وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                

Search form

إرسال الی صدیق
معرفة القرآن الكريم في نهج البلاغة

عن أمير المؤمنين عليه السلام:"وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا ـ إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلًا بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ وَ لَا عَلَمٍ قَائِمٍ ـ كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ مُبَيِّناً حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ....". نهج البلاغة، الخطبة رقم ١

فضل القرآن وعظمته

لقد أرسل الله تعالى الأنبياء لهداية البشرية إلى سواء السبيل، وأنزل على بعضهم كتباً لتكون منارات يستهدي بها الناس، ولكن للأسف حرّف الناس كتب الله تعالى كما في التوراة والإنجيل، وبذلك انحرفوا عن الصراط المستقيم ووقعوا في ضلال مبين.

إلى أن أرسل الله تعالى نبيّه الكريم محمّداً صلى الله عليه واله وسلم ليرجع الناس إلى طريق الله، ويزيلهم عن الانحراف، وينير لهم الطريق، فأنزل على قلبه الكتاب الكريم القرآن المجيد وحفظه تعالى من التحريف: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(١).

فكان الهادي والمبين والموعظة والمنير لطريق السالكين إلى الله تعالى،فهو الكتاب السماويّ الوحيد الذي لم تمسّه يد التحريف. يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾(٢).

﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾(٣).

﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾(٤).

وحسب القرآن عظمة وكفاه منزلة وفخراً وفضلاً أنّه كلام الله العظيم، ومعجزة نبيّه الكريم، وأنّ آياته هي المتكفّلة بهداية البشر في جميع شؤونهم وأطوارهم وفي جميع أجيالهم وأدوارهم، وهي الضمينة لهم بنيل الغاية القصوى والسعادة الكبرى في العاجل والآجل.

هو كلام الله و"فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه"(٥).

هو وصيّة الرسول صلى الله عليه واله وسلم الأولى والثقل الأكبر الذي خلّفه قائلاً: "إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض"(٦).

يصف الإمام عليّ عليه السلام كتاب الله ويبيّن منزلته حين يقول: "ثمّ أنزل عليه الكتابَ نوراً لا تُطفأ مصابيحُه، وسراجاً لا يخبو توقُّدُه، وبحراً لا يدركُ قعرُه، ومنهاجاً لا يُضِلّ نهجُه، وشعاعاً لا يُظِلم ضوؤه، وفرقاناً لا يخمدُ بُرهانُه، وتبياناً لا تهدم أركانه، وشفاءً لا تُخشى أسقامُه، وعزاً لا تُهزَم أنصارُه، وحقّاً لا تُخذَلُ أعوانُه.

فهو معدِن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأثافيّ الإسلام وبنيانه، وأودية الحقّ وغيطانه، وبحرٌ لا ينَزْفَه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضلّ نهجَها المسافرون، وأعلامٌ لا يعمى عنها السائرون، وآكامٌ لا يجوز عنها القاصدون.

جعله الله ريّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجّ‏َ لطرق الصلحاء، ودواءً ليس بعده داء ونوراً ليس معه ظلمة، وحبلاً وثيقاً عروته، ومعقلاً منيعاً ذروته، وعزاً لمن تولّاه، وسلماً لمن دخله، وهدىً لمن ائتمّ به، وعذراً لمن انتحله، وبرهاناً لمن تكلّم به، وشاهداً لمن خاصم به، وفلجاً لمن حاجّ به، وحاملاً لمن حمله، ومطيّة لمن أعمله، وآيةً لمن توسّم، وجُنّة لمن استلأم، وعِلماً لمن وعى، وحديثاً لمن روى وحكماً لمن قضى"(٧).

اعتراف المفكّرين بعظمة القرآن

وقد اعترف بعظمة القرآن وفضله المنصفون من الملل الأخرى، يقول ول ديورانت: "وقد ظلّ‏ (القرآن) أربعة عشر قرناً من الزمان محفوظاً في ذاكرتهم (المسلمين)، يستثير خيالهم، ويشكِّل أخلاقهم، ويشحذ قرائح مئات الملايين من الرجال. والقرآن يبعث في النفوس... أسهل العقائد، وأبعدها عن التقيّد بالمراسم والطقوس، وأكثرها تحرّراً من الوثنية والكهنوتية. وقد كان له أكبر الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقيّ والثقافيّ، وهو الذي أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعيّ والوحدة الاجتماعية، وحضّهم على اتّباع القواعد الصحية، وحرّر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام، ومن الظلم والقسوة، وحسن أحوال الأرقّاء، وبعث في نفوس الأذلّاء الكرامة والعزة، وأوجد بين المسلمين (إذا استثنينا ما كان يقترفه بعض الخلفاء المتأخرين) درجة من الاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير في أيّة بقعة من بقاع العالم يسكنها الرجل الأبيض..."(٨).

هذه شهادة - من شهادات كثيرة - للقرآن الكريم من أحد الغربيين، وهو مؤرّخ كبير معروف، أليس في شهادته دلالة على فضل القرآن وعظمته؟

أليس في شهادته وشهادة أمثاله، دلالة على مدى تأثير القرآن وفاعليته وهدايته للبشرية؟

العمل بالقرآن

ولأجل ما يحمل القرآن الكريم من فضل وعظمة وأهميّة كان وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام: "فالله الله أيّها النّاس، فيما استحفظكم من كتابه، و استودعكم من حقوقه.. وأنزل عليكم الكتاب تبياناً لكلّ شيء، وعمّر فيكم نبيّه أزماناً، حتّى أكمل له ولكم فيما أنزل من كتابه دينه الّذي رضي لنفسه، وأنهى إليكم على لسانه محابّه من الأعمال ومكارهه، ونواهيه وأوامره، وألقى إليكم المعذرة، واتّخذ عليكم الحجّة، وقدّم إليكم بالوعيد، وأنذركم بين يدي عذاب شديد"(٩).

