ومن خطبة له (عليه السلام)
[يحمدالله ويثني على نبيه ويوصي بالزهد والتقوى]
الْحَمْدُ لله الْفَاشِي[١] حَمْدُهُ، وَالْغَالِبِ جُنْدُهُ، وَالْمُتَعَالِي جَدُّهُ[٢].
أحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ التُّؤَامِ، وَآلاَئِهِ[٣] الْعِظَامِ، الَّذِي عَظُمَ حِلْمُهُ فَعَفَا، وَعَدَلَ فِي كُلِّ مَا قَضَى، وَعَلِمَ مَا يَمْضِي وَمَا مَضَى، مُبْتَدِعِ الْخَلاَئِقِ بِعِلْمِهِ، وَمُنْشِئِهِمْ بِْحُكْمِهِ[٤]، بِلاَ اقْتِدَاء وَلاَ تَعْلِيم، وَلاَ احْتِذَاء لِمِثَالِ صَانِع حَكِيم، وَلاَ إِصابَةِ خَطَأ، وَلاَ حَضْرَةِ مَلاَ
[الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)]
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ابْتَعَثَهُ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَة[٥]، وَيَمُوجُونُ فِي حَيْرَة، قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّةُ[٦] الْحَيْنِ[٧]، وَاسْتَغْلَقَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ الرَّيْنِ[٨].
[الوصية بالزهد والتقوى]
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهَا حَقُّ اللهِ عَلَيْكُمْ، وَالْمُوجِبَةُ عَلَى اللهِ حَقَّكُمْ، وَأَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللهِ، وَتَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللهِ، فَإِنَّ الْتَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ وَالْجُنَّةُ، وَفِي غَد الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ، مَسْلَكُهَا وَاضِحٌ، وَسَالِكُهَا رَابحٌ، وَمُسْتَوْدَعُهَا[٩] حَافِظٌ، لَمْ تَبْرَحْ عَارِضَةً نَفْسَهَا عَلَى الاُْمَمِ الْمَاضِينَ وَالْغَابِرينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا غَداً، إِذَا أَعَادَ اللهُ مَا أَبْدَى، وَأَخَذَ مَا أَعْطَى، وَسَأَلَ عَمَّا أَسْدَى[١٠].
فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبِلَهَا، وَحَمَلَهَا حَقَّ حَمْلِهَا! أُولئِكَ الاَْقَلُّونَ عَدَداً، وَهُمْ أَهْلُ صِفَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ إِذْ يَقُولُ: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)
فَأَهْطِعُوا[١١] بِأَسْمَاعِكُمْ إِلَيْهَا، وأكظّوا[١٢] بِجِدِّكُمْ عَلَيْهَا، وَاعْتَاضُوهَا مِنْ كُلِّ سَلَف خَلَفاً، وَمِنْ كُلِّ مُخَالِف مُوَافِقاً.
أَيْقِظُوا بِهَا نَوْمَكُمْ، واقْطَعُوا بِهَا يَوْمَكُمْ، وَأَشْعِرُوهَا قُلُوبَكُمْ، وَارْحَضُوا[١٣] بِهَا ذُنُوبَكُمْ، وَدَاوُوا بِهَا الاَْسْقَامَ، وَبَادِرُوا بِهَا الْحِمَامَ[١٤]، وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا، وَلاَ يَعْتَبِرَنَّ بِكُمْ مَنْ أَطَاعَهَا.
أَلاَ وصُونُوهَا وَتَصَوَّنُوا[١٥] بِهَا، وَكُونُو عَنِ الدُّنْيَا نُزَّاهاً[١٦]، وَإِلَى الاْخِرَةِ وُلاَّهاً[١٧].
وَلاَ تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَى، وَلاَ تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْيَا، وَلاَ تَشِيمُوا[١٨] بَارِقَهَا[١٩]، وَلاَ تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا، وَلاَ تُجِيبُوا نَاعِقَهَا، وَلاَ تَسْتَضِيئُوا بِإِشْرَاقِهَا، وَلاَ تُفْتَنُوا بِأَعْلاَقِهَا[٢٠]، فَإِنَّ بَرْقهَا خَالِبٌ[٢١]، وَنُطْقَهَا كَاذِبٌ، وَأَمْوَالَهَا مَحْرُوبةٌ[٢٢]، وَأَعْلاَقَهَا مَسْلُوبَةٌ.
أَلاَ وَهِيَ الْمُتَصَدِّيَةُ[٢٣] الْعَنُونُ[٢٤]، وَالْجَامِحَةُ الْحَرُونُ[٢٥]، وَالْمَائِنَةُ الْخَأُون[٢٦]، وَالْجَحُودُ الْكَنُودُ[٢٧]، وَالْعَنُودُ الصَّدُودُ[٢٨]، وَالْحَيُودُ الْمَيُودُ[٢٩].
حَالُهَا انْتِقَالٌ، وَوَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ، وَعِزُّهَا ذُلٌّ، وَجِدُّهَا هَزْلٌ، وَعُلْوُهَا سُفْلٌ، دَارُ حَرَب وَسَلَب، وَنَهْب وَعَطَب[٣٠]، أَهْلُهَا عَلَى سَاق وَسِيَاق[٣١]، وَلَحَاق وَفِرَاق[٣٢].
قَدْ تَحَيَّرَتْ مَذَاهِبُهَا[٣٣]، وَأَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا[٣٤]، وَخَابَتْ مَطَالِبُهَا، فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ، وَلَفَظَتْهُمُ الْمَنَازِلُ، وَأَعْيَتْهُمُ الْـمَحَاوِلُ[٣٥]: فَمِنْ نَاج مَعْقُور[٣٦]، وَلَحْم مَجْزُور[٣٧]، وَشِلْو[٣٨] مَذْبُوح، وَدَم مَسْفُوح[٣٩]، وَعَاضّ عَلَى يَدَيْهِ، وَصَافِق لِكَفَّيْهِ، وَمُرْتَفِق بِخَدَّيْهِ[٤٠]، وَزَار عَلَى رَأْيِهِ[٤١]، وَرَاجِع عَنْ عَزْمِهِ، وَقَدْ أَدْبَرَتِ الْحِيلَةُ، وَأَقْبَلَتِ الْغِيلَةُ[٤٢]، (وَلاَتَ حِينَ مَنَاص)[٤٣].
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ! قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ، وَذَهَبَ مَا ذَهَبَ، ومَضَتِ الدُّنْيَا لِحَالِ بَالِهَا[٤٤]، (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)[٤٥].