وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                

Search form

نـهج البـــــــــلاغـة
إرسال الی صدیق
الخطبة ١٨٣: في قدرة الله وفي فضل القرآن وفي الوصية بالتقوى

ومن خطبة له (عليه السلام)

[في قدرة الله وفي فضل القرآن وفي الوصية بالتقوى]

[الله تعالى]

الْحَمْدُ لله الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَة، وَالْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَة[١]، خَلَقَ الْخَلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ، وَاسْتَعْبَدَ الاَْرْبَابَ بِعِزَّتِهِ، وَسَادَ الْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَسْكَنَ الدُّنْيَا خَلْقَهُ، وَبَعَثَ إِلَى الْجِنِّ وَالاِْنْسِ رُسُلَهُ، لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ غِطَائِهَا، وَلِيُحَذِّرُوهُمْ مِنْ ضَرَّائِهَا، وَلِيَضْرِبُوا لَهُمْ أَمْثَالَهَا، وَلِيُبَصِّرُوهُم عُيُوبَهَا، وَلِيَهْجُمُوا[٢] عَلَيْهِمْ بِمُعْتَبَر[٣] مِنْ تَصَرُّفِ[٤] مَصَاحِّهَا[٥] وَأَسْقَامِهَا، وَحَلاَلِهَا وحَرَامِهَا، وَمَا أَعَدَّ سُبْحَانَهُ لِلْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ وَالْعُصَاةِ مِنْ جَنَّة وَنَار، وَكَرَامَة وَهَوَان.

أَحْمَدُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا اسْتَحْمَدَ[٦] إِلَى خَلْقِهِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْء قَدْراً، وَلِكُلِّ قَدْر أجَلاً، وَلِكُلِّ أَجَل كِتَاباً.

منها: في ذكر القرآن

فَالْقُرآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ، حُجَّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِيثاقَهُ، وَارْتَهَنَ عَلَيْهِ أَنْفُسَهُمْ، أَتَمَّ نُورَهُ، وَأكْرَمَ بِهِ دِينَهُ، وَقَبَضَ نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وآله) وَقَدْ فَرَغَ إِلَى الْخَلْقِ مِنْ أَحكَامِ الْهُدَى بِهِ.

فَعَظِّمُوا مِنهُ سُبْحَانَهُ مَا عَظَّمَ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْفِ عَنْكُمْ شَيئاً مِنْ دِينِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيئاً رَضِيَهُ أَوْ كَرِهَهُ إِلاَّ وَجَعَلَ لَهُ عَلَماً بَادِياً، وَآيَةً مُحْكَمَةً، تَزْجُرُ عَنْهُ، أَوْ تَدْعُو إِلَيْهِ، فَرِضَاهُ فِيَما بَقِيَ وَاحِدٌ، وَسَخَطُهُ فِيَما بَقِيَ وَاحِدٌ.

وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرْضَى عَنْكُمْ بِشَيء سَخِطَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُم، وَلَنْ يَسْخَطَ عَلَيْكُمْ بِشَىْء رَضِيَهُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّمَا تَسِيرُونَ فِي أَثَر بَيِّن، وَتَتَكَلَّمُونَ بِرَجْعِ قَول قَدْ قَالَهُ الرِّجَالُ مِنْ قَبْلِكُمْ، قَدْ كَفَاكُمْ مَؤُونَةَ دُنْيَاكُمْ، وَحَثَّكُمْ عَلَى الشُّكْرِ، وَافْتَرَضَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ الذِّكْرَ.

[الوصية بالتقوى]

وَأَوْصَاكُمْ بِالتَّقْوَى، وَجَعَلَهَا مُنْتَهَى رِضَاهُ، وَحَاجَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ.

فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِعَيْنِهِ[٧]، وَنَوَاصِيكُمْ بِيَدِهِ، وَتَقَلُّبُكُمْ فِي قَبْضَتِهِ، إِن أَسْرَرْتُمْ عَلِمَهُ، وَإِن أَعْلَنْتُمْ كَتَبَهُ، قَدْ وَكَّلَ بِذلِكَ حَفَظَةً كِرَاماً، لاَ يُسْقِطُونَ حَقّاً، وَلاَ يُثْبِتُونَ بَاطِلاً.

وَاعْلَمُوا أَنَّهُ (مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) مِنَ الْفِتَنِ، وَنُوراً مِنَ الظُّلَمِ، وَيُخَلِّدْهُ فِيَما اشْتَهَتْ نَفْسُهُ، وَيُنْزِلْهُ مَنْزِلَ الْكَرَامَةِ عِنْدَهُ، فِي دَار اصْطَنَعَهَا لِنَفْسِهِ، ظِلُّهَا عَرْشُهُ، وَنُورُهَا بَهْجَتَهُ، وَزُوَّارُهَا مَلاَئِكَتُهُ، وَرُفَقَاؤُهَا رُسُلُهُ.

