قبل كل شيء يجب أن نركّزعلى أنّ المقصود بالتوازن ليس ما قد يتبادر إلى الإذهان لأول وهلة من التساوي من الجانبين أو ما إلى ذلك ، وإنما يقصد منه ملء الواقع بالشكل العادل بحيث يوضع الشيء في محله دون أن يتحقق حيف بأجزاء الواقع ، وبحيث يشكل هذا الملء أفضل حالة لصالح الكمال .
وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم (التوازن الحكيم) أو (التوازن العادل) .
فمثلاً لو أننا لاحظنا جانب الغزائز الإنسانية فإننا نجد أنها تحتاج إلى إشباع معين ، وهي قد تتطلب ما يزيد على إشباعها الصحيح ، فيؤثرهذا على إشباع الغرائز الأخرى .
فإذا أعطيت أكثر مما يتطلبه واقعها وهدفها فقد اختل التوازن المطلوب في إشباع الغرائز فالتوازن لا يعني أن تشبع كل غريزة بالمقدارالذي تشبع به الغرائز الأخرى .
وعندما يتضح هذا المفهوم ، نستطيع القول بأنه لا يحتاج في إجماله إلى استدلال، فإن نظرية خلق الكون بحكمة وإحكام وكون التشريع حكمة تشريعية تنسجم مع الحكمة الكونية هي من أوضح النظريات القرآنية التي يتكررالتصريح والإشارة إليها في مختلف الآيات القرآنیة .
كما أن وصف (حكيم) هو من الأوصاف التي يؤكد عليها القرآن لله تعالى بعد عرض آیة ، أو ذكر نعمة ، أو تقرير حكم ، أو بيان جانب تكويني ، وأمثال ذلك .
وبالنسبة للإنسان يحدد القرآن هدف خلقته بوضوح أكبرحين يعلن (وما خلقت الجن والإنس إلّا ليعبدون) (١).
ومما يوضح ان تكامل الإنسان يتم كلما تأصلت صفة العبودية لله تعالى فيه كفرد ، وأوج كمال الفرد يتمثل في النبي ، وأرقى صفة تمنح للنبي انه (نعم العبد).
يقول تعالى : ( ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد انه أواب) (٢) .
وحين يشهد المؤمن لرسول اللهه سيد البشرية بالرسالة يقدم العبودية أولاً فيقول :
( اشهد ان محمداً عبده ورسوله) ويعكس هذا على الإنسان كمجتمع حيث يعمل عباد الله الصالحون وطليعتهم هم الأنبياء على إقامة المجتمع العابد.
(ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً ان اعبدواالله واجتنبوا الطاغون) (٣) .
هكذا إذن تكون المسيرة الصحيحة المتوازنة المتكاملة للبشرية ضمن خطين .
خط العبادة وخط اجتناب الطاغوت ، وهما الناتجان الأساسيان من حالة العبودية المطلقة لله تعالى .
فنحن هنا نواجه تفصيلاً وتوضيحاً أكبر للعبودية يتمثل في (العباد) و(رفض الطاغوت).
فالمراد إذن إيجاد الشخصية المتوازنة التي ترضي شهواتها ولكن وفق التخطيط الإلهي ، وتنطلق هادية للآخرين مستخدمة كل المسائل لتبليغ كلمة الحق ونشر الخلق الحميد، منفتحة على الآخر مع الاحتفاظ بخصوصيتها وقناعاتها .
وهذه الصفات نلحظها تماماً في شخصية السيد الشريف الرضي.
فإن الدارس لشخصية العالم الأديب والشاعر الفحل السيد الشريف الرضي يجد هذه الظاهرة (التوازن الحكيم) متجسدة فيها بشكل رائع ، مما يؤهله لأن يشكل قدوة رائعة للأجيال .
ولد في أوائل النصف الثاني مع القرن الرابع الهجري في بغداد مقر الخلافة العباسية التي كانت تترنح وطأة الديلم والأتراك وحيث سيطرة العوائل الشيعية على مجمل العالم الإسلامي ، فآل بويه في العراق وإيران، والحمدانيون في الشام ، والفاطميون في مصر والعوائل العلوية في شمال إفريقيا وهكذا .
