أ. تعريف الاخلاق :
من اجل الاطلاع والتعرف الى القيم الاخلاقية، ينبغي أولاً معرفة الاخلاق والاخلاق الاسلامية وتعريفها:
فما هي الأخلاق الاسلامية؟
ان الاخلاق والقيم الاخلاقية تعلمنا كيف نتصرف في حياتنا الاجتماعية مع اصدقائنا، وكيف يتصرف بعضنا مع بعضنا الآخر.
وتعلمنا كيف نسلك ونتصرف مع المعلم والاستاذ حتى نرى ابتسامة الرضا والارتياح على شفاههما.
وكيف نعيش مع زملائنا في الدراسة، وكيف نعاشر جيراننا ونتصرف معهم؟
وتعلمنا بأي سلوك حسن يمكننا الاستحواذ على قلوب والدينا واساتذتنا ومربينا واصدقائنا وزملائنا في الدراسة وجيراننا وسائر معارفنا، وإدخال السرور عليهم، وجعلهم يرضون عنا وإذا سلك أصدقاؤنا معنا سلوكاً حسناً وأحسنوا إلينا، وقدموا لنا الهدايا، فأي واجب نتحمله تجاههم. وإذا لم يتلاءموا معنا وأساؤوا إلينا وهجرونا، فماذا ينبغي علينا فعله وكيف يمكننا الاستحواذ على قلوبهم.
إن كل الشعوب والمذاهب الفكرية ترغب في معرفة القيم الاخلاقية وتربيتها في نفوس افرادها ومجتمعها وقلوبهم، لكي يبلغ الجميع السعادة المنشودة، لكننا نريد حضور درس الامام علي عليه السلام وجعل كتاب (نهج البلاغة) مرشداً لحياتنا، وتعلم القيم الاخلاقية من هذا النبع الاسلامي الصافي الدائم.
اننا نريد الاستماع الى اقوال أمير المؤمنين عليه السلام لكي تصطبغ قلوبن ونفوسنا بلون الحقيقة، ونبني مستقبلنا بالكلمات النيرة التي نطق بها ذلك الامام الشهيد، ونكون في عداد الصناع الناجحين للمستقبل، يقول الامام علي عليه السلام: (فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الافعال، ومحاسن الأموره).
إننا باكتساب القيم الاخلاقية نبلغ السعادة والتكامل الحقيقي ونصلح مجتمعنا.
يقول الامام علي عليه السلام في اشارة عامة:(.. ولا قرين كحُسن الخلق، ولا ميراث كالأدب) .
ب. ضرورة القيم الاخلاقية :
بعد الاطلاع على تعريف القيم الاخلاقية والدور القيّم للاخلاق الاسلامية في تحقيق سعادة الانسان، بقي علينا التعرف الى القيم الاخلاقية، إذ أن الاخلاق الفردية او الاجتماعية لا تخرج الى الواقع الموضوعي من دون قيم.
كما تجب معرفة القيم المضادة، والعقبات التي تحول دون ظهور الاخلاق الاسلامية وما ينبغي علينا لازالتها عن طريق تكاملنا اذ ان قلوبنا كالأرض المعدة للزراعة. فللحصول على المنتوج السليم والوافر منها، لابد من الاهتمام بقضيتين مهمتين ومصيرتين هما:
أولاً: التقاء البذور السليمة والنافعة وغرسها وتوفير مستلزمات نموها وتكاملها مثل: السقي والتسميد.
ثانياً: تطهير الأرض المخصصة للزراعة من الأعشاب الضارة والأشواك المؤذية بواسطة رش السموم واقتلاع الحشائش الطفيلية، لكي تنمو البذور المزروعة نمواً يومياً، وللحيلولة دون اعاقة الاعشاب والاشواك الضارة عملية نموها وتكاملها.
ان استعراضاً سريعاً لما ورد في (نهج البلاغة) بهذا الشأن يدلن على أن الامام علياً عليه السلام اشار الى العاملين الرئيسين المتمثلين بنضج البشرية، وبلوغها السعادة، وتحقق الاخلاق الانسانية، فهو يشبّه البذور والحبوب النافعة بالقيم الاخلاقية وكذلك يدلنا على الاعشاب الطفيلية والاشواك النفسية المعوقة، ويهدينا الى سبل مكافحتها، ثم يقول:
(التقى رئيس الاخلاق) وبذلك يربط بالتقوى كل القيم. وفي موضع آخر يشير الى الآفات النفسية التي تصيب الانسان فيقول: (… والحرص والكبر والحسد دواع الى التقحم في الذنوب) .