والوصية بالقرآن تعني العمل به وإلّا ما فائدة أن نقرأ القرآن لقلقة لسان، كما أنّه لا فائدة لوصفة الطبيب دون أن نعمل بها.

ومن هنا يوصي الإمام عليّ عليه السلام بالعمل بالقرآن: "والله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم"(١٠).

فهل نستفيد من القرآن الكريم إن زيّنّاه وألبسناه ذهباً وعلّقناه في المنزل؟!

هل نعطي للقرآن حقّه إن نسيناه في زوايا البيوت وعلاه الغبار؟!

هل إن تعلّمنا رسوم التجويد وحسّنّا أصواتنا في ترتيله، هل بهذا نؤدّي حقّه؟! نعم إنّ ذلك مطلوب وجيّد ولكن ليس هو الهدف والمبتغى وما لأجله نزل القرآن الكريم.

هل نستفيد من القرآن المجيد إن تلوناه على الأموات وكان مقروءاً في مناسبات الموت أمّا في مناسبات الحياة فنحن ناسونه ومعرضون عنه؟!

هل إنْ طبعنا عدداً كبيراً من القرآن المجيد ووزّعناه في مناسبات الموت ثمّ ألقينا به على الرفوف ليعلوه الغبار، هل نكون قد أدّينا واجبنا؟!

القرآن الكريم جاء للحياة لنحيا به، جاء ليسلك طريقه في الحياة الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكل مجالات الحياة.

الإمام عليّ عليه السلام يحذّرنا

لقد حذّرنا الإمام عليّ عليه السلام من الإعراض عن العمل بالقرآن وأن لا يبلغ ألسنتنا وبذلك ندخل النار: "ومن قرأ القرآن فمات، فدخل النّار، فهو ممّن كان يتّخذ آيات الله هزواً"(١١).

ولقد نبّه الإمام عليه السلام إلى أنّه سيبتعد الناس عن القرآن فقال: "يأتي على النّاس زمان، لا يبقى فيهم من القرآن إلاّ رسمه، ومن الإسلام إلاّ اسمه"(١٢).

اللهمّ إنّا نعوذ بك من أن ندخل النار ونحن نقرأ القرآن.

اللهمّ أعنّا على تلاوة القرآن والعمل به.

اللهمّ أعنّا على تعليم أولادنا القرآن الكريم فـ "حقّ الولد على الوالد: أن يحسّن اسمه، و يحسّن أدبه، و يعلّمه القرآن"(١٣).

اللهمّ أعنّا على أن نتّصف بصفات المتّقين فقد قال عليه السلام يصف المتّقين: "أمّا اللّيل فصافّون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلاً. يحزّنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم. فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها

طمعاً، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنّوا أنّها نصب أعينهم. وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في أصول آذانهم"(١٤).

اللهمّ أعنّا على أن نتّصف بصفات الزاهدين فقد قال عليه السلام في صفة الزاهدين: "أولئك قوم اتّخذوا الأرض بساطاً، و ترابها فراشاً، و ماءها طيباً، و القرآن شعاراً(١٥), والدّعاء دثاراً"(١٦).

--------------------------------------

١- الحجر: ٩.

٢- الإسراء: ٩.

٣- إبراهيم: ١.

٤- آل عمران: ١٣٨.

٥- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج ٦، ص ٨٩.

٦- الحديث متواتر رواه خمسة وثلاثون صحابياً (راجع مصادره في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الأول والثاني).

٧- نهج البلاغة، الخطبة ١٩٨، بحبوحته: وسطه، وأثافيّ: جمع أُثفيّة، وهي ما يوضع عليه القِدْر، فالمراد أنه قواعد الإسلام وبنيانه. غيطانه: المستقر من الأرض. الماتحون: الذين ينزحون الماء من البئر أو العين.

لا يغيضها: لا ينضبها، غيض الماء: جفّ ونضب. معقلاً: ملجأ، ذروته: أعاليه. فلَجاً: الفلَج هو الظَفَر والغلبة، استلأم: لبس اللأمة أي الدرع، والجُنّة: الوقاية، فهو وقاء لمن أراد أن يدّرع ليقي نفسه الأخطار.

٨- قصة الحضارة، ول ديورانت، مج‏ ١-٢، ج‏١، ص‏٤٨، دار الجيل.

٩- نهج البلاغة، الخطبة ٨٦.

١٠- م. ن، الخطبة ٤٧.

١١- نهج البلاغة، الحكمة ٢٢٨.

١٢- م. ن، الحكمة ٣٦٩.

١٣- م. ن، الحكمة ٣٩٩.

١٤- نهج البلاغة، الخطبة ١٩١.

١٥- الشعار: ما يلي البدن من الثياب، أي يقرؤون القرآن سرّا للتفكر والاتّعاظ.

١٦- نهج البلاغة، الحكمة ١٠٤.

****************************