وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                

Search form

إرسال الی صدیق
من كلام له(عليه السلام) لكميل بن زياد النخعي(رضي الله عنه)

في أصناف الناس وفضل العلماء
قال كميل بن زياد(١): أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخرجني إلى الجبان، فلمّا أصحر تنفّس الصعداء ثم قال:
«يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ النَّاسُ ثَلَاثَةٌ فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ وَالْعِلْمُ يَزْكُوا عَلَى الْإِنْفَاقِ وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ.
يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ وَجَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ يَا كُمَيْلُ هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ هَا إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ مُسْتَعْمِلًا آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ لا بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ أَلَا لا ذَا وَلَا ذَاكَ أَوْ مَنْهُوماً بِاللَّذَّةِ سَلِسَ الْقِيَادِ لِلشَّهْوَةِ أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَالِادِّخَارِ لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْ‏ءٍ أَقْرَبُ شَيْ‏ءٍ شَبَهاً بِهِمَا الْأَنْعَامُ السَّائِمَةُ كَذَلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ اللَّهُمَّ بَلَى لا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَإِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولَئِكَ أُولَئِكَ وَاللَّهِ الْأَقَلُّونَ عَدَداً وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً يَحْفَظُ اللَّهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ وَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ انْصَرِفْ يَا كُمَيْلُ إِذَا شِئْتَ».«ابن ابي الحديد٤ من شرح النهج: ٣١٠».

الشرح:

[أصناف الناس]
قال ابن أبي الحديد: الجبان والجبانة: الصحراء، وتنفّس الصعداء أي تنفّس تنفّساً ممدوداً طويلاً. قوله (عليه السلام): «ثلاثة» قسمة صحيحة، وذلك لأنّ البشر باعتبار الأمور الإلهيّة إمّا عالم على الحقيقة يعرف الله تعالى، وإمّا شارع في ذلك، فهو بعد في السفر إلى الله يطلبه بالتعلّم والاستفادة من العالم، وأمّا لاذا ولا ذاك، وهو العامّي الساقط الذي لا يعبأ الله به. وصدق (عليه السلام) في أنّهم همج رعاع أتباع كلّ ناعق. ألا تراهم ينتقلون من تقليد شخص إلي تقليد الآخر لأدنى خيال وأضعف وهم.
[المقارنة بين العلم والمال]:
ثمّ شرع (عليه السلام) في ذكر العلم وتفضيله على المال، فقال: «العلم يحرسك وأنت تحرس المال» وهذا أحد وجوه التفضيل، ثمّ ابتدأ فذكر وجهاً ثانياً، فقال: المال ينقص بالانفاق منه، والعلم لا ينقص بالانفاق بل يزكو، وذلك لأنّ إفاضة العلم على التلامذة تفيد المعلم زيادة استعداد، وتقرّر في نفسه تلك العلوم التي أفاضها على تلامذته وتثبّتها وتزيدها رسوخاً. فأمّا قوله «وصنيع المال يزول بزواله» فتحته سرّ دقيق حكميّ، وذلك لأنّ المال إنّما يظهر أثره ونفعه في الأمور الجسمانيّة والملاذّ الشهوانيّة، كالنساء والخيل والأبنية والمأكل والمشرب والملابس ونحو ذلك، وهذه الآثار كلّها تزول بزوال المال أو بزوال ربّ المال، ألا ترى أنّه إذا زال المال اضطرّ صاحبه إلى بيع الأبنية والخيل والإماء ورفض تلك العادة من المآكل الشهيّة والملابس البهيّة، وكذلك إذا زال ربّ المال بالموت فإنّه يزول آثار المال عنده، فإنّه لا يبقى بعد الموت آكلاً شارباً لابساً، وأمّا آثار العلم فلا يمكن أن تزول أبداً والانسان في الدنيا، ولا تزول بعد خروجه عن الدنيا.
أمّا في الدنيا فلأنّ العالم بالله تعالى لا يعود جاهلاً به، لأنّ انتفاء العلوم البديهيّة عن الذهن وما يلزمها من اللوازم بعد حصولها محال، فإذاً قد صدق قوله (عليه السلام) في الفرق بين المال والعلم أنّ صنيع المال يزول بزواله، أي وصنيع العلم لا يزول، ولا يحتاج إلى أن يقول بزواله، لأنّ تقدير الكلام: وصنيع المال يزول لأنّ المال يزول. وأمّا بعد خروج الإنسان من الدنيا فإنّ صنيع العلم لا يزول، وذلك أنّ صنيع العلم في النفس الناطقة اللّذة العقليّة الدائمة لدوام سببها، وهو حصول العلم في جوهر النفس الذي هو معشوق النفس، مع انتفاء ما يشغلها عن التمتّع به والتلذّذ بمصاحبته، والذي كان يشغلها عنه في الدنيا استغراقها في تدبير البدن وما تورده عليها الحواس من الأمور الخارجيّة.
ولا ريب أنّ العاشق إذا خلا بمعشوقه وانتفت عنه أسباب الكدر كان في لذّة عظيمة، فهذا هو سرّ قوله «وصنيع المال يزول بزواله»، فإن قلت: ما معنى قوله (عليه السلام): «معرفة العلم دين يُدان به» وهل هذا إلاّ بمنـزلة قولك «معرفة العلم المعرفة» أو «العلم العلم» وهذا كلام مضطرب، قلت: تقديره: معرفة فضل العلم أو شرف العلم أو وجوب العلم دين يُدان به، أي المعرفة بذلك من أمر الدين، أي ركن من أركان الدين واجب مفروض.
ثمّ شرح (عليه السلام) حال العلم الذي ذكر أنّ معرفة وجوبه أو شرفه دين يُدان به، فقال: «العلم يكسب الإنسان الطاعة في حياته» أي من كان عالماً كان لله تعالى مطيعاً، كما قال سبحانه: «إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ»(٣٥) ثم قال (عليه السلام): «وجميل الأُحدوثة بعد وفاته» أي الذكر الجميل بعد موته، ثمّ شرع في تفضيل العلم على المال من وجه آخر فقال: «العلم حاكم والمال محكوم عليه» وذلك أنّك لعلمك أنّ مصلحتك في إنفاق هذا المال تنفقه، ولعلمك بأنّ المصلحة في إمساكه تُمسكه، فالعلم بالمصلحة داعٍ وبالمضرّة صارف، وهما الأمران الحاكمان بالحركات والتصرّفات إقداماً وإحجاماً، ولا يكون القادر قادراً مختاراً إلاّ باعتبارهما، وليسا إلاّ عبارة عن العلم أو ما يجري مجرى العلم من الاعتقاد والظنّ، فإذن قد بان وظهر أنّ العلم من حيث هو علم حاكم وأنّ المال ليس بحاكم بل محكوم عليه.
ثمّ قال (عليه السلام): «هلك خُزّان المال وهم أحياء» وذلك لأنّ المال المخزون لا فرق بينه وبين الصخرة المدفونة تحت الأرض، فخازنه هالك لا محالة، لأنّه لم يلتذّ بإنفاقه، ولم يصرفه في الوجوه التي ندب الله تعالى إليها، وهذا هو الهلاك المعنويّ، وهو أعظم من الهلاك الحسيّ، ثم قال: «والعلماء باقون ما بقي الدهر» هذا الكلام له ظاهر وباطن، فظاهره قوله: «أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة» حقيقة لا مجازاً على قول من قال ببقاء الأنفس، وأمثالهم في القلوب كناية ولغز، ومعناه ذرّاتهم في حظيرة القدس، والمشاركة بينها وبين القلوب ظاهرة؛ لأنّ الأمر العام الذي يشملها هو الشرف، فكما أنّ تلك أشرف عالمها كذا القلب أشرف عالمه، فاستُعير لفظ أحدهما وعُبّر به عن الآخر.
قوله (عليه السلام): «ها إنّ ههنا لعِلماً جمّاً، وأشار بيده إلى صدره» هذا عندي إشارة إلى العرفان والوصول إلى المقام الأشرف الذي لا يصل إليه إلّا الواحد الفذّ من العالم، ممّن لله تعالى فيه سرّ وله به اتصال، ثمّ قال: «لو أصبتُ له حَمَلة» ومن الذي يطيق حمله؟ بل من الذي يطيق فهمه فضلاً عن حمله؟ ثمّ قال: «بُلى أُصيب» ثم قسّم الذي يصيبهم خمسة أقسام: أحدهم: أهل الرياء والسمعة الذين يُظهرون الدين والعلم ومقصودهم الدنيا، فيجعلون الناموس الدينيّ شبكة لاقتناص الدنيا. وثانيها: قوم من أهل الخير والصلاح ليسوا بذوي بصيرة في الأمور الإلهيّة الغامضة، فيخاف من إفشاء السرّ إليهم أن تنقدح في قلوبهم شبهة بأدنى خاطر، فإنّ مقام المعرفة مقام خطر صعب لا يثبت تحته إلاّ الأفراد من الرجال الذين أُيّدوا بالتوفيق والعصمة، وثالثها رجل صاحب لذّات وطُرف، مشتهر بقضاء الشهوة، فليس من رجال هذا الباب، ورابعها رجل مُغرم بجميع المال وادّخاره، لا يُنفقه في شهواته ولا في غير شهواته، فحكمه حكم القسم الثالث. ثم قال (عليه السلام): «كذلك يموت العلم بموت حامليه» أي إذا متُّ مات العلم الذي في صدري لأنّي لم أجد أحداً أدفعه إليه وأورثه إيّاه.

-----------------------------------
(١) كان كميل بن زياد من خاصّة الإمام والصفوة من شيعته، ولمّا ولي الحجّاج طلبه للقتل فهرب منه واختفى، فما كان من الحجّاج إلاّ أن منع العطاء عن قومه.. ولمّا علم كميل بذلك قال: أنا شيخ كبير، وقد نفد عمري، ولا ينبغي أن أكون سبباً لحرمان قومي من أقواتهم، وسلّم نفسه للحجّاج، فلمّا رآه قال له: كنت أحبّ أن أجد عليك سبيلاً، فقال كميل: لا تصرف عليَّ أنيابك كالبعير، فاقضِ ما أنتَ قاضٍ، فالموعد الله، وبعد القتل حساب وجزاء، فقال الحجّاج لجلاوزته: اضربوا عُنقه، فضُربت...
(٢) فاطر: ٢٨.

****************************