نستنتج من ذلك ان اكتساب القيم الاخلاقية عاجز بمفرده عن تحقيق سعادتنا وتكاملنا، لذا ينبغي علينا الى جانب اكتساب القيم، الانتباه بشكل كامل للآفات الاخلاقية، والقيم المضادة وسبل مكافحتها لكي نتوصل الى الاخلاق الاسلامية بهاتين العمليتين الرئيسيتين (بذر البذور ينأكد منها السموم) أي: لو أننا سعينا الى غرس صفة التواضع القيمة في نفوسنا، لوجب علينا بذل جهود أخرى لترك العادات الذميمة المتمثلة في التكبر والاعجاب بالنفس، ولكي نكون صادقين ونقتلع جذور الكذب في آن واحد، وأن نتخلق بالعفو والصفح، ونقضي في الوقت نفسه على روح الانتقام في أنفسنا.
ج. القيم والقيم المضادة :
١. الأمل بالله: ينبغي لنا، عند مواجهة المشاكل والصعاب، الاعتماد على قدرة الله الابدية وعدم الخوف من المشاكل، بل نتغلب عليها جميعاً بالتوكل على الله وبروح الأمل، يقول الامام علي عليه السلام: (لا يرجون منكم إلا ربه).
فكل مفكري العالم يؤمنون بأن التفاؤل هو الشرط الأول لاحراز النجاحات الكبيرة، كما ينبغي الى جانب تعزيز روح الامل، مكافحة كل اشكال اليأس والتشاؤم.
٢. احترام آراء الآخرين: من سبل اكتساب المعارف والنفوذ الى القلوب، وممارسة التحركات السليمة والبناءة، احترام افكار الآخرين وآرائهم، والامتناع عن أي شكل من أشكال الغرور والانانية. يقول الامام علي عليه السلام: (ولا مظاهرة اوثق من المشاورة).
وقال في كلام تحذيري آخر له: (من استبد برأيه هلك).
٣. التواضع: إن التواضع من القيم الاخلاقية المستحسنة التي يمكن بها التغلغل الى كل القلوب، حتى قلوب الاعداء، وطرد الشيطان والاعمال الشيطانية من المجتمع، ويمكن بالتواضع والبشاشة اجبار الذين جفونا وقاطعونا على العودة الى المحبة والمودة، وزرع زهرات الرضا والابتسام على كل الشفاه، يقول الامام علي عليه السلام بهذا الشأن: (… وبالتواضع تتمّ النعمة) . أي ان التواضع يجلب السعادة والارتياح. ثم يشير الامام الى خطر التكبر والاعجاب بالذات، فيقول:(.. فالله الله… وسوء عاقبة الكبر).
٤. الاعتدال: الاعتدال يعني أن نشاهد الحقائق على حقيقتها وننقلها الى الآخرين كما هي، من دون افراط ولا تفريط في اقوالنا واحكامنا وفي اخبارنا وتقاريرنا.
والذين لا يتمتعون بهذه القيمة الاخلاقية لا نجد في سلوكهم واعمالهم نظاماً ولا حساباً دقيقاً، فسرعان ما تراهم يعشقون شيئاً ثم لا يلبثون حتى ينفرون من ذلك الشيء نفسه، يبالغون في تقاريرهم، ويقولون ما يفوق ما رأوه بكثير. وهكذا نرى ان مجانية الاعتدال، والافراط والتفريط في الامور، من شأنها انزال أشد الضربات النفسية والاجتماعية بنا.
فلابد إذاّ من التلزام الاعتدال، والتحرك ضمن نظام معين وحساب دقيق، ومراعاة ذلك في السلوك والعمل، يقول الامام علي عليه السلام في كلام تحذيري له: (لا ترى الجاهل إلا مُفرِطاً أو مُفرَطاً). ثم يشير الى نتيجة ذلك بالقول.(ثمرة التفريط الندامة، وثمرة الحزم السلامة) .
٥. كتم السر وحفظ كرامة الآخرين: ينبغي لنا ان نلتزم مبدأ (كتم السر) عند مواجهة زلات الآخرين واخطائهم، وتنبغي المحافظة على سمعتهم وكرامتهم، وبذلك نتمكن من تخليص مجتمعنا من كل دنس والحيلولة دون نشر الشائعات السامة، وكتمان السر من المبادئ القيمة في الاخوة والصداقة، يقول الامام علي عليه السلام بهذا الشأن: (… فاستر العورة ما استطعت، يستر الله منك ما تحب) .
فنحن الذي قد نكون في أية لحظة عرضة للخطأ والزلل، أو يصدر عنا سلوك قبيح أو فعل سيّئ، علينا تجنب العادات السيئة، مثل الغيبة وذكر عيوب الآخرين لكيلا نلوث اجواء المجتمع السليمة، يقول الامام علي عليه السلام: (أكبر العيب ان تعيب ما فيك مثله).
