٤٠ - طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوك
عن أبي الأعز التميمي قال : بينا أنا واقف بصفين مر بي العباس بن ربيعة مكفرا بالسلاح وعيناه تصبان من تحت المغفر كأنهما عينا أرقم ، وبيده صفيحة له وهوعلى فرس له صعب يمنعه ويلين من عريكته ، إذ هتف به هاتف من أهل الشام يقال له عرار بن أدهم : يا عباس هلم إلى البراز ، قال العباس : فالنزول إذا فإنه إياس من القفول.
فنزل الشامي وهو يقول :
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ***** أوتنزلون فإنا معشر نــــــــــــــزل
وثنى العباس وركه فنزل وهو يقول :
وتصد عنك مخيلة الرجل ***** العريض موضحة عن العظــــم
بحسام سيفك أولسانــك ***** والكلم الأصيل كأرغب الكلم
ثم غضن فضلات درعه في حجزته ودفع قوسه إلى غلام له أسود يقال له أسلم كأني أنظر إلى خلائل شعره ، ثم دلف كل واحد منهما إلى صاحبه فذكرت بهما قول أبي ذؤيب :
فتنازلا وتواقفت خيلاهما ***** وكلاهما بطل اللقاء مخدع
وكف الناس أعنة خيولهم ينظرون ما يكون من الرجلين ، فتكافحا مليا من نهارهما ، لايصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لامته ، إلى أن لحظ العباس وهيا في دروع الشامي فأهوى إليه بيده فهتكه فضربه العباس ضربة انتظم بها جوانح صدره وخرّ الشامي لوجهه ، وكبر الناس تكبيرة ارتجت لها الأرض من تحتهم ، وانشام العباس في الناس وانشاع أمره ، وإذا قائل يقول من ورائي : [ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيض قلوبكم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم ] .
فالتفت فإذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أبا الأعز من المنازل لعدونا ؟ فقلت : هذا إبن أخيكم هذا العباس بن ربيعة ، قال : إنه له ، ياعباس ألم أنهك وإبن عباس أن تخلا بمركزكما أو تباشرا حربا ؟ قال : إن ذاك ، يعني نعم ، قال : فما عدا مما بدا ؟ قال : فأدعى إلى البراز فلا أجيب ؟ قال : نعم ، طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوك ، ثم نغط واستشاط حتى قلت : الساعة الساعة ، ثم تطامن وسكن ورفع يديه مبتهلا فقال : ( اللهم اشكر للعباس مقامه ، واغفر له ذنبه ، اللهم أني قد غفرت له فاغفر له ) قال : وتأسف معاوية على عرار ، وقال : متى ينطق فحل لمثله أيطل دمه لاها الله ذا ، ألا لله رجل يشتري نفسه يطلب بدم عرار ، فانتدب له رجلان من لخم فقال : إذهبا فأيكما قتل العباس برازا فله كذا فأتياه فدعواه إلى البراز فقال : إن لي سيدا أريد أن أوامره ، فأتى عليا عليه السلام فأخبره الخبر ، فقال علي عليه السلام : والله لوود معاوية إنه ما بقي من هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في نيطه إطفاءا لنور الله [ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولوكره الكافرون ] .
أما والله ليملكنهم منا رجال ، ورجال يسومنهم الخسف حتى يحفروا الآبار ويتكففوا الناس ، ثم قال : يا عباس ناقلني سلاحك بسلاحي ، فناقله ووثب على فرس العباس وقصد اللخميين ، فلم يشكا إنه العباس فقالا له : أذن لك صاحبك ؟ فحرج أن يقول نعم فقال : [ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ] .
فبرز أحدهما فضربه ضربة فكأنه أخطأه ثم برز له الآخر فألحقه بالأول ، ثم أقبل وهو يقول : [ الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ] .
ثم قال : يا عباس خذ سلاحك وهات سلاحي فإن عاد لك أحد فعد إلّي ، ونما الخبر إلى معاوية فقال : قبح الله اللجاج إنه لقعود ما ركبته قط إلا خذلت ، فقال عمروبن العاص : المخذول والله اللخميان لا أنت ، قال معاوية : أسكت أيها الرجل فليس هذه من ساعتك ، قال : وإن لم تكن ، رحم الله اللخميين وما أراه يفعل ، قال : ذاك والله أخسر لصفقتك وأضيق لحجرك ، قال : قد علمت ذلك ولولا مصر لركبت المنجاة منها ، قال : هي أعمتك ولولا هي لألفيت بصيرا ، وقال عمروبن العاص :
معاوية لا أعطيك ديني ولم أنل به ***** منك دنياً فانظرن كيف تصنع
فإن تعطي مصرا فاربح بصفقــة ***** أخذت بها شيخا يضر وينفــــــع [١]
٤١ - رجلا كذب كذبة عقوبته في بدنه
كان رجل يقال له معن بن زائدة نقش في خلافة عمر على خاتم الخلافة فأصاب به مالا من خراج الكوفة فبلغ ذلك عمر فكتب إلى المغيرة بن شعبة وأنفذ رسولا إليه وأمره أن يطيع في الرجل رسوله .
فلما صلى المغيرة العصر خرج إلى الناس فاشرأبوا ينظرون إليه حتى وقف على معن بن زائدة ثم قال للرسول : إن أمير المؤمنين أمرني أن أطيع أمرك فيه فأمر بما شئت .
قال له الرسول : أدع لي بجامعة . فلما أتى بها جعلها في عنق معن ثم جذبها جذبا شديدا ثم قال للمغيرة : احبسه حتى يأتيك أمر أمير المؤمنين فيه .
ففعل وكان السجن يومئذ من قصب فخرج معن من حبسه فشخص إلى عمر كامنا نهاره سائرا ليله حتى كف الطلب عنه فلما وصل إليه دنا منه وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله .
فقال عمر : وعليك . من أنت ؟ قال : أنا معن بن زائدة جئتك تائبا . قال : فلا نجاك الله . فلما صلى الصبح قال للناس : مكانكم . هذا معن بن زائدة نقش على خاتم الخلافة فأصاب به مالا من خراج الكوفة فما تقولون ؟ فقال قائل : اقطع يده ، وقال آخر أصلبه ، وعلي (صلوات الله عليه) ساكت فقال له عمر : فما تقول يا أبا الحسن ؟ قال هذا رجلا كذب كذبة عقوبته في بدنه .
فضربه عمر ضربا مبرحا وحبسه فمكث في الحبس زمنا ثم انه ارسل الى صديق له من قريش فكلم عمر فيه فقال عمر: ( ذكرتني الطعن وكنت ناسيا ) ثم قال : علي بمعن فلما اتى به ضربه ثم بعث به الى السجن فارسل معن الى كل صديق له يسألهم الا يذكروا به عمر ، فلم يزل محبوسا مدة اخرى ثم ان عمر ابتدأ بذكره من نفسه فدعا به فقاسمه وخلى سبيله . [٢]
٤٢ - صورة علي عليه السلام على سيف عضد الدولة
قال ابن ابي الحديد يصف امير المؤمنين عليه السلام : وما أقول في رجل يحبه أهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة ، وتعظمه الفلاسفة على معاندتهم لاهل الملة ، وتصور ملكوك الفرنج والروم صورته في بيعها وبيوت عباداتها حاملا سيفه مشمرا لحربه ، وتصور ملوك الترك والديلم صورته على أسيافها ، كان على سيف عضد الدولة بن بويه وسيف أبيه ركن الدولة وكان على سيف الارسلان وابنه ملكشاه صورته ، كأنهم يتفاءلون به النصر والظفر ، وما أقول في رجل أحب كل أحد أن يتكثر به ، وود كل أحد يتجمل ويتحسن بالانتساب إليه ، حتى الفتوة التي أحسن ما قيل في حدها : أن لا تستحسن من نفسك من تستقبحه من غيرك ، فإن أربابها نسبوا أنفسهم إليه ، وصنفوا في ذلك كتبا ، وجعلوا لذلك إسنادا أنهوه إليه وقصروه عليه ، وسموه سيد الفتيان ، وعضدوا مذاهبهم بالبيت المشهور المروي أنه سمع من السماء يوم احد : " لا سيف إلا ذوالفقار ولا فتى إلا علي . [٣]
٤٣ - موجبات الهم والغم
عن عبد الله الانصاري قال: اصبح علي امير المؤمنين عليه السلام يوماً مهموماً وذلك قبل مقتله بثلاثة ايام فقال يا جابر ما عرف لما انا فيه من الهم سبباً والذي فلق الحبة وبرى النسمة اني لاظنه لسبب وعدت به وما هو الا هو، فقلت: وما هويا امير المؤمنين قال: اشقاها يخضب هذه من هذه واومأ بيده الى راسه ولحيته , ثم قال:
والذي فلق الحبة وبرئ النسمة ما قطعت غنماً. ولا لبست سروايلي قائماً. ولا قعدت على عتبة. ولا بلت على حافة نهر.ولا بين بابين. ولا قائماً. ولا قلمت اظفاري بفمي. ولا انتثرت في يوم الاربعاء. ولا اكلت قبُراً ولا سمكاً زمارياً. ولا قطعت رحماً. ولا رددت سائلاً. ولا قلت كذباً. ولا شهدت زوراً. ولا نمت على وجهي.ولا على يدي اليسرى. ولا تختمت بخاتمين. ولا جلست على زبالة.ولا بيّتُها في منزلي. ولا رأيت براً مطروحاً فتجاوزته. ولا لبست نعلي يساري قبل يميني. ولا نمت في خراب. ولا اطلعت في فرجي. ولا مسحت وجهي بذيلي. وما شيء من هذه يفعله احدكم الا اورثه غماً لا اصل له فتجنبوه.
قال جابر فلما كان اليوم الثالث ضربه ابن ملجم لعنه الله .
٤٤ - أعندك سر من أسرار رسول الله صلى الله عليه وآله
عن الاصبغ بن نباتة قال : كنت جالسا عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في مسجد الكوفة فأتاه رجل من بجيلة يكنى أبا خديجة ومعه ستون رجلامن بجيلة فسلم وسلموا ثم جلس وجلسوا ثم إن أبا خديجة قال : يا أمير المؤمنين أعندك سرمن أسرار رسول الله صلى الله عليه وآله تحدثنا به ؟
قال : نعم يا قنبر ائتني بالكتابة ففضها فاذا في أسفلها سليفة مثل ذنب الفارة ومكتوب فيها : بسم الله الرحمن الرحيم إن لعنة الله وملائكته والناس أجمعين على من انتمى إلى غير مواليه ، ولعنة الله وملائكته والناس أجمعين على من أحدث في الاسلام أوآوى محدثا ، ولعنة الله على من ظلم أجيرا أجره ، ولعنة الله على من سرق منار الارض وحدودها يكلف يوم القيامة أن يجئ بذلك من سبع سماوات وسبع أرضين .
ثم التفت إلى الناس فقال : والله لوكلفت هذا دواب الارض ما أطاقته .
فقال له أبوخديجة : ولكن أهل البيت موالي كل مسلم فمن تولى غير مواليه .
فقال : لست حيث ذهبت يا أبا خديجة ولكنا أهل البيت موالي كل مسلم فمن تولى غيرنا فعليه مثل ذلك ـ قال : ليس حيث ذهبت .
يا أبا خديجة والاجير . ليس بالدينار ولا بالدينارين ولا بالدرهم ولا بالدرهمين بل من ظلم رسول الله صلى الله عليه وآله أجره في قرابته قال الله تعالى : (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى:٢٣)) .
