الإسكوريال مخطوطاً تحت رقم ٣٤٨ عنوانه «طيف الخيال» نسبه إلى الرضي؛ ولا شك أن هذا خطأ سواء كان مرجعه إلى درينبورغ أو الكاتب الذي كتب الثبت.
وما من شك في أن علي المرتضى أخا الرضي قد كتب كتاباً بهذا العنوان نفسه، زد على ذلك أن كاتباً علوياً آخر اسمه هبة الله بن الشجري ينقل في مصنفه «الحماسة» (باريس ، مخطوط عربي رقم ٩٢٥٧، الورقة ٩٦ الصفحة اليمنى) شواهد من طيف الخيال للمرتضى؛ ثم إن صاحب المخطوط المحفوظ بمكتبة الإسكوريال يذكر في مقدمته أنه سبق أن كتب كتاباً في الشيب؛ وبين أيدينا هذا الكتاب في نسخة مطبوعة (الآستانة ١٣٠٢) ولا جدال في أنه بقلم المرتضى الذي يقول لنا في ختامه إنه أتمه سنة ٤٢١ هـ أو بعد خمس عشرة سنة من وفاة أخيه الرضي.
ولا نستطيع القول بأن الأخوين قد كتبا كتابين بالعنوان نفسه والمحتويات نفسها أو ما يشبهها، ولا حيلة لنا بعد إلاّ أن ننسب الكتاب الذي جاء في المخطوط المحفوظ بمكتبة الإسكوريال إلى المرتضى
------------------------------------------------
* نقل عن المستشرق فريتس كرنكوف ١٩٥٣ – ١٨٧٢ Fritz KrenKow) ) الماني الأصل.
المصادر :
(١) الثعالبي : اليتيمة ، دمشق، جـ٢، ص ٢٩٧ – ٣١٥ ، مع مقتطفات كثيرة من قصائده.
(٢) ابن خلكان : ، طبعة قستنفلد ، ص ٦٣٩، طبعة القاهرة، جـ٢، ص٢.
(٣) اليافعي : مرآة الجنان ، جـ٣، ١٨-٢٠.
(٤) بروكلمان : G.A.L ، جـ١، ص ٨٢ – وتجد قصائد الرضي في جميع دواوين الشعر تقريباً.
منقول من كتاب دائرة المعارف الإسلامية الشيعية المجلد : ٢٠ (بتصرف)