بسم الله الرحمن الرحیم
ومن خطبة له (عليه السلام)
[يحمد الله ويثني على نبيّه ويعظ بالتقوى]
[حمد الله]
أَحْمَدُهُ شُكْراً لاِِنْعَامِهِ، وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى وَظَائِفِ حُقُوقِهِ، عَزِيزَ الْجُنْدِ، عَظِيمَ الْـمَجْدِ.
[الثناء على النبي]
وَأَشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَا إِلَى طَاعَتِهِ، وَقَاهَرَ أَعْدَاءَهُ جِهَاداً عَنْ دِينِهِ، لاَ يَثْنِيهِ عَنْ ذلِكَ اجْتَِماعٌ على تَكْذِيبِهِ، وَالِْتمَاسٌ لاِِطْفَاءِ نُورِهِ.
[العظة بالتقوى]
فَاعْتَصِمُوا بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّ لَهَا حَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ، وَمَعْقِلاً[١] مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ[٢]، وَبَادِرُوا الْمَوْتَ[٣] وَغَمَرَاتِهِ[٤]، وَامْهَدُوا[٥] لَهُ قَبْلَ حُلُولِهِ، وأَعِدُّوا لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ، فَإِنَّ الْغَايَةَ الْقِيَامَةُ، وَكَفَى بِذلِكَ وَاعِظاً لِمَنْ عَقَلَ، وَمُعْتَبَراً لِمَنْ جَهِلَ! وَقَبْلَ بُلُوغِ الْغَايَةَ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ ضِيقِ الاَْرْمَاسِ[٦]، وَشِدَّةِ الاِْبْلاَسِ[٧]، وَهَوْلِ الْمُطَّلَعِ[٨]، وَرَوْعَاتِ الْفَزَعِ، وَاخْتلاَفِ الاَْضْلاَعِ[٩]، وَاسْتِكَاكِ الاَْسْمَاعِ[١٠]، وَظُلْمَةِ اللَّحْدِ، وَخِيفَةِ الْوَعْدِ، وغَمِّ الضَّرِيحِ[١١]، وَرَدْمِ الصَّفِيحِ[١٢].
فَاللهَ اللهَ عِبَادَ اللهِ! فَإِنَّ الْدُّنْيَا مَاضِيَةٌ بكُمْ عَلَى سَنَن[١٣]، وَأَنْتُمْ وَالسَّاعَةُ فِي قَرَن[١٤]، وَكَأَنَّهَا قَد جَاءَتْ بِأَشْرَاطِهَا[١٥]، وَأَزِفَتْ[١٦] بِأَفْرَاطِهَا[١٧]، وَوَقَفَتْ بِكُمْ عَلَى سِراطِهَا، وَكَأنَّهَا قَدْ أَشْرَفَتْ بِزَلاَزِلِهَا، وَأَنَاخَتْ بِكَلاَكِلِهَا[١٨]، وَانْصَرَمَتِ[١٩] الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا، وَأَخْرَجَتْهُمْ مَنْ حِضْنِهَا، فَكَانَتْ كَيَوْم مَضَى وَشَهْر انْقَضَى، وَصَارَ جَدِيدُهَا رَثّاً[٢٠]، وَسَمِينُهَا غَثّاً[٢١]، فِي مَوْقِف ضَنْكِ الْمَقَامِ، وَأُمُور مُشْتَبِهَة عِظَام، ونَار شَدِيد كَلَبُهَا[٢٢]، عَال لَجَبُهَا[٢٣]، سَاطع لَهَبُهَا، مُتَغَيِّظ[٢٤] زَفِيرُهَا[٢٥]، مُتَأَجِّج سَعِيرهَا، بَعِيد خُمُودُهَا، ذَاك[٢٦] وُقُودُهَا، مَخُوف وعِيدُهَا، عُم قَرارُهَا[٢٧]، مُظْلِمَة أَقْطَارُهَا، حَامِيَة قُدُورُهَا، فَظِيعَة أُمُورُهَا.
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً)، قَدْ أُمِنَ الْعَذَابُ، وَانْقَطَعَ الْعِتَابُ، وَزُحْزِحُوا عَنِ النَّارِ، وَاطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدّارُ، وَرَضُوا المَثْوَى وَالْقَرَارَ، الَّذِينَ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا زَاكِيةً، وَأَعْيُنُهُمْ بَاكِيَةً، وَكَانَ لَيْلُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ نَهَاراً، تَخَشُّعاً وَاسْتِغفَاراً، وَكَانَ نَهَارُهُمْ لَيْلاً، تَوَحُشّاً[٢٨] وَانَقِطَاعاً، فَجَعَلَ اللهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ [مَآباً، وَالْجَزَاءَ] ثَوَاباً،(وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَها) في مُلْك دَائِم، وَنَعِيم قَائِم.
فَارْعَوْا عِبَادَ اللهِ مَا بِرِعَايَتِهِ يَفُوزُ فَائِزُكُمْ، وَبِإضَاعَتِهِ يَخْسَرُ مُبْطِلُكُمْ، وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بأَعْمَالِكُمْ، فَإِنَّكُمْ مُرْتَهَنُونَ بِمَا أَسْلَفْتُمْ، وَمَدِينُونَ بِمَا قدَّمْتُمْ، وَكَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِكُمُ الْـمَخُوفُ، فَلاَ رَجْعَةً تَنَالُونَ، وَلاَ عَثْرَةً تُقَالُونَ.
اسْتَعْمَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وعَفَا عَنَّا وَعَنْكُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ.
الْزَمُوا الاَْرْضَ[٢٩]، وَاصْبِروُا عَلَى الْبَلاءِ، وَلاَ تُحرِّكُوا بأَيْدِيكُمْ وَسُيُوفِكُمْ [فِي ]هَوَى أَلْسِنَتِكُمْ، وَلاَ تَسْتَعْجِلُوا بِمَا لَمْ يُعَجِّلْهُ اللهُ لَكُمْ، فَإِنّهُ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ عَزَّوَجَلّ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ مَاتَ شَهِيداً، وَوَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ، واسْتَوْجَبَ ثَوَابَ مَا نَوَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ، وَقَامَتِ النِّيَّةُ مَقَامَ إِصْلاَتِهِ لِسَيْفِهِ[٣٠]، فإِنَّ لِكُلِّ شَيْء مُدَّةً وَأَجَلاً.