فمن ظلم رسول الله صلى الله عليه وآله أجره في قرابته فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . [٤]
٤٥ - العني ولا تتبرأ مني
*- عن حجر المدري قال : قال لي علي عليه السلام كيف بك إذا أمرت بلعني
فقلت : أو كائن ذلك؟
قال : نعم قلت كيف اصنع ؟
قال : العني ولا تتبرأ مني ، قال فأقامه محمد بن يوسف إلى جنب المنبر يوم الجمعة ، فقال له : العن علياً !
فقال إن الأمير امرني أن العن علياً لعنه الله ، فلقد تفرق اهل المسجد وما فهمها الا رجل واحد [٥].
٤٦ - ست كلمات لم يسبقه بها أحد في الجاهلية والإسلام
*- روى جعفر بن محمد (عَليْهِ السَّلام) أنه قال: تكلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَليْهِ السَّلام) بست كلمات لم يسبقه بها أحد في الجاهلية والإسلام :
أولها: من لانت كلمته وجبت محبته، والثانية ما هلك أمرء عرف قدره، والثالثة: أن لكل شيء قيمة وقيمة المرء ما يحسنه، والرابعة: سل من شئت فأنت أسيره، والخامسة أعط من شئت فأنت أميره، والسادسة استغن عمن شئت فأنت نظيره [٦] .
٤٧ - كانت شديدة الحب للرجال
كانت في زمن أميرالمؤمنين عليه السلام امرأه صدق يقال لها : ام قيان ، فأتاها رجل من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام فسلم عليها قال ، فرآها مهتمة فقال : مالي أراك مهتمة ؟ فقالت : مولاة لي دفنتها فنبذتها الارض مرتين ، فدخلت على أميرالمؤمنين عليه السلام فأخبرته ، فقال : إن الارض لتقبل اليهودي والنصراني فمالها أن لا تكون تعذب بعذاب الله ؟
ثم قال : أما إنه لواخذ تربة من قبر رجل مسلم فالقي على قبرها لقرت ، قال : فأتيت ام قيان فأخبرتها ، فأخذوا تربة من قبر رجل مسلم فالقي على قبرها فقرت فسألت عنها ما كانت حالها ؟
فقالوا كانت شديدة الحب للرجال ولا تزال قد ولدت فألقت ولدها في التنور . [٧]
٤٨ - ناقة من الجنة
* - وروي ان امير المؤمنين عليه السلام دخل مكة وهوفي بعض حوائجه فوجد اعرابياً متعلقاً باستار الكعبة وهويقول : يامن لا يحويه مكان ولا يخلومنه مكان ولا يكفه مكان ارزق الاعرابي اربعة الاف درهم فقال : فتقدم اليه امير المؤمنين عليه السلام وقال : ما تقول يا اعرابي , فقال الاعرابي : من انت ، فقال : انا علي بن ابي طالب ، قال : انت والله حاجتي ، قال عليه السلام سل يا اعرابي ، قال اريد الف درهم للصداق والف درهم اقضي بها ديني والف درهم اشتري بها داراً والف درهم اتعيش بها ، قال له عليه السلام: انصفت يا اعرابي اذا خرجت من مكة فسل عن داري بمدينة الرسول صلى الله عليه واله .
فاقام الاعرابي اسبوعاً بمكة وخرج في طلب امير المؤمنين عليه السلام الى المدينة ونادى من يدلني على دار امير المؤمنين عليه السلام فلقيه الحسن عليه فقال : انا ادلك على دار امير المؤمنين ، فقال الاعرابي : من ابوك ، قال : امير المؤمنين عليه السلام ، قال : من امك ؟
قال : فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، قال : من جدك ؟
قال : رسول الله صلى الله عليه واله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، قال من جدتك ؟
قال : خديجة بنت خويلد قال : من اخوك ؟
قال : حسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام
قال : لقد اخذت الدنيا بطرفيها امش الى امير المؤمنين عليه السلام وقل له : ان الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب فدخل الحسين عليه السلام وقال : ياابه اعرابي بالباب يزعم انه صاحب ضمان بمكة ، قال : فخرج اليه عليه السلام وطلب سلمان الفارسي عليه السلام وقال له : يا سلمان اعرض الحديقة التي غرسها لي رسول الله صلى الله عليه واله على التجار فدخل سلمان الى السوق وعرض الحديقة فباعها باثني عشر الف درهم واحضر المال واحضرالاعرابي فاعطاه اربعة الاف درهم واربعين درهماً لنفقته فرفع الخبر الى فقراء المدينة فاجتمعوا اليه والدراهم مصبوبة بين يديه فجعل عليه السلام يقبض قبضة ويعطي رجلاً رجلاً حتى لم يبق له درهم واحد منها ودخل منزله ، فقالت فاطمة عليها السلام يابن عم بعت الحديقة التي غرسها رسول الله والدي ، فقال نعم بخير منها عاجلاً واجلاً ، قالت له : جزاك الله في ممشاك ثم قالت : انا جائعة وابناي جائعان ولا شك انك مثلنا فخرج عليه السلام ليقترض شيئاً ليصرفه على عياله ، فجاء رسول الله صلى الله عليه واله وقال : يا فاطمة اين ابن عمي ، فقالت له : خرج يا رسول الله فقال صلى الله عليه واله : هاك هذه الدراهم فاذا جاء ابن عمي فقولي له يبتاع لكم بها طعاماً وخرج رسول الله صلى الله عليه واله ، فجاء علي عليه السلام وقال : جاء ابن عمي فاني اجد رائحة طيبة ، قالت : نعم وناولته الدراهم وكانت سبعة دراهم سود هجرية ، وذكرت له ما قال صلى الله عليه واله .