وكانت عائلته من العوائل الهاشمية العريقة فأبوه هو الطاهر ذو المناقب وكان يعد من الشخصيات المرموقة في المحالفل العلمية والاجتماعية والسياسية ، وقد كان بينه وبين عضد الدولة البويهي أمور أدت إلى اعتقال والد الشريف الرضي وعمه ومصادرة أموالها ليعيشا معتقلين في قلعة فارس من سنة( ٣٦٩ وحتى سنة ٣٧٦ هـ) ورغم أن هذا العمل كان قميناً بتحريك الجماهير ضد عضد الدولة إلا أن إصلاحاته الواسعة واعماره اسكت خصومه .
ولما مات في شوال سنة ٣٧٢ خلفه ولده صمصام الدولة الذي استمر على سياسة أبيه في التضييق إلا أن أخاه شرف الدولة الذي كان يقيم بكرمان بادر بالإفراج عن والد الشريف خلافا لرغبة صمصام وفي سنة(٣٧٣ هـ) دارت الحرب بينهما وانتصرشرف الدولة ودخل بغداد فاتحاً ، وعاد الوالد إلى عائلته في بغداد .
أما أم الشريف فكانت السيدة الجليلة فاطمة وهي من سلالة الناصر الكبير فاتح مازندران وجيلان، وكانت تحظى بمكانة اجتماعية عالية ولها عند المرحوم الإمام الشيخ المفيد مقام رفيع وقد ألّف لها وباسمها كتابه (أحكام النساء) .
وقد عنيت بولديها (الرضي والمرتضى) غاية العناية رغم نكتبها بزجها ووفرت لهما أساتذة كبارا فنشآ عالمين يفتخربهما التاريخ وحازا مكانة اجتماعية مرموقة فكان الشريف الرضي نقيب الأِشراف وهو في الحادية والعشرين ثم منع لقب الأميرالعام ونائب الخليفة على الحجاج ثم تسنّم مقام رئيس ديوان المظالم وهي مقامات رفيعة تكشف عن استعدادات وقابليات كثيرة ، ومن الغريب أنه أحرزه هذه المناصب مع وجود أمثال الشيخ المفيد والسيد المرتضى وهذان ارتفعما في مقامهما العلمي إلى مستوى جعلهما من أعاظم علماء الشيعة على مدى التاريخ .
هذا وقد ألف الشريف الرضي تسعة عشركتاباً طبع لحد الآن سبعة كتب ، وقد تناولت مجالات القرآن والحديث والأدب .
وقد أسس مدرسة لتدريس العلوم الدينية وأسماها (دارالعلم) ولعلها كانت أول مدرسة من نوعها كما أسس أخوه السيد المرتضى مدرسة أخرى ، وكان العلمان الجليلان الشيخ الطوسي والقاضي عبد العزيز بن البراج من تلاميذها وبطبيعة الحال فقد سبقت هاتان المدرستان تأسيس (المدرسة النظامية) بحوالي ٨٠ عاماً ، وربما جاءت تقليداً لهما .
هذا وقد عرف من تلامذ الشريف الرضي عشرة من العلماء والأفاضل .
ويعد جمعه لكلمات الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) في كتاب أسماه «نهج البلاغة» أروع ما قام به على الإطلاق ، وقد روته عنه ابنة أخية السيد المرتضى بعد ان درسته على يديه .
وقد توفي عام(٤٠٦ هـ) وهوفي السابعة والأربعين مخلفاً تراثاً علمياً وأدبياً وشعرياً ضخماً لا يقدّر بثمن ، وان لم يقدره البعض بدوافع تعصّبات مذهبية أو علمية أوحتى أدبية .
