وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): الغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ.                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                
وقال (عليه السلام): مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.                

Search form

نـهج البـــــــــلاغـة
إرسال الی صدیق
الخطبة ١٩١: يحمدالله ويثني على نبيه ويوصي بالزهد والتقوى

ومن خطبة له (عليه السلام)

[يحمدالله ويثني على نبيه ويوصي بالزهد والتقوى]

الْحَمْدُ لله الْفَاشِي[١] حَمْدُهُ، وَالْغَالِبِ جُنْدُهُ، وَالْمُتَعَالِي جَدُّهُ[٢].

أحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ التُّؤَامِ، وَآلاَئِهِ[٣] الْعِظَامِ، الَّذِي عَظُمَ حِلْمُهُ فَعَفَا، وَعَدَلَ فِي كُلِّ مَا قَضَى، وَعَلِمَ مَا يَمْضِي وَمَا مَضَى، مُبْتَدِعِ الْخَلاَئِقِ بِعِلْمِهِ، وَمُنْشِئِهِمْ بِْحُكْمِهِ[٤]، بِلاَ اقْتِدَاء وَلاَ تَعْلِيم، وَلاَ احْتِذَاء لِمِثَالِ صَانِع حَكِيم، وَلاَ إِصابَةِ خَطَأ، وَلاَ حَضْرَةِ مَلاَ

[الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)]

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ابْتَعَثَهُ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَة[٥]، وَيَمُوجُونُ فِي حَيْرَة، قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّةُ[٦] الْحَيْنِ[٧]، وَاسْتَغْلَقَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ الرَّيْنِ[٨].

[الوصية بالزهد والتقوى]

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهَا حَقُّ اللهِ عَلَيْكُمْ، وَالْمُوجِبَةُ عَلَى اللهِ حَقَّكُمْ، وَأَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللهِ، وَتَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللهِ، فَإِنَّ الْتَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ وَالْجُنَّةُ، وَفِي غَد الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ، مَسْلَكُهَا وَاضِحٌ، وَسَالِكُهَا رَابحٌ، وَمُسْتَوْدَعُهَا[٩] حَافِظٌ، لَمْ تَبْرَحْ عَارِضَةً نَفْسَهَا عَلَى الاُْمَمِ الْمَاضِينَ وَالْغَابِرينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا غَداً، إِذَا أَعَادَ اللهُ مَا أَبْدَى، وَأَخَذَ مَا أَعْطَى، وَسَأَلَ عَمَّا أَسْدَى[١٠].

فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبِلَهَا، وَحَمَلَهَا حَقَّ حَمْلِهَا! أُولئِكَ الاَْقَلُّونَ عَدَداً، وَهُمْ أَهْلُ صِفَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ إِذْ يَقُولُ: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)

فَأَهْطِعُوا[١١] بِأَسْمَاعِكُمْ إِلَيْهَا، وأكظّوا[١٢] بِجِدِّكُمْ عَلَيْهَا، وَاعْتَاضُوهَا مِنْ كُلِّ سَلَف خَلَفاً، وَمِنْ كُلِّ مُخَالِف مُوَافِقاً.

أَيْقِظُوا بِهَا نَوْمَكُمْ، واقْطَعُوا بِهَا يَوْمَكُمْ، وَأَشْعِرُوهَا قُلُوبَكُمْ، وَارْحَضُوا[١٣] بِهَا ذُنُوبَكُمْ، وَدَاوُوا بِهَا الاَْسْقَامَ، وَبَادِرُوا بِهَا الْحِمَامَ[١٤]، وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا، وَلاَ يَعْتَبِرَنَّ بِكُمْ مَنْ أَطَاعَهَا.

أَلاَ وصُونُوهَا وَتَصَوَّنُوا[١٥] بِهَا، وَكُونُو عَنِ الدُّنْيَا نُزَّاهاً[١٦]، وَإِلَى الاْخِرَةِ وُلاَّهاً[١٧].