فقال : يا حسن قم معي فاتيا السوق ، واذا هما برجل واقف وهويقول : من يقرض الله الوفي الملي ، فقال : يابني نعطيه الدراهم ، قال : بلى والله يا ابت فاعطاه عليه السلام الدراهم ومضى الى باب رجل ليقترض منه شيئاً فلقيه اعرابي ومعه ناقة فقال : أشتر مني هذه الناقة ، قال : ليس معي ثمنها قال : فاني انظرك به ، قال : بكم يا اعرابي ، قال : بمائة درهم ، قال عليه السلام : خذها يا حسن .
ومضى فلقيه اعرابي اخر ، فقال : يا علي اتبيع الناقة ، قال له عليه السلام وما تصنع بها قال : اغزوعليها اول غزوة يغزوها ابن عمك صلى الله عليه واله ، قال عليه السلام : ان قبلتها فهي لك بلا ثمن ، قال : معي ثمنها فبكم اشتريتها ،
قال : بمائة درهم ، فقال الاعرابي : فلك سبعون ومائة درهم ، فقال عليه السلام خذها ياحسن وسلم الناقة اليه والمائة للاعرابي الذي باعنا الناقة والسبعون لنا ناخذ بها شيئاً فاخذ الحسن عليه السلام الدراهم وسلم الناقة .
قال عليه السلام : فمضيت اطلب الاعرابي الذي ابتعت منه الناقة لاعطيه الثمن ، فرايت رسول الله صلى الله عليه واله في مكان لم اره فيه قبل ذلك على قارعة الطريق فلما نظر الي رسول الله تبسم وقال : يا ابا الحسن اتطلب الاعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه ثمنها ، فقلت : أي والله فداك ابي وامي ، فقال يا ابا الحسن الذي باعك الناقة جبرائيل والذي اشتراها منك ميكائيل والناقة من نوق الجنة والدراهم من عند رب العالمين الملي الوفي . [٨]
٤٩ - لا ألومك أن تسب عليا وقد جلدك
في كلام كان بين الامام الحسن بن علي عليهما السلام وبين الوليد بن عقبة قال له الحسن عليه السلام : لا ألومك أن تسب عليا وقد جلدك في الخمر ثمانين سوطا وقتل أباك صبرا بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم بدر ، وقد سماه الله عزوجل في غير آية مؤمنا وسماك فاسقا ، وقد قال الشاعر فيك وفي علي عليه السلام:
أنزل الله في الكتاب علينا ***** في علي وفي الوليد قرانا
فتبوا الوليد منزل كفر***** وعلي تبوأ الايمانا
ليس من كان مؤمنا يعبد الله ***** كمن كان فاسقا خوانا
سوف يدعى الوليد بعد قليل ***** وعلي إلى الجزاء عيانا
فعلي يجزى هناك جنانا ***** وهناك الوليد يجزى هوانا [٩]
٥٠ - معنى الفلسفة عند الإمام علي(عليه السلام)
عن الأصبغ بن نباته أنه قال : لما خرج الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى النهروان أستقبله دهقان وقال : لتعودن عما قصدت إليه لتناحس النجوم والطوالع فسعد أهل النحوس ونجى أهل السعود واقترن في السماء كوكبان يقتتلان وشرف بهران من برج الميزان وقدحت من برجه النيران وتناشت الحرب حقاً بأماكنها .
فتبسم الإمام(عليه السلام) وقال : أنت المحذر من الإقدار أم عندك دقائق الأسرار فتعرف الاكدار والأدوار ، أخبرني عن الأسد في تباعده في الطالع والراجع ، هل عندكم علم أنه قد سعد في بارحتنا سبعون ألف عالم منهم في البر ومنهم في البحر أفأنت عالم بمن أسعدهم من الكواكب قال : لا , ثم أخبره (عليه السلام) بأن تحت حافر فرسه اليمن كنز وتحت اليسرى عين ماء فنبشوا فوجدوا كما ذكر فقال الدهقان : ما رأيت أعلم منك إلا أنك ما أدركت علم الفلسفة .
فقال (عليه السلام) : ما تعني بالفلسفة ؟ أليس من صفى مزاجة واعتدلت طبائعة ومن اعتدلت طبائعة قوي اثر النفس فيه ومن قوي أثر النفس فيه سمى إلى ما يرتقيه تخلق بالأخلاق النفسانيه وأدرك العلوم اللآهوتية ومن أدرك العلوم اللآهوتية صار موجوداً بما هوإنسان دون أن يكون موجوداً بما هوحيوان ودخل من باب الملك الصوري ماله عن هذه الغاية مغبر فصاح الدهقان لقد نطقت بالفلسفة كلها وسجد واسلم .
٥١- كيف تقضي بغير قضاء علي عليه السلام
عن سعيد بن أبي الخصيب قال : دخلت أنا وابن أبي ليلى المدينة فبينا نحن في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله إذ دخل جعفر بن محمد عليه السلام ، فقمنا إليه فسألني عن نفسي وأهلي ، ثم قال : من هذا معك ؟
فقلت : ابن أبي ليلى قاضي المسلمين ، قال: انت قاضي المسلمين فقال : نعم ، ثم قال له : تأخذ مالهذا فتعطيه هذا ؟ وتفرق بين المرء وزوجه ، لا تخاف في هذا أحدا ؟
قال : نعم ، قال : بأي شئ تقضي ؟
قال : بما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أبي بكر وعمر ، قال : فبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : أقضاكم علي ؟
قال : نعم ، قال : فكيف تقضي بغير قضاء علي عليه السلام وقد بلغك هذا ! ؟
قال : فاصفر وجه ابن أبي ليلى ، ثم قال : التمس زميلا لنفسك ، والله لا اكلمك من رأسي كلمة أبدا .[١٠]
٥٢ - قوم يقال لهم الحقية
وجه قوم من المفوضة والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد عليه السلام قال كامل : فقلت في نفسي أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي ، قال : فلما دخلت على سيدي أبي محمد عليه السلام نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه فقلت في نفسي : ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب ، ويأمرنا نحن بمواساة الاخوان ، وينهانا عن لبس مثله .