وسوف نركز في هذا المقال على ظاهرة عامة هي (التوازن الحكيم) حيث تبدو بوضوح لكل من درس حياته ، سبر أغوار نفسيته من خلال شعره الذي بلغ الأوج ، ومؤلفاته التي وصلت إلينا وتم طبعها وما لم يطبع منها كثير مع الأسف ، بل وصلنا بعضها ناقصاً ؛ فكتابه الرائع (حقائق التأويل) وصلنا منه جزؤه الخامس فقط وهو يفسر الآيات من سورتي آل عمران والنساء تخالف بالنظرة الأولى ما هو معروف من القواعد الأدبية أو الشرعية والعقلية وهو يرى أن الآيات الست في مطلع سورة آل عمران من المحكمات ويركزعلى واحد وثلاثين مورداً منها .
ويمكن أن نلخص هذه الظاهرة في حياة السيد الشريف الرضي في المظاهر التالية :
أولاً : العلم العمق والأدب والشعر الرائع
ورغم أن هذه الحالة تبدو لنا في حياة الكثير من العلماء سابقاً ولا حقاً ومنهم أخوه الإمام السيد المرتضى الا أنها هنا تبدو أعظم جلاءً بل تكاد فيه ان تصل إلى حد التضاد فلا يمكن ان تجتمع شاعرية مرهفة وخيال مجنح مع الطبيعة النفسية للعالم المحقق المتأمل بعمق وصبر.
اذكربهذه المناسبة بيتين لعالم كبيرواديب المعي هوالشيخ الحرالعاملي (رحمه الله) يقول فيهما :
علمي وشعري اقتتلا واصطلحا |
|
فخضع الشعر لعلمي راغما |
فالعلم يأبى أن كون شاعراً |
|
والشعر يرضى أن أعدّ عالما |
ولا يحل هذا التضاد إلا وجدت الروح الكبيرة والإيمان العميق والثقافة الواسعة والإرادة القعساء ، وهذا ما نشهده في شخصية هذا العالم والشاعروفوق ذلك الإنسان الإنسان .
والجميل أن يشير هو إلى عنصر التوازن في شخصية الإمام أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ، فينقل لنا أنه أراد في جمعه لكلامه في « نهج البلاغة» أن يبدي هذا الجانب فيقول : «ومن عجائبه(عليه السلام)التي انفرد بها ، وأمِنَ المشاركةَ فيها ، أن كلامه الوارد في الزهد والمواعظ ، والتذكيروالزواجر، إذا تأمله ، وفكرفيه التفكر، وخلع من قلبه أنه كلام مثله ممن عظم قدره ، ونفذ أمر، وأحاط بالرقاب ملكه ، لم يعترضه الشط في أنه كلامُ مَنْ لاحَظّ له في غيرالزّهاد ، ولا شغل له بغيرالعبادة ، قد قبع (٤) في كسر بيت (٥) ،أو انقطع إلى سفح جبل (٦) ، لا يسمع إلا حسّه ، ولا يرى إلا نفسه ، ولا يكاد يوقن بأنه كلامُ من ينغمس في الحرب مصلتاً سيفه (٧) ، فيقُطّ الرقاب (٨) ، ويجدّل الأبطال (٩) ، ويعود به ينطف (١٠) دماً ، ويقطر مهجاً (١١) .
وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد ، وبدلُ الأبدال (١٢)
وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصه اللطيفة ، التي جمع بها بين الأضداد ، وألف بين الأشتات (١٣)، وكثيراً ما أذاكر الإخوان بها ، وأستخرج عجبهم منها ، وهي موضع للعبرة بها ، والفكرة فيها».
إننا هنا لا نحتاج لتدليل على شاعريته فهي كالشمس لا تحتاج إلى بيان ، ولكن نشير إلى ما يدل عليه وقد أجمع مؤرخو الأدب على جعل حجازيات الشريف من ألمع فرائد الشعرالعربي ، ولكن نشير الى علمه بالإضافة لما مرعند الإشارة لكتابه (حقائق التأويل) حيث يكتشف المطالع له ثقافة وعلماً واسعين ، فعندما يطرح الآية الشريفة (زين للناس حب الشهوات...) يتساءل عن هذا التزيين وحقيقته ، وإذا كان الأمركذلك فما معنى العقال عليه ؟ ثم يجيب بأن هذه الطاقات معطاة بالفطرة ولكنها عيون فوارة بينت الشريعة أساليب الاستفادة منها على نحو متوازن فإذا خالف الإنسان أمرها استحق العقوبة .