وَلاَ تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَى، وَلاَ تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْيَا، وَلاَ تَشِيمُوا[١٨] بَارِقَهَا[١٩]، وَلاَ تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا، وَلاَ تُجِيبُوا نَاعِقَهَا، وَلاَ تَسْتَضِيئُوا بِإِشْرَاقِهَا، وَلاَ تُفْتَنُوا بِأَعْلاَقِهَا[٢٠]، فَإِنَّ بَرْقهَا خَالِبٌ[٢١]، وَنُطْقَهَا كَاذِبٌ، وَأَمْوَالَهَا مَحْرُوبةٌ[٢٢]، وَأَعْلاَقَهَا مَسْلُوبَةٌ.

أَلاَ وَهِيَ الْمُتَصَدِّيَةُ[٢٣] الْعَنُونُ[٢٤]، وَالْجَامِحَةُ الْحَرُونُ[٢٥]، وَالْمَائِنَةُ الْخَأُون[٢٦]، وَالْجَحُودُ الْكَنُودُ[٢٧]، وَالْعَنُودُ الصَّدُودُ[٢٨]، وَالْحَيُودُ الْمَيُودُ[٢٩].

حَالُهَا انْتِقَالٌ، وَوَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ، وَعِزُّهَا ذُلٌّ، وَجِدُّهَا هَزْلٌ، وَعُلْوُهَا سُفْلٌ، دَارُ حَرَب وَسَلَب، وَنَهْب وَعَطَب[٣٠]، أَهْلُهَا عَلَى سَاق وَسِيَاق[٣١]، وَلَحَاق وَفِرَاق[٣٢].

قَدْ تَحَيَّرَتْ مَذَاهِبُهَا[٣٣]، وَأَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا[٣٤]، وَخَابَتْ مَطَالِبُهَا، فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ، وَلَفَظَتْهُمُ الْمَنَازِلُ، وَأَعْيَتْهُمُ الْـمَحَاوِلُ[٣٥]: فَمِنْ نَاج مَعْقُور[٣٦]، وَلَحْم مَجْزُور[٣٧]، وَشِلْو[٣٨] مَذْبُوح، وَدَم مَسْفُوح[٣٩]، وَعَاضّ عَلَى يَدَيْهِ، وَصَافِق لِكَفَّيْهِ، وَمُرْتَفِق بِخَدَّيْهِ[٤٠]، وَزَار عَلَى رَأْيِهِ[٤١]، وَرَاجِع عَنْ عَزْمِهِ، وَقَدْ أَدْبَرَتِ الْحِيلَةُ، وَأَقْبَلَتِ الْغِيلَةُ[٤٢]، (وَلاَتَ حِينَ مَنَاص)[٤٣].

هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ! قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ، وَذَهَبَ مَا ذَهَبَ، ومَضَتِ الدُّنْيَا لِحَالِ بَالِهَا[٤٤]، (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)[٤٥].