فقال متبسما : يا كامل وحسر عن ذراعيه ، فاذا مسح أسود خشن على جلده , فقال : هذا لله وهذا لكم ، فسلمت وجلست إلى باب عليه ستر مرخى ، فجاءت الريح فكشفت طرفه فاذا أنا بفتى كأنه فلقة قمرمن أبناء أربع سنين أومثلها .
فقال لي يا كامل بن إبراهيم ، فاقشعررت من ذلك والهمت أن قلت : لبيك يا سيدي .
فقال : جئت إلى ولي الله وحجته وبابه تسأله هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك وقال بمقالتك ؟
فقلت : إي والله ، قال : إذن والله يقل داخلها والله إنه ليدخلها قوم يقال لهم الحقية .
قلت : يا سيدي ومن هم ؟
قال : قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه وفضله .
ثم سكت عليه السلام عني ساعة ثم قال : وجئت تسأله عن مقالة المفوضة كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشية الله ، فاذا شاء شئنا ، والله يقول : " وما تشاؤن إلا أن يشاءالله " .
ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه فنظر إلي أبومحمد عليه السلام متبسما فقال : يا كامل ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي فقمت وخرجت . [١١]
٥٣ - أمن هو قانت آناء الليل
خرج أميرالمؤمنين عليه السلام ذات ليلة من مسجد الكوفة متوجها إلى داره وقد مضى ربع من الليل ومعه كميل بن زياد وكان من خيار شيعته ومحبيه فوصل في الطريق إلى باب رجل يتلو القرآن في ذلك الوقت ويقرأ قوله تعالى : (( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون إنما يتذكر أولوا الالباب ) بصوت شجي حزين .
فاستحسن كميل ذلك في باطنه وأعجبه حال الرجل من غير أن يقول شيئا فالتفت صلوات الله عليه وآله إليه وقال : يا كميل لاتعجبك طنطنة الرجل إنه من أهل النار وسأنبئك فيما بعد !
فتحير كميل لمكاشفته له على ما في باطنه ولشهادته بدخول النار مع كونه في هذا الامر وتلك الحالة الحسنة ومضى مدة متطاولة إلى أن آل حال الخوارج إلى ما آل وقاتلهم أميرالمؤمنين عليه السلام وكانوا يحفظون القرآن كما أنزل .
فالتفت أميرالمؤمنين عليه السلام إلى كميل بن زياد وهو واقف بين يديه والسيف في يده يقطر دما ورؤس أولئك الكفرة الفجرة محلقة على الارض فوضع رأس السيف على رأس من تلك الرؤوس وقال : يا كميل ( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ) أي هو ذلك الشخص الذي كان يقرأ القرآن في تلك الليلة فأعجبك حاله فقبل كميل قدميه واستغفر الله وصلى على مجهول القدر . [١٢]
٥٤ - هل كان للنجوم أصل
قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام : هل كان للنجوم أصل ؟
قال : نعم ، نبي من الانبياء قال له قومه : إنا لانؤمن بك حتى تعلمنا بدء الخلق وآجاله ، فأوحى الله عزوجل إلى غمامة فأمطرتهم ، واستنقع حول الجبل ماء صاف ، ثم أوحى الله عزوجل إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك الماء ، ثم أوحى الله عزوجل إلى ذلك النبي أن يرتقي هووقومه على الجبل فارتقوا الجبل فقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق وآجاله بمجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار ، وكان أحدهم يعلم متى يموت ومتى يمرض ، ومن ذا الذي يولد له ومن ذا الذي لايولد له ، فبقوا كذلك برهة من دهرهم ، ثم إن داود عليه السلام قاتلهم على الكفر ، فأخرجوا إلى داود في القتال من لم يحضره أجله ، ومن حضر أجله خلفوه في بيوتهم ، فكان يقتل من أصحاب داود عليه السلام ولا يقتل من هؤلاء أحد !
فقال داود عليه السلام : رب اقاتل على طاعتك ، ويقاتل هؤلاء على معصيتك ، يقتل أصحابي ولا يقتل من هؤلاء أحد
فأوحى الله عزوجل : إني كنت علمتهم بدء الخلق وآجاله ، وإنما أخرجوا إليك من لم يحضره أجله ، ومن حضر أجله خلفوه في بيوتهم ، فمن ثم يقتل من أصحابك ولا يقتل منهم أحد .
قال داود عليه السلام : يا رب على ما ذا علمتهم ؟
قال : على مجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار .
قال : فدعا الله عزوجل فحبس الشمس عليهم ، فزاد النهار واختلطت الزيادة بالليل والنهار فلم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم .
وقال على عليه السلام : فمن ثم كره النظر في علم النجوم . [١٣]
٥٥ - لاتسألـونني شيئا أملكـه إلا أعطيتكمـوه
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنـه أخـذ رجلامن بني أسد في حد وجب عليه ليقيمه عليه ، فذهب بنوأسـد الى الحسين بن علي (عليهما السلام) يستشفعونـه ، فأبى عليهم، فانطلقـوا الى أميـر المـؤمنين (عليـه السلام) فسألوه ، فقال: لاتسألـونني شيئا أملكـه إلاأعطيتكمـوه فخـرجـوا مسـرورين، فمـروا بالحسين (عليـه السلام )، فاخبـروه بما قال، فقـال: "إن كـان لكم بصـاحبكم حـاجــة فانصرفوا، فلعل أمره قد قضي فانصرفوا اليه فوجدوه (صلوات الله عليـه ) قـد أقام عليه الحد، فقالوا: أولم تعدنا يا أمير المـؤمنين ·
قال: قـد وعـدتكم بما أملك ، وهـذا شيء للـه لست أملكـه . [١٤]
٥٦ - بصير بالليل اعمى بالنهار
عن الإصبغ قال : سأل ابن الكواء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال : أخبرني عن بصير بالليل بصير بالنهار ، وعن أعمى بالليل أعمي بالنهار , وعن بصير بالليل أعمى بالنهار ، وعن أعمى بالليل بصير بالنهار .
فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ويلك سل عما يعنيك ولا تسأل عما لا يعنيك ، ويلك أما بصير بالليل بصير بالنهار فهورجل آمن بالرسل والأوصياء الذين مضوا ، وبالكتب والنبيين ، وآمن بالله وبنبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) وأقر لي بالولاية فأبصر في ليله ونهاره .
وأما الأعمى بالليل أعمى بالنهار فرجل جحد الأنبياء والأوصياء والكتب التي مضت ،وأدرك النبي(صلى الله عليه وآله ) فلم يؤمن به ، ولم يقر بولايتي ، فجحد الله عز وجل ونبيه ( صلى الله عليه وآله ) فعمي بالليل وعمي بالنهار .
وأما بصير بالليل أعمى بالنهار فرجل آمن بالأنبياء والكتب وجحد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وولايتي ، وأنكرني حقي فأبصر بالليل وعمي بالنهار .
وأما أعمى بالليل بصير بالنهار فرجل جحد الأنبياء الذين مضوا والأوصياء والكتب وأدرك النبي ( صلى الله عليه وآله ) فآمن بالله ورسوله محمد ( صلى الله عليه وآله ) وآمن بإمامتي وقبل ولايتي فعمي بالليل وأبصر بالنهار .
ويلك يا ابن الكواء فنحن بنوأبي طالب بنا فتح الله الإسلام وبنا يختمه .
قال الإصبغ : فلما نزل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من المنبر تبعته فقلت : سيدي يا أمير المؤمنين قويت قلبي بما بينت فقال لي : يا أصبغ من شك في ولايتي فقد شك في إيمانه ، ومن أقر بولايتي فقد أقر بولاية الله عز وجل ، وولايتي متصلة بولاية الله كهاتين وجمع بين أصابعه يا أصبغ من أقر بولايتي فقد فاز ومن أنكر ولايتي فقد خاب وخسر وهوى في النار ، ومن دخل النار لبث فيها أحقابا. [١٥]
٥٧ - براثا
روى حبة أن عليا ( عليه السلام ) لما نزل على الرقة نزل على موضع يقال له : البليخ على جانب الفرات فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي ( عليه السلام ) إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى بن مريم أعرضه عليك ؟
قال : نعم فقرأ الراهب الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى وسطر فيما كتب أنه باعث في الاميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويدلهم على سبيل الله لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الاسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة بل يعفوويصفح ، أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشر وفي كل صعود وهبوط تذل ألسنتهم بالتكبير والتهليل والتسبيح وينصره الله على من ناواه .
فإذا توفاه الله اختلفت أمته من بعده ثم اجتمعت فلبثت ما شاء الله ثم اختلفت فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحق ، ولا يركس في الحكم الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح والموت أهون عليه من شرب الماء على الظمآن. يخاف الله في السر وينصح له في العلانية ، ولا يخاف في الله لومة لائم ثم فمن أدرك ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضوانه والجنة . ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإن القتل معه شهادة .
ثم قال : أنا مصاحبك فلا أفارقك حتى يصيبني ما أصابك . فبكى علي عليه السلام ثم قال : الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيا ، الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الابرار .
فمضى الراهب معه فكان فيما ذكروا يتغدى مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ويتعشى حتى أصيب يوم صفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم , قال ( عليه السلام ) : أطلبوه فلما وجده صلى عليه ودفنه وقال : هذا منا أهل البيت واستغفر له مرارا . [١٦]
٥٨ - ولم أر مثله حقا أضيعا
عن هناد بن السري قال : رأيت أمير المؤمنين (عليـه السلام) (في المنام،فقال لي :
يا هناد، قلت :لبيك يا أميـر المـؤمنين قـال : . انشــدني قــول الكميت :
ويـوم الـدوح دوح غـديـر خم ***** أبان لنا الـولايـة لـوأطيعا
ولكن الـرجال تبايعوها ***** فلم أر مثلها أمرا شنيعا.
قال: فأنشدته فقال : خذ إليك يا هناد. فقلت : هات يا سيدي، فقال :
ولم أر مثل ذاك اليوم يوما ***** ولم أر مثله حقا أضيعا [١٧]
٦٠ - فإذا أصبت أسير أهل القبلة فلا تقتله
كان من أهل الشام بصفين رجل يقال له الأصبغ بن ضرار ، وكان يكون طليعة ومسلحـة فندب له علي ( عليه السلام ) الأشتر ، فأخـذه أسيـرا من غيـر أن يقاتل ، وكان علي ( عليه السلام ) ينهى عن قتل الأسير الكاف ، فجاء به ليلا وشد وثاقـه والقاه مع أضيافه ينتظر به الصباح ، وكان الأصبغ شاعـرا مفـوها فأيقن بالقتل ، ونام أصحابه فرفع صوته وأسمع الأشتر أبياتا يذكر فيهاحاله ويستعطفه ، فغدا بـه الأشتـر على ( عليه السلام ) .