فَبَادِرُوا الْمَعَادَ، وَسَابِقُوا الاْجَالَ، فَإِنَّ النَّاسَ يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِمُ الاَْمَلُ، وَيَرْهَقَهُمُ الاَْجَلُ[٨]، وَيُسَدَّ عَنْهُمْ بَابُ التَّوْبَةِ، فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي مِثْلِ مَا سَأَلَ إِلَيْهِ الرَّجْعَةَ[٩] مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَأَنْتُمْ بَنُو سَبِيل، عَلَى سَفَر مِنْ دَار لَيْسَتْ بِدَراِكُمْ، وَقَد أُوذِنْتُمْ مِنهَا بِالارْتِحَالِ، وَأُمِرْتُمْ فِيهَا بِالزَّادِ.

وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ، فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ، فَإِنّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا.

[أَ] فَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ، وَالْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ، وَالرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَار، ضَجِيعَ حَجَر، وَقَرِينَ شَيْطَان؟!

أَعَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً[١٠] إِذَا غَضِبَ عَلَى النَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضَاً لِغَضَبِهِ، وَإِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ؟!

أَيُّهَا الْيَفَنُ[١١] الْكَبِيرُ، الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ الْقَتَيرُ[١٢]، كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ النَّارِ بِعِظَامِ الاَْعْنَاقِ، وَنَشِبَتِ الجَوَامِعُ[١٣] حَتَّى أَكَلَتْ لُحُومَ السَّوَاعِدِ؟

فَاللهَ اللهَ مَعْشَرَ الْعِبَادِ! وَأَنْتُمْ سَالِمُونَ فِي الصِّحَّةِ قَبْلَ السُّقْمِ، وَفِي الْفُسْحَةِ قَبْلَ الضِّيقِ، فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا[١٤]، أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ، وَأَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ، وَاسْتَعْمِلُوا أَقْدَامَكُمْ، وَأَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ، وَخُذُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ تَجُودُوا بِهَا عَلَى أَنْفُسَكُمْ، وَلاَ تَبْخَلُوا بِهَا عَنْهَا، فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، وَقَالَ تَعَالَى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)، فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ، وَلَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ، اسْتَنْصَرَكُمْ وَلَهُ جُنُودُ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحُكِيمُ، وَاسْتَقْرَضَكُمْ وَلَهُ خَزَائِنُ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ (يَبْلُوَكُمْ[١٥] أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)

فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اللهِ فِي دَارِهِ، رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ، وَأَزَارَهُمْ مَلاَئِكَتَهُ، وَأَكرَمَ أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ[١٦] نَار أَبَداً، وَصَانَ أَجْسَادَهَمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَنَصَباً[١٧]، (ذلِكَ فُضْلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ)

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلى نَفْسِي وَأَنْفُسِكُمْ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ!

---------------------------------------
[١] . المَنْصبَة ـ كمصطبة ـ: التعب.
[٢] . هجَم عليه ـ كنصر ـ: دخل غفلة.
[٣] . المُعتبَرُ ـ مصدر ميمي ـ: الاعتبار والاتعاظ.
[٤] . التصرف ـ هنا ـ: التبدّل.
[٥] . المصاحّ ـ جمع مَصِحّة بكسر الصاد وفتحها ـ: بمعنى الصحة والعافية.
[٦] . استَحْمَد: أي طلب من خلقه أن يحمدوه.
[٧] . يقال: فلان بعين فلان، إذا كان بحيث لا يخفى عليه منه شيء.
[٨] . يَرْهَقُهُم بالاجل: أي يَغْشاهم بالمنية.
[٩] . يريد بالرجعة هنا: ما يسأله الانسان المذنب من العودة إلى الدنيا ليعمل صالحاً كما قال الله: (ربّ ارجعونِ لعلّي أعملُ صالحاً فيما تركت)
[١٠] . مالك: هوالموكّل بالجحيم.
[١١] . اليَفَن ـ بالتحريك ـ: الشيخ المسنّ.
[١٢] . لَهَزَهُ: أي خالطة. والقَتير: الشيب.
[١٣] . نَشِبَتْ ـ كفرحت ـ:عَلِقَت. والجوامع ـ جمع جامعة ـ: الغلّ، لانها تجمع اليدين إلى العنق.
[١٤] . غَلِقَ الرهنُ ـ كفرح ـ: استحقّه صاحب الحق، وذلك إذا لم يكن فكا كه في الوقت المشروط.
[١٥] . يَبْلوكم: يختبركم.
[١٦] . الحسيس: الصوت الخفي.
[١٧] . لَغِب ـ كسمع ومنع وكرم ـ لَغَباً ولُغُوباً: أُعيي أشدّ الاعياء. والنَصَب: التعب أيضاً.
****************************