---------------------------------------
[١] . الفاشي: المنتشر الذائع.
[٢] . الجَدّ ـ بالفتح ـ: العظمة.
[٣] . تُؤَام ـ جمع تَوْأم كجعفر ـ: وهو المولود مع غيره في بطن، وهو مجاز عن الكثير أو المتواصل. والالاء: النِعمَ.
[٤] . الحُكْم هنا: بمعنى الحِكْمة.
[٥] . ضَرَبَ في الماء: سبح، وضرب في الارض: سار بسرعة وأبعد. والغَمْرة: الماء الكثير والشدّة ومايغمر العقل من الجهل، والمراد ـ هنا ـ: شدّة الفتن وبلاياها.
[٦] . الازِمّة: جمع زِمام، ما تقاد به الدّابّة.
[٧] . الحَيْن ـ بفتح الحاء ـ: الهلاك.
[٨] . الرَّيْن ـ بفتح الراء ـ: التغطية والحجاب، وهو هنا حجاب الضلال.
[٩] . مُسْتَوْدَع التقوى: هوالذي تكون التقوى وديعة عنده وهو الله.
[١٠] . أسدَى: منح وأعطى وأرسل معروفه.
[١١] . الاهْطاع: الاسراع، أهْطَعَ البعيرُ: مدّ عنقه وصوّب رأسه.
[١٢] . المواكظة: الملازمة.
[١٣] . رَحَضَ ـ كمنع ـ: غسل.
[١٤] . الحِمام ـ ككتاب ـ: الموت.
[١٥] . تَصَوّنوا: تَحَفّظُوا.
[١٦] . النُزّاه ـ جمع نَازِه ـ: العفيف النفس.
[١٧] . الوِلاهُ ـ جمع واله ـ: الحزين على الشيء حتى يناله، أي المشتاق.
[١٨] . شامَ البرقَ: نظر إليه أين يمطر.
[١٩] . البارق: السحاب.
[٢٠] . الاعلاق ـ جمع عِلْق ـ: بكسر العين بمعنى النفيس.
[٢١] . خالب: خادع.
[٢٢] . المحروبة: المنهوبة.
[٢٣] . المتصدّية: المرأة تتعرض للرجال تُميلهم اليها، ومن الدوابّ ما تمشي معترضة خابطة.
[٢٤] . العَنُون ـ بفتح فضم ـ: مبالغة من عنّ إذا ظهر، ومن الدواب المتقدمة في السير.
[٢٥] . الجامحة: الصعبة على راكبها. والحَرُون: التي إذا طلب بها السير وقفت.
[٢٦] . المائنة: الكاذبة. والخَأُون: مبالغة في الخائنة.
[٢٧] . الكَنُود ـ من كَنَدَ كنصر ـ: كفر النعمة. وجحد الحق: أنكره وهو به عالم.
[٢٨] . العَنُود: شديدة العناد. والصَدُود: كثيرة الصد والهجر.
[٢٩] . الحَيُود: مبالغة في الحيد: بمعنى الميل. والمَيُود: من ماد إذا اضطرب.
[٣٠] . الحَرَب ـ بالتحريك ـ: سلب المال، والعَطَب: الهلاك.
[٣١] . على ساق وسِياق، أي: قائمون على ساق استعداداً لما ينتظرون من آجالهم، والسِّياق مصدر ساق فلاناً إذا أصاب ساقه، أي لايلبثون أن يضربوا على سُوقهم فينكبّوا للموت على وجوههم.
[٣٢] . اللَّحاق للماضين، والفِرَاق عن الباقين.
[٣٣] . تحير المذاهب: حيرة الناس فيها.
[٣٤] . المَهَارب ـ حمع مَهْرب ـ: مكان الهروب، والمراد بقوله: أعْجَزَت مهاربها، أنها ليست كما يرونها مهارب بل هي مهالك، فقد أعْجَزَتهم عن الهروب.
[٣٥] . المَحَاول ـ جمع محالَة ـ بمعنى الحذق وجَوْدة النظر، أي لم يُفِدْهم ذلك خلاصاً.
[٣٦] . مَعْقور: مجروح.
[٣٧] . المَجْزُور: المسلوخ أُخِذ عنه جلده.
[٣٨] . الشِلْو ـ بالكسر هنا ـ: البدن كله.
[٣٩] . المَسْفوح: المسفوك.
[٤٠] .‌ المُرْتَفق بخدّيه: واضع خَدّيْه على مرفقَيْه ومرفقيه على ركبتَيْه منصوبتين وهو جالس على ألْيتيه.
[٤١] . الزاري على رأية: المُقَبِّح له اللائم لنفسه عليه.
[٤٢] . الغِيلة: الشر الذي أضمرته الدنيا في خداعها.
[٤٣] . (لاتَ حينَ مناص): أي ليس الوقت وقتَ التملص والفرار.
[٤٤] . البال: القلب والخاطر، والمراد ذهبت الدنيا على ما تهواه لا على ما يريد أهلها.
[٤٥] . مُنْظَرين: مؤخّرِين، من أنْظَره إذا أخّرَه وأمهله.
****************************