وهكذا نجده يقف بعمق متأملاً المعاني الواردة في المقاطع القرآنية الشريفة : (هن ام الكتاب) (ربنا لا تزغ قلوبنا) (شهد الله أنه لا إله إلا هو) وغيرها .
وإذا انتقلنا إلى كتابه (تلخيص البيان في مجازات القرآن) نجده أحد أهم المصادرالبلاغية على الإطلاق .
وهو أول كتاب يركزعلى المجازات القرانية بمعناها البلاغي ، أما أبوعبيدة معمربن المثنى فهو في كتابه يجنح إلى التفسير أكثركما لايركز الجاحظ في كتابيه (البيان والتبيين) و(الحيوان) على خصوص المجازات وكذلك نجد ابن قتيبة – تلميذ الجاحظ – في كتابه (تأويل مشكل القرآن).
وربما کان تبحر الرضي فی البلاغ ناتجاٌ عن دراسته على أساتذه كالسيرافي وابن نباتة .
وقد ذكر الأستاذ زكي مبارك ذلك وقال: «ومعاذ الأدب ان استخفف بأثارالشريف في ميادين الفكر والعقل، فقد بلغ الغاية في كتاب (المجازات النبوية) وكتاب (حقائق التأويل) ولو كان الشريف غير شاعر لاستطاع أن يزاحم أماثل العلماء ولكن عبقريته الشعرية جنت عليه ، فخف ميزانه في الحياة العلمية بالقياس إلى بعض معاصريه ومنهم أخوه الذي أتى بالأعاجيب في الفقه والتوحيد) (١٤) .
ثانياً : الاعتزاز بالمذهب والدفاع عنه مع الانفتاح على الآخر
ولا تنافی بین الآمرین فی الواقع وان کان البعض یری التنافي إلا أن الحقيقة تؤكد الانسجام .
فطبيعي ان يعتز المرء بما يقتنع به وان يعتبره صحيحاً حقاً يعبد الله على أساسه ، ولكن ذلك لا يعني ان يرفض الآخر ويحقّره أو يكفره.
فالشريف شيعي مؤمن بمذهب أهل البيت (ع) يعمل على نشرفضائلهم ، ويتغتى بتاريخهم ، ويتألم لآلامهم ولكن ذلك لا يمنعه من احترام الآخرين وتجليلهم فيقول عن يوم (الغدير) :
غدر السرور بنا وكان |
|
وفاؤه يوم الغدير |
يوم أطاف به الوصي |
|
وقد تلقب بالأمير |
ويقول عنه أيضاً
لله در اليوم ما أشرنا |
|
ودر ما كان به أعرفا |
ساق الينا فيه رب العلى |
|
ما أمرض الأعداء أو أتلفا |
وخص بالأمر علياً وإن |
|
بدّل من بدّل أو حّرفا |
ان كان قولاً كافياً فالذي |
|
قال بخم وحده قد كفى |
قييل له بلغ فإن لم يكن |
|
مبلغاً عن ربه ما وفى (١٥) |
ويفتخر به فيقول : -
على مثل هذا اليوم الرواجب |
|
وتطوى بفضل حيّز في الحقائب |
حُبينا وأمرّنا به فبيوتنا |
|
لدين قيل ما قد قيل فيه الأهاضب |
وطارت بما نلناه أجنحة الورى |
|
وسارت به في الخافقين الركائب |
وقال اناس هالهم مارأوا لنا |
|
ألا هكذا تأتي الرجال المواهب (١٦) |
وقصيدته في التأوه على فاجعة كربلا سارت بها الركبان ويقول فيها :