فقال : يا أميرالمؤمنين هذا رجل من المسلحـة لقيتـه بالأمس ، والله لوعلمت أن قتله الحق قتلته ، وقد بات عنـدنا الليلـه وحـركنا ، فإن كان فيه القتل فاقبله وإن غضبنا فيه ، وإن كنت فيه بالخيار فهبـه لنا ، قال : (( هـو لك يا مالك ، فإذا أصبت أسير أهل القبلة فلا تقتله فإن أسيـر أهل القبلـة لايفادى ولايقتل )) . فرجع بـه الأشتـر إلى منـزلـه وقال : لك ما أخـذنا منك وليس لك عندنا غيـره .[١٨]
٦١ - تاسيس علم النحو
*- قال أبوالقاسم الزجاجي في أماليه : حدثنا أبوجعفر محمد بن رستم الطبري قال : حدثنا أبوحاتم السجستاني ، حدثني يعقوب بن إسحق الحضرمي ، حدثنا سعد بن مسلم الباهلي ، حدثني أبي عن جدي عن أبي الأسود الدؤلي قال : دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام فرأيته مطرقا مفكرا ، فقلت : فيم تفكر يا أمير المؤمنين ؟
قال عليه السلام : إني سمعت ببلدكم هذا لحنا ، فأردت أن أصنع كتأبا في أصول العربية ، فقلت : أن فعلت هذا أحييتنا وبعثت فينا هذه اللغة ، ثم أتيته بعد ثلاث فألقى إليّ صحيفة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم ، الكلام كله إسم وفعل وحرف ، فالإسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أنبأ عن شيء ليس بإسم ولا فعل ، ثم قال : تتبعه وزد فيه ما وقع لك ، واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة ظاهر ومظمر ، وشيء ليس بظاهر ولا مظمر ، وإنما تتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مظمر .
قال أبوالأسود : فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه ، فكان في ذلك حروف النصب فذكرت منها أن وأن وليت ولعل وكان ولم , فقال : لم تركتها ؟
فقلت : لم أحسبها منها ، فقال : بل هي منها فزدها فيها . [١٩]
٦٢ - حب علي عبادة وخير العبادة ما كتمت
عن أحمد بن الحسين الانباري قال : قدم أبونعيم الفضل بن دكين بغداد فنزل الرميلة وهي محلة بها ، فاجتمع إليه أصحاب الحديث ونصبوا له كرسيا صعد عليه وأخذ يعظ الناس ويذكرهم ويروي لهم الاحاديث ، وكانت أياما صعبة في التقية ، فقام رجل من آخر المجلس وقال له : يا أبا نعيم أتتشيع ؟
قال : فكره الشيخ مقالته وأعرض عنه وتمثل بهذين البيتين :
ومازال بي حبيك حتى كأنني ***** برد جواب السائلي عنك أعجم
لاسلم من قول الوشاة وتسلمي ***** سلمت وهل حي من الناس يسلم
قال : فلم يفطن الرجل بمراده وعاد إلى السؤال وقال : يا أبا نعيم أتتشيع ؟
قال : يا هذا كيف بليت بك وأي ريح هبت بك إلي نعم سمعت الحسن بن صالح بن حي يقول : سمعت جعفر بن محمد يقول : حب علي عبادة وخير العبادة ما كتمت. [٢٠]
٦٣ - اقسام النفس عند الامام علي
عن كميل قال : سالت مولانا امير المؤمنين عليه السلام فقلت يا امير المؤمنين اريد ان تعرفني نفسي ؟ فقال : يا كميل واي الانفس تريد ان اعرفك ؟ فقلت : يا مولاي هل هي الا نفس واحدة .
فقال : يا كميل انما هي اربعة :
النامية النباتية ، والحسية الحيوانية ، والناطقة القدسية ، والكلية الالهية ، ولكل واحدة من هذه خمس قوى وخاصيتان ، فالنامية النباتية لها خمس قوى ، ماسكة وجاذية ، وهاضمة ودافعة ومربية ، ولها خاصيتان ، الزيادة والنقصان وانبعاثها من الكبد ، والحسية الحيوانية لها خمس قوى سمع وبصر وشم وذوق ولمس ، ولها خاصيتان الرضا والغضب ، وانبعاثها من القلب والناطقة القدسية ، لها خمس قوى : فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة ، وليس لها انبعاث وهي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية ، ولها خاصيتان النزاهة والحكمة ، والكلية الالهية لها خمس قوى بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعز في ذل ، وفقر في غناء ، وصبر في بلاء ، ولها خاصيتان الرضا والتسليم وهذه التي مبدءها من الله واليه تعود ، قال تعالى : [ ونفخت فيه من روحي ] ، وقال الله تعالى [ يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية ] والعقل وسط الكل [٢١] .
٦٤ - أسماء أمير المؤمنين عليه السلام في الكتاب والسنة
ورد في بعض الاخبار ان لامير المؤمنين عليه السلام ثلثمائة اسم في القران منها ما رواه بالاسناد الصحيح عن ابن مسعود:
قوله تعالى[ وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم ] , وقوله تعالى [ وجعلنا لهم لسان صدق عليا ] , وقوله تعالى[ واجعل لي لسان صدق في الاخرين ] , وقوله تعالى[ ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم علينا بيانه ] , وقوله تعالى [ انما انت منذر ولكل قوم هاد ] فالمنذر رسول الله صلى الله عليه واله والهادي علي بن ابي طالب عليه السلام , وقوله تعالى [ افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد ] فالبينة محمد صلى الله عليه واله والشاهد علي عليه السلام , وقوله تعالى [ ان علينا للهدى وان علينا للاخرة والاولى ] , وقوله تعالى [ ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ] , وقوله تعالى [ ان تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وان كنت لمن الخاسرين ] جنب الله علي بن ابي طالب عليه السلام , وقوله تعالى [ وكل شيء احصيناه في امام مبين ] معناه علي عليه السلام , وقوله تعالى [ انك لمن المرسلين على صراط مستقيم ] , وقوله تعالى [ ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ] معناه عن حب علي بن ابي طالب عليه السلام .