٦. العفو والصفح: ألسنا ننتظر من الآخرين أن يغفروا لنا أخطاءنا، ويصفحوا عنا ويعطونا فرصة نصلح بها أنفسنا ونجبر فيها أخطاءنا؟… إذا كان الجواب بالإيجاب فالآخرون يتمنون منا الشيء نفسه. فينبغي لنا عند مواجهة اساءتهم وزلاتهم عدم اللجوء الى الانتقام ولا الرد بالمثل بحيث نجعل الجميع اداء لنا. اننا لا حيلة لنا في هذه الحياة الاجتماعية إلا العفو والصفح، لكي نقرب بهما بين القلوب، وننال الأجر المعنوي من الله تعالى، يقول الامام علي عليه السلام: (فاعفوا، ألا تُحبون أن يغفر الله لكم).
٧. الصدق وتجنب الكذب: ما اجمل كلمة (الصدق) وما أروعها من نغمة كل الناس يريدون ان يعاملوا بصدق وكلهم ناقمون على الكذب وقوله. فهل يسعى الجميع كي يقولوا الصدق ويمتنعوا عن الكذب؟ إذا كنا نحب ان يكون الناس صادقين معنا، فينبغي لنا أن لا نكذب على أحد، وفي ذلك يقول الامام لمالك الأشتر: (.. والصق بأهل الورع والصدق).
وفي موضع آخر من (نهج البلاغة) يشير الامام علي عليه السلام الى قبح الكذب وكونه من القيم المضادة، فيقول: (جانبوا الكذب فإنه مُجانب للإيمان). أي ان الذي يؤمن بالله لا يكذب أبداً.
٨. النظرة الواقعية وترك الأماني: ان الذين لا يملكون نظرة واقعية، وتراهم يحلقون على أجنحة الخيال ويتعللون بالآمال البعيدة التحقق، لا يتمتعون بأخلاق حسنة لأنهم يصابون بالإفراط والتفريط، واحكامهم الخاطئة تفقدهم قيمتهم في المجتمع وتحط من منزلتهم بين أصدقائهم، لذا ينبغي للإنسان أن يدرك الحقائق بمعونة العقل والنظرة الصائبة، وان يقتلع الآمال السلبية من قلبه، لأن الآمال السلبية تضعف القدرة على التعقل والتفكر لدى الإنسان، يقول الأمام علي عليه السلام: (.. واعلموا أن الأمل يُسهي العقل). ويقول عليه السلام في موضع آخر: (من أطال الأمل أساء العمل).
٩. حب الخير وترك الحسد: تقتضي الأخلاق الإسلامية ان نحب الخير للآخرين ولأصدقائنا وزملائنا في الدراسة، ونفكر دوماً بمصلحتهم وسلامتهم وسمعتهم الطيبة. فهم إن نجحوا وحازوا على درجات عالية، واشتروا الألبسة والأحذية والسيارات، فعلينا ان نفرح لذلك ونحمد الله على أن أصدقاءنا في حالة من التحسن والتكامل متنامية يوماً بعد آخر، وهذا هو الذي يسمونه (حب الخير) للآخرين.
أما إذا أحزننا تقدم الآخرين وتكاملهم وتنعمهم، وقلنا: لماذا يملكون هم ولا أملك أنا؟ ولماذا يفرحون؟ ولماذا ينجحون؟ فهذا هو الحسد الذي يحرق الإنسان كنار محرقة ويجعله مريضاً. فينبغي التحرز من هذه الصفة القبيحة والذميمة وإحياء صفة حب الخير للآخرين في نفوسنا وقلوبنا. يقول الإمام علي عليه السلام: (… ولا تحاسدوا فان الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب). ويقول في كلام توجيهي آخر له: (صحة الجسد من قلة الحسد).
١٠ . التأدب في الحديث: يرغب الجميع في أن لا يسمعوا من أحد كلاماً مُرّاً، وأن لا ينال من شأنهم أحد، وأن لا يكونوا عرضة للسعات ألسن الآخرين. ويريد الجميع ان يتصرف معهم الآخرون في علاقاتهم الاجتماعية بأدب ولين وان يتحدثوا معهم باحترام.
فهل لاءمنا نفوسنا مع هذه الرغبة المستحسنة؟ وهل عودنا ألسنتنا على الفتوه بالكلام الحسن دائماً؟ وعلى ألاّ نجرح مشاعر أحد؟ وألاّ نستهين بأحد؟ ولا نريق ماء وجه أحد؟ إذا كنا نؤمن جميعاً بأدب الحديث، فإلى أي مدى راعينا هذه القيمة الاخلاقية في كياننا؟
يشير الامام علي عليه السلام الى الانسان الكامل بتأدّبه في الحديث فيقول: ((المتقي) بعيداً فحشه لينا قوله) .
وحين سمع ان انصاره يسبون اعداء الاسلام والقرآن، نصحهم بمراعاة الأدب في الحديث حتى مع الاعداء، إذ قال عليه السلام: (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين) .
منقول من مجلة الوارث العدد ١١ السنة ٢٠١٥