وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) في مختلف الميادين

من المميزات السامية في كلمات الإمام(ع) المجموعة باسم(نهج البلاغة) والتي هي بين أيدينا اليوم: أنّها لا تحدّد بصعيد واحد، فإنّه(ع) لم يكن فارس الحلبة في ساحة واحدة، بل إنّه صال وجال ببيانه في ميادين مختلفة لا يجتمع بعضها مع الآخر في الرجل الواحد.

إنّ نهج البلاغة عبقرّية ولكنّها ليست عبقريّة واحدة في موضوع واحد كالموعظة مثلاً أو الحماسة فقط، بل في أصعدة مختلفة سنشرحها فيما يأتي.

أن تكون كلمة من العبقريّات في موضوع واحد ليست كثيراً ولكنّها توجد على أي حال.

أو أن تكون الكلمات في مختلف الموضوعات ولكنّها عادية من دون عبقريّة أيضا كثيرة.

أمّا أن تكون الكلمات من العبقريّات ومع ذلك لا تكون محدودة بصعيد واحد فتلك من خصائص (نهج البلاغة) فقط.

طبعا إذا تجاوزنا عن القرآن الكريم- الذي هو كتاب من نوع آخر- فأي كتاب آخر نستطيع أن نجده متنوعاً في العبقريات البلاغية على مدى ما في (نهج البلاغة).

إن الكلمة مرآة الروح الإنسانيّة، ولذلك فإنّ كل كلمة تتعلق بنفس العالم الذي يرتبط به روح صاحبها، فالكلمات التي تتعلق بعوالم عديدة تكون علامة على ذلك الروح الذي لم ينحصر في عالم واحد. وحيث إن روح الإمام(ع) لا تتحدّد بعالم خاص بل هو ذلك الإنسان الكامل الجامع لجميع المراتب الإنسانيّة والروحيّة والمعنويّة، فلا تختص كلماته أيضاً بعالم واحد.

إنّ من مميزات كلام الإمام(ع) أنّه ذو أبعاد متعددة وليس ذا بعد واحد.

وإنّ هذه الخصيصة: خصيصة الشمول والاستيعاب في كلام الإمام(ع) ليس مّما أكتشف حديثاً، بل هو أمر كان يبعث على العجب منذ أكثر من ألف‏ عام، فهذا السيّد الشريف الرضي(ره) الذي هو من علماء الإماميّة في المئة الرابعة أي قبل ألف سنة، ويلتفت إلى هذه النقطة فيعجب بها ويقول: «ومن عجائبه التي انفرد بها، وأمرنا المشاركة فيها: أنّ كلامه الوارد في الزهد والمواعظ والتذكير والزواجر إذا تأمله المتأمل وفكر فيه المفكر، وخلع من قلبه: أنّه كلام مثله ممن عظم قدره ونفذ أمره وأحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضه الشك في أنّه كلام من لا حظ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة، قد قبع في كسر بيت أو انقطع إلى سفح جبل، لا يسمع إلّا حسّه ولا يرى إلّا نفسه. ولا يكاد يوقن بأنّه كلام من ينغمس في الحرب مصلتاً سيفه فيقطّ الرقاب ويجدل الأبطال ويعود به ينطف دماً ويقطر مهجاً، وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد وبدل الأبدال وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه اللطيفة التي جمع بها بين الأضداد وألف بين الأشتات. وكثيرا ما اذاكر الأخوان بها واستخرج عجبهم منها. وهي موضع العبرة بها والفكر فيها)(١) .

---------------------------------------

 (١)  شرح النهج لابن ابي الحديد ج١ ص ٤٩.

وقد أعجب الشيخ محمد عبده بهذا أيضاً، حيث إنّ القارى‏ء في نهج البلاغة يسير به في عوالم عديدة وقد أبدى إعجابه بهذا في مقدمته فقال: (فتصفّحت بعض صفحاته، وتأمّلت جملاً من عباراته، من مواضع مختلفات، ومواضع متفرّقات، فكان يخيل لي في كل مقام أنّ حروباً شبّت وغارات شنّت، وأنّ للبلاغة دولة وللفصاحة صولة... وإنّ مدبّر تلك الدولة وباسل تلك الصولة هو حامل لوائها الغالب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. بل كنت كلّما انتقلت من موضع إلى موضع أحسّ بتغيّر المشاهد وتحول المعاهد) (٢) .

-----------------------------------

 (٢)  مقدمة عبده ص ١٠ .

 

وقال صفي الدين الحلي- المتوفي في القرن الثامن الهجري- بهذا الصدد:

جمعت في صفاتك الأضداد***** ولهذا عزت لك الأنداد

زاهد حاكم حليم شجاع ***** فاتك ناسك فقير جواد

شيم ما جمعن في بشر قط***** ولا حاز مثلهن العباد

خلق يخجل النسيم من اللطف***** وبأس يذوب منه الجماد

جل معناك أن يحيط به الشعر***** ويحصي صفاتك النقاد(١)

----------------------------------------

(١) ديوان صفي الدين الحلي – حرف الدال .

 

وبعد كل هذا نقطة أخرى وهي: أنّ الإمام(ع) مع أنّه إنّما تكلّم حول المعاني الحقّة والواقعيّة بلغ ببلاغته الرائعة أوج العظمة والكمال أنّ الإمام(ع) لم يتكلم في الفخر أو الخمر أو الشعر وهي ساحات واسعة للخيال وللوصف الفصيح، ولم يقل ما قاله ليكون مقالاً جميلاً يضرب به الأمثال فيبدي بذلك مهارته الفنية في الكلام، كلا، إذ لم يكن الكلام هدفاً له بل وسيلة إلى أهدافه، أنّه لم يرد أن يخلف لنا بمقاله أثراً فنياً أو يبدي عبقريّة أدبيّة. وأكثر من هذا: إنّ كلامه عام غير محدود بحدود الزمان أو المكان أو الأشخاص بشكل خاص، بل هو يخاطب (الإنسان)، ولذلك فكلامه لا يعرف حدّاً للزمان أو المكان... وكل هذه الأمور ممّا يقيّد القائل ويضيّق موضوع مقاله.

إنّ العمدة في الإعجاز اللفظي للقرآن الكريم هي: أنّ الفصاحة والجمال فيه ممّا أعجز الإنسان العربي، مع أنّ موضوع مطالبه كان يغاير الكلام المتداول في عصره، متعلقاً بعالم آخر غير هذا العالم، ومع ذلك أصبح مفتتح عهد جديد للأدب في العرب بل العالم. وقد تأثر به(نهج البلاغة) في هذه الناحية أيضا كسائر الخصائص والصفات، فهو في الحقيقة وليد القرآن الكريم ومن كلمات وليد البيت العظيم (الكعبة المعظمة) علي(ع).

****************************