وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                

Search form

نـهج البـــــــــلاغـة
إرسال الی صدیق
الخطبة ١١٠: في ذم الدنيا

ومن خطبة له (عليه السلام)

[في ذم الدنيا]

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرِةٌ، حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، وَتَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ، وَرَاقَتْ بِالْقَلِيلِ، وَتَحَلَّتْ بِالاْمَالِ، وَتَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِ، لاَ تَدُومُ حَبْرَتُهَا[١]، وَلاَ تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا، غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ، حَائِلَةٌ[٢] زَائِلَةٌ، نَافِدَةٌ[٣] بَائِدَةٌ[٤]، أَكَّالَةٌ غَوَّالَةٌ[٥]، لاَ تَعْدُوـ إِذَا تَنَاهَتْ إِلَى أُمْنِيَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا والرضى بِهَا ـ أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى: (كَمَاء أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّماَءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الاَْرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً[٦] تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْء مُقْتَدِراً).

لَمْ يَكُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِي حَبْرَة إِلاَّ أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَةً[٧]، وَلَمْ يَلْقَ منْ سَرَّائِهَا بَطْناً[٨] إِلاَّ مَنَحَتْهُ مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْراً[٩]، وَلَمْ تَطُلَّهُ[١٠] فِيهَا دِيمَةُ[١١] رَخَاء[١٢] إِلاَّ هَتَنَتْ[١٣] عَلَيهِ مُزْنَةُ بَلاَء! وَحَرِيٌّ إِذَا أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِيَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً، وَإِنْ جَانِبٌ مِنْهَا اعْذَوْذَبَ وَاحْلَوْلَى، أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأَوْبَى[١٤]!

لاَ يَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ غَضَارَتِهَا[١٥] رَغَباً[١٦]، إِلاَّ أَرْهَقَتْهُ[١٧] مِنْ نَوَائِبِهَا تَعَباً! وَلاَ يُمْسِي مِنْهَا فِي جَنَاحِ أَمْن، إِلاَّ أَصْبَحَ عَلَى قَوَادِمِ[١٨] خَوْف! غَرَّارَةٌ، غُرُورٌ مَا فِيهَا، فَانِيَةٌ، فَان مَنْ عَلَيْهَا، لاَ خَيْرَ في شَيْء مِنْ أَزْوَادِهَا إِلاَّ التَّقْوَى.

مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُؤْمِنُهُ! وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُوبِقُهُ[١٩]، وَزَالَ عَمَّا قَلِيل عَنْهُ.

كُمْ مِنْ وَاثِق بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ، وَذِي طُمَأْنِينَة إِلَيْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ، وَذِي أُبَّهَة[٢٠] قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِيراً، وَذِي نَخْوَة[٢١] قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِيلاً!

سُلْطَانُهَا دُوَّلٌ[٢٢]، وَعَيْشُهَا رَنِقٌ[٢٣]، وَعَذْبُهَا أُجَاجٌ[٢٤]، وَحُلْوُهَا صَبِرٌ[٢٥]، وَغِذَاؤُهَا سِمَامٌ[٢٦]، وَأَسْبَابُهَا رِمَامٌ[٢٧]! حَيُّهَا بِعَرَضِ مَوْت، وَصَحِيحُهَا بَعَرَضِ سُقْم! مُلْكُهَا مَسْلُوبٌ، وَعَزِيزُهَا مَغْلُوبٌ، وَمَوْفُورُهَا[٢٨] مَنْكُوبٌ، وَجَارُهَا مَحْرُوبٌ[٢٩].

أَلَسْتُمْ فِي مَسَاكِنِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً، وَأَبْقَى آثَاراً، وَأَبْعَدَ آمَالاً، وَأَعَدَّ عَدِيداً، وَأَكْثَفَ جُنُوداً! تَعَبَّدُوا لِلدُّنْيَا أَيَّ تَعَبُّد، وَآثَرُوهَا أَيَّ إِيثَار، ثُمَّ ظَعَفُوا عَنْهَا بَغَيْرِ زَاد مُبَلِّغ وَلاَ ظَهْر قَاطِع[٣٠].

