وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                

Search form

نـهج البـــــــــلاغـة
إرسال الی صدیق
الخطبة ٣٢: وفيها يصف زمانه بالجور، ويقسم الناس فيه خمسة أصناف، ثم يزهد في الدنيا

ومن خطبة له (عليه السلام)

[وفيها يصف زمانه بالجور، ويقسم الناس فيه خمسة أصناف، ثم يزهد في الدنيا]

[معنى جور الزمان]

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا في دَهْر عَنُود[١]، وَزَمَن كَنُود[٢]، يُعَدُّ فِيهِ الُمحْسِنُ مُسِيئاً، وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً، لاَ نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا، وَلاَ نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا، وَلاَ نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً[٣] حَتَّى تَحُلَّ بِنَا.

[أصناف المسيئين]

فَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَاف:

مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَمْنَعُهُ الفَسَادَ في الاَْرْضِ إِلاَّ مَهَانَةُ نَفْسِهِ، وَكَلاَلَةُ حَدِّهِ[٤]، وَنَضِيضُ وَفْرِهِ[٥].

وَمِنْهُمُ المُصْلِتُ لِسَيْفِهِ، وَالمُعْلِنُ بِشَرِّهِ، وَالُمجْلِبُ بِخَيْلِهِ[٦] وَرَجِلِهِ[٧]، قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ[٨]، وَأَوْبَقَ دِينَهُ[٩] لِحُطَام[١٠] يَنْتَهِزُهُ[١١]، أَوْ مِقْنَب[١٢] يَقُودُهُ، أَوْ مِنْبَر يَفْرَعُهُ[١٣]. وَلَبِئْسَ المَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً، وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللهِ عِوَضاً!

وَمِنْهُمْ مَنْ يَطلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الاْخِرَةِ، وَلاَ يَطْلُبُ الاْخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا، قَدْ طَامَنَ[١٤] مِنْ شَخْصِهِ، وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ، وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلاَْمَانَةِ، وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللهِ ذَرِيعَةً[١٥] إِلَى المَعْصِيَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ أقْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ المُلْكِ ضُؤولَةُ نَفْسِهِ[١٦]، وَانقِطاعُ سَبَبِهِ، فَقَصَرَتْهُ الحالُ عَلَى حَالِهِ، فَتَحَلَّى بِاسْمِ القَنَاعَةِ، وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ، وَلَيْسَ مِنْ ذلِكَ في مَرَاح[١٧] وَلاَ مَغْدىً[١٨].

[الراغبون في الله]

وَبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ، وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْـمَحْشَرِ، فَهُمْ بَيْنَ شَرِيد نَادٍّ[١٩]، وَخَائِف مَقْمُوع[٢٠]، وَسَاكِت مَكْعُوم[٢١]، وَدَاع مُخْلِص، وَثَكْلاَنَ[٢٢] مُوجَع، قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ[٢٣] التَّقِيَّةُ[٢٤]، وَشَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ، فَهُمْ في بَحْر أُجَاج[٢٥]، أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ[٢٦]، وَقُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ[٢٧]، قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا[٢٨]، وَقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا، وَقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا.

[التزهيد في الدنيا]

فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا أَصْغَرَ في أَعْيُنِكُمْ مِنْ حُثَالَةِ[٢٩] الْقَرَظِ[٣٠]، وَقُرَاضَةِ)الْجَلَمِ[٣١]، وَاتّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ; َارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً، فَإِنَّهَا قَد رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا[٣٢] مِنْكُمْ.

وهذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له بها إلى معاوية، وهي من كلام

أميرالمؤمنين(عليه السلام) الذي لا يشك فيه، وأين الذهب من الرّغام[٣٣]! والعذب من الاجاج! وقد دلّ على ذلك الدليل الخِرِّيِت[٣٤] ونقده الناقد البصير عمروبن بحر الجاحظ; فإنه ذكر هذه الخطبة في كتابه «البيان والتبيين» وذكر من نسبها إلى معاوية، ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها، جملته أنه قال: وهذا الكلام بكلام علي(عليه السلام)أشبه، وبمذهبه في تصنيف الناس وفي الاخبار عماهم عليه من القهر والاذلال ومن التقية والخوف أليق. قال: ومتى وجدنا معاوية في حال من الاحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد، ومذاهب العُبّاد!

------------------------------------------------
[١] . العَنُود: الجائر ـ من «عَنَدَ يَعْنُدُ» كنصر ـ: جار عن الطريق وعدل.
[٢] . الكَنُود: الكَفُور.
[٣] . القارعة: الخَطْب يقرع من ينزل به، أي يصيبه.
[٤] . كَلالَةَ حَدّهِ: ضعف سلاحه عن القطع في أعدائه، يُقال: كَلّ السيف كَلالَةً أذا لم يقطع، والمُراد إعوازه من السلاح.
[٥] . نَضيضُ وَفْرِهِ: قلّة ماله، فالنضيض: القليل، والوفر: المال.
[٦] . المُجْلِبُ بخَيْلِهِ: مِنْ «أجْلَبَ القوْمُ» أي جلبوا وتجمعوا من كل أوب للحرب.
[٧] . الرَّجِل: جمع راجل.
[٨] . أشرط نفسه: هيأها وأعدها للشر والفساد في الارض.
[٩] . أوْبَقَ دِينَه: أهلكه.
[١٠] . الحطام: المال، وأصله ما تكسرَ من اليبس.
[١١] . ينتهزه: يغتنمه أويختلسه.
[١٢] . المِقْنَب: طائفة من الخيل ما بين الثلاثين إلى الاربعين.
[١٣] . فَرَعَ المنبر ـ بالفاء ـ: علاه.
[١٤] . طَامَنَ: خَفَضَ.
[١٥] . الذريعة: الوسيلة.
[١٦] . ضؤولة النفس ـ بالضم ـ: حقارتها.
[١٧] . مَرَاح ـ مصدر ميمي من راح ـ: إذا ذهب في العشي.
[١٨] . مَغْدَى ـ مصدر ميمي من غدا ـ: إذا ذهب في الصباح.
[١٩] . النّادّ: المنفرد الهارب من الجماعة إلى الوحدة.
[٢٠] . المقموع: المقهور.
[٢١] . المكعوم: من «كَعَمَ البعيرَ» شدّ فاه لئلاّ يأكل أويعضّ.
[٢٢] . ثَكْلان: حزين.
[٢٣] . أخمله: أسقط ذكره حتى لم يَعُد له بين الناس نباهة.
[٢٤] . التّقِيّة: اتقاء الظلم بإخفاء المال.
[٢٥] . الاُجاج: الملح.
[٢٦] . ضامزة: ساكنة.
[٢٧] . قَرِحَة ـ بفتح فكسر ـ: مجروحة.
[٢٨] . ملّوا: أي أنهم أكثروا من وعظ الناس حتى سئموا ذلك، إذْ لم يكن لهم في النفوس تأثير.
[٢٩] . الحُثالة ـ بالضم ـ: القُشارة ومالا خير فيه، وأصله ما يسقط من كل ذي قِشْر.
[٣٠] . القَرَظ ـ محركة ـ: ورق السلم أوثمر السنط يدبغ به.
[٣١] . الجَلَم ـ بالتحريك ـ: مِقراض يُجَزّ به الصوف، وقُراضته: ما يسقط منه عند القرض والجزّ.
[٣٢] . أشْغَفَ بها: أشد تعلقاً بها.
[٣٣] . الرّغام ـ بالفتح ـ: التراب، وقيل: هوالرمل المختلط بالتراب.
[٣٤] . الخِرّيت ـ بوزن سِكّيت ـ: الحاذق في الدلالة، وفعله كفرح.
****************************