![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/besmellah.png)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/mola.png)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/fi_rahab.jpg)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/haram.jpg)
![](https://arabic.balaghah.net/sites/all/themes/nahjArabic/image/nahj.jpg)
ومن خطبة له (عليه السلام)
المعروفة بالشِّقْشِقِيَّة
أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها[١] فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ[٢] دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً[٣]، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ[٤]، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة[٥] عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ.
فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى[٦]، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً، وَفي الحَلْقِ شَجاً[٧]، أرى تُرَاثي[٨] نَهْباً، حَتَّى مَضَى الاَْوَّلُ لِسَبِيلِهِ، فَأَدْلَى بِهَا[٩]إِلَى فلان بَعْدَهُ.
ثم تمثل بقول الاعشى:
شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا[١٠] وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ
فَيَا عَجَباً!! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها[١١] في حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لاخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ـ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا[١٢] ! ـ فَصَيَّرَهَا في حَوْزَة خَشْنَاءَ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا[١٣]، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا، وَيَكْثُرُ العِثَارُ[١٤] [فِيهَا] وَالاْعْتَذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ[١٥]، إِنْ أَشْنَقَ[١٦] لَهَا خَرَمَ[١٧]، وَإِنْ أَسْلَسَ[١٨] لَهَا تَقَحَّمَ[١٩]، فَمُنِيَ النَّاسُ[٢٠] ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ بِخَبْط[٢١] وَشِمَاس[٢٢]، وَتَلَوُّن وَاعْتِرَاض[٢٣].
فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ، وَشِدَّةِ الِْمحْنَةِ، حَتَّى إِذا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا في جَمَاعَة زَعَمَ أَنَّي أَحَدُهُمْ. فَيَاللهِ وَلِلشُّورَى[٢٤]! مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الاَْوَّلِ مِنْهُمْ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هذِهِ النَّظَائِرِ[٢٥]! لكِنِّي أَسفَفْتُ[٢٦] إِذْ أَسَفُّوا، وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا، فَصَغَا[٢٧] رَجُلُ مِنْهُمْ لِضِغْنِه[٢٨]، وَمَالَ الاْخَرُ لِصِهْرهِ، مَعَ هَن وَهَن[٢٩].
إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ، نَافِجَاً حِضْنَيْهِ[٣٠] بَيْنَ نَثِيلهِ[٣١] وَمُعْتَلَفِهِ[٣٢]، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ[٣٣] مَالَ اللهِ خَضْمَ الاِْبِل نِبْتَةَ[٣٤] الرَّبِيعِ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ[٣٥]، وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ[٣٦]، وَكَبَتْ[٣٧] بِهِ بِطْنَتُهُ[٣٨].
فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ[٣٩]، يَنْثَالُونَ[٤٠] عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ[٤١]، مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ[٤٢].
فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالاَْمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ[٤٣]، وَمَرَقَتْ أُخْرَى[٤٤]، وَفَسَقَ [وقسط ]آخَرُونَ[٤٥] كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (تِلْكَ الدَّارُ الاخِرَةُ نَجْعَلُهَاِللَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً في الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، بَلَى! وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا، وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتَ الدُّنْيَا[٤٦] في أَعْيُنِهمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا[٤٧]!
أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ[٤٨]، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ[٤٩]، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ[٥٠]، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا[٥١] عَلَى كِظَّةِ[٥٢] ظَالِم، وَلا سَغَبِ[٥٣] مَظْلُوم، لاََلقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا[٥٤]، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلاََلفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز[٥٥]!
قالوا: وقام إِليه رجل من أهل السواد[٥٦] عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته، فناوله كتاباً، فأقبل ينظر فيه، فلمّا فرغ من قراءته قال له ابن عباس: يا أميرالمؤمنين، لو اطَّرَدت مَقالتكَ[٥٧] من حيث أَفضيتَ[٥٨]! فَقَالَ(عليه السلام):
هَيْهَاتَ يَابْنَ عَبَّاس! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ[٥٩] هَدَرَتْ[٦٠] ثُمَّ قَرَّتْ[٦١]!
قال ابن عباس: فوالله ما أَسفت على كلام قطّ كأَسفي على ذلك الكلام أَلاَّ يكون أميرالمؤمنين(عليه السلام)بلغ منه حيث أراد.
قوله (عليه السلام) في هذه الخطبة: «كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم» يريد: أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها، وإن أرخى لها شيئاً مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها، يقال: أشنق الناقة: إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه، وشنقها أيضاً، ذكر ذلك ابن السكيت في «إصلاح المنطق».
وإنما قال(عليه السلام): «أشنق لها» ولم يقل: «أشنقها»، لانه جعله في مقابلة قوله: «أسلس لها»، فكأنه(عليه السلام)قال: إن رفع لها رأسها بالزمام يعني أمسكه عليها.
وفي الحديث: أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) خطب الناس وهو عل ناقة قد شنق لها وهي تقصع بجرّتها.
ومن الشاهد على أنّ أشنق بمعنى شنق قول عدي بن زيد العبادي:
وأشناقها إلى الاعناقِ | ساءها ما بنا تبيّن في الايدي |