کربلا لا زلت كرباً وبلا |
|
ما لقي عند آل المصطفى |
كم على تربك لما صرّعوا |
|
من دم سال ومن دمع جرى |
ونجده يمدح الفاطميين رغم أنه كان يعيش في دولة العباسيين فيقول :
وطاغ يعبر البغي غرب لسانه |
|
وليس له عن جانب الحق ذائد |
شننت عليه الحق حتى رددته |
|
صموتاً وفي انيابه القول راقد |
يُدل بغير الله عضداً وناصراً |
|
وناصرك الرحمن والمجد عاضد |
يُعبر رب الخير بالي عظامه |
|
الا نُزّهت تلك العظام البوائد |
ولكن رأى سب النبي غنيمة |
|
وما حوله الا مريب وجاجد |
ولو كان بين الفاطميين رفرقت |
|
عليه العوالي والظبا والسواعد |
وربما يصح ما قيل : ان اهتمامه بشرح خصائص البلاغة القرآنیة والبلاغة النبوية هو دحض للمفتريات التي وجهت إلى التشيع والتي ادعت ان الشيعة لا يهتمون بالقرآن والحديث ، ومن هنا نفهم ان الشريف المؤلف كان معلماً عظيماً .
وكان من الساهرين على رعاية الوحدة الاسلامية وهو بالتكريم خليق (١٧).
ومع كل ذلك فإن موضوعيته وعلميته كانت تسمو على شخصية المذهبية ، وقد اهتمّ بدارسة مذهب الإمام الشافعي تماماً كما رأينا تلميذ مدرسته الشيخ العظيم الطوسي يهتم به ويطرحه في كتاب الخلاف حتى عده المرحوم السبكي من علماء الشافعية (١٨) ويبدو أن حالة التسامح هذه كانت سمة عامة آنذاك فقد ألّف السيد المرتضى (الناصريات) وفاء لجده الناصر وهو زيدي المذهب مركزاً على نقاط الوفاق ، وربما أيد الراي الآخر حيث يقول مثلاً : - « ويقوى في نفسي – عاجلاً إلى ان يقع التأويل في ذلك – صحة ما ذهب إليه الشافعي » (١٩).
ومن الجميل ان نجد أن العلاقة بينه وبين أبي اسحق الصابي بلغت شأوا بعيداً ، مع اختلاف الدين والعمر وقد رثاه بقصيدة رائعة يقول في مطلعها : -
أرأيت من حملوا على الأعواد |
|
أرأيت كيف خبا ضياء النادي |
ما كنت أعلم قبل حطط في الثرى |
|
أن الثرى يعلو على الأطواد |
ثالثاً : بين خلق الشعراء وأدب العلماء وعنقهم فصحيح ان خلق الشعراء وخيالهم يجنح بهم إلى الطرف والغزل والنسيب والجمال حتى في أقدس اللحظات والحج والحجاز في موردنا أقدس الأماكن ولكنه في شخص شريفنا لا يتجاوز الصورة الشعرية ولا يعبرالعفة والخلق الرفيع ، بل يمتلىء شعره بالوعظ والتربية الخلفية .
وهو ما نلمحه في كثيرمن العلماء وحتى العرفاء والربانيين .
وربما عبروا به عن وله بمعشوقهم الأصيل .
وان المرء ليعيش روعة الحب العذري وعلو الروح والصورة عندما يعيش مع حجازيات الشريف وغيرها من شعره الغزلي البدوي الحضري الأصيل .