فَهَلْ بَلَغَكُمْ أَنَّ الدُّنْيَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِفِدْيَة[٣١]؟ أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَة؟ أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ صُحْبَةً؟ بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بَالْفَوَادِحِ[٣٢]، وَأوْهَنَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ[٣٣]، وَضَعْضَعَتْهُمْ[٣٤] بِالنَّوَائِبِ، وَعَفَّرَتْهُمْ[٣٥] لِلْمَنَاخِرَ، وَوَطِئَتْهُمْ بَالْمَنَاسِمِ[٣٦]، وَأَعَانَتْ عَلَيْهِمْ (رَيْبَ الْمَنُونِ)، فَقَدْ رَأَيْتُمْ تَنَكُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا[٣٧]، وَآثَرَهَا وَأَخْلَدَ إِلَيْهَا[٣٨]، حِينَ ظَعَنُوا عَنْهَا لَفِرَاقِ الاَْبَدِ.

هَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلاَّ السَّغَبَ[٣٩]؟ أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلاَّ الضَّنْكَ[٤٠]؟ أوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلاَّ الظُّلْمَةَ؟ أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلاَّ النَّدَامَةَ؟

أَفَهذِهِ تُؤْثِرُونَ؟ أَمْ إِلَيْهَا تَطْمَئِنُّونَ؟ أَمْ عَلَيْهَا تَحْرِصُونَ؟ فَبِئْسَتِ الدَّارُ لَمَنْ لَمْ يَتَّهِمْهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى وَجَل مِنْهَا!

فَاعْلَمُوا ـ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ـ بِأَنَّكُمْ تَارِكُوهَا وَظَاعِنُونَ عَنْهَا، وَاتَّعِظُوا فِيهَا بِالَّذِينَ (قَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً): حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ فَلاَ يُدْعَوْنَ رُكْبَاناً[٤١]، وَأُنْزِلُوا [الاَْجْدَاثَ][٤٢] فَلاَ يُدْعَوْنَ ضِيفَاناً، وَجُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِيحِ[٤٣] أَجْنَانٌ[٤٤]، وَمِنَ التُّرَابِ أَكْفَانٌ، وَمِنَ الرُّفَاتِ[٤٥] جِيرَانٌ، فَهُمْ جِيرَةٌ لاَ يُجِيبُونَ دَاعِياً، وَلاَ يَمْنَعُونَ ضَيْماً، وَلاَ يُبَالُونَ مَنْدَبَةً، إِنْ جِيدُوا[٤٦] لَمْ يَفْرَحُوا، وَإِنْ قُحِطُوا لَمْ يَقْنَطُوا، جَمِيعٌ وَهُمْ آحَادٌ، وَجِيرَةٌ وَهُمْ أَبْعَادٌ، مُتَدَانُونَ لاَ يَتَزَاوَرُونَ، وَقَرِيبُونَ لاَ يَتَقَارَبُونَ، حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ، وَجُهَلاءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُمْ، لاَ يُخْشَى فَجْعُهُمْ[٤٧]، وَلاَ يُرْجَى دَفْعُهُمْ، اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الاَْرْضِ بَطْناً، وَبِالسَّعَةِ ضِيقاً، وَبِالاَْهْلِ غُرْبَةً، وَبِالنُّورِ ظُلْمَةً، فَجَاؤُوهَا كَمَا فَارَقُوهَا، حُفَاةً عُرَاةً، قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى الْحَيَاةِ الْدَّائِمَةِ وَالدَّارِ الْبَاقِيَةِ، كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْق نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ).