وقد ذكروا اسماء كثيرة لا نطيل بذكرها هنا وهي اشهر من ان تخفى واكثر من ثلثمائة اسم . [٢٢]
٦٥ - اعلموا أنه لا يتم شرف إلا بولاية علي
*- قال عمر بن الخطاب : اعلموا أنه لا يتم شرف إلا بولاية علي ، قول عمر هذا خرجه في الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي الشافعي ( ص ١٠٩ ) وهذا نصه : قال أخرج ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن المسيب قال : قال عمر : تحببوا إلى الأشراف وتوددوا ، اتقوا على أعراضكم من السفلة ، واعلموا أنه لا يتم شرف إلا بولاية علي .
وقد أخذ عمر كلامه هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وآله في الحديث المشهور الذي أخرجه جماعة من علماء السنة الشافعية والحنفية وغيرهما :
منهم العلامة عبيد الله آمر تسرى الحنفي في كتابه أرجح المطالب ( ص ٣٢٠ ) .
ومنهم الحمويني الشافعي في فرائد السمطين ( ج ٢ باب ٤٩ ) .
ومنهم العلامة الزمخشري في تفسيره المعروف بالكشاف ( ج ٢ ص ٣٣٩ ) .
واللفظ للزمخشري أخرج بسنده وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات على حب آل محمد مات شهيدا ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة .
٦٦ - وكل إناء بالذي فيه ينضح
*- قال نصر الله بن مجلى ، وكان من الثقات وأهل السنة: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في المنام، فقلت له: يا أمير المؤمنين تفتحون مكة فتقولون: من دخل دار أبي سفيان، فهوآمن، ثم يتم على ولدك الحسين ما تم فقال لي: أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا؟ فقلت: لا. فقال: إسمعها منه. ثم انتبهت فبادرت إلى حيص بيص، فذكرت له الرؤيا فشهق وبكى وحلف بالله لم تخرج من فمه ولا خطه إلى أحد وما نظمها إلا في ليلته ثم أنشدني قوله :
ملكنا فكان العفومنا سجية ***** فلما ملكتم سال بالدم أبطح
وحللتموقتل الأسارى وطالما ***** عدونا على الأسرى فنعفوونصفح
وحسبكموهذا التفاوت بيننا ***** وكل إناء بالذي فيه ينضح (١)[٢٣]
٦٧ - نظر الذليل إلى العزيز القاهر
ذكر الدميري في حياة الحيوان ، عن علي بن عبد الله بن عباس قال: كنت مع أبي بعدما كف بصره وهوبمكة فمررنا على قوم من أهل الشام في صفة زمزم، فسبوا علي بن أبي طالب عليه السلام فقال لسعيد بن جبير وهو يقوده: ردني إليهم فرده فقال: أيكم الساب لله ولرسوله؟
فقالوا: سبحان الله ما فينا أحد سب الله ورسوله. فقال: أيكم الساب لعلي؟ قالوا: أما هذا فقد كان.
فقال ابن عباس إني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله كبه الله تعالى على منخريه في النار ثم ولى عنهم , فقال: يا بني ما رأيتهم صنعوا .
فقلت يا أبت:
نظروا إليك بأعين محمرة ***** نظر التيوس إلى شفار الجازر
فقال زدني يا بني فقلت:
شزر العيون منكسي أذقانهم ***** نظر الذليل إلى العزيز القاهر
٦٨ - يا قنبر أئتني بدرعي الفلانية
*- أتى علياً أعرابي فقال: والله يا أمير المؤمنين ما تركت في بيتي لا سبداً ولا لبداً ولا ثاغية ولا راغية.
فقال (عَليْهِ السَّلام): والله ما أصبح في شيء فضل عن قوتي فولى الأعرابي وهويقول: والله ليسألنك الله عن موقفي بين يديك، فبكى بكاءاً شديداً، وأمر برده واستعادة كلامه، ثم بكى فقال: يا قنبر أئتني بدرعي الفلانية، ودفعها إلى الأعرابي،
وقال: لا تخدعن عنها فطالما، كشفت بها الكرب عن وجه رسول الله (صَلّى اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ وسلّم)، ثم قال قنبر: كان بجزية عشرون درهماً، قال: يا قنبر والله ما يسرني إن لي زنة الدنيا ذهباً أو فضة فتصدقت به قبلة الله مني، وإنه سألني عن موقف هذا بين يدي. [٢٤]
٦٩ - جئني بصاحبك حتى تدفعها اليكما
*- اخبرنا سماك بن حرب عن حبش بن المعتمر ان رجلين اتيا امرأة من قريش فاستودعاها مائة دينار ، وقالا لاتدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه حتى نجتمع ، فلبثا حولاً ، فجاء احدهما اليها فقال : ان صاحبي قد مات فادفعي الي الدنانير ، فأبت وقالت: انكما قلتما لاتدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه ، فلست بدافعتها اليه فتحمل عليها باهلها وجيرانها فلم يزالوا بها حتى دفعتها اليه ، ثم لبثت حولاً فجاء الاخر فقال : ادفعي الي الدنانير ، فقالت ان صاحبك جاءني فزعم انك مت فدفعتها اليه ، فاختصما إلى عمر بن الخطاب ، فأراد ان يقضي عليها فقالت : انشدك الله ان تقضي بيننا ، إرفعنا إلى علي عليه السلام فرفعهما إلى علي ، وعرف انهما قد مكرا بها ، فقال: اليس قد قلتما لاتدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه ؟ قال بلى ، قال فإن مالك عندنا فاذهب فجئني بصاحبك حتى تدفعها اليكما [٢٥] .