ولا تزال الأبيات التالية تتردد عبر العصور وهي تصف حالة وداع ديارالحبيب :
ولقد وقفت على ديارهم |
|
وطلولها بيد البلى نهب |
فبميت حتى ضج من لغب |
|
نضوي ولج بعذلي الركب |
وتلفتت عيني فمذ خفيت |
|
عني الطلول تلفّت القلب |
وينطلق الخيال معه وهويقول :
إن الذي غمر الرقاد وساده |
|
لم يدر كيف نبا علي وسادي |
لولا هواك لما ذللت وإنما |
|
عزي يعيرني بذل فؤادي |
او يقول :
ابكي ويبسم والدجى ما بيننا |
|
حتى اضاء بثغره ودموعي |
قمر إذا استخجلته بعتابه |
|
لبس الغروب ولم يعد لطلوع |
قد كنت أجويك الصدود بمثله |
|
لو أن قلبك كان بين ضلوعي |
ولكن العفة تطفح في شعره فتوازن المسيرة فيقول :
عفاف كما شاء الاله يسرني |
|
وان سيء منه بكرها وعوانها |
ويقول :
وإذا هممت بمن احب أمالني |
|
حصر يعوق وعفة تنهاني |
ويقوله
يعف عن الفحشاء ذيلي كأنما |
|
عليه نطاق دونها وحجاب |
ويقول :
أنا من علمتن الغداة تقية |
|
أزري وضامنة العفاف مآزري |
وشعره في بث روح العمل والخلق الحسن والعزيمة كثير فهو يقول :
ينال الفتى من دهره قدر نفسه |
|
وتأتي على قدر الرجال المكايد |
ويقول : -
ما الفقر عار وان كشّفت عورته |
|
وإنما العار مال غير محمود |
ويقول : -
يقدم الباسل الأبي على |
|
الحتف وفيه عند الهوان نكول |
ويقوله : -
وما واثق بالدهر الا كراقد |
|
على فضل ثوب الظل والظل يسرع |
ويقوله : -
بالجد لا بالساعي يبلغ الشرف |
|
تمشي الجدود باقوام وان وقفوا |
ويقوله : -
وما جمعي الأموال الا غنيمة |
|
لمن عاش بعدي واتهام لخالقي |
الى غيرذلك مما يشعرنا بنفس الزاهد المربي الحصيف .
والحقيقة إن معالم التوازن في هذه الشخصية العظيمة كثيرة ؛ من قبيل ما نلاحظ من توازن بين البداوة والحضارة ، وبين تحمل الاضطهاد وعلوالنفس ، وبين الاعتداد بالأصل والعشيرة ونبذ الاقارب العاقين وغيرذلك فلنكتف بما أوردناه .
وفي ختام هذا المقال أشعر بكثيرمن التقصير من قبل كتابنا ومحققينا تجاه هذه الشخصية الفذة فليعوض الجميع ذلك والله الموفق .
الهوامش :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ – ص / ٣٠ .
٢ – ص / ٣٠ .
٣ – النحل / ٣٦ .
٤ – قبع القنفذ ، كمنع : أدخل رأسه في جلده ، والرجل أدخل رأسه في قميصه ، أراد منه : إنزوي .
٥ – كسرالبيت : جانب الحباء .
٦ – سفح الجيل : أسفله و جوانبه .
٧ – أصلت سيفه : جرده من غمده .
٨ – يقط الرقاب : قطعها عرضاً . فإن كان القطع طولا قيل : يقد .
٩ – يجدل الأبطال : يلقيهم على الجدالة كسحابة : وهي وجه الأرض .
١٠ – ينطف : من نطف كنصروضرب ، نطفاً وتنطافاً : سال .
١١ – المهج : جمع مهجة ، وهي : دم القلب والروح .
١٢ – الأبدال قوم صالحون لا تخلو الأرض منهم، إذا مات منهم واحد بدل الله مكانه آخر.والواحد بدل أوبديل.
١٣ – الأشتات : جمع شتيت : ما تفرق من الأشياء.
١٤ – عبقرية الشريف الرضي ج ١ ص ١٩٣ .
١٥ – مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج ٢ ، ص ٢٢ .
١٦ – الديوان تحقيق الحامي ج ١ ص ٣٥ .
١٧ – عبقرية الشريف الرضي ، المبارك ، ج ١ ، ص ٢٠٠ .
١٨ – طبقات الشافعية الكبرى ج ٣ ص ٥١ .
١٩ – مقدمة كتاب الناصريات ص ٤٣ .