--------------------------------------
[١] . الحَبْرَة ـ بالفتح ـ: السرور والنعمة.
[٢] . حائلة: متغيّرة.
[٣] . نافدة: فانية.
[٤] . بائدة: هالكة.
[٥] . غَوّالة: مُهْلِكة.
[٦] . الهَشِيم: النبت اليابس المكسّر.
[٧] . العَبْرَة ـ بالفتح ـ: الدمعة قبل أن تفيض.
[٨] . كنّى «بالبطن» عن الاقبال.
[٩] . كنّى «بالظهر» عن الادبار.
[١٠] . الطَلّ: المطر الخفيف. وطَلّتْهُ السماء: أمطرتْه مطراً قليلاً.
[١١] . الدّيمة: مطر يدوم في سكون، لا رعد ولا برق معه.
[١٢] . الرّخاء: السّعة.
[١٣] . هَتَنَتِ المُزْن: انصبّت.
[١٤] . أوْبى: صار كثير الوباء، والوباء هو المعروف بالريح الاصفر.
[١٥] . الغَضَارة: النعمة والسّعة.
[١٦] . الرّغَب ـ بالتحريك ـ: الرغبة والمرغوب.
[١٧] . أرْهَقَتْهُ التعب: ألحقَتْهُ به.
[١٨] . القَوَادِم: جمع قادِمة، الواحدة من أربع أوعشر ريشات في مقدّم جناح الطائر، وهي القوادم، والعَشْر التي تحتها هي الخَوَافي.
[١٩] . يُوبِقُهُ: يُهْلكه.
[٢٠] . أُبّهَة ـ بضم فتشديد ـ: عظَمَة.
[٢١] . النَّخْوَة ـ بفتح النون ـ: الافتخار.
[٢٢] . دُوَّل ـ بضم الدال وفتح الواوالمشددة ـ: المتحوِّل.
[٢٣] . رَنِق ـ بفتح فكسر ـ: كَدِر.
[٢٤] . أُجاج: شديد المُلوحة.
[٢٥] . الصّبِر ـ كَكَتِف ـ: عُصارة شجر مُرّ.
[٢٦] . سِمام: جمع سم، مثلّث السين وهو من المواد ما إذا خالط المزاجَ أفسده فقتل صاحبه.
[٢٧] . رِمام: جمع رُمّة بالضم: وهي القطعة البالية من الحبل.
[٢٨] . مَوْفُورها: ما كثر منها. مصاب بالنكبة، وهي المصيبة: أي في مَعْرِض لذلك.
[٢٩] . مَحْرُوب: من «حَرَبَهُ حَرْباً» ـ بالتحريك ـ إذا سلب ماله.
[٣٠] . ظهر قاطع: راحلة تُرْكَبُ لقطع الطريق.
[٣١] . الفِدْية: الفِداء.
[٣٢] . أَرْهَقَتْهُمْ: غَشِيَتْهُمْ. الفوادح ـ من فدحه الامر ـ إذا أثقله.
[٣٣] . القوارع: المِحَن والدواهي.
[٣٤] . ضَعْضَعَتْهُمْ: ذَلّلَتْهُمْ.
[٣٥] . عَفّرَتْهم: كَبّتْهُمْ على مَنَاخِرَهِم في العَفَر، وهو التراب.
[٣٦] . المَنَاسِم: جمع مِنْسَمْ، وهو مقدّم خُفّ البعير، أوالخُفّ نفسه.
[٣٧] . دَان لها: خضع.
[٣٨] . أخلدَ لها: ركن إليها.
[٣٩] . السّغَب ـ بالتحريك ـ: الجوع.
[٤٠] . الضّنْكَ: الضّيق.
[٤١] . لا يُدْعَوْنَ رُكباناً: لا يقال لهم رُكْبان: جمع راكب، لان الراكب من يكون مختاراً، وله التصرّف في مركوبه.
[٤٢] . الاجْدَاث: القبور.
[٤٣] . الصّفِيح: وَجْهُ كل شيء عريض، والمراد وجه الارض.
[٤٤] . الاجْنان: جمع جَنَن ـ بالتحريك ـ وهو القبر.
[٤٥] . الرُفات: العظام المندقّة المحطومة.
[٤٦] . جِيدُوا ـ بالبناء للمجهول ـ: مُطِرُوا.
[٤٧] . لا يُخْشى فَجْعُهم: لا تَخافُ منهم أن يَفْجعوك بضرر.
****************************